|
Re: الرواية بوصفها أداة قياس (Re: emadblake)
|
الأخ : عماد بليك
مرحباً يا عزيزي، وأشكرك على طرح كهذا، رغم ابتعاده عن موضوع المقال الرئيس، ولكن في الحقيقة –ومنذ صدور رواية أرتكاتا- والسؤال المشترك الوحيد الذي يُطرح هو: لماذا اخترت الكتابة عن ثقافة أخرى، ولماذا الفضاء الإسباني بالتحديد؟ وقد ذهب البعض في تفسير ذلك إلى أنه هروب من واقع مأساوي، وهم يقصدون بذلك الواقع السوداني. هذا السؤال كان أول سؤال يُطرح عليّ في حوار صحفي لمصلحة جريدة الشروق المصرية، وجريدة الراية القطرية من قبل، وقلت (وأقول): إن علاقتي ليست بإسبانيا، أو أيّ قطر آخر بعينه، علاقتي هي مع الإنسان أينما وجد. أحاول إيجاد الأماكن غير الموجودة؛ وأن أخلق شخوصها كما ينبغي لهم أن يكونوا. وكما يقول الروائي العالمي غبريال غارسيا ماركيز: "ليست الحياة ما نحياها، بل ما نتذكرها، وكيف نتذكرها لنحكيها".
المسألة ببساطة أنني أحاول أن أخلق عوالم وحيوات لها وجودها الواقعي، وفي ذات الوقت ليست مرتبطة في حركتها وفي روابطها التصويرية بالواقع؛ هي مسألة أقرب من الفنتازيا المرتبطة بالواقع بطريقةٍ ما. فالمشاعر والرغبات الإنسانية موحّدة ومشتركة: الحزن – الفرح – الحب – الرغبة – التديّن – الغضب، ولكن ثقافة الإنسان (الفرد)، بالإضافة إلى الثقافة الجماعية أو ثقافة المجتمع هي التي تحدد طريقة التعبير عن هذه الأشياء، وكيفيتها ومستوى نضجها من عدمه.
لست مهتماً بتبرير اختيار إسبانيا على وجه التحديد لأنني على يقين كامل بأمرين غاية في الأهمية أولهما: أن أيّ نطاق جغرافي في العمل الروائي، هو نطاق موازي للنطاق الحقيقي، أو مشابه له ولا يمثله بصورة متطابقة بالضرورة، ولا يجب أن يكون الأمر كذلك على أيّ حال من الأحوال. ثانيهما: أنّ وقائع وأحداث أيّ نص روائي يتناول سيرة المشاعر والرغبات الإنسانية لا يمكن حصرها في ثقافة محددة لأنها –كما قلتُ سابقاً– مشاعر ورغبات إنسانية مشتركة؛ مجرّد فكرة حصرها في ثقافة محددة عن طريق القراءة –وليس الكتابة– يقلّل تناولها على المستوى الإنساني. وعندما أفرّق بين التلقي الكتابي والقرائي؛ فإنني أعني بالتحديد أنّ الكاتب والقارئ -على حدٍ سواء- لا يتوجب عليهما التوقف عند هذه النقطة، لأن الكاتب عندما يكتب عن بيئة ثقافية محددة فهو بالتأكيد يحاول الإشارة إلى شيء محدد في عمق النص أيّ داخله لا خارجه، وبالتالي فإنه يمكن أنّ يسحب واقعاً بأكمله ويسقطه على واقع آخر، بينما لا يجدر بالقارئ أن يهدر وقته في البحث عن تبريرات مناسبة لهذه الاختيارات؛ لتبقى الخيارات أمامه مفتوحة على جميع الاحتمالات، وبالتالي لا نقيّده في إطار الكاتب.
الكتابة عالم؛ والقراءة عالم آخر، رغم أنهما يلتقيان في نقاط أخرى. من هنا أرى أنه ليس من الضروري، بل ليس من المعقول، الإفصاح عن أسباب اختياري –أو اختيار أيّ روائي- لثقافة أو واقع ثقافي بعينه؛ حتى وإن كان ذلك بقصد، فإنه يظل رهناً بالكاتب وحده. علينا كذلك أن نعرف وأن نفهم العلاقة الجدلية الحاصلة بين الكاتب والمتلقي؛ لأن في هذه العلاقة يكمن الكثير جداً من الإجابات، كما أنه يتوجب علينا أن نعرف إجابة السؤال الأكثر خصوبة "لماذا نقرأ؟" لتتكشّف لدينا بعض الحقائق الغائبة عنّا. والإجابة على هذا السؤال أمر ليس بالهيّن كما يبدو أبداً.
وهو بطبيعة الحال ليس هروباً، فمسألة الهروب من واقعٍ ما مؤلم هذه مستبعدة، لأن الرواية نفسها تتناول واقعاً مؤلماً كذلك، ولكن الأمر ليس بهذه السهولة ولا هذا التبسيط الذي نراه؛ لا من حيث الاتهام، ولا نفي الاتهام أيضاً. أنا مرتبط بالإنسان ومهتم بقضاياه كما قلتُ من قبل، ولا يهمني بعد ذلك الإطار الخارجي الذي أعبّر به عنه. الإنسان في إسبانيا وفي السودان متماثلان ومختلفان. ولا أحاول تكرار ما قاله فريدريك أنجلز في كتاباته بأن كل متماثلين مختلفين -رغم صحّة هذه المقولة- ولكن ما أريد قوله هو أنّ سيرة كاسبر سرجينيو "بطل رواية أرتكاتا" هو سبر للأغوار الإنسانية بصرف النظر عن أيّ شيء آخر: جنسية، ثقافة، ديانة .. إلخ.
فكاسبر يمثل جيلاً معقولاً من الشباب الباحثين عن الحقيقة وعن الحب في زمن استطاع فيه الرأسمال أن يفرض سطوته بلا هوادة، وأن يلوي أعناق الحقيقة حتى بدت الأمور تختلط وتنقلب تماماً عن مسارها الصحيح. كاسبر هو أنموذج –إذا صحّ التعبير– لهذا الجيل بكل معاناته الداخلية والذاتية والاجتماعية، ولا بد أنّ نجد أوجه تشابه كبيرة أو صغيرة بين سيرته وسيرة شاب آخر في دارفور (السودان)، أو جندريس (سوريا)، أو في صعيد مصر، أو دوّار الفقراء (المغرب)، أو أيّ مكان آخر من هذا العالم. إنّ عبارة "الهروب من الواقع" هي في رأيي عبارة توهمية، فلا أحد يمكنه الهروب أو الانفصال عن واقعه إلاّ في حالات الجنون الذهاني. الإنسان حتى اللامنتمي مرتبط بواقعه حتى وإن لم يعرف ذلك، وهو غير منفصل عنه حتى وإن حاول جهده من أجل ذلك. نعرف ذلك من تفكيره وسلوكه ولغته أو لهجته أو حتى نزعاته الشاذة منها أو السويّة. أنا إذن لا أهرب من واقعي أبداً بل أتعايش معه بطريقتي الخاصة، وأعبّر عنه أيضاً بطريقتي الخاصة. أضف إلى ذلك عدم إمكانية هروب الشخص من واقعه إلا من خلال ذات الواقع والتعمّق فيه لا العكس.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الرواية بوصفها أداة قياس | هشام آدم | 01-27-09, 06:24 PM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | هشام آدم | 01-28-09, 06:25 AM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | emadblake | 01-28-09, 06:33 AM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | هشام آدم | 01-28-09, 08:13 AM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | emadblake | 01-28-09, 09:22 AM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | هشام آدم | 01-28-09, 10:14 AM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | ibrahim kojan | 01-28-09, 10:26 AM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | هشام آدم | 01-28-09, 12:08 PM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | Osama Mohammed | 01-28-09, 02:10 PM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | هشام آدم | 01-29-09, 08:43 AM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | Osama Mohammed | 01-29-09, 09:32 AM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | هشام آدم | 01-29-09, 10:35 AM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | Osama Mohammed | 01-29-09, 10:48 AM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | هشام آدم | 01-29-09, 12:32 PM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | Osama Mohammed | 01-29-09, 04:20 PM |
Re: الرواية بوصفها أداة قياس | هشام آدم | 01-29-09, 06:22 PM |
|
|
|