|
Re: بين حجرين - رواية (Re: هشام آدم)
|
____________________________
الفصل الرابع:
في شتاء عام 1981 كان أبو السيك مهجّساً بتزويج أخته إيمان، التي بدأت ملامحها الأنثوية في الاكتمال إلى حد أغرى شباب الحي بالتغزّل بها علانيةً، كلما مرّت عبر ميدان دقنة ذهاباً وإياباً. كانت إيمان وقتها بدأت، كلبوة نفساء، تدافع بكل ضراوة عن حقها في إكمال دراستها أمام إصرار أخيها الذي وضع لها شرط الزواج قبل فكرة إكمال الدراسة. ما أوقعها في حيرة من أمرها، فهي لم تكن ترغب الزواج، في حين أن رفض فكرة الزواج تلك كانت، كفكرة الإلحاد، مرفوضة شكلاً ومضموناً. ورغم أن إيمان ليست عدوانية بطبعها إلاّ أن أبو السيك لم يستطع أن يرغمها على الزواج بالإكراه. وربما كان سبب إصرار إيمان على دخول الجامعة، هو رغبتها القديمة في الوصول إلى الحد اليقيني الذي كان عليه إيهاب عبد السلام. فقد كانت لديها قناعات راسخة بأن الجامعة هي من تمنح تلك اليقينية والمنظار المقعّر. ولم يجد أبو السيك غير الريّس يشتكي له مما يختلج في صدره جراء عناد أخته، وترفض الخطّاب الواحد تلو الآخر، بشغفٍ غير مسبوق للتعليم ولم يكن معترفاً به في العائلة. كانت موافقة أبو السيك على ذلك تعني أن يرسلها إلى الخرطوم وحدها – وهو ما كان يرفضه بشكل قاطع وغير قابل للنقاش - أو أن ينتقل معها إلى هناك، حيث تكون أمام مرآه ومسمعه. عندها وجد الريّس نافذة مشرعة، أو ربما مشتركة تفتح الجرحين على إطلالة واحدة "الهجرة".
"تعليم البنات قلّة أدب، وكلام فارغ ما ليهو داعي" هذه هي الجملة التي كان يرددها أبو السيك دائماً كلّما فاتحه الريّس في موضوع إيمان، "ما في النهاية مصيرها لبيت راجلا، لازمتو شنو وجع الراس؟" كان الريّس يخمّن أن إيمان بعنادها ذلك تحاول التخلّص من حالة الاعتيادية التي لم ينج منها أحد حتى كلبة فريال، فحاول أن يوّفق بين حلمه، ورغبة إيمان في إكمال دراستها، ليس لحرصه على مستقبل إيمان الأكاديمي قطعاً، بل لأنه ظنّ أن مارد حلمه القديم بدأ يستجيب له أخيراً، كان يؤمن بأن وجود أبو السيك معه يساعده كثيراً في اجتياز مستنقع الاغتراب، وعندها فقط عرف الريّس أنّ الوحشة والغربة – إضافةً إلى ملله من الاعتيادية - هما ما كان يخشاه، وما كانا يحولان دون جدّيته في تلك الخطوة. عرف أنه لو تمكّن من إقناع أبو السيك فسوف يحقق ذلك الحلم الذي ظلّ يراوده على مدار ثلاثة أشهر. لم يكن الريّس قد حدد بعد في أي مهنة قد يعمل هناك، ولكنه كان يشعر بشيء غامض يدفعه إلى الخروج من بورتسودان، كأنّ أرواح أسلافه المدفونة في مكانٍ ما تدعوه ليلاً. وربما تملّكه إحساس قوي بأنه المقصود بنبوءة شيخ الطريقة البرهانية العتيقة التي ما زال يتذكرها عندما خاطب عبد السلام محجوب الكاشف بطريقته المنهجية: "سيكون من ذريتك شخص ذا شأن"، وتملّكه هذا الإحساس بعد أن شُفيَ من فاجعة موت أخيه مكي بأربعة أشهر. وربما ظلّت هذه النبوءة مختبئة في مكانٍ ما إلى أن بدأت تخرج مع رغبته الجامحة في الهجرة. كان الريّس يعتقد أن ثروةً ما، أو قدراً سخياً ينتظره في مكان آخر، وأنه على بوابات بورتسودان سوف يلتقي بملائكة ذوات أجنحة بيضاء تدله على الطريق التي يتوجب عليه أن يسلك:
* ياخي مالو لو كمّلت قراياتها .. مش أخير من قعادها في البيت؟ - قراية شنو إنتا كمان، يعني نتبهدل أنحنا عشان حضرتها دايرة تقرا جامعة؟ وهو في منو في العِيلة ولا من بنات الحِلّة قرن جامعة لمّن دايرة تقرا هي؟ ما ياهونديل بنات الحلّة كلّهن قاعدات في بيوتهن، زايدة عنّهن في شنو يعني؟ دلع وقلّة أدب فارغة. * مش يمكن في الخرتوم الله يكتب ليك رزق أوسع من هنا ؟ - ومش ممكن لأ ؟؟ * ياخي ما تبقى متشائم كده .. إنتا قول خير بس - المسألة ما تشاؤم بس الليلة أنا لو ما لاقي شغل هنا معليش، لاكين أخلي شغلي وأمشي ورا راس الغبيانة دي ولاّ كيف يعني؟ دي شورتك يا الريّس؟ * والله يا أبو السيك، أنا غرضي ننزل الخرتوم، ونفتّش شغل هناك. حسي عليك الله عاجبك الفقر اللي أنحنا فوقو ده؟ - وفي الخرتوم إن شا الله داير تشتغل مقاول ولا مدير بنك؟ وبعدين كان ما عاجبك الشغل في المينا سيبو وشوف في مكان تاني، في سلبونا، في ديم نور في هَدَل في سواكن في أي مكان تاني .. إن شا الله في أولي زاتو ... هو قالوا ليك ما في شغل إلاّ في الخرتوم؟
كانت مهمّة الريّس في إقناع أبو السيك تبدو صعبة للغاية، لا سيما وأنّه لم يكن مقتنعاً بالحجج التي يسوقها له. ولم يستطع أن يخبر صديقه بأنه يرغب في الخروج من بورتسودان تلبيةً لنداءات قوى عليا خفية. فقد خشي أن يصفه بالجنون أو بالخبل، خاصة وهو يعلم موقفه من عالم ما وراء الطبيعة. وما كان يجعل مهمة الريّس بالغة الصعوبة هو عدم اقتناع فتحيّة شبانة (والدة أبو السيك) بجدوى مواصلة ابنتها في الدراسة، سيّما وأن جاراتها بدأنّ يسألنها – في أحاديث القيلولة – عن سبب بقاء ابنتها من غير زواج حتى هذه السن رغم جمالها وانتهائها من الثانوية العامة. الأمر الذي كان يضعها أمامهن في حرجٍ لا مخرج منه إلاّ القول بأنها لم تجد من يناسبها بعد، وأن رقبة ابنتها ما تزال معقودة إلى حبل القسمة والنصيب. وفي مشاجراتها الدائمة مع ابنتها كانت فتحية تردد: "ده الكلام البسمعو بي أضاني .. الله أعلم بيقولوا من وراي شنو؟"
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:31 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:35 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:42 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 05:55 PM |
Re: بين حجرين - رواية | Mohammed Elhaj | 06-26-07, 05:57 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:02 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:05 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:09 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-26-07, 06:17 PM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-27-07, 05:15 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 07:10 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 08:49 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 09:35 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 09:44 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 10:08 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمد على النقرو | 06-27-07, 10:10 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 10:40 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-27-07, 10:43 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:01 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:14 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:21 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:23 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:27 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-27-07, 01:29 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:24 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:44 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:48 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 06:56 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 08:11 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 08:33 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-28-07, 09:21 AM |
Re: بين حجرين - رواية | محمد جميل أحمد | 06-28-07, 10:15 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:43 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:27 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 11:47 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-28-07, 12:07 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 08:05 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 08:50 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 09:08 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 09:19 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 10:49 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 11:47 AM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 12:48 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 01:04 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:07 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:11 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:31 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 03:39 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:19 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:25 PM |
Re: بين حجرين - رواية | هشام آدم | 06-30-07, 07:28 PM |
|
|
|