|
Re: أيـــــامي (Re: هشام آدم)
|
_____________________
كوينكا هذه المدينة الجبلية المسكونة بالأرواح الشريرة كما تروي ماريابيلا تانكريدو، لم تكن تبدو مخيفة إطلاقاً إذا استثنينا الأصوات الغريبة التي تسمع ليلاً من وادي لاس توركاس. وفي حين تتفق روايات نساء كوينكا على أنها أصوات الأرواح الشرير المحبوسة في مكانٍ ما من الوادي، فإن قلّة من الناس توعز هذه الأصوات إلى مرور الرياح على الوادي الذي على شكل مخروط مقلوب. تقول ماريابيلا أن أرواح شهداء الحرب الأهلية المدفونة في وادي الشهداء القريب من الأسكوريال تنتقل ليلاً عبر وادي الريسكو دي لانابا والأودية الأخرى المترابطة كأنها حلقات سلسلة عملاقة، في ثورة غاضبة لا سيما أولئك الذين فصلت رؤوسهم عن أجسادهم. وتقول أن كاهناً قد حاصرهم وحبسهم في وادي لاس توركاس حيث مصدر الصوت بعد أن رفضت أن تسكن في تمثال ضخم نُصب خصيصاً لهم - حسب رواية الجدة تانكريدو - وكانت هذه الرواية متداولة بكثرة لا سيما بين أطفال كوينكا الذين لم يكن يسمح لهم بالخروج ليلاً لأي سبب كان.
ما زلت أذكر ملامح العم سانتوس الذي لم أشهد أيام شقاوته التي كان والدي يتندر بها دائماً. كانت ملامحه توحي بدفء محبب كأنه شخص تعرفه منذ زمن بعيد. يومها عندما ذهبت أمي مع العمة كيوريدا أورفل إلى عزاء أسري تركتني ومورس لونيل في عهدته. وبينما كان منهمكاً في عزف مقطوعة موسيقية شعبية على جهاز البيانو الضخم الذي يحتفظ به في غرفته، وسوس لي مورس لونيل أن نقتفي أثر أمهاتنا، ليس لشيء سوى كسر الأوامر وخلق مغامرة من نوعٍ ما. كان مورس لونيل القادم مع والدته - العمة كيوريدا أورفل - من توليدو قد سبق له زيارة كوينكا من قبل، الأمر الذي جعلني مطمئناً إلى أنه يعرف المنطقة بشكل جيد. في طريقنا إلى أبيلا مررنا بحرش أوسيكبو الذي يعتبر محمية الغزلان الأكثر شهرة على الإطلاق في المنطقة. وبعد مسيرة نصف ساعة على الأقدام وصلنا إلى مقبرة في أطراف أبيلا. كانت شواهد القبور الحجرية المنتهية بعلامات الصليب توحي لي بأن الموتى يخرجون لنا ألسنتهم الخشبية من باطن الأرض. كانت المقبرة موحشة وتدعو للقشعريرة. أحسست بشعر رأسي يقف كأشواك قنفذ متحفّز لقتال. كانت ثمة رائحة غريبة تنبعث من المكان. خيّل لي أنها رائحة الموتى أو ربما كانت رائحة الموت نفسه. وفي جانبٍ ما من المقبرة وقف عشرات الرجال والنساء المتشحون بالسواد وهم يستمعون إلى تلاوات قسيس جاد الملامح ذو لحية بيضاء جعلتني أشعر تجاهه برهبة غريبة. وأمام الجميع تابوت خشبي مكشوف الغطاء، يرقد بداخله في سلام رجل لم نتمكن من رؤيته، لا يزعجه صوت القسيس المحشرج، ولا أشعة الشمس التي تسقط عامودية عليه. كانت ثمة تفاصيل جنائزية حريّة بالمشاهدة،لذا وقفت أنا ومورس لونيل خلف شجرة بلّوط نراقب مراسم الدفن بكل انتباه، حتى اكتشفتنا عينا امرأة لم تكن منتبهة لتلاوات القسيس على ما يبدو. عادت بنا أمهاتنا متوعدين إيانا بعقوبة بالغة القسوة. كانت فكرة الضرب في حد ذاتها ليست مخيفة بالنسبة لي، إذ كنت معتاداً عليه من أبي، ولكنني خشيت أن يفقدني الضرب هيبة واحترام الزائر الجديد لذا فقد كنت أحاول طوال الطريق أن أوجد مخرجاً من هذا المأزق. ولم تخطر ببالي أية فكرة منقذة إلا أمام العم سانتوس الذي تلقى إهانات بالغة من أمي ومن العمة كيوريدا لإهماله في رعايتنا أثناء غيابهما. وبطريقة حازمة اقتادنا إلى غرفته وجلس على سريره وأمرنا بالجلوس أمامه. كان كالقاضي الذي يستمع إلى المتهمين قبل إصدار الحكم. سألنا بغضب "ألم أحذركم من الخروج؟" كانت نظراته لي تحمل - بالإضافة إلى الغضب - عتباً من النوع الذي يعني خيبة الأمل. فنطق عفريتٌ ما على لساني:
* لقد غرر بي مورس. كان يصر على الذهاب بينما كنت أمنعه من ذلك، فغافلني وخرج. وعندما خرجت وراءه لأثنيه عن ذلك لم يستمع لي. وبينما أسير وراءه رأيت أيلاً في حرش أوسيكبو تضع مولودها. شدني المشهد الذي كنت أراه للمرّة الأولى. ولأن عملية ولادة الأيل استغرقت وقتاً طويلاً لدرجة كانت كافية لأن أنسى ما كنت بصدده. وهذا ما حدث بالضبط. والرب يشهد على ذلك.
كانت هذه أول كذبة أتذكر تفاصيلها. ورغم أنها كانت ساذجة وسيئة الحبكة إلاّ أنها راقت للعم سانتوس كثيراً، واعتبرها كذبة خلاّقة مقارنة لطفلٍ في مثل سني. وكان مورس لونيل ضحية هذه الألمعية إذ تحمّل العقوبة وحده. بالنسبة لي كانت كذبة شديدة الحبكة، ومترابطة لدرجة أنني شعرت بالفخر، وربما كانت تلك البذرة الأولى لموهبة التأليف والسرد القصصي، غير أني لم أعتبرها كذلك حينها، فقد كان الغرض منها هو التملّص من عقوبة وشيكة ليس إلاّ.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أيـــــامي | هشام آدم | 11-17-06, 01:58 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-17-06, 02:01 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-17-06, 02:05 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-17-06, 02:08 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-17-06, 02:12 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-17-06, 02:59 PM |
Re: أيـــــامي | خضر حسين خليل | 11-18-06, 05:28 AM |
Re: أيـــــامي | yaser mostafa | 11-18-06, 05:47 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-18-06, 10:55 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-18-06, 10:20 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-18-06, 11:05 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-18-06, 12:30 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-19-06, 03:30 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-19-06, 05:41 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-19-06, 11:12 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-20-06, 03:15 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-20-06, 04:48 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-20-06, 09:21 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-21-06, 10:20 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-21-06, 12:23 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-21-06, 12:26 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-22-06, 06:24 AM |
Re: أيـــــامي | معتصم الطاهر | 11-22-06, 06:54 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-22-06, 10:52 AM |
Re: أيـــــامي | فدوى الشريف | 11-22-06, 07:16 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-22-06, 11:25 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-22-06, 02:52 PM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-23-06, 03:06 AM |
Re: أيـــــامي | معتصم الطاهر | 11-23-06, 08:00 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-25-06, 01:59 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-25-06, 02:08 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-25-06, 08:53 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-26-06, 02:48 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-26-06, 05:01 AM |
Re: أيـــــامي | معاذ حسن | 11-26-06, 05:26 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-26-06, 07:33 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-26-06, 08:52 AM |
Re: أيـــــامي | هشام آدم | 11-26-06, 10:14 AM |
|
|
|