آخر المحطة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 03:03 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-12-2011, 09:16 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: آخر المحطة (Re: هشام آدم)

    الفصل الرابع

    كان الوقت يُقارب العاشرة والنصف صباحًا على ساعته الاسكواتش عندما بدأ يُحس بالملل. وعندما عقد العزم على مغادرة المكان، شاهده قادمًا من بعيد، وقد شمّر كُمّ جلبابه حتى بدا رسغه، بشعره الأجعد، ومشيته المميزة، وخطواته الواسعة، وهو ينتقل بنظراته بين الفتيات والنساء العابرات، والواقفات في انتظار المركبات العامة على جانبي الطريق، وكأنه لا يُريد أن يفوّت على نفسه أيّ مشهد على الإطلاق.

    توقف فجأةً قبل أن يصل إليه. طفت على وجهه ابتسامة ماكرة يعرفها جيدًا، وهو يفرك شاربه الكث، المشوب ببعض الشعرات البيضاء، بأطراف سبابته، مصوّبًا نظراته المتصيّدة إلى الناحية البعيدة من الطريق؛ حيث تقف سيدة ثلاثينية بيضاء مكتنزة الجسم، لفّته، بعناية، بثوب أبيض مرقط بدوائر ملونة مختلفة الأحجام، وبدت الحناء مثيرةً على أطراف أصابع قدميها، اللتان برزتا من حذاء ذهبي ذا كعب عالٍ، وعلى يديها البضتين؛ لتضفي عليها جمالًا يزيد من جمالها.

    عرف عندها أن صديقه في حالة مغازلة، لن يُغادرها قريبًا قبل أن يظفر بنظرة أو ابتسامة من تلك السيدة، التي بدا عليها أنها في انتظار شيء مهم، ولم تكن تلحظ وجوده على الإطلاق. تنهد مبديًا استياءه، وتقدّم نحوه بتثاقل:

    - مَا حَتْخَلِّي العَادِه الكَعْبَه بتاعتك دي؛ جِنّك تِشاغل؟
    - أوه، وَين يَا ابن خَالي! مَا شَايِف الدَّامَه الشَّدِيدَه دِيك؟ شَكْلَها فَاصُولِيا للدِّين.
    - فَاصُولِيَا شُنو؟ دِي مَا قَاعدَه تِعَاين لِيك زاتو! إنتا عَارِف السَّاعه كَم حَسِّي؟ مَا مُمكِن يَكُون جِنَّك تِشَاغِل في أيِّ وَكِت.
    - والله الزُّوَله دِي فَاصَله مَعَاي شَدِيد. أصلاً مَا في حَاجَه بتجي بالسَّاهِل كِدَا، الشَّغَلَه دَايرَه طُوْلَة بَال يا عَمَّك.
    - إنتا عَارِف إنِّي مَا بَحِب المشَاغَلات، والكَلام الفَارِغ دا. دِي عَادَه شِيْنَه فِيك.
    - وإنْتَا عَارِف إنيّ بَحِب الكَلَام الفَارِغ دَا. عَلِيك الله في حَاجَه أهَمَّ مِن الجِّكْس ومُشَاغَلَتُم؟
    - ياخ قُول فَصَلَت مَعَاك؛ حتودِيَها وين؟ مَافي بَيت فَاضي زَاتُو.
    - ما ضَرُوري أسُوقَها طَوَّالي كِدا، لو أَدَتْنِي نِمْرَة تِلِفُونَا مُمكِن ننسق ليُوم تَاني. دا الحَنَك بِتَاع الجِّكس. حَتِتْعَلَّم مِتَين إنتا؟

    كانت تلك واحدة من مآسيه التي أجبر نفسه على تحمّلها معه، وإحدى المتناقضات التي جمعتهما معًا. كان دائمًا يقول: "طَهَ شَرِيف: شَمْبُوَرَه كَبِيَرة قَام لِيْهَا رَاس بَني آدم!" له قدرة غريبة على ملاحقة الفتيات ومغازلتهن في أي وقت، وعلى أية هيئة. له حكمة يُرددها دائمًا: "مَافي جِكْسُويَة مَا بِتْحِب يِشَاغْلُوهَا، كُلَهِن بِيْحِبَن المشَاغَلات، بَسْ الشَّغَلَة دَايْرَة صَبُر وطُوْلَة بَال."

    (طه شريف) شاب في أواخر الثلاثين من عمره، ممتلء الجسد، له كرش عملاقة، وشارب كث، وشعر مجعّد مشوبان بالشعر الأبيض الذي يحرص على إخفائه باستخدام الصبغة بين كل فترة وأخرى، وثمة ملامح وسامة قديمة بادية على عينيه العسليتين الماكرتين. إذا تكلّم فإن يداه تتحركان وفقًا للسانه، قال له صديق قديم متندرًا: "والله شَكْلَك كَان رَبَطُوا لَيْك يَدّينَك مَا حَتَقْدَر تِتْكَلَّم. في عِلَاقَة مِيْكَانِيْكِيَّة غَرِيبَة بين يَدّينَك ولِسَانَك، حَقُّو العُلَمَا يَدْرِسُوا حَالتَك دِي."

    كان أحد الذين تركوا الدراسة والتحقوا بمعهد التدريب المهني، لم تكن لديه رغبة جادة في التحصيل الأكاديمي، وكان يرى أن القراءة، وكل ما يتعلق بها وما يُفضي إليها، أمر لا يعنيه في شيء. تتجسّد الدنيا، لديه، في شكل أنثى مثيرة تأخذه، من أم رأسه، إلى حتفه الجنسي المحتوم. "المشَاغَلَة مُتْعَة في حَدّ زَاتَا؛ كَان بِقَى فِيْهَا هَرْكَيَك ولاّ مَا بِقَى فِيْهَا" هكذا كان يرد على كل من ينتهره، عندما يكون في حالة مغازلة؛ ولذا لَقبّه البعض: (طه جكس)، وكان اللقب الأقرب إلى قلبه؛ إذا كان يعني في جانب منه: قدرته على اصطياد الفتيات ولفت أنظارهن، وتلك ميزة لا يتمتع بها الكثيرون من أصدقائه؛ فكان يرى فيها ميزة يُفاخر بها أمام الآخرين.

    تشاجرا، كعادتهما، حول هذا الأمر، وظل ينتظره وهو يلف نظراته المفتولة، كأفعى أناكوندا لزجة، حول تلك السيدة التي توقفت عربة فارهة أمامها مباشرةً، فركبتها دون توانٍ، تاركةً إياه غارقًا في لُج نظراته الشبقة التي بدأت تتلاشى شيئًا فشيئًا هي الأخرى. أنهى حالته الشبقية بابتسامة ماكرة أخرى، وضعها على وجهه بشكل مدروس، وهو يلتفت إلى صديقه: "قَرَّبَت تَفْصِل مَعَاي!"

    كمن لم يسمع شيئًا؛ فَرَدَ جلال هاشم (أجراس الحرية) أمامه، وهو يقول له بنبرة لا تخلو من اليأس: "أَخِيْرًا نَشَرُوا المقَال بِتَاعِي!" بينما حاول طه شريف اصطناع الجدّية، وهو يقرأ عنوان المقال الذي تصدّر الصفحة الثقافية بخط عريض: (توتياء الثقافة السودانية). حاول إظهار بعض الاهتمام المتكلّف، وخذلته طاقته وهو يتساءل: "التُّوتياء دِي شُنو؟" لم يتفاجأ جلال هاشم لهذا السؤال، غير أنه أخذ الجريدة من يده، وأعاد لفّها مرّة أخرى، وأجاب بنصف تركيز: "حَاجَة مَا عِنْدَها عِلَاقَة بِالجِّكْس."

    بضربة خفيفة من الجريدة على مؤخرته، حثه على المضي قدمًا لما جاءا من أجله: "أَرَح نَمْشِي القَهْوَة، تَشْرَب الجَبَنَه بِتَاعتَك دِي، ونِنْتَهِي مِن الموضُوع البِيْض دَا." كان طه، وقتها، قد عاد يبحث عن أنثى يُشغل وقته بمغازلتها، فأمسك جلال هاشم بيده، وهو يتقدّم به: "يِمْكِن تَلقَى لَيْك وَاحْدَا في السِّكَّة يَا مُرَاهِق!" عندها توقف طه شريف؛ لينظر إلى ساعته باهتمام وجدّية غير مسبوقين:
    - سَمِحْ! لِسَّه الوَكِت بَدْرِي. حَوَدِّيك حِتَّه شَرْط الشَرِط. أنا مُتْأكِد حَ تَعْجِبَك للدِّين.
    - إنتا عَارِفني مَا بَحِب البَرَامِج المفَاجأه دِي.
    - إنتا مُش بِتْقُول بِتْحِب المغَامَرَه؟
    - أها، نَاوِي تِوَدِيني وِين المرَّه دِي؟
    - حَ نَركَب مُوَاصَلات (الصَّحَافَه شَرِق) لَغَاية آخر المحطَة، في السُّوق المركزي.
    - أها، والجَدِيد شُنُو في السُّوق المركزي؟
    - حَ أوَرِيك عَالم سِتَّات الشَّاي العَلى أُصُوله.
    - سِتَّات شَاي؟ مَا هِنَا كَمَان في سِتَات شَاي بَرْضُو يَا طَه، مَافي دَاعِي نمشِي لَغَايِة السُّوق المركزي.
    - صَدِّقني دَا عَالمَ تاني، والأجْوَاء زَاتَا مُختَلِفَه شَدِيد: جَبَنَه وشِيْشَه وشَرَامِيط مِن أُمُّه.
    - والله إنتا زُول فَارِغ خلاص. بالله دَايِر تُوَدِيْنَا لَغَايِة آخر المحطَه عَشَان الكَلام الفَارِغ دَا؟ إنتا قِصَّتَك شُنو مَع أواخر المحطات دَايمًا؟
    - إنتا نِسِيْت إني كُنْتَ شَغَّال سَوَّاق في خَطْ شَرِق دَا؟ بَمْشِي أَشْرَب ليّ كُبَّاية شَاي، وأَشَاغِل سِتَّات الشَّاي، وآخُد لي حَنَك حَنَكِين مَعَاهُم، لَغَايِة مَا نِمْرَتي تَجِي. حَيَاتي كُلَّهَا في أواخر المحطَات الما عَاجْبَاك دي، وبَعْدِين مَا تَعْمَل لي فِيْهَا مَا عِنْدَك عِلاقَه بالجِّكس، والله إلاَّ تَكُون زُول بَاطِل سَاي.
    - مَافِي زُول مَا عِنْدُو عِلاقَه بالحَاجَات دِي، مَا أصَلًا الحَاجَه دي غَريزيه، لَكِن لازِم تِتْعَلَّم تِهَذِّب غَرِايزك دِي، الشَّغَلَه مَا حَيْوَانِيه يَاخي.
    - عَليك الله مَا تَحِشَّ لَيْنَا أفْكَارْنَا. سِيبْنَا باللهِ مِن حَنَك المثَقْفَاتِيَّه المسْتَحَمِّي دَا، بَلا أَهَذِّب بَلا سَجَمْ رَمَاد.

    وافق جلال هاشم على مضض، معتبرًا إياها مغامرة روائية جديرة بالمعايشة، وتذكر تلك اللحظات الخيالية التي كان يقضيها في مقاهى البورصة بالقاهرة، منتبهًا، إلى تفاصيل ما يجري من حوله، وكأنه يحاول تحنيط تلك اللحظات في ذاكرته الروائية. نساء ورجال بسحنات مختلفة، وأحاديث وضحكات، ومشاجرات، وأغنيات لا حصر لها؛ تتفاعل جميعها لتجعل من كل لحظةٍ لحظة فريدة من نوعها. بإمكان أيّ كان أن يخرج بتصوّرات درامية غنية ومشوّقة؛ فقط من استماعه إلى مشاجرة بين رجلين في مقهى البورصة، أو حديث خاص بين اثنين هناك. خيّل إليه أنها فرصة جيّدة لإغناء ذاكرته الروائية بأشياء ومواقف وشخصيات جديدة، فلم يُعارض مطوّلًا، غير أنه شعر ببعض الكسل حيال مشوار (طه جكس) المريب.

    لم يكن يشأ أو يُحب أن يكون جزءًا من أحد مخططاته الشهوانية المراهقة؛ إذ لابد أن يتعلق الأمر بالنساء طالما كان طه جكس متورطًا فيها بطريقة أو أخرى. كان يتعجّب من قدرته على إبداء الاهتمام بالنساء، وكل ما يتعلق بهن في كل وقت، حتى عند ساعات الظهيرة القائضة التي يشعر حيالها الكلاب بالإعياء. كان يفعل ذلك، في كل مرّة، بمتعة متناهية، وكأنها آخر اللحظات أو أُولها، وظل يُردد على مسامعه: "عَليَّ الطَّلاق لَو مَا الجِّكْس دِيل، كَان انْتَحَرْتَ زَمَان."

    الشيء الوحيد الذي خشيه: أن لا تروق له آخر المحطة، وألا ينسجم مع أجوائها، فلم يكن يثق بتقديرات طه، وتقييمه للأشياء. خشي أن يكون المشوار مضنياً بلا طائل، وفكّر في بدائل إن أفضى به الحال إلى ذلك.خمّن إن بإمكانه الذهاب إلى مكتبة (مدارك) في شارع الصحافة شرق، لاقتناء بعض الكتب، أو زيارة مركز (الخاتم عدلان) علّه يُصادف ندوة فكرية أو أدبية، أو ربما فكّر في الذهاب إلى مكتب(أجراس الحرية) في خرطوم 2 الذي لا يبعد كثيراً عن مكتبة مدارك، علّه قد يجد فيه بعض الأصدقاء، فيتبادل معهم أحاديث مفيدة، يحرص على سماعها منهم.

    كل تلك المشاريع التي خطرت بباله، كانت ممكنة التنفيذ في حال لم تعجبه الأوضاع في آخر المحطة، ولكنه شعر حيال كل ذلك بالممل، وأحس بأن يومه ذلك سوف يضيع هباءً. لا يعرف سبباً لتلك الحالة التي أصابته منذ قدومه إلى السودان، فهو لم يشعر بأي حماسة تجاه شيء منذ جاء، حتى الأمسيات الأدبية التي كانت تقيمها بعض المراكز الثقافية، أو تلك التي يزخر بها المركز الثقافي الألماني (غوتة) لم يحرص على حضورها، فقط بدافع الكسل، وخشي أن يكون ذلك أمارة لذبوله، وانطفائه.

    أحس بأنه قطعة فلين طافية على مياه النيل، تقودها الأمواج كيفما اتفق، تلقي به في ضفة رملية أو حجرية، أو تظل عائمةً، كما هي، إلى الأبد. شيء ثقل، ذلك الذي أحسه على كاهله، ولم يستطع أن يعرف ماهيته على وجه الدقة. لم يستطع أن يحدد ما إذا كان اختفاء شاهيناز حسب الرسول من حياته سبب ما يشعر به، أم إحساسه بالضياع في وطنه، ورغبته في مغادرة السودان في أسرع وقت. كان كل شيء، بالنسبة إليه، غامضاً وهلامياً، حتى أنه لم يكن قادراً على التكهّن بمستقبله القريب.
                  

العنوان الكاتب Date
آخر المحطة هشام آدم11-03-11, 09:31 AM
  Re: آخر المحطة هشام آدم11-03-11, 09:47 AM
    Re: آخر المحطة هشام آدم11-03-11, 10:19 AM
      Re: آخر المحطة عصام دهب11-03-11, 11:20 AM
        Re: آخر المحطة هشام آدم11-03-11, 05:17 PM
          Re: آخر المحطة هشام آدم11-12-11, 09:16 AM
            Re: آخر المحطة هشام آدم11-12-11, 09:26 AM
              Re: آخر المحطة هشام آدم11-12-11, 09:56 AM
                Re: آخر المحطة الرفاعي عبدالعاطي حجر11-12-11, 08:03 PM
                  Re: آخر المحطة هشام آدم11-14-11, 12:10 PM
                    Re: آخر المحطة هشام آدم11-14-11, 12:27 PM
                      Re: آخر المحطة هشام آدم11-14-11, 12:35 PM
                        Re: آخر المحطة هشام آدم11-14-11, 12:47 PM
                          Re: آخر المحطة هشام آدم11-14-11, 12:52 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de