|
Re: بين حجرين - رواية (Re: هشام آدم)
|
____________________________
بدأت قناعات الريّس بجدوى نقاش أبو السيك حول موضوع الهجرة في صخب النادي الإفرنجي تتزعزع ، لا سيما وأنه لم يكن يعلم بشغف أبو السيك للحياة المخملية من قبل. وأحس بأن حتى شروحاته التحليلية لم تكن بذي بال لديه. وبسذاجة المبتدئ تجرّع أبو السيك زجاجة البيرة دون أن ينتبه لنصائح الريّس له بأن يتمهل في الشرب. ولم يندم على ذلك إلاّ عندما وقف النادل أمامه مباشرةً "أجيب ليك بيرة تاني؟" عندها رشف الريّس ما تبقى من بيرة باردة في زجاجته "لا لا خلاص أنحنا ماشين زاتو." لم يفكر أبو السيك طوال حياته في زيارة النادي الإفرنجي، بل ولم يكن يجرؤ على أن يمر بالطريق المؤدية إليه. ربما كان يكره الأغنياء في لاشعوره، ولكنه لأول مرة يراهم أمامه وهم يمارسون ترفهم في غير المناسبات الدينية التي تجمعه بهم. لم يكن يرهم إلاّ في مصلّى العيد الكبير مرتجلين من سياراتهم الفارهة مرتدين شالات العظمة وعباءات حريرية كتلك التي يرتديها أمراء الخليج، حاملين عصي من النوع المنتهي بمقبض من الفضة المرصّعة بحبيبات صغيرة من المعدن اللامع، ومراكيب جلد النمر الأصلي. دائماً يجلسون في الصفوف الأولى كالأتقياء، حيث السجاجيد الوبرية بينما تُفرش الصفوف المتأخرة بالبروش القاسية المثبّتة على الأرض بالأحجار. كان يعرف أن هنالك فرقاً كبيراً بين حياته وحياتهم، ولكنه اليوم لمس هذا الفرق تماماً وعرف مقداره. "شفتَ العالم دي عايشة كيف؟" قالها الريّس بعد أن وضع ساعده على كتف صديقه، وهما يغادران المكان بحسرة وشيء من غبطة لم يعرفا سببها.
أمير الذي لم يبادر للترحيب بصديقه بالحرارة المعهودة بينهما، كان في شغل عن توديعه، بل أنه لم ينتبه لمغادرة الريّس. ليلاً، عندما بدأت الأقدام تترنح والألسنة تهذي، اتخذ من كرسيين، وضعهما متلاصقين، سريراً له، وتمدد عليهما غير آبهة بالضجة التي يحدثها السكارى خلفه. كان أحدهم يحكي بزهو واضح عن مغامراته المثيرة في القاهرة عندما كان طالباً في جامعتها. وعن قصصه مع العساكر الإنجليز وكيف استطاع أن يبني ثروته في ركام الحرب لمجرّد أنه عرف كيف يهرّب السلاح مع مجموعة من المصريين إلى السويس إبان حرب الاستنزاف، ورحلته السرية إلى بورتوفيق التي كانت محفوفة بالمخاطر. وأخذ يوصف لهم حادثة حريق الزيتية التي كادت أن تلتهم يده، وكيف أبلى فيها كأحد أبطال الحرب الذين نالوا نوط الشجاعة على يد جمال عبد الناصر آنذاك. أطال أمير النظر في الأسقف المستعارة، وبمزاج عكر أشعل سيجارة كان يضعها خلف أذنه، وراح ينفث دخانها على ضوء إضاءة زرقاء خافتة. خيّل إليه أنه سوف يبكي عندما لم يستطع أن يميّز بين تقاطعات السقف المستعار المصنوعة من الفيبرجلاس، كان يراها، من وراء عينيه المبتلتين بالدموع، كشباك صيد سابحة على سطح بحيرة ذات مياه زئبقية ثقيلة. كان أمير يشعر بكراهية شديدة لنفسه لاحساسه بالعجز عن نيل ما يريد.
كانت ملامح محبوبته تبدو باهتة بين تقاطعات السقف المستعار وابتسامتها، التي كان يستعيرها من ذكرياتٍ ما تزال طازجة في إحدى جيوب ذاكرته، كانت السبب في زفراته الثقيلة الساخنة. بوضوح تام يخترق ضجة موسيقى الفرانكواراب جاءته كلمات والده "عِرس شنو إنت كمان .. ما شايف البيت الداير يقع فوق راسنا ده؟ خلي عندك إحساس بالمسئولية شوية." كان يضمر في صدره المليء بحب ناهد عبد الله نوعاً من الكراهية غير المؤذية لوالده الذي لم ينتبه لحوجة المنزل للصيانة إلاّ بعد أن فتح الله على ولده ، وهو الذي كان من قبل قد رفض أن يحج على نفقته بحجة أنها "فلوس حرام". ورغم أنهم كانوا يعيشون على القليل من الشكوى والكثير من الصبر، إلاّ أن أسرة أمير سيد أحمد بدأت تعتاد على سقط المتاع. وانتهت أحلامهم الأساسية العريضة لتبدأ الكماليات بالتمدد شيئاً فشيئاً حتى أصبحت هي الأخرى أساسيات لم يستطيعوا الاستغناء عنها. الحمام الذي كان بحاجة إلى ردم وإعادة ترميم تحوّل إلى حمام سايفون. والجدران الجالوصية الآيلة للسقوط هي الآن من الطوب الأحمر. والسقف الزنكي لا وجود له بعد أن تم تلقيم السقف بالصبّة الخرسانية. ولم تعد أسرة أمير سيد أحمد تستعير الماء من بيت دفع الله الضو أو تضع طعامها في برّاد الجيران، كما لم تعد والدة أمير تستعير تيس جارتها لتلقيح عنزاتها الثلاث. أحس بأنه سوف يظل مكبلاً باحتياجات أسرته التي لم تكن لتنتهي طالما أنه ما يزال يعمل في النادي الإفرنجي. حاول أكثر من مرّة أن يفاتح والديه بموضوع رغبته في الزواج من ابنة عبد الله التايب التي يهيم بها حباً منذ أن كان في السادسة عشر من عمره، غير أنهما اعتبارا ذلك محاولة منه للتنصل من مسئوليته تجاه واجباته الأسرية. مجرّد التفكير في الزواج يعني أن تتوقف المساعدات المالية التي ظلّ أمير يقدمها لأسرته على مدار أربع سنوات متواصلة.
"إنتِ ما دايرة تفرحي بي وتشيلي أولادي يا أم أمير وله شنو؟" ظلّ أمير يردد هذه الجملة العاطفية على مسامع والدته لينفذ من قسماتها المصفّحة بحب المال، إلى تلك المنطقة الضعيفة في قلبها "الأمومي" ولكنها لم تكن لتغيّر رأيها بأن الوقت ما زال مبكراً على التفكير في الزواج متحججة بأنه بقليلٍ من الصبر قد يجد عروس أجمل وأفضل من ناهد عبد الله. ولكن هذا "القليل من الصبر" لم يكن له سقف زمني محدد أبداً. وكبقية الأمهات فقد كانت زينب مضوي لا ترى فتاة تناسب ولدها ، وأن كلهن أقل مما كانت تتمناه له. وربما كانت تلك حجتها الأنجع التي تخفي بها أمومتها الرافضة لفكرة زواج ابنها من فتاة تأخذه "على الجاهز" بعد أن تعبت في تربيته. ولم يفوّت أمير أية فرصة كانت تسنح له ليقنع أمه بأن اختياره لشريكة الحياة لا تخضع إلاّ لمعياره وليس لمعيار شخصٍ آخر، غير أنها كانت أعند من أن تقتنع له. وقد وافق موقف سيد أحمد من زواج ابنهما غريزتها الأمومية على كل حال.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:31 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:35 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:42 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:55 PM |
Re: بين حجرين - رواية | Mohammed Elhaj | 06-26-07, 05:57 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:02 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:05 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:09 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:17 PM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-27-07, 05:15 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 07:10 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 08:49 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 09:35 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 09:44 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 10:08 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمد على النقرو | 06-27-07, 10:10 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 10:40 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-27-07, 10:43 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:01 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:14 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:21 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:23 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:27 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:29 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:24 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:44 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:48 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:56 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 08:11 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 08:33 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-28-07, 09:21 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمد جميل أحمد | 06-28-07, 10:15 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:43 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:27 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:47 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 12:07 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 08:05 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 08:50 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 09:08 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 09:19 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 10:49 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 11:47 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 12:48 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 01:04 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:07 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:11 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:31 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:39 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:19 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:25 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:28 PM |
|
|
|