دموع الدكتورة حليمة بشير و دموع المعزيات الكضابات !!

Quote: لا أتصور ان يلعب سودانيون دور "احمد الجلبي" في العراق طلحة جبريل [email protected] أقول من السطر الأول إن علاقات بلادنا مع إدارة الرئيس الامريكي المقبل باراك اوباما ستقف ومنذ الوهلة الاولى عند الحافة. حافة ربما تكون شديدة الانحدار. هذه العلاقة ستختلف جذرياً عن سياسة الرئيس الحالي جورج بوش التي كانت في صعود وهبوط لكنها لم تصل الى الحافة. بيد ان بوش الذي سيترك البيت الابيض بعد أزيد قليلاً من خمسة اسابيع ترك رسالة واضحة الى خلفه ، عندما استقبل يوم الاربعاء الماضي الدكتورة حليمة بشير ، التي وصفها البيت الابيض بانها " ناشطة من أجل حقوق الانسان في دارفور". وقدمت خلال استقبال الرئيس الاميركي لها وفي "مكتب المدفأة" الذي يستقبل فيه عادة الرؤساء الامريكيون قادة الدول الاجنبية ، كتاب "دموع الصحراء" . اثار استقبال حليمة بشير حيرة واستغراباً في واشنطن. حيرة لان الصحافيين اجتهدوا كثيراً ولم يعرفوا كيف وصلت حليمة بشير الى البيت الابيض وهي التي قيل إنها تعيش في اوربا متخفية لانها تخشى على حياتها. واستغراباً لان حليمة بشير لفت نفسها بثوب مزركش غطي كل جسدها بما في ذلك الوجه والرأس وذلك عندما دخل المراسلون والمصورون لالتقاط صور لها مع الرئيس الامريكي ، حتى أصبحت عبارة عن شيء متكور على نفسه، لا يمكن معرفة كنهه. وبرر البيت الابيض هذا المشهد الغرائبي ، بانه اجراء أمني تم حفاظاً على حياتها. ومن يسمع هذا التبرير ربما يتبادر الى ذهنه ان القتلة المفترضين والذين يهددون حياة حليمة بشير ، يوجدون في حديقة "لافايت" المجاورة للبيت الابيض . لكن المهم ليس الاستقبال وما أحاط به من إثارة وحيرة. بل الرسالة التي تركها بوش لخلفها باراك اوباما. وهي رسالة تدعو الى التشدد مع السلطة الحاكمة في الخرطوم الى اقصى حدود التشدد. وهو قطعاً تشدد ، وبكل موضوعية ونزاهة ، لم يلجأ اليه بوش نفسه على الرغم من كل الكلام الذي قاله وردده في شتى المناسبات. الآن لنستعرض مواقف الفريق الذي سيأتي مع باراك اوباما الى الحكم ، وستكون له علاقة مع الشأن السوداني، لنخمن الى أي مدى يمكن تصل اليه الامور مع أبرز مستشاري اوباما والمحيطين به. *جوزيف بايدن نائب الرئيس : أختاره باراك اوباما بايدن لمنصب نائب الرئيس نظراً لخبرته الواسعة في القضايا الدولية . ظل بايدن من خلال مواقفه في الكونغريس من المؤيدين الى " عمل شيء ما " في السودان ، وخلال الحملة الانتخابية أعلن بوضوح انه مع فرض حظر جوي في دارفور والتدخل العسكري إن إقتضى الأمر. * جيمس جونز مستشار الامن القومي : يعتقد بضرورة وجود قوات عسكرية كافية في دارفور ، دون تحديد طبيعة هذه القوات، وهو يرى ان قوات الاتحاد الافريقية غير كافية. ويفضل وجود من قوات الناتو في الاقليم بدلاً من قوات اممية بطيئة الانتشار. *هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية: تقول بضرورة الوقف الفوري لما تسميه " الابادة الجماعية" في دارفور. وتدعو الى منطقة يحظر فيها الطيران، وان تستعمل الولايات المتحدة "نفوذها كاملاً " لجلب السلام في المنطقة . وتطالب بسياسة في "منتهى التشدد" مع السودان. *روبريت غيتس وزير الدفاع: لا يرغب في تدخل عسكري مباشر ، ذلك انه يفضل التركيز على افغانستان في المرحلة المقبلة، لكن بالمقابل يحبذ تدخل من حلف الناتو في تدريب وتأهيل القوات المنتشرة في دارفور وتقديم دعم لوجستيكي لهذه القوات. *سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة: تدعو الى التدخل في السودان ، والى اتباع سياسة ديبلوماسية في "منتهى الصرامة" مع الحكومة السودانية ، وتطالب بتشديد العقوبات الاقتصادية حتى لو تطلب الأمر فرض حصار على الموانيء لمنع تصدير النفط. هذه هي أبرز مواقف المسؤولين الاساسيين الذين سيتعاملون مع الشأن السوداني خلال فترة حكم باراك اوباما. وثمة مسألة لابد من الانتباه اليها ، وهي ان الادارة المقبلة تعتقد انه بالامكان تحقيق انجازات في افريقيا ، خاصة في ثلاث مناطق وهي السودان والصومال وزيمبابوي . في السودان وقف ما يسمونه " المذابح الجماعية" في دارفور. في الصومال تأسيس حكومة مركزية قوية في مقديشو ، تضع حداً لحالة التسيب التي حولت الصومال الى بلد عصابات وقراصنة. وفي زيمبابوي الضغط على روبرت موغابي للتنحي عن الحكم، سواء أن قبل او رفض اقتسام السلطة مع المعارضة. هذا هو رهان إدارة باراك اوباما ، وعلينا ادراك ان قيمة هذا الرهان ستكون عالية جداً في ما يتعلق ببلادنا. هكذا علينا نتوقع ان نعيش مشهداً مختلفاً مع إدارة باراك اوباما ستتحول تداعياته الصعبة في كل ساعة وكل دقيقة إلى سيل متدافع متسارع تتزايد حركته وتتعالى منذرة بأن الامور لن تقف عند الحافة بل قد تنزلق نحو هاوية سحيقة. والأمل الوحيد هو موقف باراك اوباما نفسه. هذا الرجل فتح فصلاً جديداً في التاريخ الامريكي والعالمي، إبن المهاجر وحفيد الطباخ الذي أهتز العالم باسره وهو يتابع باعجاب وفخر مسيرته الشاقة نحو البيت الابيض، سيكون القرار قراره في نهاية المطاف. المؤكد ان اوباما ليس هو بوش الذي ترك الامور لنائبه ديك تشيني يفعل ما يريد واحاط نفسه بالمجموعة التي عرفت في واشنطن باسم " المحافظون الجدد"، وهي المجموعة التي راحت تدق طبول الحرب ضد العراق حتى قبل هجمات 11 سبتمبر كما قالت " نيوورك تايمز" . والمعضلة ان هناك من يحرض الادارة الديمقراطية الجديدة حتى قبل ان تتسلم مهامها الى مزيد من التشدد مع السودان . بل هناك من يتطوع ومنذ الآن لتقديم معلومات مضللة، وفي ظنه أن ذلك أمراً طبيعياً يدخل في إطار العراك السياسي مع السطة الحاكمة في الخرطوم. أقول بكل صراحة ان هذا موقف مماثل لموقف من تطوع عام 1998 بتقديم معلومات مضللة حول "مصنع الشفاء" على اعتبار انه مصنع لانتاج مواد كيماوية ، وذلك في سياق مكايدة سياسية خلطت للأسف الأمور خلطاً سيئاً ومشيناً. وكان ما كان . ولم تتبين الحقيقة الا لاحقاً ، عندما قال الاميركيون انفسهم إن معلوماتهم لم تكن صحيحة، وهو الموقف نفسه الذي سيقول به بوش حول غزو العراق ن وهو يستعد لترك البيت الابيض، عندما أعترف ان المعلومات الاستخبارية بشأن امتلاك نظام صدام حسين لاسلحة دمار شامل لم تكن فقط غير دقيقة بل خاطئة. ولعل من مفارقات السياسة السودانية ان من سرب المعلومات المضللة عام 1998 ، سيكون من نصيبه مواقع ومناصب داخل أروقة السلطة ، في إطار انتهازية سياسية مارسها الجانبان. ألم يحدث هذا ؟ نعم حدث . في هذه اللحظة الفاصلة بين ما هو عليه الوضع الآن وما يمكن ان يحدث مع إدرة باراك اوباما. أجد ضرورياً الفصل ما بين هو "سياسي" وما هو "وطني ". سياسياً تبقى مسألة السلطة الحاكمة في الخرطوم شأناً سودانيا، والنضال لاقامة دولة المؤسسات الديمقراطية يظل نضالاً مشروعاً ومطلوباً لايمكن أن نحيد عنه على الاطلاق، لكنه نضال سوداني بحت. وطنياً لا أتصور ان يلعب سودانيون دور "احمد الجلبي" في العراق ، على اعتبار ان ذلك هو طريق الخلاص. تأسيساً على ذلك أقول إن مشكلة السلطة الحاكمة تحل في الخرطوم وليس في واشنطن حتى لو كان رئيس البيت الابيض هو باراك اوباما.