من شعراء الدويم- الشباب- / أحمد محمود الشايقي(الجزء الأول)

من ملف الترابلة للشايقي أحمد
بعـض الترابلـة,

لا تخلو قصص الترابلـة من مـحـن ايضـاُ,

كان (ود الفكي ) من عربان منطقتنا رجـلا متعدد الخيبات, كان الكثيرين يلقبونـه بـ (الخملـة), على استحياء ووجـل.

استحياء لان العربان من عشيرته كانوا يقطنون ذلك الحي من أطراف المدينـة وينشطون في مهنـة (السـقايـة) على جيزان الجلود على ظهر الحمير الديراويـة, كما يرعى الموسرون منهم الأبقار السليميـة البيضاء الحلوبـة ويدفئون الحليب على حريق روث الابقار أو يمخضونه على السـعون والقرب الضخمـة ثم يسخن مرة اخرى يوقود الروث فتصـبـح (الفرصــة) وهكذا اسمها (سـمـناُ) هزيزا ذا رائحـة لا أزال أحـن إليها وتفتح شهيتي كما لا تفتح شهيتي بوفيهات الشيراتـون الحادقـة بالتتبيل والتخليل.

كما كان الناس ينادونـه بـ (الخملـة) على وجـل أيضا بسـبب صـلاح والده (الفكي) (لن اقول الفكي مــن .. لأن القصـة حقيقيـة وليس محـض إفتراء) ) وكان الناس يعتقدون في كرامات الرجـل الصالح والذي خلف هذا المتعثر والعاثر الحظوظ وكانوا يخافون أن يستقظوا يوماُ على جثمان الفكي مسجى وأن ابنـه الخملة هذا سيصبح الفكي المخلف والمطلوب اداء السمع والطاعـة وطلب البخرة والمحاية والقراية وكل المحري من أمر الفقراء منـه,

المهــم,

أنـه في يوم ما جاء لود سـعد (جواب) من نواحي (كريمي) وبات معلوما للكافـة في طرف المدينة القروي ذلك أن (ودسعد ) مفقود مفقود.... أتـت حد الزين بالجواب مع قفاف التمر الموسمي وقالت بأن ودسعد لابد راحل لرعاية النخلات والإرتباط بإبنه عـمـه الوحيد (الوحيدة) والعناية بالنخلات معدومة العدد التي تركها العــم مع (سعية ) معدومة العدد أيضا.

كان يوما حزينا يوم فراق ود سعد, حزن كل شئ ولم تبرز في ذهني احتمالات عموم الحزن الوبيل الذي خلفه سفر الشقي ود سعد إلا بعد سنوات طوال من الخبرة والتجاريب المماثلة.

كل الذي نجئ إليـه هـو أن الوظيفة في فريق الاسطى ود بعشــوم أصبحت شاغرة وكان لابد من توظيف من يملؤهـا,

لم يكن من خيار ســوى (الخملـة) ود الفكي, ولم يكن من الممكن أن يملأ خانـة ود سعد فقد كانت فراغا هائلاُ وظـف فيه (ناقـص الرجـل) ود شابور وكان على نقص خطواتـه شهما كريما في العزيمـة على (البقنية) ومطولا في الحديث عن قصته المكررة في الفخر برجله الناقصـة أكثر من الاخرى التامـة لانها كانت ما تبقى من معركته الشهيرة مع العشاري التمساح الذي (جـضّـض) عموم السافل فصارعـه ود شابور وخلص رجله من فكه العظيم ضاربا إياه سبعات من الضربات بنصـل الواسـوق الذي يدعي أنه يحتفظ به حتى الان نفس إدعاءه برحيل التمساح من جزائر السافل وجروفـه بلا رجعـة

لكن الوظيفة الأدنى والأسهل والتي كانت من حظ الخملة ود الفكي كانت قاسية عليه أيضاً... ومع أن الاسطى ود بعشــوم كان قد خصـص لود الفكي دروسا في التدريب على قطع الطين وصوغ التبانات ودبلبتهاوإرسالها سهلة حتى الـ (طــوف) الثاني عشـر والذي يبلغ الثلاثة أمتار علواُ باطواف ود بعشوم أو ما يسمى (راجـل ونصـف) في عرفـه كحفار آبار قديم.

مشاكل الخملة ود الفكي كانت لا تنتهي, فإدمانه الخمر بإسهاب طويل جعل بينته هزيلة وكان يشـرب مما (تقطــره) كرتوبة من العرق الحار وتدعي مستورة منافستها أنها (تبول) عليه فيصبح ساماُ منتقصـا (للمروة) وما تحت ذلك مفهوم للكثيرين من أهـل الفهوم.

ما يهمنا أن ذلك النوع من الترابلة قد كان مضحكـة ود شابور وجوقته القديمـة فقصـر أنفاس الخملة ود الفكي رغـم (سماحة) اسمـه, وضعف بنيته وهترشته غير المحتشمـة في بيت مستورة وجارتها كرتوبة كان حـديث الساعة كل يوم وتندر السمار في كل أندايات الطرف القصي من المدينـة.

كانت معاناة ود بعشـوم أمرا أخر مع ود الفكي فود الفكي لم يكن يحفظ (كلمة السـر ) في إرسال التبانات إلى الاسطى ود بعشـوم على ظهر السـريقـة وهـو يجـرهـا جرا وتتعهدها اصابعه بسبك مهيب.
كان يجـب أن يتنهـد التربال في الوقت المناسب حينما تهوى من يديـه التبانـة فيسـمع الاسطى التنهيدة فيطرح يده المنى إن كان التربال يرمي من الخارج أو اليسرى إن كان يرمي من الداخل فيستقبلها ويضعها مكانها وتعمل عليها أصابعه الضخمة دونما هـوادة أو انتظار,

كما كان يجب أن يرسـل التبانـة تماما كـتمريرة الكـرة من لاعبنا الحريف عمنا كريشنقا) الذي لعب حتى الهلال العاصمي وكانت تمريراته لا تقل عن تمريرات الفريق الفرنساوي الذي ينتمي فطرة جل لعيبته الفحول ,(حكمة الله) إلى ذات الكمبو الذي تدور فيه أحداث قصتنا في جوانبها المثيرة.

كانت التبانة (تقع ) من يد ود الفكي وكم مرة (تـلّـب) الأسطى ود بعشــوم من اعلى البناء ليوبخ ود الفكي (توبيخا) لا يراه الناس (كونه ود الفكي) أو ليعيد شرح الدرس في اكيفية رمي التبانة وكيفية إرسال (كلمة السـر) وهي التنهيدة اللازمـة لتلقيها من قبل الاسطى,

معاناة لا نهايـة لها كلها تكشـف (فرقـة) ود سـعـد التي لا تســد, وحقـد كرتوبة في إسقاء أبناء الوجهاء العرق المقطر (المبال عليه) وفلاحـة مستورة صانعـة البقنية رمامـة العضام و(خمالة التربال ود الفكي الذي يبدو أنـه لن يتخرج من مدرسـة التربلـة وهـو دائما لا يحفظ كلمة سـر التناغـم مع الاسطى ويحتاج لـ (تطفيرة الأسطى) لتلقي تبانـة ما أحسـن الخملـة ود الفكي دبلبتها ولا إلقاءهـا يومـاُ,

هي ذاكرة عـزيزة وليسـت (محـض إفتراء) ولنا في تذكارهـا اشواق عارمـة نرسـم فيهـا بالحـرف بعضـا من واقـع اسـيف مضى وقد يتكـرر.


أحمـد الشايقي