يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 05:51 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبد المنعم عجب الفيا(agab Alfaya & عجب الفيا )
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-04-2004, 08:37 PM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن

    قراءة في ( تداعيات ) يحي فضل الله *


    لاقت تجربة ( التداعيات ) التي ظل ينشرها يحي فضل الله تباعا منذ أكثر من العام بالملحق الثقافي بجريدة ( السودان الحديث ) إقبالا وتجاوبا منقطعي النظير من قبل القراء . هذا الإقبال وهذا التجاوب يوجب علينا أن نقف أمام هذه التجربة بشيء من التأمل …

    ولعل أول تجربة سؤال يتبادر إلى ذهن القارئ هو إلى أي جنس أدبي تنتمي هذه التداعيات ؟ هل هي شكل متميز في كتابة القصة القصيـرة ؟ أم أنـها لا تعدو أن تكون مجرد خواطر وانطباعات شخصية ؟ …

    لا شك أن ( التداعيات ) تجارب قصصية متميزة تصب في خانة القصة القصيرة ولا يمكن أن تصنف إلي أي جنس أدبي آخر خارج إطار القصة القصـيرة .. صحيح أن الكاتب يخرج أحيانا من إطار القصة ويوظـف بعـض ( التداعيات ) للتعبير المباشر عن بعض الأحداث والمواقف الاجتماعية ولكن مع ذلك يظل الطابع الغالب على التداعيات هو طابع قصصي بكل ما تحمل الكلمة من معني ..

    ولكن إذا لم تكن التداعيات سوى تجار قصصية متميزة ، فلماذا أسقط عنها كاتبها صفة القصة القصيرة ؟

    في اعتقادي أن السبب يرجع إلى عدم رضا الكاتب عن ذلك الكم الهائل من القصص الذي يسود صفحات الجرائد ولا يحمل من مقومات القصة القصيرة سوى الاسم .. فقد أغرت السهولة الظاهرية لكتابة القصة القصيرة الكثيرين . وأصبح كل من هب ودب يريد أن يصبح كاتب قصة حتى اختلط الحابل بالنابل ولم نعد نفرق بين القصة واللا قصة ..

    لقد أراد يحي فضل الله للتداعيات أن تأتي متميزة عما هو سائد في الساحة الأدبية من قصص قصيرة . لذلك لم يطلق عليها وصف القصة وتركها تحدث عن نفسها . وأظن أنه قد وفق إلى حد بعيد في اختيار اسم ( تداعيات ) لوصف هذه التجربة القصصية الجديدة . فلفظ ( التداعي ) يوحي بالعديد من المعاني التي تصب كلها بصور أو بأخرى في فن القصة ..

    والتداعي لغة هو التنادي من دعا يدعو كما تفيد التكاتف والاستنفار ولم الشمل جاء في الحديث " المسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " .. وربما تشير عبارة " تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " في معنى خفي إلى التضعضع المفضي إلى التهالك . ومن هنا جاءت ترجمة رواية ( Things fall apart ) للكاتب النيجيري تشنوا اتشيبي " الأشياء تتداعى " أي تتفكك وتؤول إلى السقوط والانهيار ...

    أما التداعي كمصطلح ، فقد استعاره النقد الأدبي من علم النفس إذ يقصد به في التحليل النفسي تدفق وانسياب الخواطر والأفكار والذكريات وأحلام اليقظة ، والرغبات المكبوتة دونما ترابط أو تسلسل منطقي .. وهل العملية الإبداعية سوى تداعي أو اندلاق لتجارب الكاتب المختزنة في لا وعيه وتجسيدها في فعل الكتابة ؟ وذلك عــرف ( التداعــي ) في النقــد الأدبــي بتيــــار الوعـــي ( The Stream of consciousness ) وهو تكتيك في كتابة القصة يعنى بتصوير العالم الداخلي للإنسان في جدليته مع الواقع الخارجي ..

    علاوة على ذلك فإن لفظ التداعي يوحي هنا برغبة الكاتب في ممارسة حريته الداخلية من خلال فعل القص دونما التقيد بأساليب ومضامين بعينها .. كما يوحي في ذات الوقت أن الكاتب قد وصل مرحلة لم يكن قادرا بعدها على التماسك فأراد أن يتداعى ويتدلق بكل ما يعانيه من شجن وإحباط ولوعة ..

    القصة بين التجريب والتجريد :

    وكان يحي فضل الله قد أعرب عن عدم رضاه عن الحال الذي آلت إليه القصة في استطلاع أجرته معه مجلة الخرطوم ( عدد يونيو 1994م ) جاء فيه :

    " هنالك انتهاك واعتداء على القصة القصيرة من قبل أولئك الذين لا يملكون أدنى مقومات كاتب القصة فيحيلونها إلى عوالم مجردة لا يملك أمامها القارئ إلا الهرب . أنا لا أعني أن التجريد لا يصلح في كتابة القصة القصيرة ولكن أي تجريد . أن ممارسة التجريد في القصة أسلوب صعب لا يتمكن منه إلا كاتب حصيف ، له رؤية عميقة يمكنها الاحتفاظ بالقارئ حتى النهاية .

    " لاحظ الكثير من الكتاب في الملاحق الثقافية في الصحف أنك لا تجد من القصة إلا ذلك الذي كتب عليها بأنها قصة قصيرة .. قصص كثيرة لا تجد فيها غير ذلك الهذيان الشعري الذي يطغى على الحدث الدرامي وعلى الشخصية وعلى كل فضاء القصة ويختفي السرد تماما .. وهنا أقول لا أعني أن تستبعد من القصة القصيرة اللغة الشعرية متى ما احتجنا إليها . لكن أن تتحول القصة إلى قصيدة شعرية لهذا شئ آخر " ..

    ولكن ما المخرج من هذه الأزمة التي تمر بها القصة القصيرة ؟

    يرى يحي فضل الله " أن المخرج يكمن في العودة إلى السرد الخشن ، لأنه محك حقيقي لكاتب القصة خاصة مع الموجة العالية التي تحاول أن تخفي الكثير من عيوب الكتابة باستخدامها الشعر في كتابة القصة " .. ويقول " أعتقد أننا بحاجة إلى شخصيات درامية ومواقف درامية داخل مضامين تحمل تفرد وتنوع هذا السودان وأظن أنه بالاستطاعة أن نفعل ذلك " ..

    واتفق هنا مع يحي فضل الله فيما ذهب إليه . والحقيقة أن إصرار الكتاب الشباب على التجارب المستمرة جريا وراء تقليد أحدث الأساليب في كتابة القصة وإهمالهم للأساليب التقليدية وإيغالهم في الرمزية المتعمدة ، خلق جفوة بين القارئ العادي والقصة . وجعل قطاعات كبيرة من جمهور القراء تنصرف عن قراءة القصة القصيرة ..

    كانت القصة في الخمسينات والستينات واضحة المعالم محددة القسمات ، محتفظة بكل المقومات التقليدية لفن القص . أما في السبعينات والثمانينات وما بعدها أخذت القصة في التماهي مع الأجناس الأدبية الأخرى وتداخلت ملامحها مع القصيدة والمقالة والخاطرة حتى صار من الصعب جدا التمييز بين القصـة والـلا قصة . كما بدأت تنحو نحو الخاص أكثر فأكثر حتى صارت في بعض الأحيان أشبه بالاستبطان الذاتي . كما يقول المتصوفة ، وكانت النتيجة اختفاء السرد التقليدي واللغة التقريرية المباشرة حل محل ذلك التجريد واللغة الشعرية المتوترة الحالمة . لكن هذا لا ينفى أن هنالك بعض الكتاب الشباب من جيل السبعينات والثمانينات استطاعوا أن يعيدوا للقصة مجدها وجاذبيتها كفن أدبي رفيع قادر على التعبير عن أدق خلجات النفس البشرية . وذلك بفضل نجاحهم في خلق معادلة موزونة تجمع بين الوظيفة الاجتماعية من ناحية والطاقة التعبيرية للقصة من ناحية أخرى . ومن هؤلاء الكتاب الشباب نخص بالذكر بشرى الفاضل ويحي فضل الله وعادل القصاص .

    والحقيقة أن القصة بلغت لدى هؤلاء الكتاب شأوا عظيما من حيث البناء الفني وأحكام الصنعة وتجويد الأداء وتكثيف اللغة وتفجير إمكانياتها المدهشة وتركيز الأحداث واختزال المشاهد وفوق هذا وذاك إظهار مقدرتهم على الاحتفاظ بالقارئ حتى النهاية ..

    السرد الخشن :

    وكأنما أراد يحي فضل الله أن يقرن القول بالعمل فجاءت التداعيات تطبيقا عمليا لدعوته إلى العودة إلى " السرد الخشن " وخلق المواقف والشخصيات الدرامية التي تحمل ملامح المجتمع السوداني ..

    والعودة إلى " السرد الخشن " التي ينادى بها باعتبارها مخرجا من الأزمة التي تجتازها القصة ، هي عودة إلى الواقعية ورد اعتبار لها .. الواقعية بمعناها الأوسع والأشمل .. واقعية تستوعب الواقع بكل تجلياته وابعاده المادية والروحية والأسطورية .. واقعية " بلا ضفاف " على حد تعبير روجيه غارودي .

    ومن أهم مقومات تلك الواقعية " السرد الخشن " على حد تعبير يحي فضل الله . التي تجلت في التداعيات . وهي اللغة المباشرة والموحية في آن معا ، والخالية من الترهل والثرثرة المجانية ، التصوير الدرامي للوقائع والاعتناء برسم الشخصيات وابراز كافة ابعادها الجسمانية والاجتماعية والنفسية ، الاعتماد على الحوار كمرتكز أساسي في بناء القصة وقد اظهر يحي مهارة فائقة في إدارة الحوار لا سيما باللهجة العامية ، واختيار المضامين من صلب المعاناة اليومية للإنسان السوداني ومن واقع المعايشة والتجربة المختزنة في الذاكرة .. ويبدو أن يحي فضل الله قد اتعظ من تجربته القصصية الأولى في " حكايات وأحاديث لم تثمر " التي صدرت عام 1988 والتي اتسمت بالتجريب والإيغال في الرمزية المفرطة ..

    وعن فلسفته في اختيار مضامين قصصه يقول يحي " علمتني تجربتي في كتابة التداعيات أن أنتبه على ذاكرتي وأن أكثف حاسة الالتقاط والكشف في ذهنـي .. علمتني التداعيات أن التجربة السودانية تجربة إنسانية ثرة بأساطيرها وخرافاتها وحكاياتها وبتأملاتها بأحلامها وأنها تجربة ذات مخزون إبداعي لا ينضب متى ما وجدت تلك الذاكرة التي تستطيع أن تحول كل ذلك المخزون الثر إلى تجليات فنية " . السودان الحديث 11 أكتوبر 1994م ..

    ولحسن الحظ نجح يحي فضل الله أن يحول هذا المخزون الإبداعي وهذه التجارب الثرة إلى عمل فني رائع كما تجلي ذلك في ( التداعيات ) ومن هنا كان هذا الحماس والإعجاب اللذين قابل بهما جمهور القراء هذه التجربة القصصية المتميزة .

    يحكي يحي أن قارئا اقتحم عليه داره في وقت متأخر من الليل ليعبر له فقط عن احتجاجه للطريقة التي أنهى بها حياة بطل إحدى التداعيات .

     يا أخي الراجل ده كتلتو ليه ؟
    - الراجل ياتو ؟ ..
     جمعة كافي تيه . كاتلو مالك ؟
    - أنت ليه ما عايزو يموت ؟
     كاكا – كاكا دي حتعمل شنو ؟ .. أنت قاسي يا أستاذ .. دي منتهى
    القسـوة !
    - أنت عايز نهاية سعيدة يعني ؟ ..
     مش نهاية سعيدة .. لكن يا أستاذ تعبتنا ..

    وهكذا يستمر هذا الحوار بين القارئ والكاتب بهذا الحماس وينتهي بنفـس
    الحماس .. وهذا أن دل إنما يدل على أن القصة كفن أدبي مازالت قادرة على التغلغل في أعماق القارئ وتحريك وجدانه وذلك إذا وجدت الكاتب الموهوب العارف بأسرار فنه ..

    وفي موقف آخر يحكي يحي ( السودان الحديث 11 أكتوبر 1994م ) أن شابا التقى به بقاعة الشارقة بجامعة الخرطوم وبعد أن حياه قال له :

     بالمناسبة أنا فاروق ..
    - فاروق – أهلا وسهلا .
     بقول ليك يا أستاذ أنا فاروق ..
    - طيب مالو – أتشرفنا ..
     ما فهمتني يا أستاذ ..
    - في شنو يعني ؟
     أنا أقصد فاروق الكتبت عنو في التداعيات ..
    - أوع يكون حصل ليك الحصل لفاروق
     بالضبط يا أستاذ لدرجة حسيت بأنك بتكتب عني ، ليه يا أستاذ البنات دائما
    علاقاتهم بالثقافة ضعيفة .. ؟
    - ما ممكن نقول كل البنات كدا ؟
     كلهم يا أستاذ ! ..

    وفي نهاية الحوار يقول أن ذلك الشاب أخذ منـه موعـد للنقـاش حـول ( الفـار وقزم ) أي حالة فاروق – على حد تعبير الشاب .

    وفاروق هو بطل إحدى التداعيات وهو طالب جامعي يؤمن بنظرية التثاقف في التعامل مع الطالبة الجامعية لأن عملية المثاقفة في نظره تجعل العلاقة مشروع متنام ومفتوح دائما على المستقبل . ولكن صديقه " يوسف " يرى على العكس من ذلك ويقول أن نظرية التثاقف من شأنها أن " تطفش البنات " بدلا أن تخلق علاقة معهن إلا أن فاروق يصر دائما على ممارسة نظريته المفضلة في التعامل ، بحثا عن الفتاة التي تجادله في رواية قصيرة ، قصـة ، مسرحية ، ولكن سرعان ما كانت العلاقة تذوب أمام تلك العبارات ذات المتن الثقافي الرفيع ، حتى " ناهد " تلك التي قبلت أن تمارس معه وبكل نعومة فكرة التثاقف يكتشف أن الثقافة بالنسبة لها لا تمثل سوى ديكور مكمل لمكياجها الخارجي ..

    النهايات المقفولة :

    ولكن على الرغم من ذلك لدينا ملاحظة حول نهايات قصص يحي فضل الله . فهو أحيانا يميل لوضع نهاية حاسمة أو مغلقة للقصة . والنهاية الحاسمة كثيرا ما لا تكون في مصلحة القصة .. لأنها تؤطر مخيلة القارئ ولا تترك له مجالا للمشاركة في تصور النهاية المناسبة حسب المخزون المعرفي والتجريبي الذي تستشيره تفاصيل القصة في الذاكرة . ومن هنا يمكننا أن نسوق مثالين على ذلك :

    في واحدة من التداعيات ( السودان الحديث 8/11/1994م ) يعالج الكاتب موضوع فتور العلاقة الزوجية بسبب الروتين وتراكم مشاكل الحياة وذلك من خلال تصويره لحياة الفاتح لطافة وزوجته سوسن واللذين كانا في بداية حياتهما الزوجية يكنان لبعضهما البعض قدرا عاليا من الحب والمودة والحنان ، ويتجلى ذلك من خلال الخوار الذي يدور بينهما أثناء مشاهدة مباراة لكرة القدم في التلفزيون :

    - عليك الله يا سوسن . ده لاعب نص ده ! في لاعب نص يثبت الكورة بي
    ساقو ؟ بالمناسبة لاعب النص ده لازم يكون احرف زول في الميدان – أغلى لاعب في الميدان – لأنو ده صانع الألعاب البعتمد عليهو الفريق – أيوه شايفه الحيرفع الكورنة ده ، ده أسرع جناح في البلد " ..

    ولكن بمرور الزمن تبدأ هذه العلاقة الودية الحميمة في الفتور وأصبــح
    الفاتح لطافة – الذي لا يحمل أسمه داخل البيت – لا يطيق أن تشاركه زوجته سوسن مشاهدة مباريات كرة القدم في التلفزيون وإذا تجرأت وحاولت التدخل بالتعليق ولو من باب المجاملة زجرها :

     قلت ليك يا الفاتح المباراة بين منو ومنو ؟
    - هلال – مريخ ؟ إجابة قاطعة ونهائية ..
     اللابسين أزرق بي أبيض ده المريخ ..
    - لا ده الهلال
     أنت يا الفاتح زمان المريخ مش كان بلبس أزرق ؟
    - يا وليه أنت عندك عمى ألوان – غوري من وشي – مالك ومال الكورة ،
    حي من هنا .. ما توترينا – برانا متوترين … "

    وهنا تختلط ثورة " الفاتح لطافة " بشفافية ذاكرة سوسن حيث كانت تسمع في ذات الوقت ، نفس الصوت وهو يأتيها من بعيد : " أيوه - شايفه حيرفع الكورنة ده – أسرع جناح في البلد " ..

    وهكذا تكتمل الصورة – صورة الإحساس بانقلاب العلاقة الودية بين وحيـن . ولكن الكاتب لا يتوقف عند هذه النهاية المنطقية والمقنعة للقصة بل ذهب أكثر من ذلك ليضيف إلى القصة نهاية أشبه بالزائدة الدودية ، حيث أنهى القصة بقوله :

    " كانت سوسن قد أحست بالانقلاب في شخصية الفاتح منذ تلك الليلة الأولى حيث لا زالت تذكر الحادثة على سلالم الفندق وهي عروس . كان الفاتح يمسك بها وهي تصعد درجات السلم نحو الغرفة ويقول " أعملي حسابك – الكعب العالي أيوه .. براحه .. براحه .. ما تقعي . " حين خرجا من الغرفة ظهيرة اليوم التالي تعثرت سوسن على نفس السلم فصرخ فيها الفاتح بغضب حقيقي " عميانة .. ما تعايني قدامك … "

    وأوضح أن هذه النهاية التي أقحمها الكاتب إقحاما لم تأت نتيجة للنمو والتطور الدرامي لتفاصيل القصة لذلك فهي تصلح نكتة أو قصة قائمة بذاتها .. هذا بالإضافة إلى عدم معقولية هذه النهاية من الناحية الواقعية .. إذ لا يعقل أن يحدث الانقلاب في العلاقة الزوجية بعد يوم أو يومين من ليلة الزفاف ..

    والمثال الآخر للنهاية الحاسمة أو المغلقة هو القصة التي يصور فيها الكاتب حالة من حالات خرف " الحبوبة " في أسلوب ممتع جذاب " السودان الحديث 2/12/1994م " .

    ارتبك أهل البيت أثر تلك الولولة التي قذفت بها " الرضية بت حمد " في وجه ذلك الصباح الشتوي . عباس استيقظ مذعورا لدرجة أنه تعثر وسقط حين حاول الخروج من الغرفة ، قطعت به المنى صلاتها وركضت نحو غرفة " الرضية بت حمد " من فم ولدها الرضيع سحبت ( عواطف ) حلمة ثديها ، وتناولت ثوبها وخرجت ليختلط احتجاج المولود بولولة الرضية .. عطا المنان حاول أن يتناوم وأن يتعامل مع الأمر بحياد لكنه فشل تماما حين استمرت تلك الولولة فنهض مهتما بالأمر – تجمع الجميع داخل حجرة الحبوبة التي كانت تولول وتشير بيديها إشارات تتناغم مع ولولوتها . احتار الجميع ولم يدركوا سببا لصراخ الحبوبة . وبعد محاولات مضنية لاستنطاق الحبوبة أجابت : " الأوضة دي مسكونة . مسكونة بي ناس بسم الله – النار الولعتها عشان أدفي لي فيها موية اتبرد بيها طفوها ، أنا الأوضة دي .. ما بسكن فيها .. بري .. بري.. ما بسكن فيها ما بسكن فيها " .

    وهكذا تستمر أحداث القصة في إيقاع سريع شيق ويستمر معها القارئ مشدود الأنفاس حتى النهاية لمعرفة السبب الذي جعل الرضية بت حمد تصدر تلك الولولة الغريبة في ذلك الصباح ..

    لكن الكاتب لا يفصح عن سبب صراخ " الحبوبة " إلا في نهاية القصة ويقول :

    " أثناء ترحيل محتويات غرفة الرضية اكتشفوا أن الجدة كانت تحاول أن تستحم رغم برد الصباح ، أشعلت النار وملأت الجردل إلى نصفه ووضعته على النار لكنه كان جردلا من البلاستيك فكان عقلها قد عجز عن فهم الأمر فولولت خوفا من الشيطان الذي أطفأ النار " ..

    كنت أحبذ لو ترك الكاتب القارئ يستشف سبب صراخ الحبوبة من خلال تفاصيل القصة . وذلك بدلا من أن يتدخل في نهاية القصة تدخلا مباشرا لشرح ذلك السبب . إن الاحتفاظ بسبب صراخ الحبوبة حتى النهاية جعل القصة أشبه بالقصة البوليسية التي تنهي علاقة القارئ بها بمجرد معرفة اللغز في النهاية ..

    كنت أفضل أن تكون نهاية القصة هي قول " الرضية بت حمد " الأوضة دي ما بسكن فيها الأوضة مسكونة مسكونة بي ناس بسم الله بري .. بري .. ما بسكن فيها .. " وذلك بعد أن يكون الكاتب قد أوحى بالسبب الحقيقي لصراخ الحبوبة في ثنايا القصة . لأن في هذه الحالة ستكون النهاية درامية مفتوحة غيـر مغلقـة .. النهاية المفتوحة تسمح للقارئ الاستمتاع بالقصة لأول فترة ممكنة وتجعله يستعيد تفاصيل القصة في مخيلته أكثر من مرة ، أما النهاية الحاسمة – المغلقة ترغم القارئ على إنهاء علاقته بالقصة بمجرد الفـراغ منـها ..


    عبد المنعم عجب الفيا

    _______________________________
    * نشرت بمجلة الملتقي - العدد 133 - اول سبتمبر 1995









                  

العنوان الكاتب Date
يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-04-04, 08:37 PM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Hussein Mallasi01-04-04, 09:31 PM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن خالد الحاج01-05-04, 00:00 AM
      Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Ishraga Mustafa01-05-04, 00:19 AM
        Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Hussein Mallasi01-05-04, 06:01 AM
          Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن mutwakil toum01-05-04, 07:26 AM
        Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-06-04, 06:08 AM
      Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-06-04, 06:04 AM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن الجندرية01-05-04, 11:48 AM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-05-04, 01:13 PM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن mutwakil toum01-05-04, 06:01 PM
      Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-06-04, 06:44 AM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Hussein Mallasi01-05-04, 06:13 PM
      Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن إيمان أحمد01-06-04, 06:25 AM
        Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-06-04, 06:56 AM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-06-04, 06:25 AM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Yahya Fadlalla01-06-04, 06:55 AM
      Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-06-04, 08:25 PM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-06-04, 06:39 AM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن haleem01-06-04, 08:22 AM
      Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن ازرق01-06-04, 09:16 AM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-07-04, 06:08 AM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Yahya Fadlalla01-07-04, 06:58 AM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-07-04, 06:32 AM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Yahya Fadlalla01-07-04, 07:46 AM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن haleem01-07-04, 07:26 AM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Yahya Fadlalla01-07-04, 08:39 AM
      Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن mutwakil toum01-07-04, 08:51 AM
      Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Yahya Fadlalla01-07-04, 08:52 AM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-08-04, 06:12 AM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن mutwakil toum01-08-04, 10:08 AM
      Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن mutwakil toum01-09-04, 10:35 AM
        Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Yahya Fadlalla01-09-04, 11:28 PM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-11-04, 05:57 AM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-12-04, 05:43 AM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Yahya Fadlalla01-12-04, 06:04 PM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-13-04, 06:27 AM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Yahya Fadlalla01-14-04, 03:36 AM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-14-04, 05:30 AM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Yahya Fadlalla01-14-04, 06:34 AM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن omdurmani01-14-04, 07:05 AM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن mutwakil toum01-15-04, 09:44 AM
      Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن mutwakil toum01-15-04, 09:56 AM
        Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن mutwakil toum01-15-04, 08:02 PM
          Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Yahya Fadlalla01-15-04, 09:54 PM
  Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Agab Alfaya01-16-04, 05:12 PM
    Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Yahya Fadlalla01-17-04, 00:12 AM
      Re: يحي فضل الله - ونظرية السرد الخشن Al-Masafaa02-01-04, 02:26 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de