وحدث فلكي آخر + صور من الفضاء

Quote: الزمن في العلوم الطبيعية ورباعيات توماس إليوت [1] ولد الشاعر توماس ستيرنز اليوت T.S. Eliot،الحائز على جائزة نوبل في ألأدب الانجليزي (1948م)، في سانت لويس، ميسوري، أمريكا. تخرج من هارفارد ودرس الفلسفة في السوربون وهارفارد وأكسفورد واستقر في انجلترا بعد أن أصبح مواطنا بريطانيا. يكشف شعر إليوت عن اهتمام كبير بمفهوم الزمن Time، ليس فقط من المنظور الفلسفي، بل أيضا في الجانب الفيزيائي فهو قد عاش في عصر شهد قفزات كبيرة في الفهم الفيزيائي للزمن عبر نظريتي النسبية وميكانيكا الكم. وجدير بالذكر أن إليوت عندما أتى لبريطانيا حل ضيفا على أستاذه السابق في هارفارد عالم الرياضيات والفيلسوف المعروف بيرتراند رسل (1872-1970م، جائزة نوبل في الأدب 1950م) وكان رسل مطلعا على أطروحات الفيزياء الحديثة وموصولا بدعاتها. كان إليوت مهتما بالعلاقة بين الزمن والحياة وكان يرى أن فهم هذه العلاقة ضروري لفهم الحياة ذاتها والعثور على وسائل لدرء الآثار السالبة لتقادم الكائن الحي، وهذه مسألة متعلقة في حدها النهائي بمفهوم الخلود Eternity الذي ظل دائما في مقدمة اهتمامات الفلاسفة. من بين دعاة الفكر الصوفي والفلسفات الشرقية، وبالذات الهندوسية، من رأى في التأمل المتسامي Transcendental meditation وسيلة للالتفاف حول آثار الحياة السالبة وذلك بإبطاء تقدم السن aging. خذ مثلا السبات الشتوي لدى بعض الكائنات. أو ليس هو حيلة لإبطاء slowdown وتيرة الحياة بتثبيط وظائف أعضاء الكائن عندما يتطلب أداء هذه الوظائف طاقة لا قبل للكائن بتوفيرها؟ لقد لوحظ أن في أجسام الذين يمارسون التأمل المتسامي نسب عالية من مصل كيميحيوي أسمه Dehydreopiandrosterone (DHEAS) يعرف عنه أنه مثبط لتقدم السن. إن إبطاء توال الحياة ومن ثم تقدم السن يعني إبطاء التغيرات الكيميائية في الخلايا الحية وهى تغيرات توفر الطاقة الضرورية للعمليات والنشاطات الحيوية وبها تمثل المواد الجديدة لتعويض المندثر منها. إن كل خلايا الجسم تنتج، بجانب الطاقة الضرورية للنشاط الحيوي، كميات صغيرة من الطاقة الحرارية حصيلة ثانية للعمليات الكيميائية داخل الجسم. إن العمليات المتصلة بتوفير طاقة الجسم عندما يكون هاجعا (ساكنا) تسمى التصنيع الحيوي السكوني Resting ####bolism ومقدار الطاقة المنتجة في الثانية الواحدة لكيلو غرام واحد من الجسم هو معدل التصنيع الحيوي النوعي السكوني Resting specific ####bolic rate (أشير إليه فيما يلي اختصارا بمعدل التصنيع الحيوي فحسب). في عام 1932م استنتج عالم وظائف الأعضاء ماكس كليبر من التجربة علاقة رياضية دقيقة وجديدة بين معدل التصنيع الحيوي للكائن الحي وحجمه. لقد كان معروفا قبل ذلك، من اعتبارات هندسية عامة، أن هذا المعدل ينخفض مع زيادة حجم الكائن. فهو مثلا للفأر الذي يعادل حجمه أربعين 40 غراما أعلى من ذلك للفيل الذي يعادل حجمه خمسة آلاف 5000 كيلوغرام. إن معدل نبضات القلب للفأر والفيل مؤشر جيد لهذا الاختلاف. فالدم ينقل للخلايا مواد التصنيع الحيوي الأولية: الغذاء والأوكسجين. وكلما زادت حاجة الجسم لهذه المواد تعين على القلب أن يسرع معدل ضخه للدم الناقل لها فيزداد معدل ضرباته. فمعدل ضربات قلب الفار سبعمائة 700 نبضة في الدقيقة في حين أن معدل ضربات قلب الفيل ثلاثون 30 نبضة فقط في الدقيقة. والفأر، على عكس الفيل، يحتاج أن ينفق جزءا كبيرا من عمره في الانشغال بالتهام الغذاء المطلوب للتصنيع الحيوي السريع وعليه أن يقنع بنوع الطعام الذي يجده فالزمن ضيق لا يتسع لترف انتقاء ما يأكل! لقد حاول علماء أحياء ورياضيات وفيزياء وهندسة كثيرون‘ منفردين ومجتمعين، اشتقاق علاقة كليبر نظريا لكن محاولاتهم حظيت بنجاح محدود. هذه مسألة في العلوم لا زالت تنتظر الحل. .. إن نسبة مساحة سطح أي جسم لحجمه تنقص كلما كبر حجم الجسم (وتزيد كلما صغر حجم الجسم). يسهل إثبات هذه النتيجة الهندسية للأحجام ذات الشكل المنتظم كالمكعب أو الكرة لكنها في الواقع تصح أيضا للأجسام غير المنتظمة. إن نسبة مساحة السطح للحجم لجسيمات المادة غير الحية Nonliving matter في المدى النانومتري Nano-scale ( من واحد على ألف مليون من المتر إلى تسعة على ألف مليون من المتر. النانو بادئة وحدات وتساوي واحد على ألف مليون من الوحدة) كبيرة جدا مما يجعل هذه الجسيمات ذات كفاية عالية في امتصاص الحرارة. لذا توفر التقانة النانومترية Nanotechnology تقنية مهمة في اقتصاديات الطاقة. من ناحية أخرى فإن نفس هذه الميزة لذرات وجزيئات المادة غير العضوية في المدى النانومتري تسرع تفاعلاتها الكيميائية والتي يمكن متابعتها الآن بعد اكتشاف كيمياء الفيمتو-ثانية Femtochemistry (الفيمتو بادئة وحدات وتساوي واحدا على ألف مليون مليون من الوحدة. كيمياء الفيمتو-ثانية اخترعها العالم المصري أحمد زويل وكوفئ على إنجازه بمنحه جائرة نوبل للكيمياء في عام 1999م). إن سطح جسم الحيوان البيني (بينه والبيئة المحيطة به) معبر للطاقة الحرارية الناتجة عن التصنيع الحيوي والفائضة عن حاجة الجسم الضرورية لمطلوبات الحياة من شغل وحركة. وكلما كان حجم الحيوان صغيرا كانت نسبة مساحة سطح جسمه لحجمه كبيرة مما يزيد الطاقة الحرارية المفقودة عبر سطحه. ولتعويض ذلك الفقد يرتفع مستوى معدل التصنيع الحيوي للكائن ومن ثم معدل إنتاج طاقته الحرارية. وعلى نقيض ذلك فإن نسبة مساحة جسم حيوان ضخم لحجمه صغيرة ولذا فإن معدل فقدانه للحرارة المولدة في التصنيع الحيوي منخفض ومن ثم فإن معدل التصنيع الحيوي للحيوانات الضخمة منخفض. لذا لن تلاحظ وجودا غزيرا للحيوانات الصغيرة في مناطق الأرض الباردة (عند القطبين مثلا) حيث ستتعرض لفقد كميات كبيرة من الطاقة الحرارية عبر سطح جسمها في حين أن الحيوانات الضخمة في المناطق الاستوائية - مثل الفيل الإفريقي، أضخم حيوانات اليابسة - لا تستطيع أن تتخلص من فائض الحرارة بيسر لصغر نسبة مساحة سطح جسمها لحجمها. وهذه حيثما وجدت في هذه المناطق فهي تقضي وقتا طويلا من يومها في الماء تبترد. إن أضخم الحيوانات التي عاشت على الأرض ببرها وبحرها هو الحوت الأزرق The blue whale (طوله أكثر من مائة قدم ووزنه فوق 200 طن، فهو أضخم من أكبر الديناصورات) وهو حيوان مائي لسببين: إن قوة الطفو لأرخميدس التي تدفع الجسم المغمور في الماء إلى أعلى تمنع انهياره تحت تأثير ثقله كما أن الماء المحيط به يمتص الحرارة الفائضة التي يفرزها تصنيعه الحيوي لأن للماء أعلى السعات الحرارية. لقد فطن صيادو الحوت الأزرق إلى وسيلة ناجعة لاصطياده. أنهم يطاردونه حتى يخرج إلى اليابسة حيث لا يمكنه التخلص من حرارة التصنيع الحيوي الفائضة عبر مساحة سطحه الصغيرة بالنسبة لحجمه والهواء ذي السعة الحرارية الصغيرة حوله فيحترق ذاتيا ويأكل الصيادون لحمه طعاما شهيا مشويا على"نار" داخلية هادئة! من بين صفات أخرى تعتمد على حجم الكائن‘ بجانب التصنيع الحيوي، متوسط عمره. إن الحيوانات الضخمة، بصفة عامة، تعيش طويلا بينما صغيرة الحجم عمرها قصير. الفار مثلا يعيش لأقل من ثلاث سنوات بينما يعيش الفيل ستين عاما أو أكثر. لكننا نلاحظ أن عدد ضربات قلب الفأر في عامين ونصف، بواقع سبعمائة ضربة في الدقيقة، يساوي حوالي تسعمائة مليون ضربة، وعدد ضربات قلب الفيل في ستين عاما، بواقع حوالي ثلاثين ضربة في الدقيقة، يساوي حوالي تسعمائة وخمسين مليون ضربة. إن هذا التساوي التقريبي في إجمالي عدد نبضات القلب، وهذا ملحوظ لجميع الحيوانات ثابتة درجة الحرارة – عدا الإنسان ـ يعبر عنه أحيانا بالقول إن "كمية الحياة" للثديات والطيور (الحيوانات ثابتة درجة الحرارة) واحدة‘ لكن الصغيرة منها كالفأر تحياها متعجلة في مسار المرور السريع Life on the fast lane بينما الضخمة كالفيل تحياها بتوءدة في مسار المرور البطيء Life on the slow lane . أما بالنسبة للإنسان، والإنسان والفيل أطول الثدييات عمرا، فقد يصل إجمالي عدد ضربات قلب معمر قضى على فراشه إلى حوالي بليوني ضربة (البليون يساوي ألف مليون). إن ما يميز الإنسان عن كافة الحيوانات الأخرى بشكل واضح جدا كبر دماغه. إن هناك من يعزو طول عمر الإنسان لهذه الصفة فيجادل بأن الدماغ الكبير مهيأ بصورة أفضل لأن يصون استقرار بيئة الجسم الداخلية- درجة حرارة الجسم، ضغط الدم، التوازن الكيميائي، وما ماثل ذلك – وأن هذا الاستقرار يطيل أمد الحياة. ولكن لا تظن أن ممارسة الإنسان الرياضة تقصر عمره لأنها تسرع وتيرة ضربات قلبه. إن معدل ضربات قلب الإنسان أثناء عدوه (jogging) قد تصل إلى مائة وخمسين نبضة في الدقيقة، لكن مثابرته على هذه الرياضة تجعل معدل الضربات في أوقاته الأخرى أقل من لو كان لا يزاولها. فإذا كان إجمالي عدد ضربات القلب محدودا فإن ممارسة الرياضة لا تقصر العمر بل تطيله. إن إيقاع العمليات الإحيائية مثل معدل النبضات القلبية هي بالنسبة لكل كائن ساعات تحصي مرور الزمن الذي يسمي على هذا الرسل (on this scale)الزمن الفسيولوجي Physiological time . إن تقدير هذا الزمن خاص بالكائن وسنرى فيما بعد أن هذه الخصوصية تبرز أيضا بوجه آخر عند تناول مفهوم الفيزياء للزمن. بعض الفلاسفة شغلوا بعلاقة الزمن بالوعي consciousness بقدر انشغالهم بمفهوم الوعي نفسه (مؤتمر الزمن والوعي Time and consciousness مركز الزمن، قسم الفلسفة، جامعة سيدني 2006م) وان كان للزمن معنى محدد مستقل عن إدراك المشاهد له ووعيه به، أم أن تقدير الفترة الزمنية أمر نسبي؟ قال تعالي عن أهل الكهف: " إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا٭ فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا٭ ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا٭ (الكهف 10-12)، إلى قوله تعالى: "وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ... " (الآية 19 الكهف).