|
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية (Re: هشام آدم)
|
العزيز أساسي
أولاً وقبل كل شيء دعني أشكرك على آرائك القيّمة في الحقيقة، وعلى صراحتك في طرحها، وأقول إنك وفقت في كثير مما ذهبتَ إليه عني وعن كتاباتي فأنا بالفعل أعتبر نفسي ثائراً على الموروث والمتعارف عليه أو هكذا أحسب نفسي، وأدعو بل وأعمل دائماً على منح الحرية الإبداعية مساحة أوسع بكثير من المتاح لها حالياً، فأنا أرى أن الحالة الوحيدة التي يُمكن فيها نقد النص الأدبي هو النقد الأدبي نفسه، وليس النقد المبني على أساس ديني أو أخلاقي مُحدد، وأرى أنّ كل شيء قابل للتداول عبر الكتابة الفنية أو الجمالية "الأدب" سواء أكان ذلك مقدساً أو غير مقدساً، وربما يكون المتصرّف الوحيد حيال ذلك هو الرقيب الداخلي للمبدع، وليس الرقيب الديني أو المجتمعي. هذه حقيقة بالفعل.
كما أوافقك في تعريفك للمبدع على أنه الشخص الذي يبتدع الجديد، ويتطرق إلى غير المطروق. رغم أني لا أوافقك في قصر الإبداع على هذه النقطة فحسب؛ فالعمل الإبداعي أشمل بكثير –حسبما أرى- من علاقات الحسّ المغامر إن صحّت التسمية؛ وأراك كذلك تؤمن –كما أؤمن- بأن اقتراح الجديد وهتك التابوهات ليس هو الوسيلة الأكيدة للإبداع؛ إذ أنه مقترن كذلك بالتناول الفني من لغة وخيال وخلافه. وهذه أيضاً أوافقك عليها.
أقول: إن الكتابة الإبداعية هي توافق نظرتين للواقع (نظرة ذاتية خيالية، ونظرة موضوعية واقعية)، بمعنى أنّ الكتابة عن الواقع ليس عملاً إبداعياً بمعناه الإبداعي، إذ أن الواقع معاش بالفعل، ويصبح نقل المعاش كما هو معاش ضرباً من التكرار، الذي يجعلنا نقول "ما الجديد في ذلك؟" وعندها نعرف أنّ اختلاق "الجديد" هو جانب من الإبداع، ثم يأتي أسلوب تناولنا لهذا الجديد ليُشكل جانباً آخر من العمل الإبداعي. ولاشك أنّ هذا الأسلوب يدخل في إطاره: اللغة والخيال والتنكنيكات السردية المستخدمة .. إلخ.
وفي كلّ مرّة يأتي فيها الحديث عن الكتابة يقفز إلى ذهني السؤال: "لماذا نكتب؟" كمفتاح سحري لمعرفة عوالم الكتابة الإبداعية على وجه التحديد. فيما مضى كتبتُ حول الكتابة ولي مقال بعنوان "في ماهية الكتابة وضروراتها" ربما كان من المفيد الرجوع إليها لمعرفة مركزاتي التي أنطلق منها؛ ومما جاء في المقال :
"الكتابة فعل ذاتي وهو في ذات الوقت فعل موضوعي تماماً؛ فهو ذاتي لأن الإنسان بحاجة مستمرة إلى التعبير عن نفسه، ليس لترف تعبيري أو وجودي وإنما لأن ذلك يُشعر بالرضا عن نفسه ويُشعره بالإشباع الذاتي। يبحث الإنسان دائماً عن التقدير الذاتي لنفسه، وعن الآمان الاجتماعي بمعرفة نفسه ضمن إطار مجموعة بشرية ينتمي إليها؛ هذا الانتماء لا يُحدد مدى اختلافه أو اتفاقه مع المجموعة ولكنه نسق من الحراك التفاعلي بين الإنسان ومجتمعه، وحتى عندما لا يكون الإنسان متوافقاً مع مجتمعه فإنه يظل بحاجة إلى الكتابة ليعبّر عن رفضه لشكل المجتمع وهيكلته وقوانينه وليحدد موقفه من هذه الأشياء. يكتب الإنسان ليعرف نفسه في المقام الأول وليّعرف المجتمع به في المقام الثاني وليعرف مجتمع كمرحلة أخيرة.
ليس هنالك من كاتب واحد يكتب ليغيّر في مجتمعه، حتى وإن كانت كتاباته تتناول نقداً لهذا المجتمع، أو شملت على صيغ ثورية تدعو للثورة، ولكن الحقيقة أن الكتّاب يكتبون من أجل تحديد مواقفهم من التاريخ الاجتماعي بكل تداعياته الاقتصادية والسياسية والدينية والفكرية، وهو لا يسعى أبداً إلى التغيير حتى وإن شملت كتاباته على صيغ ثورية وإنما يُبادر بذلك ليُرضي نفسه في المقام الأول؛ إذ أنه من الصعوبة بمكان ألا تستطيع تحديد موقفك من واقعك قبل البدء بطرح مواقفك النقدية منه أو محاولات الثورة عليه كمرحلة متقدمة। وإذا وُجد كاتب واحد –سواء كان مفكراً أو فيلسوفاً أو أديباً- يعتقد أن كتاباته فقط بإمكانها صنع الثورة، فهو كاتب مثالي وبالتالي فإنه يُمكن اعتباره مثقفاً/ثورياً سلبياً، إذ لا بد أن تتسق كتاباته مع منظومة حركات اجتماعية تُحددها ظروف موضوعية ليحدث هذا التغيّر؛ وعندها فقط يُمكن اعتبار الكتابة فعلاً موضوعياً.
الكتابة وسيلة لتدوين الأفكار -سواء كانت هذه الأفكار أفكاراً أدبية أو علمية أو فلسفية- فهي إذن –أي الكتابة- فعل إبداعي بكل أشكالها। وهذا الفعل الإبداعي إن لم يكن ملهماً كفاية فسوف لن يرتقي ليُصنّف على أنه فعل وجودي أبداً؛ بل ستظل في إطار أنها كتابات ذاتية منفعية. فكتابات كارل ماركس التي أنتجت الثورة الفرنسية وكتابات فرويد التي أنتجت ثورة التحليل النفسي، وكتابات دارون التي أنتج ثورة في فهم الإنسان لنفسه، وكتابات شكسبير التي أنتج ثورة في الكتابة المسرحية والشعرية، وكتابات ماركيز التي أنتج ثورة في عالم الواقعية السحرية، وكتابات جوان كاثلين رولنج التي أنتج ثورة في عالم أدب الطفل وغيرها من الكتابات إنما اكتسبت الخلود لأنها كانت متسقة تماماً مع أغراض الكتابة وماهيته، كما أنها كانت تمثل ضرورة شعبية أو اجتماعية."
وفي مقال آخر بعنوان "نظرية المبتكر المغفل" (أنصحك بقراءته) أقول:
"إن كاجيتو الإبداع في تناول مسألة الخلود هو أمر يصعب الحكم عليه لمجرّد الانتصار لفكرة دون الأخرى. ولكن يبدو أن الرغبة في الخلود والبقاء هو الدافع الآكد للكتابة والإبداع"
وعلى هذا نرى أنه من الصعب جداً تحديد ماهية الكتابة، وبالتالي الهدف الأساسي منها لأنها تختلف باختلاف الكُتاب وأغراض الكتابة نفسها. وقد أعجبني جداً استخدامك لوصف "حكّاي" للتفريق بين السرد الخيالي والسرد الخالي من الخيال، وهذا تفريق واعٍ جداً وربما أقف معك في هذه الرؤية للتفريق بين الرواية والحكاية وهذا بالتحديد ما تطرقته إليه في مقال "نحو رؤية جديدة لفن القصة والرواية" والذي جاء فيه:
"علينا قبل أن نحكم على تجربة قصصية ما بأنها فاشلة أو ناجحة أن نرى إلى عناصر الإبداع فيها والمتمثلة في: اللغة والخيال وقدرة القاص على توظيف هذين العنصرين في خلق سردات لا تشترط رابطاً بينها فيما خلا الرابط التخيّلي المبدع ، وهو ما أوصي بها زمرة كتابة القصة بعيداً عن فزلكات الحبكة الدرامية. لأن هذه الأخيرة هي واحدة من متطلبات الفن الدرامي ، إذ يصعب علينا أن نصدق بإمكانية تحويل القصة أو الرواية بهذا المفهوم الثوري ، إن صحّ التعبير ، إلى عمل درامي أو سينمائي ، بينما يمكن ذلك في فن الحكاية."
وفي الحقيقة فإن كلامك عن الفصل بين اختيار الموضوع والكتابة عنه، كان كلاماً جيّداً إلى الحد الذي يجعلني لا أعرف كيف أو من أين يُمكننا البدء فيه بالتحديد، فتناول الكاتب لموضوع مستهلك بطريقة "جديدة" يُكسب الموضوع رونقه بلا شك، والعكس صحيح كذلك. ومن هنا فإنه يُمكننا القول بأن عناصر الكتابة الإبداعية تتوافر جميعها لتخرج لنا بحكم شامل يُمكننا على أساسه أن نقول بأن هذا الشخص كاتب "مبدع"، فالمبدع هو –بالفعل- من يستطيع أن يهبنا الدهشة بتناوله لموضوعات اعتيادية ومستهلكة. وهذه حقيقة لا يُمكننا الاختلاف حولها.
أريد أن أضيف إلى كل ما تقدم ضرورة وجود القارئ الجيّد. لأنه دون وجود هذا القارئ فلن يكون هنالك كاتب جيّد على الإطلاق، أو سوف لن يتم التعرّف عليه بالضرورة. والعملية الإبداعية هي بالضرورة عملية تكاملية بين الطبيعية "الحدث" وبين الكاتب المبدع من ناحية، وبينه وبين القارئ "المبدع" من ناحية أخرى، وعلى هذا فإنني أرى أن القراءة عمل إبداعي كذلك. ولا ننسى ونحن نتكلّم في كل ذلك أننا نتكلّم عن عهود ما عادت فيها الجماليات السردية تأخذ حيّزها واحترامها المعقول، كما أنه بوسعنا أن نقول: إن فناء القارئ يعني بالضرورة فناء الكاتب.
شكراً لأنك أهديتني هذه النواحي من العيوب، وسوف أسعى بكل تأكيد لتصويبها والعمل عليها في المرات القادمة .. أكرر لك شكري وعميق امتناني
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-26-09, 01:58 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-26-09, 02:10 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | ALZOLZATOO | 04-26-09, 02:29 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-26-09, 03:40 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-26-09, 04:05 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | اساسي | 04-26-09, 04:16 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-26-09, 04:35 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | Nasr | 04-26-09, 04:33 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-26-09, 04:39 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-26-09, 04:55 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-26-09, 04:56 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-26-09, 04:57 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | اساسي | 04-26-09, 05:45 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | اساسي | 04-26-09, 05:46 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-27-09, 08:05 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | Baha Elhadi | 04-27-09, 08:24 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-27-09, 09:13 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-27-09, 09:18 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-27-09, 09:41 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | Baha Elhadi | 04-27-09, 10:03 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-27-09, 10:13 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-27-09, 10:26 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-27-09, 10:48 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-27-09, 11:06 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-27-09, 11:44 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-27-09, 12:56 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-27-09, 02:03 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | Nasr | 04-28-09, 08:24 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-29-09, 11:41 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | حامد محمد حامد | 04-29-09, 12:28 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-29-09, 02:16 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | HAYDER GASIM | 04-29-09, 08:04 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | Bashasha | 04-29-09, 11:43 PM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-30-09, 07:41 AM |
Re: الميتافور الدلالي في اللغة الإبداعية | هشام آدم | 04-30-09, 07:29 AM |
|
|
|