|
Re: بين حجرين - رواية (Re: هشام آدم)
|
_______________________
الفصل السادس :
تذكّر الريّس كيف كان انبهاره بالأجواء المخملية للنادي الإفرنجي أول مرة ، عندما رأى انعكاس ذلك على وجه أبو السيك الذي لم يكفّ عن ترديد "ديشاااك" مقلباً بصره فيما حوله بطريقة متفحصة ومندهشة، بينما تقدّم هو بثقة العارف بالمكان فحيّا أمير سيد أحمد الذي كان منشغلاً كعادته بتلميع الكؤوس ورصّها بكل أناقة في الرفوف ذات الشكل الهندسي الشبيه بخلايا النحل، وسحب مقعده الذي اعتاد الجلوس عليه مبدياً ابتسامةً حاذقة. كان أكثر ما يثير دهشة أبو السيك هو التناقض الحميم بين الريّس والمكان. لاحظ أبو السيك أن الصالة التي جلسا فيها كانت متدرجة، ففي المقدمة توجد طاولات أنيقة مفروشة بفرش أبيض ومناديل داكنة الحُمرة أمام كل مقعد، ومزهرية فارهة في منتصف الطاولة. كما لاحظ أنها جميعاً مصنوعة من البامبو الفاخر، بينما تأتي الطاولات بالمقاعد المعدنية المحشوة بالمخمل في الصفوف التالية، ثم الطاولات والمقاعد البلاستيكية في الصفوف المتأخرة بدون مزهريات تذكر. " آ يا صَبَره .. البيجيبك الحِتت دي شنو؟" وربما للمرة الأولى يشعر أبو السيك بتفوق الريّس عليه في أمرٍ آخر غير لعبة السيك. "هنا حتنسى أبوك زاتو" قالها الريّس مضيفاً عنصر التشويق للجلسة التي اعتبرها تاريخية وحاسمة. وبأسلوب لا يخلو من المكر نظر الريّس إلى صديقه وهو يقول "هنا ممكن نتفاهم".
تقدّم أمير سيد أحمد دون أن يُشهر ابتسامته الترحيبية المعهودة وبمحاولات جاهدة منه لتجنب الرسمية المتكلّفة، وقدّم البيرة للريس وصديقه في صمت، حتى دون أن يسأله عن مرافقه. فعرف الريّس أنه ليس على ما يرام. وبطريقة مهذبة أمسك بمعصمه:
* مالك يا زول، إنتا كويس؟ - الحمد لله ...
كان الريّس يفكّر فيما يمكن أن يجعل أمير حزيناً إلى هذا الحد. فلم يعهد عليه حزناً، ولم يكن هناك ما يجعله كذلك. فهو يعيش حياةً يتمناها كل من هم في سنه. هذه الحياة المليئة بالرقص والموسيقى والجمال والجميلات وفوق كل ذلك فهو يتقاضى راتباً لا يحلم به أحد. وعرف أنّ تلك الابتسامات المخنوقة التي يوزّعها على الزبائن ما هي إلاّ تقاليد مهنية مفروضة عليه. وبينما كان الريّس منشغلاً بحزن صديقه أمير، كان أبو السيك منشغلاً بالريس: "شايفك داقي صحوبية مع الجماعة كمان!" لم يكن الريّس ليغفل تلك الملامح الحزينة التي يخفيها أمير بصعوبة وراء ابتسامته المُجامِلة، وبدا وكأنه ممثل يقوم بدورٍ لا يُعجبه. تذكر حديثه الفلسفي عن الوجوه والأقنعة، وظنّ بنفسه خيراً لوهلة، وعرف أن ما كان يفكّر فيه لم تكن تخاريف عابثة، ولا مقولات متشائمة. وبقدر ما ارتاح لهذه النتيجة، بقدر ما حزن على أمير، بينما لم يشغل أبو السيك باله كثيراً بدوائر الريّس التراجيدية، بل راح يفتح علبة البيرة بشغف التجربة، ويقلّب عينيه في كل ما حوله "أتاريك ماك هيّن .. طلعت نمس!" أحس الريّس بانقباض لم يعرف سببه على وجه الدقة، ولم يكن ليصدق أن حزن أمير هو السبب في انقباضه، فهو يعرف عن نفسه أنه ليس عاطفياً بما يكفي ليشعر بذلك، وما زالت كلمات رفاق نادي ديم بوليس له ترنّ في أذنيه "إنتا زول ما عندك عُشرة". أكثر ما كان يشعر الريّس بالضيق هو أنه لم يكن في مزاج جيّد للتحدث مع أبو السيك حول موضوع الهجرة، إن لم يكن بسبب انقباضه فبسبب انشغال أبو السيك بالمكان وبمن فيه.
لأول مرّة يشعر الريّس بأنه غير سعيد في هذا المكان. حتى هو نفسه لم يكن يعرف بدقة سبب مجيئه إلى هنا. تارة يجد أنها كانت الوسيلة الوحيدة لإقناع أبو السيك والتناقش معه في جوٍ هادئ بعيد عن ضحكات شباب نادي ديم بوليس، وصافرات القطارات المغادرة ليلاً، وغمغمات الصاوي المزعجة ومناكفاته التي لا تنتهي مع فتحية شبانة، وتارة يرى أنه يتحجج بذلك فقط ليرى أوديت. هو نفسه لم يستطع أن يحدد أي الخيارات كانت في ذهنه عندما قرر المجيء، غير أنه كان أكيداً من أنه ليس بالدهاء الذي يجعله يخطط لضرب عصفورين بحجر واحد. وربما رجّح أنه سيكون سعيداً لو رأى فاتنته الإيطالية أكثر من سعادته فيما لو نجح في إقناع أبو السيك بالهجرة. لم يترك الريّس الفرصة لصديقه بأن يكتشف المكان بمفرده، فكان يبادر في إعطائه إجابات تحليلية ووصفية لكل ما تقع عينه عليه حتى دون أن يسأل.
* الموية دي بالمناسبة جاية من حوض كبير مختوت في المطبخ، وفي فتحات في المجرى بتخش منها الموية، وتلف وترجع تاني .. شغل طرمبة وكده يا معلّم"
كانت الصالة تعج بالأفنديات، وفي زاوية ما يجلس أربع خواجات على طاولة واحدة يلعبون القمار بينما تلتف حولهم فتيات لهن ملامح أفريقية، إحداهن بمُشاط كردفاني طويل، وكلهن يرتدين بناطيل الجينز. ولم تختفي تلك النظرات المزدرية التي راحت ترمق الريّس وصاحبه:
* الجماعة ديل مالهم بيعاينو لينا كده؟ - يا زول ما تشتغل بيهم ... اتفرج ساااي بس.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:31 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:35 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:42 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:55 PM |
Re: بين حجرين - رواية | Mohammed Elhaj | 06-26-07, 05:57 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:02 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:05 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:09 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:17 PM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-27-07, 05:15 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 07:10 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 08:49 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 09:35 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 09:44 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 10:08 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمد على النقرو | 06-27-07, 10:10 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 10:40 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-27-07, 10:43 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:01 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:14 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:21 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:23 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:27 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:29 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:24 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:44 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:48 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:56 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 08:11 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 08:33 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-28-07, 09:21 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمد جميل أحمد | 06-28-07, 10:15 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:43 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:27 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:47 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 12:07 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 08:05 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 08:50 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 09:08 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 09:19 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 10:49 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 11:47 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 12:48 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 01:04 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:07 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:11 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:31 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:39 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:19 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:25 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:28 PM |
|
|
|