وحدث فلكي آخر + صور من الفضاء

Quote: الزمن في العلوم الطبيعية ورباعيات توماس إليوت [3] إن لنسبية الزمن التي كانت موضوع الحلقة السابقة آثارأ كثيرة بعيدة المدى نوجز بعضها فيما يلي. فهى تعنى أن ترتيب وقوع حدثين ليس بينهما رابط سببي يمكن أن يكون معكوسا بالنسبة لمشاهدين مختلفين. إن من نتائج نسبية الزمن أننا لا نستطيع أن نقول إن حدثا ما يرتبط بزمن محدد أو أن لكل حدثين ترتيبا زمنيا محددا. وحتى فرضية النسبية الأساسية بشأن محدودية سرعة الضوء أودت لوحدها بمفهوم كان متجذرا في فيزياء نيوتن وهو أن أثر القوة على جسم بعيد عن مصدرها يعمل لحظيا: Instantaneous action at a distance. خذ مثلا دوران الأرض حول الشمس تحت نأثير قوة الجاذبية. في فيزياء نيوتن لو اختفت الشمس فجأة فإن الأرض ستترك، في نفس اللحظة، مسارها حول الشمس وتهيم على وجهها في الفضاء العريض. لكن تأثير جاذبية الشمس على الأرض يتم، كما يذهب اينشتاين، عبر اهتزازات فضائية في شكل موجات جاذبية تسير بسرعة الضوء؛ ولذا تصلناـ كالضوء ـ بعد حوالي ثمان دقائق من انطلاقها (ثمان دقائق هى الزمن اللازم للضوء ـ وسرعته ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية ـ لأن يقطع مسافة مائة وخمسين مليون كيلومتر تفصلنا عن الشمس .. لذا نقول إن الشمس تبعد عنا مسافة ثمان دقائق ضوئية). فلو اختفت الشمس فجأة في اللحظة التى تقرأ فيها هذه الكلمات فسنظل ندور حول مكان موقعها، كما لو كانت موجودة، لحوالي ثمان دقائق قبل أن نتوه في الفضاء. إن أثر محدودية سرعة الضوء يبرز بشكل ملفت في رصد الظواهر الكونية البعيدة. يقول ستيفن هوكنغ ،أستاذ علم الكونيات Cosmology بجامعة كيمبردج في كتابه " تاريخ موجز للزمن A Brief History of Time": "إن الضوء الذي نراه آتيا من مجرات بعيدة تركها قبل ملايين السنين، وفي حالة أبعد الاجسام التى نراها فإن الضوء قد تركها قبل بلايين السنين. لذا عندما ننظر للكون فإننا نراه كما كان في الماضي". إننا نستطيع أن نسبر غور الكون، ربما عندما كان عمره حوالي ثلاثمائة ألف سنة، أى قبل اثني عشر بليون سنة، فنراه عندما كان حينئذ. إنه "سفر " عبر المسافات الشاسعة مكافىء "لسفر" عبر الزمن. الماضي إذن حاضر معنا. وكما قال الروائي الأمريكي وليام فولكنر (1897 ـ 1962): "إن الماضي لم يمت، إنه في الواقع ليس حتى ماضيا": The past is not dead. In fact it is not even past لقد أبدع الشاعر صلاح أحمد ابراهيم حين استعار هذه العلاقة الفيزيائية بين الماضي والحاضر ليصف بقاء مآثر الكرماء خلفهم بعد رحيلهم. يقول صلاح في "نحن والردى"، القصيدة التى قال عنها الأديب على المك "إنك تقرأها مرة ومرة ومرة، فإذا كل تارة بريقها جديد": إن للفضل وإن مات ذووه لضياء ليس يخبو .. فاسألوا أهل النهى رب ضوء لامع من كوكب، حيث انتهى ذلك الكوكب آلافا وآلافا سنينا . أفلا وجدت في البيتين الأخيرين ذات كلمات ستيفن هوكنغ؟ ثم حدثني بالله عليك: هل لقيت تشبيها أدبيا لبقاء فضل ذوي الفضل بعد مماتهم أجمل من هذا؟