وحدث فلكي آخر + صور من الفضاء

Quote: الزمن في العلوم الطبيعية ورباعيات توماس إليوت [2] سمعت قولا فحواه أن الامام الغزالي كان من الأوائل الذين تحدثوا عن نسبية الزمن . ربما يكون ذلك صحيحا فللغزالي كلام في السببية ( Causality)، نظرية ربط الحدث بأسبابه، وهي ذات أهمية في النسبية كما سنرى لاحقا. ولقد ذكر أنيس منصور أن العقاد ألقى محاضرة شيقة في جامعة القاهرة كان موضوعها " نظرية النسبية عند أينشتاين ونظرية السببية عند الإمام الغزالي ". سألت عالما عارفا بالتراث واللغة وآدابها إن كان يذكر قولا للغزالي عن نسبية الزمن فأخبرني أن فيما ذكر الغزالي أن طول الليل والنهار متصل بقطر الكرة الأرضية؛ إذا كبر قطرها طال الليل والنهار وإذا صغر قصر الليل و النهار. وهذا قول صحيح يتبع في الفيزياء من قانون يسمى قانون حفظ الاندفاع الزاوي: مضروب قطر الأرض وسرعة دورانها حول نفسها كمية ثابتة فإذا تغير أي من الاثنين تغير الآخر وإذا زادت أو نقصت سرعة الدوران نقص أو زاد طول اليوم بليله ونهاره. وفي هذا جاء الغزالي في القرن السادس الميلادي بما فسرته فيزياء نيوتن بعد أكثر من عشرة قرون! والذين تابعوا الألعاب الأولمبية الأخيرة شاهدوا كيف توظف الفتيات في منافسات الرقص الرشيق هذا القانون للتحكم في سرعة دورانهن حول أنفسهن. غير أن اختلاف سرعة دوران الأرض حول نفسها اذا تغير قطرها وما يتبع ذلك من طول أو قصر في زمن الليل والنهار مشابه لأن تقول، مثلا، إن الرحلة بالطائرة من الخرطوم إلى دنقلا تستغرق زمنا أقصر من الرحلة بالسيارة وهذا لا يدل على نسبية الزمن التى عناها أينشتاين في نظريته – فقط يدل على اختلاف سرعتي الطائرة والسيارة. في عام 1905م اقترح البرت اينشتاين نظرية النسبية الخاصة فأحدث انقلابا في المفهوم الفيزيائي للزمن. قبل ذلك كانت نسبية الفضاء معترفا بها: إذا نظر مشاهدان طبيعيان (أي يتحركان بسرعتين ثابتتين لكن مختلفتين) لجسم معين فسيبدو لكل منهما على حدة مختلفا في حالة حركته. لكن الزمن كان، قبل 1905، مطلقا غير نسبي. البعد الرابع. عبارة تعنى إضافة الزمن لإحداثيات (مواقع) الحدث الفضائية الثلاث؛ مثلا كأن تضرب موعدا لمقابلة شخص ما في مكان معين في زمن معين. لن يكفي لأن تقول لصديق دعنا نتقابل في الطابق الثاني بقسم الفيزياء بالجامعة. قد يكون صديقك من خارج الجامعة ولا يعرف فيها غير ميدانها الشرقي. يمكنك عندئذ أن تضيف أن قسم الفيزياء على مسافة ما (تحددها) من ميدان الجامعة الشرقي ويقع غربه إلى جهة الشمال. إن مجمل ما أخبرته به في الواقع إحداثيات ثلاث : مسافة نحو الشمال ثم أخرى نحو الغرب وفي الطابق الثاني (إلى أعلى). وعليك بعد ذلك، عندما يسألك صديقك، متى موعدنا؟ أن تضيف الإحداثي الرابع، البعد الرابع، مثلا "غدا الساعة العاشرة صباحا". إن إضافة الزمن لإحداثيات الفضاء الثلاث على النحو الذى ورد في هذا المثال ليس له مضمون فيزيائي عميق. إنها إضافة اعتادها الناس قبل النسبية ويذكرونها كل يوم حيث تخلو حياتهم العادية من تأثيرات هذه النظرية. ذلك لأن هذه الإضافة هنا تعنى عدم وجود ارتباط بين الزمان والمكان. هذا صحيح ما ظلت سرعة مشي صديقك بالنسبة لك وهو يقترب من مكان اللقاء صغيرة جدا بالنسبة لسرعة الضوء، وهذا بالطبع ما يحدث طالما أن صديقك لا يتمتع بصفات خارقة مثل التي تراها على شاشة التلفاز في أفلام الخيال العلمي . إضافة البعد الرابع لا تعنى فيزيائيا، في حد ذاتها، الكثير - فقط توفير المعلومة الكاملة. يكتسب الزمن في النسبية الخاصة مغزى عميقا لارتباطه بالمكان على نحو يعتمد على سرعة المشاهد النسبية منسوبة لسرعة الضوء (سنعنى دائما بالمشاهد المشاهد الطبيعي). إن هذه الصلة تحددها معادلات النظرية. وليس من الحكمة أن تطبق هذه المعادلات في حياتك العادية حيث سرعات الأشياء أقل بكثير من سرعة الضوء لأن الزمن حينئذ مستقل عمليا عن المكان. إن سرعة الضوء في نظرية النسبية الخاصة محدودة وثابتة بالنسبة لجميع المشاهدين وهى السرعة القصوى التى لا يمكن لأى جسم أو اشارة فيزيائية أن يتجاوزها. ماعناه اينشتاين بنسبية الزمن يمكن فهمه من المثال الآتى الذي اثبتت التجربة، الفيصل الأخير في قبول النظرية العلمية أو رفضها، صحته. تتعرض الأرض بشكل مستمر لغزو أشعة كونية لا نعرف تماما حتى الآن مصدرها. "الميون muon" جسيم يتكون عند اصطدام الأشعة الكونية بذرات غازات الغلاف الجوي المحيط بالأرض ويعلن عن نفسه عند وصوله إليها. نحن نعرف من تجاربنا الأرضية على الميون أنه جسيم غير مستقر‘ يتلاشى بالنسبة لنا في المعمل بعد مضي حوالي اثنين على مليون من الثانية الواحدة! فاذا كان هذا هو عمره وكانت سرعته بعد تكونه في الغلاف الجوي أقصى سرعة ممكنة – حوالي سرعة الضوء، ثلاثمائة مليون متر في الثانية، فهو لن يقطع حينئذ مسافة أكثر من ستمائة متر قبل أن يتلاشي. غلاف الأرض الجوي يمتد لعشرات الكيلومترات فوقها، لكنه يرق تدريجيا بحيث إن أكثر من 99% من كتلته توجد على ارتفاع 50 كيلومترا من الأرض (الطائرات التجارية تحلق على ارتفاع حوالي 11 كيلو مترا). كيف إذن يصل الميون الأرض من ارتفاعات شاهقة‘ عشرات الكيلومترات، وعمره يكفي فقط لقطع أقل من كيلومتر واحد حتى لو سار بسرعة الضوء ؟ إن تقدير الفترة الزمنية نسبي قد يختلف من مشاهد لآخر. يروى عن أينشتاين أنه قال: إذا جلست بجانب حسناء جميلة ساعة من الزمن ستشعر كما لو كانت دقيقة لكن لو لمست يدك موقدا لدقيقة ستحس أن معاناتك قد استغرقت ساعة. عالم نفسي سمى الزمن في مثل هذه الحالات "Lived time "، أي الزمن المعاش. الزمن هنا جزء من نظام القياس العقلي وليس شيئا غير ذاتي يقاس. هذه الرؤية تبناها فلاسفة كبار أمثال ليبنتز وإمانويل كانت. لكن نظرة الفيزياء بالطبع مختلفة. دعنا نترك علم النفس والفلسفة ونعود لمثال الميون. الاختلاف في تقدير الزمن الفيزيائي تحكمه في نظرية النسبية الخاصة معادلة يستنتج منها المشاهد على الأرض أن عمر الميون المتحرك أطول من عمره في حالة السكون واذا كان الميون متحركا بسرعة تقارن بسرعة الضوء فان عمره الأطول الذى يحسبه المشاهد علي الأرض يفسر وصوله لها. الآن نأتي للخدعة! بالرغم من أن المشاهد في المعمل يلاحظ أن الميون المتحرك يعمر أطول من أخيه الساكن إلأ أن ذلك يعزى لتباطؤ توالي وتيرة زمن الميون المتحرك. إن هذا التباطؤ الزمني لا يطال فقط "الساعة حول معصم الميون المتحرك" كما يقول الدكتور بريان غرين في كتابه "الكون الأنيق"، بل أيضا "كل نشاط يمكن أن يضطلع به". مثلا إذا كان بإمكان الميون الساكن أن "يقرأ" فقط ملف "الرأى العام" الثقافي في حياته القصيرة فإن وقت زميله المتحرك سيتسع أيضا فقط لقراءة نفس الملف‘ لا أكثر. فمع أن عمره يبدو أطول من عمر صاحبه الميون الساكن إلا أن قدرته على القراءة – وكذلك كل شئ آخر في حياته- يتباطأ. إن حياته، من منظور مشاهد في المعمل، حياة بالحركة البطيئة Slow motion.