|
Re: أيـــــامي (Re: هشام آدم)
|
__________________
أمسيات كوينكا هادئة في الغالب ما عدا تلك الأمسية التي سمعنا فيها صراخاً أنثوياً قادماً من ناحية غربية. للوهلة الأولى اعتقدت أنها سيدة لربما تعرضت لهجوم من إحدى الأرواح الشريرة، لا سيما وأننا كنا نتحدث عن الأرواح الشريرة تلك الأمسية، وبدا لي هذا الاعتقاد راسخاً لدرجة لم أشأ فيها الخروج لمعرفة الحقيقة. ما دفعني للخروج هو عزم الجميع على معرفة مصدر الصوت. فخرجت معهم لأنني خشيت أن أمكث وحدي. كان الصوت ما زال مسموعاً من ناحية ما. سرنا بموازاة نهر كويربو. كنت خائفاً من رؤية هذه المرأة المصابة بالمس، بل كنت أشعر أن الروح الشريرة التي دخلتها سوف تتركها وتدخلني لمجرد رؤيتي. في حالات الخوف لا يكون هناك إحساس جمعي. الخوف إحساس فردي وحالة ذاتية جداً. كانت صرخاتها تتعالى كلما اقتربنا من مصدر الصوت. وبينما كنت بالكاد أحرّك قدمي، كان الجميع يحثون الخطى. تملكني الخوف بصورة مفزعة. وأخذت أركض حتى ألحق بهم، فلم أكن أشأ أن أتخلف عنهم بمسافة طويلة.
عندما وصلنا إلى مصدر الصوت، كنت أتحاشى رؤية المرأة الممسوسة رغم فضولي الشديد لرؤية ما يجري. وعندما صاح أحدهم "لقد غرق فرانكلين" تبخرت مخاوفي فجأة، وانقلبت دون تدرج إلى شعور بالشفقة. عندها تجاسرت ورفعت بصري إلى المرأة التي كانت تقف على حافة النهر. كانت تحمل الماء بكفّيها وتسكبه على رأسها بهستيريا مخيفة وهي تقول "فرانكلين يا حبيبي لا تمت .. أرجوك" ولكن فرانكلين لم يسمع نداءاتها تلك. كانت تعلّق بصرها بنقطة ما في نهر كويربو الهادئ وقتها. خمّنت أنها النقطة التي رأت فيها فرانكلين آخر مرة. شعرت بغضب شديد تجاه النهر، وكرهت السيولة التي تبتلع أجساد البشر هكذا دون أن ترحم أحداً. كان هدوء النهر مستفزاً . لقد ابتلع النهر جثة طفلٍ لم يكمل عامه التاسع بعد. ربما كان أحد الصبية الذين التفوا حولي عند قدومي الأول لكوينكا. الرجال الذين خلعوا ملابسهم على إحدى الصخور العملاقة، عادوا جميعاً بعد أن قلبوا النهر رأساً على عقب بحثاً عن جثة فرانكلين. قال أحدهم بصوتٍ لاهث "ربما جرفه التيار إلى مكانٍ بعيد." تلك المرأة المفجوعة لم تكن تهتم كثيراً لتحليلاتهم طالما أن وليدها ما زال مفقوداً في هذا النهر الراقد في خبث أمامها. كانت تضرب بكفيها الماء. كنت أتساءل : ماذا لو كان النهر بذلةً جميلةً لوحشٍ بشع لا يتغذى إلاّ على لحوم البشر؟! هذه الحادثة جعلتني أكره المسطحات المائية وأتخذ منها موقفاً مبدئياً. كما كانت تفعل السيدة ، فقد علّقت بصري بتلك البقعة الساكنة من النهر، أترقب أن يخرج أحدهم منها رأسه. سواء أكان فرانكلين أو فرس النهر أو النهر نفسه.
وفي يأس مقيت ردد البعض عبارة مشيئية "لقد غرق الصبي وانتهى الأمر" كانت هي قاصمة الظهر بالنسبة للسيدة النائحة. وبينما بدأ الجمع بالعودة إلى منازلهم، كان قلّة منا فقط وقفوا لإقناع السيدة بنسيان الأمر. كنت أتساءل "ترى أين زوجها؟" ولماذا خبت نار الحماسة فيهم فجأة؟ وكأن الأمر لا يعنيهم. ترى ماذا سيكون مصير هذه السيدة؟ لم أنتبه إلاّ عندما أمسك كروسفينو إميليو بيدي معلناً خاتمة لتراجيديا كانت قد بدأت للتو "هيا بنا إلى البيت" وبطريقة لا شعورية تملصت من يديه وأنا أقول ببراءة "ولكن القصة لم تنته بعد" فصرخ في وجهي بتعالٍ "ليست فرجة لتقول ذلك" وربما كان ذلك أول مرة أكتشف فيها غباء خالي وعجرفته. قلت له: "ولكن السيدة ما تزال تبكي" كان يخيّل إليّ أنها لن تبرح مكانها طالما أن ابنها لم يخرج بعد. كانت تلك أول تجربة موت أخوضها عن قرب. كان النيل بهدوئه المستفز يبدو كقاتل أجير يعيد ارتداء سترته المطرية ويغسل يديه بلا مبالاة. تمنيت أن لو فقأوا عيني المرأة المفجوعة حتى لا ترى قاتل ابنها حراً طليقاً أمامها دون أن يستطيع أحد أن يثأر لها منه.
ذلك اليوم لم أستطع النوم. كانت ذاكرتي تعيد عليّ شريط الحادثة المأساوية باستمرار. وكانت صرخات تلك السيدة ما تزال تسبح في فراغات مسامعي كأنها ذرات غبار عالقة في متاهة فضائية خارج نطاق الجاذبية. كنت أبكي، بينما كان البعض قد أخرجوا قوارير النبيذ، لا سيما العم سانتوس الذي كان يعشق احتساء النبيذ ومات به. لذا فقد كانت النسوة لا يسمحن لنا بالجلوس معهم، ونضطر إما لمرافقتهن وسماع أحاديثهن المملة، أو نلعب في فناء المنزل المليء بالحشرات، ألعاب سرعان ما كنت أضجر منها. كانت أمي والجدة ماريابيلا تانكريدو تتسامران عندما دخل أحدهم دون أن يطرق الباب لاهثاً ليفتح الباب على مصراعيه سامحاً بدخول آخرين يحملون على أكتافهم شاباً مصاباً.
كان هذا الشاب هو جرسفندور رسل ابن العمة تيرا أورفل. قيل أنه لدغته أفعى سامة. أسرعت النسوة وجلبن بعض القطع القماشية وربطوا بها فخذ جرسفندور الذي كان يتصبب عرقاً غزيراً. بينما راح أحدهم يفتح جرحين غائرين بمحاذاة اللدغة. كنت أشاهد بصعوبة بالغة إجراءات عملية استخراج السم من قدم جرسفندور القادم إلى كوينكا لقضاء العطلة السنوية. وضع المعالج مادة بيضاء على الجرح فما كان إلى أن أوشك جرسفندور أن يقفز من مكان لولا أن أمسك به الشباب بقوة، وما هي إلا دقائق حتى خرجت مادة صفراء مسودة كأنها سكر محروق وهي تفور محدثة فقاعات هوائية على جلده. ثم غطّ جرسفندور بعدها في إغمائة عميقة.
كانت أفاعي أحراش أوسيكبو المرقطة تثير خوف النوركيين في قرية كوينكا إذ كانت تهدد حياة أبنائهم بالخطر كلما اضطروا لعبور الحرش إلى القرى المطلة على جبال السييرا نيفادا المغطاة بثلج لا يذوب على مدار السنة. وكان هو المنفذ الوحيد لكوينكا للعالم الخارجي، حيث أنها محصورة بين نهر كويربو غرباً وسلسلة جبال الرملة شرقاً. وما أثار دهشتي أنني كنت المذعور الأوحد في تلك الأثناء، إذ أن البقية كانوا قد اعتادوا على حوادث اللدغ تلك. كانت ثمة سيدة شاركت الشبان في تطبيب جرسفندور، وكانت تمسك بإحدى ذراعيه، بينما كانت جاثية على قدميها بطريقة قرفصائية، الأمر الذي جعل أطراف فستانها يتدلى دون أن تشعر هي بذلك سامحة لملابسها الداخلية بالبروز بوضوح لا يتكرر دائماً. كنت أظن أن الجميع منشغلون بلدغة جرسفندور، غير أن العم سانتوس أورفل كان قد لاحظ ذلك.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أيـــــامي | هشام آدم | 11-17-06, 01:58 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-17-06, 02:01 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-17-06, 02:05 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-17-06, 02:08 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-17-06, 02:12 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-17-06, 02:59 PM |
Re: أيـــــامي | خضر حسين خليل | 11-18-06, 05:28 AM |
Re: أيـــــامي | yaser mostafa | 11-18-06, 05:47 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-18-06, 10:55 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-18-06, 10:20 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-18-06, 11:05 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-18-06, 12:30 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-19-06, 03:30 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-19-06, 05:41 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-19-06, 11:12 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-20-06, 03:15 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-20-06, 04:48 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-20-06, 09:21 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-21-06, 10:20 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-21-06, 12:23 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-21-06, 12:26 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-22-06, 06:24 AM |
Re: أيـــــامي | معتصم الطاهر | 11-22-06, 06:54 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-22-06, 10:52 AM |
Re: أيـــــامي | فدوى الشريف | 11-22-06, 07:16 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-22-06, 11:25 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-22-06, 02:52 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-23-06, 03:06 AM |
Re: أيـــــامي | معتصم الطاهر | 11-23-06, 08:00 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-25-06, 01:59 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-25-06, 02:08 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-25-06, 08:53 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-26-06, 02:48 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-26-06, 05:01 AM |
Re: أيـــــامي | معاذ حسن | 11-26-06, 05:26 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-26-06, 07:33 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-26-06, 08:52 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-26-06, 10:14 AM |
|
|
|