|
Re: القااااع (Re: محمد الطيب يوسف)
|
--------------------------------------------------------------------------------
(2)
نزل عادل من الحافلة علي جانب الطريق .. إنتصب علي الجانب الآخر مبني حكومي طلي باللون الأصفر الباهت , الإضاءة الخافتة لم تكن تمنحه رؤية مريحة وإن بدت الحديقة مهملة الي حد ما .. غفير عجوز غفا أمام كنبة من الخشب وضعت أمام الباب متجاهلاً لسعة البرد التي تنخر في العظام, رفع عادل يده محيياً دون أن يهتم بعدم رده للتحية فقد كان يظن أنه مدرك لسره عقد معه إتفاق غير مكتوب يذيله بالتحية اليومية ويجدده بكيس الفواكه والخضار كل فترة وأخرى
شتاء ود مدني كان قاسياً لهذا العام , أحكم شال الصوف حول عنقه وهو يتحرك في الإتجاه الغربي متوغلاً في الحي السوداني بخطوات واسعة .. لسعه البرد في أنفه فامتلأت عينيه بالدموع وهو يعطس في قوة , لفت حوله في جزع وهو يحك أنفه بظهر يده ثم ضحك في سخرية فلم يكن هناك مايستوجب حذره فهو لم يصل بعد.
إنتبه الي الطريق الذي تناثرت علي جانبيه فلل صغيرة من طابق واحد أو طابقين تسللت من نوافذها أضواء النيون التي إعترضتها أشجار الحناء والسيسبان والتمر هندي ودقن الباشا فتمددت ظلالها الي الطريق وإن كانت أعمدة الإنارة المتباعدة تفصل بينها بين الفينة والاخري في إحتفائية دافئة من الضوء كان عادل يتجنبها قدر الإمكان وهو يبتعد الي الجهة المقابلة لأعمدة الإنارة ويحث الخطى عندما تفضحه الأنوار .
أشعل لفافة دخان وأخذ منها نفس عميق أشعره بالدف ثم ابتسم إبتسامة صغيرة وهو يتذكر عبارة نهاد شوربجي عند أول زيارة له
- شوف ياعادل شراب السيجار ده مامعانا ريحته مابتطلع من البيت إنت عاوز تفضحني ولا شنو؟؟
أرجع اللفافة في العلبة وهو يبتسم
- ما السيجارة دي ماعاوز أشربها .. عاوز أشربك إنتي
قالها وهو يعتصرها بين ذراعيه وضحكتها تذغذغه عند ضلعه السفلي الأيسر
لم يشبع منها طوال عامين (الحلبيه بت الكلب) كانت تثير جنونه بجسدها المشدود مثل (الشتم) رغم بلوغها الخمسة وأربعون عاماً والدخان يعطيه لون الذهب فتشع تحت الإضاءة الخافتة التي وزعت بعناية في غرفة النوم كان يدرك بأنها ربطته بوثاق لا يمكن فصمه .
مرت إثنتا عشرة ليلة منذ آخر مرة رآها كان يشعر بأن حرارة جسده مرتفعة وهو يحث الخطا مقترباً من فيلا عند نهاية الطريق , داعب المفتاح المستكين في جيب سرواله
- أسمعني ياعدولي كان لقيت الباب متربس من جوة معني الكام ده راجلي قاعد ترجع بي دربك طوالي
هذه المرة الثالثة التي يأتي فيها بعد أن إتصل بها تلفونياً وأخبرته بأنها اليوم مستعدة له
سيارة قادمه من الإتجاه المعاكس دفعته لأن يستمر في طريقه وهو يتابعها ببصره حتى اختفت عند نهاية الطريق ثم عاد الي الباب وفتحه وولج الي الداخل في عجلة ثم اغلقه من خلفه محاذراً أن يحدث صوتاً
الحديقة الصغيرة كانت أول مايقع عليها نظره وهو في الحوش , مستطيل من العشب الأخضر حف بأشجار الجهنمية وتخللته أحواض صغيرة من عباد الشمس وصباح الخير ورائحة الريحان قد عمت المكان متناثراً في عشوائية بطول الحديقة , كراسي بيضاء من الحديد ثبتت عند المنتصف , كان هناك ممر ضيق يفصل بين بين الحديقة والمبني رصف بالسيراميك الملون في حين زين المبنى نفسه بالطوب الحراري الأحمر مما منحه منظراً جذاباً .
تقدم في خطوات سريعة مخترقاً الممر حتي نهايته .. دفع الباب الداخلي فتسسلت الي أنفه رائحة البخور والموسيقي الناعم أعطت المكان جواً ساحراً .. غاصت قدميه في السجاد الإيراني الفاخر بلون العود .. ( ياخي البت دي عندها مزاج كيف) قالها وهو يجلس في أقرب كرسي ويتطلع الي البهو الواسع أمامه منتظراً في ترقب.
|
|
|
|
|
|
|
|
|