أيـــــامي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 00:45 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-17-2006, 02:12 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أيـــــامي (Re: هشام آدم)

    ________________

    كنا على وشك الرحيل عندما قبّلتني سوليداد فيدل جدتي لأبي وهي تضع في يدي بطريقة سريّة عملة ورقية بائسة. ورغم أنني لم أكن وقتها أعرف قيمتها على وجه التحديد، كما أنني لم أتوقع منها أن تفعل ذلك إلاّ أنني غضبت لأنها لم تجد غير تلك العملة المهلهلة لتعبّر بها عن مدى حبها لي، واكتفيت بالسماح لها بتقبيلي، بشفتيها الرطبتين، دون أن أبادلها القبلات تعبيراً مني عن استيائي البالغ للإهانة التي وجهتها لي. أذكر أنها بكت ذلك اليوم لسبب لا أعرفه، فلم أكن لأصدق أنها تحبني لدرجة البكاء عند توديعي. غير أنني اكتشفت عكس ذلك عندما وصلنا إلى "كوينكا" بعد رحلة طويلة ومتعبة أصبت فيها بالجدري، وربما كانت أمي أكثر المتضررين من هذه الرحلة، إذ كان عليها أن ترعى طفلاً مريضاً، وفتاة مزاجية مشاغبة هي جوانيتا سارجينيو أختي التي تكبرني بعامين. والدي الذي ظلّ في أرتكاتا حيث يعمل في منجم للألماس، كان قد أوصى والدتي في إحدى مكالماتهما الهاتفية السريعة، التي لم تكن تتخللها كلمات عاطفية قط، أوصاها أن تأخذنا إلى حيث مسقط رأسه لنتعرف إلى أقاربنا هناك. كان تصرفه هذا الذي بدافع صلة الرحم يحوي في حقيقته مغزىً بالغ الأهمية بالنسبة له لا يخلو من زهوٍ ذكوري طالما رغب أن يشعر به منذ أن تزوج بأمي في العام 1971م. شعرت بسعادة غامرة وأنا أسمع صافرة القطار وهو يغادر توليدو ملوحاً بيدي لولئك الذين اصطفوا على امتداد رصيف الميناء البري حتى دون أن أعرفهم.


    في الفترات القصيرة والمتباعدة التي كنت أفيق فيها من الإعياء كنت لا أرى عبر نافذة القطار غير أرضٍ صخرية مجدبة،متلائمة تماماً مع الحمى التي كانت تتناوشني طوال الرحلة، الأمر الذي كان يوحي لي دائماً بأنني قد أموت من العطش. وما كان يزعجني أكثر من تلك الحمى الجدرية هو صوت صفائح عربات القطار التي توحي لك بأنها سوف تنفصل عن بعضها في أية لحظة، وأصوات عجلاتها الحديدية التي كانت تشبه نبضات قلب مارد عملاق. كانت هذه الأصوات مثيرة للاكتئاب والخمول لا سيما مع الجو الحزائني الذي كان يكتنف القمرة. الشيء الوحيد الذي علق بذهني بقوة من تلك الرحلة هو رائحة جلد المقاعد التي كانت تشبه رائحة وبر القطط إلى حدٍ بعيد. كنت في تلك الفترة محاطاً باهتمام النساء العجائز الأمر الذي جعلني مبكراً أشعر بالتقزز من رائحة كبار السن ومنظر تجاعيد جلودهم وعاداتهم الغذائية التي كانت تبعث في نفسي الرغبة في التقيؤ. ورغم ذلك فقد كنّ أكثر الناس اهتماماً بي. وعلى صعيدٍ آخر فإن ثمة ضغينة أسرية قديمة سبّبها سلوك والدي الاستقلالي المبكّر والذي اعتبره جدي عقوقاً من النوع السافر، عندما رفض أبي أن يسميني على اسمه، وأرسل برقية من سطر واحد "نهنئكم بولادة كاسبر سارجينيو" كان ذلك عام 1974م. ولم يحقق له أحد أبنائه حلم أن يحمل أحد أحفاده اسمه الذي لا يوجد إلاّ في الفرنسية القديمة. وكان ذلك سبباً وراء تخفيف غضب جدي على والدي بعد مرور أكثر من خمسة أعوام على ولادتي. غير أن شظايا من ذلك الغضب الأبوي القديم انتقل بطريقة ما إلى أخوته الذين شهدوا النوبة القلبية التي أصابته عندما قرأ برقية أبي المستفزّة. غير أن الحقيقة هي أنهم لم يكونوا ليطيقوا نجاح أبي في الفرار من جحيم أورفل بودن المتسلط ليعمل في منجم الألماس الأشهر آنذاك، تاركاً إياهم بين قبضة والدٍ صعب المراس، وطبيعة اجتماعية قاسية يصعب معها الطموح. وربما كانت إحدى المآثر النادرة التي أذكرها لوالدي هو رفضه تسميتي بأورفل، إذ كان ليبدو كاسم مهرّج غير معتد النسب "أورفل ساجرينو أورفل."


    تشاركنا ذات القمرة سيدة فضولية كثيرة الكلام ترتدي فستاناً أسوداً مرقّطاً بدوائر بيضاء صغيرة، ونظارات تبدو أنها لحفظ البصر، وقفازات سوداء متوافقة مع لون الفستان. اكتشفت فيما بعد أنها زوجة أحد أصدقاء والدي. لم تكف تلك السيدة - شارلوت كوربن - عن إسداء النصائح لأمي عن الطرق الشعبية المثلى لتطبيبي نظراً لخبرتها الطويلة في هذا المرض الذي أصاب أخويها وابنها مؤخراً، وتعجبت كيف نجت منه. كانت أسوأ تجربة مررت بها في هذه الرحلة عندما تركت أمي أمر رعايتي لهذه السيدة الفضولية وذهبت لقضاء حاجتها.


    كانت هي المرّة الأولى التي اكتشف فيها ميل أهلي من القبائل النوركية للعلاجات الشعبية وتصديقها أكثر من العلاجات الطبية الحديثة. كانت نظرتهم للطب وللتكنولوجيا عموماً أقل احتراماً، لذا فإن أقرب مشفى كان على بعد مسيرة يوم كامل من كوينكا. من خلال النافذة كنت استمتع بمشاهدة الباعة المتجولين في المحطات التي يقف فيها القطار لمدة لا تتجاوز الربع ساعة على الأكثر. كان منظر المحطات بائساً لدرجة أنها توحي لك بالنعاس، ولولا مرور بعض الوجوه النمطية لخيّل إليك أنها مهجورة. كما أنها لم تكن تحتوي على لافتات تحمل أسماء تلك المحطات، عرفت ذلك من أسئلة السيدة كوربن التي كانت تتدلى من النافذة لتسأل المارة "أية محطة هذه؟" وما زلت أذكر تلك الفتاة النحيلة التي كانت تبيع في سطل تقليدي قديم عصائر بلون أحمر معلّبة في أكياس شفافة، عندما أشرتُ لأمي لشرائها، فتقدمت السيدة الفضولية لتنصحها بألا تفعل لما قد تسببه المشروبات الباردة عليّ وعلى حالتي الصحية، ورغم اقتناع أمي بكلامها إلاّ أنني كنتُ قد وصلتُ في كراهيتي لهذه السيدة إلى مراحل متقدمة جداً يصعب معها أن أتقبل منها نصيحة، أو أن أهزم أمامها وأمام نصائحها الفضولية، واعتبرتُ أن مسألة شراء المشروب المثلّج مسألة عائلية خاصة، ولم يكن أمامي سوى أن ألجأ إلى البكاء معتمداً على كوني مريضاً، ودائماً ما تنجح هذه الخطّة، فالمرضى لهم معاملة خاصة، وهم أكثر دلالاً من الأصحاء. ولكنني لم أكن لأعرف طعم ذلك العصير بسبب مرارة لساني. لا يهم فقد أحسست بنشوة الانتصار على أية حال.


    لا أدري لماذا كان يخيّل إليّ أن السيدة كوربن كانت ترمقني بنظرات تبادلني فيه الكراهية من تحت نظاراتها الخفيفة. ظلت الحرب غير المعلنة بيني وبينها مستمرة حتى وصل القطار في ظهيرة يوم قائض إلى "كاتوشيا" حيث تجمع عشرات الرجال والنساء الذين قدموا للاستقبال. وكان ذلك آخر عهدي بالدفء الأمومي. كنت أشعر بحزنٍ ووحشة غير منطقيين وأنا أراقب تلك المشاهد الميلودرامية لأُسر حكم عليها الحرب بالانفصال والتشريد.
                  

العنوان الكاتب Date
أيـــــامي هشام آدم11-17-06, 01:58 PM
  Re: أيـــــامي هشام آدم11-17-06, 02:01 PM
    Re: أيـــــامي هشام آدم11-17-06, 02:05 PM
      Re: أيـــــامي هشام آدم11-17-06, 02:08 PM
        Re: أيـــــامي هشام آدم11-17-06, 02:12 PM
          Re: أيـــــامي هشام آدم11-17-06, 02:59 PM
  Re: أيـــــامي خضر حسين خليل11-18-06, 05:28 AM
    Re: أيـــــامي yaser mostafa11-18-06, 05:47 AM
      Re: أيـــــامي هشام آدم11-18-06, 10:55 AM
    Re: أيـــــامي هشام آدم11-18-06, 10:20 AM
      Re: أيـــــامي هشام آدم11-18-06, 11:05 AM
        Re: أيـــــامي هشام آدم11-18-06, 12:30 PM
          Re: أيـــــامي هشام آدم11-19-06, 03:30 AM
            Re: أيـــــامي هشام آدم11-19-06, 05:41 AM
              Re: أيـــــامي هشام آدم11-19-06, 11:12 AM
                Re: أيـــــامي هشام آدم11-20-06, 03:15 AM
                  Re: أيـــــامي هشام آدم11-20-06, 04:48 AM
                    Re: أيـــــامي هشام آدم11-20-06, 09:21 AM
                      Re: أيـــــامي هشام آدم11-21-06, 10:20 AM
                        Re: أيـــــامي هشام آدم11-21-06, 12:23 PM
                          Re: أيـــــامي هشام آدم11-21-06, 12:26 PM
                            Re: أيـــــامي هشام آدم11-22-06, 06:24 AM
  Re: أيـــــامي معتصم الطاهر11-22-06, 06:54 AM
    Re: أيـــــامي هشام آدم11-22-06, 10:52 AM
  Re: أيـــــامي فدوى الشريف11-22-06, 07:16 AM
    Re: أيـــــامي هشام آدم11-22-06, 11:25 AM
      Re: أيـــــامي هشام آدم11-22-06, 02:52 PM
        Re: أيـــــامي هشام آدم11-23-06, 03:06 AM
  Re: أيـــــامي معتصم الطاهر11-23-06, 08:00 AM
    Re: أيـــــامي هشام آدم11-25-06, 01:59 AM
      Re: أيـــــامي هشام آدم11-25-06, 02:08 AM
        Re: أيـــــامي هشام آدم11-25-06, 08:53 AM
          Re: أيـــــامي هشام آدم11-26-06, 02:48 AM
            Re: أيـــــامي هشام آدم11-26-06, 05:01 AM
              Re: أيـــــامي معاذ حسن11-26-06, 05:26 AM
                Re: أيـــــامي هشام آدم11-26-06, 07:33 AM
                  Re: أيـــــامي هشام آدم11-26-06, 08:52 AM
                    Re: أيـــــامي هشام آدم11-26-06, 10:14 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de