على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 02:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عصام جبر الله(esam gabralla)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-07-2008, 00:26 AM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر (Re: esam gabralla)


    فريديريك لوردون
    يوم أصبحت "وال ستريت" اشتراكية

    أنقذوا المصارف من الكارثة

    من أجل تلافي انهيار البورصة وتجمّد أسواق الإقراض مما قد يؤدّي لإصابة كل الأنشطة الإقتصادية بالعدوى، تخلّت السلطات الأميركية عن الإنقاذ الجزئي للتحوّل نحو خطّة إنقاذٍ شاملة. وزير المالية السيد هنري بولسن ورئيس الاحتياطي الفدرالي السيد بين بيرنانكي، اقترحا أن تشتري السلطات العامة، أي المكلفّ الضريبي، الديون المصرفية المشكوك فيها حتّى سقف 700 مليار دولار. وفي خضم المعركة الإنتخابية، يتردّد الكونغرس الأميركي أمام التزامٍ ماليٍّ بهذا الحجم، لم يسبِق أن حصل ولن يكون له مقابل، ويهدّد بتفجير عجز الموازنة، كما يشكّل ضربةً جديدةً لقيمة الدولار. حتّى أنّ أحد النواب لم يتردّد بالتنديد بهذه "الإشتراكية المالية"، التي يعتبرها "غير أميركية". وكما دائماً في ظروفٍ مشابهة، حرّضت العاصفة المالية العديد من الخطابات حول ضرورة "تهذيب" الرأسمالية، والاستعجال الطاريء "لعودة القواعد والنظم"، والحاجة لمعاقبة "المذنبين". بل يذهب البعض أبعد من ذلك: "وال ستريت التي عرفناها لن تستمرّ بعد اليوم"، كما أعلنت ذلك... صحيفة "وال ستريت".


    يجب أن يكون المرء صاحب روحيّة طفل، أو مؤمناً بما هو غرائبيّ، لكي يأخذ على محمل الجدّ الوضعية العسكريّة التي اتّخذتها السلطات الأميركية وهي تواجه انهيار بنك الأعمال "ليمان براذرز" Lehman Brothers، وحيث لم تستغرق القصّة سوى يومين لكي يتحوّل مشهدها إلى تلبّطات وضعٍ ميؤوسٍ. إذ كان الأمر رهاناً دقيقاً بالغ المجازفة، بل حتّى خطوةً لا يمكن في الحقيقة احتمالها إذا كان شاهداً على انقلابٍ استراتيجيّ، من أن يتمّ رفض إنقاذ بنك الأعمال المنهار.

    والحقيقة أنّ في الأحداث الحالية ما يُفقِد الصواب، وأنّ تتالي الحالات الحرِجة بشكلٍ متسارع، حيث اعتبرت كلّ واحدة منها وقت حدوثها على أنّها "قمّة" الأزمة، وإذا بها تمّحى أمام ما هو أشدّ خطورةً وأكثر استعراضيةً، قد تضافرت كلّها من أجل إغراق السلطات الحكوميّة والرقابيّة في هاويات من الفوضى الضياع.

    وتلاحقت عطل نهاية الأسبوع الطارئة بوتيرةٍ متسارعة: ففي 16 آذار/مارس، كان دور مصرف "بير شتيرن" Bear Stern؛ وفي 12 تموز/يوليو، "فاني ماي وفريدي ماك" Fannie Mae-Freddie Mac في فصلهم الأوّل؛ ثمّ في 6 أيلول/سبتمبر هما أنفسهما في فصلٍ ثانٍ؛ وفي 13 أيلول/سبتمبر "ليمان براذرز" و"ميريل لانش" Merril Lynch، في 16 أيلول/سبتمبر (لم يعد الأمر يستغرق أسبوعاً) "المجموعة الأمريكية الدولية" American International Group, AIG. ولم يكن أمام طاقم ثنائي وزارة الخزانة-صندوق الاحتياط الفدرالي، الذي يعتقد في كلّ مرّة أنّه عالج الأمور حتّى أكثر من حجمها، إلاّ أن يكتشف أن لا شيء ينفَع، وأنّه يجب عليه البدء من جديد.

    ولنقرّ لهذا الطاقم بأنّه عرف حتّى الآن كيف يواصل استعمال كفاءاته الباهرة، حتّى وإن كانت ستذهب كلّياً سدىً إذا كان الهدف الفعليّ يتعلّق بوضع حدٍّ نهائي لانهيار عالم المال الأميركي، وأنّه عرف أن يقوم بذلك مقابل كلفة ليست مالية وحسب، إذ لا رئيس الاحتياط الفدرالي بن برنانكي، ولا حتّى هنري بولسن، الرئيس السابق لـ"غولدمان ساكس" Goldman Sachs، أي الجوهرة المطلقة في عالم الرأسمالية المطلق، والذي أصبح فيما بعد وزير الخزانة في إدارة يمينية إلى أقصى الحدود، قد تخيّلا أبداً أنّهما سيعيشان هذه المفارقة المؤلمة وهما يُكنيّان "بالاشتراكيين" في كلّ مرّةٍ يضطرّان فيها إلى تقديم المساعدة الحكومية لإنقاذ عالم المال الخاص.

    ربّما كانت مَذَلّة التهمة بالإشتراكية هي التي دفعت الواحد تلو الآخر ليقرّر، في أسبوع الثامن من أيلول/سبتمبر، وبعد أن استنفذتهما عملية الإنقاذ الضخمة لمؤسستي "فاني-فريدي"، وليضطرّا على الفور أن يُكملا جهودهما لإنقاذ مصرف "ليمان!"، أن يخفّف عن كاهله وأن يُفهِمَ المجتمع المالي أنّ التفاوض في المرحلة المقبلة سيجري من دونهما.

    وإذا وضعنا جانباً نواحي المضايقات الشخصية، يمكن أن نتفهّم موقف الثنائي "الفدرالي-الخزانة" (الاحتياطي الفدرالي-ووزارة الخزانة). إذ تبدو السلطات قلقة، وليس من دون حقّ، من السوابق التي تخلقها كلٌّ من عمليات التدخّل التي تقوم بها، ومن أنّ أصحاب المصارف الخاصّة قد يذهبون مرتاحين نحو إعلان الافلاس، حيث يدركون أنّه في اللحظة الأخيرة "يجب" على أحد إنقاذ رهاناتهم، كما جرى أساساً الأمر مع "بير شتيرن" و"فاني-فريدي". هنا تصاب الأخلاق بصدمة من هذه التسهيلات؛ فمن الصعب تمالك الأعصاب أمام مشهد عالم المال الصلف والمحقّق للثروات عندما تكون الأمور على ما يرام، والذي يلجأ من ثمّ ليختبيء في كنف السلطات العامة، التي كان ع يصفها ادةً "بضلال الزمن السوفييتي"، وذلك لكي يستجدي منها أشكال الحماية والاستثناءات.

    لكن وللأسف، وكما في الغالب، الأخلاق هي أكثر الوسائل ثقةً لتضليل التحليلات؛ مع أنّ هذا لا يعني في أيّة حال القول أنّ السخط الذي تنتجها ليس مشروعاً، ولا حتّى أنه لا يجب رسملتها لمراكمة مصدر قوّةٍ سياسية للضرب لاحقاً بشدّة. لكن فقط لاحقاً، إنّما حتماً دون طول انتظارٍ... ما يعني... بعد... أن يتمّ تحليل وتوضيح طبيعة ما جرى. والحال أنّ هناك خطراً منظوميّاً (أي معمّماً systémique)، أيّ أنّ هناك إمكانية، نتيجة كثافة الالتزامات بين المصارف، من أن تؤدّي عملية إفلاس أحد الفعاليات، وفق مبدأ موجات الصدمة المتلاحقة، إلى إطلاق شلاّلٍ من الإفلاسات الجانبية.

    ويجب تذكير بعض الليبراليين، أنّ في تعبير "خطر منظوميّ" هناك كلمة "منظوميّ"، أيّ أنّ المقصود هو "المنظومة"... أي "مجمل" المؤسّسات المالية الخاصّة، المعنيّة احتمالاً بانهيارٍ شامل. وأنّه، في حال أردنا فعلاً أن نكون أكثر وضوحاً، بمجرّد أن تصبح "منظومة" عالم المال، وبالتالي القروض، في حالة دمار، لا يبقى هناك، بكلّ بساطة، أيّ إمكانيّة لأيّ نشاطٍ اقتصاديّ. لا يبقى شيء. فهل هذا كافٍ لاستشراف ثقل الانعكاسات الهائل؟

    ومهما كان ذلك مضنياً، لا بديل من الاستنتاج أنّه بمجرّد أن تنفجِر فقاعة مالية ويتسلّّح الخطر المنظوميّ، يفقد المصرف المركزي تقريباً كلّ هامشٍ للمناورة: فعملية خطف الرهائن المتمثّلة في كون عالم المال الخاصّ قادراً على ربط مصيره الأسوأ بكلّ نواحي الاقتصاد الأخرى، على أساس أنّ انهيار هذا يفضي حُكماً إلى انهيار الآخر، والتي تفرِض بالنتيجة تدخّل السلطات الحكوميّة لنجدتها، عملية خطف الرهائن هذه لا يمكن إذاً مجابهتها في خضمّ الأزمة. ولهذا فإنّ إعادة النظُم والقواعد بشكلٍ ملحوظ إلى عالم المال لا يمكن القيام بها إلاّ ضمن إطار هدفٍ استراتيجيّ يقضي بمنع تكوّن الفقّاعات مجدّداً [1]، إذ بعدها... سيكون الآوان قد فات. هكذا لا يُمكِن مكافحة الخطر المنظوميّ إلاّ عبر استئصاله؛ إذ بمجرّد أن يعود للوجود، وخصوصاً إذا ما تنشّط، ستكون الجولة قد خُسِرَت.

    وإذا لم يبدِ الاحتياطي الفدرالي رغبةً جدّية في هذا الاستئصال، فإنّه يعي على الأقلّ إلى أيّة درجة تتمّ السيطرة عليه استراتيجياً في اللعبة التي يتواجه فيها مع عالم المال الخاصّ المأزوم، والذي يبدو، وللمفارقة، في حالة قوّة بقدر ما هو يحتضِر. ولذا فهو يخضع، وإن على مضض، للإيعازات المتلاحِقة من مختلف المصارف المنهارة لكي يهبّ إلى إنقاذها، إلاّ إذا أراد أن يسمح بوقوع كارثةٍ لا يمكن إصلاحها.

    هكذا هدّد مصرف "بير شتيرن"، في آذار/مارس عام 2008، بالامتناع عن تسديد مبلغ 13400 مليار دولار من الصفقات على مشتقّات القروض [2]، وهو ما يساوي عشرة أضعاف المبالغ في حالة مؤسسة " إدارة الرساميل طويلة الأجل" (Long Term capital Management, LTCM) ، التي كادت تطيح بالنظام المالي الأميركي في العام 1998. وفي تموز/يوليو هدّدت مؤسّستا "فريدي وفاني" بعدم تسديد دينهما البالغ 1500 مليار دولار. علماً أنّ هناك مؤسسات مالية من العيار الثقيل كانت تستثمر في هذه سنداتهما: مثل صناديق التقاعد Pension Funds، وصناديق التعاضد Mutual Funds، التي تمثّّل حسابات التوفير العادية للعموم، وحتّى بعض المصارف المركزيّة الأجنبية! ولكن لا يمكن السماح، ومن أجل بقاء النظام المالي الأميركي برمّته، أن يقع مثل هذا الحدث.

    ولا يحتاج السيّد هنري بولسن، وزير الخزانة، أنّ يشرح له أحدٌ الأمور: فقد خصّص في 12 تموز/يوليو مبلغ 25 مليار دولار من المال العام كقروضٍ إئتمانية وللشروع في إعادة الرسملة. ولكنّه في 6 أيلول/سبتمبر ظهر أن الأمور تحتاج بالأحرى إلى... 200 ملياراً! عظيم، فالمكلّف الضريبي سيضع الـ200 على الطاولة. إلا أنّ السيّد بولسن المرتعِب من مستقبله الاشتراكي يصرّح معترفاً: "لم أكن راغباً في الاضطرار إلى القيام بذلك" (I didn’t want to have to do that)، إلاّ أنّه قام به. وفي الحقيقة، لم يكن أمامه أيّ خيارٍ آخر.

    ولأنّ مشكلة مصرف "ليمان" أصغر بكثير من المشاكل السابقة، فقد فكّر ثنائي "الفيدرالي-الخزانة" أنّه وجد أخيراً فرصةً في "أن يكون لديه الخيار". ولم يُرِد أن يفوّتها تحت أية ذريعة. فهذا، سنجعلُه يدفع عن الآخرين، مع كلّ الغضب الذي تطلّب الأمر ابتلاع حدّه عند التسليم بليّ الذراع في كلّ المرّات السابقة. لكن، مهماً كانت مناسبة التفريج عن الغضب التي منحتها، كانت "فرصة" "ليمان" تتطلّب، في أيّة حال، بأن تقيّم بكلّ عناية قبل أن أن "تسلّم روحها". إذ نظراً إلى حجم هذا المصرف، وإلى تعرّض سائر المصارف المتعاملة معه، يجوز التساؤل عمّا إذا كان إفلاس "ليمان" يجعل منه أم لا خطراً منظوميّاً؟

    فصحيحٌ أنّ "ليمان" كان أقلّ تعرّضاً للمشتقّات المالية من نظيره مصرف "بير شتيرن"، 29 مليار مقابل 13400 مليار [3]... إلا أنّ "ليمان" سيغطّى في أيّة حال على "وورلد كوم" في "لوائح المجد"، إذ أصبح صاحب أكبر عملية إفلاس في تاريخ الولايات المتّحدة بحيث وصل مجموع ديونه إلى 613 مليار دولار. وبالطبع أنّه ليس هناك ما يعادل هذا الإفلاس من الناحية التقنية، إذ إن "ليمان" يملك موجودات actifs, assets، وأن إجراءات التصفية تهدف تحديداً إلى تسييلها.

    لكن ما قيمة هذه الموجودات حقيقةً؟ هنا تكمن المسألة كلّها. فهناك في الحدّ الأدنى 85 مليار دولار من السندات الهالكة (منها 50 ملياراً من مشتقّات القروض العقارية المخاطرة subprime)، التي نوت خطّة شرائها التي درست في عطلة نهاية أسبوع 12-14 أيلول/سبتمبر، قبل أن تُجهَض في النهاية، أن تشتريها وتعزلها في "مصرفٍ للموجودات السيّئة" bad bankمخصّص لذلك. خمسة وثمانون ملياراً، هذه كانت قيمتها في ذلك الوقت، لكن يجوز التساؤل عمّا سيبقى منها بعد انتهاء عمليّات التصفية والبيع، حتى وإن كانت السلطة الأميركية، التي كانت تعي خطر رؤية انهيار قيمتها أكثر، أرادت القيام بعملية تصفية "منظّمة"، أي عملية تمتدّ على بضعة أشهر.

    مهماً كان، فإنّ انهيار قيم الموجودات يبدو قاسياً، وليس فقط كمشكلة تتعلّق بمصرف "ليمان" وحده. إذ أنّ قاعدة المحاسبة القانونيّة المعياريّة تقوم على "التسعير وفق السوق mark-to-market "، أي احتساب الموجودات بحسب قيمة السوق الفورية، وسوف تُجبِر كل المؤسسات المالية الأخرى على أن تُجري بدورها عملية إعادة تقييم لموجوداتها المضخّمة على أساس بيع التصفية "الخاصّة بليمان"، مع تناقص القيم الإضافيّة الذي يمكن تخيّله.

    ولكن مخاطر تناقص القيمة الدفتريّة الجانبيّة ليست الوحيدة القائمة... إذ يُضاف إليها مخاطر القيم المقابلة المرتبطة بواقع أنّ الصفقات العديدة التي كانت "ليمان" ملتزمة بتنفيذها ستبقى دون سداد. وأخيراً هناك خطر تنشيط منتجات "مقايضة القروض غير المسدّدة" (Credit Default Swap, CDS)، هذه المشتقّات المالية التي تمنح من يشتريها ضمانةً ضدّ الخسائر في قيمة موجوداتها المختلفة من السندات. فإذا كان هناك من اشترى هذا التأمين، فيعني ذلك أنّ هناك في الطرف الآخر شركات تأمين ضامنة. وهكذا فإنّ إفلاس "ليمان" سيُفَعِّل حتماً عمل الـCDS التي تمّ إصدارها لضمان ديونها، وهنا ستكون التعويضات المتوجّب دفعها كبيرةً جدّاً.

    هذا مزعجٌ جدّاً؛ إذ تبيّن بالتجربة أن آلية التأمين الخاصّة بهذه الـCDS، والتي تبدو ممتازة على الورق، هي في الحقيقة غير موثوقة؛ إذ أنّ سوق الـCDS هو على درجةٍ كبيرة من الهشاشة، ممّا يحمِل على التخوّف من هزّاتٍ ضخمةٍ جدّاً كلّما تمّ اللجوء إليها بشكلٍ مفاجئٍ بعد حدوث إفلاس. ومن سوء الحظّ، يأتي انهيار "ليمان" فوراً إثر الانتهاء من تأميم "فاني-فريدي"، الذي كان الكثيرون يخشون أن يشكّل بحدّ ذاته خطراً رئيساً على الـCDS...

    والحقيقة أنّ الثنائي "الفدرالي-الخزانة" قد اعتمد على مجموع هذه المخاطر لكي يتملّص من عملية إنقاذ "ليمان" و"إقناع" أصحاب المصارف في السوق المالية بأن يأخذوها على عاتقهم، لأنّ ذلك بالتأكيد في مصلحتهم. لكن لا صوت لمن تنادي، إذ لم تصدُر أيّ خطّة من القطّاع الخاصّ في أثناء عطلة نهاية الأسبوع الجنونية. ذاك أن "وول ستريت" هي حالة مجرّدة، تغطّي مجموعة من المصالح الخاصّة والمتنافرة أحياناً. وكانت خطّة الشراء، التي أجبر فشلها مصرف "ليمان" على إعلان إفلاسه، تعمل لكي يتمّ شراء "الجزء الصحيّ من المصرف" من قبل مصرفي "باركليز" و"بنك أوف أميريكا" (وقد تحوّل هذا الأخير في النهاية صوب "ميريل لينش")، وحصر أضرار "الجزء السيّئ" بواسطة تمويلٍ جماعيٍّ من السوق.

    لعبة بوكر كاذبة ضخمة
    إلا أنّ "السوق المالية"، والمقصود هنا هم أولئك الذين رغم أنّهم لا يملكون القدرة على شراء الشظايا الجميلة، والذي طُلِبَ منهم أيضاً أن يساهموا في امتصاص انتقاص قيمة الموجودات السيّئة، هؤلاء لم يقبلوا أن يلعبوا بكلفةٍ كبيرةٍ دور الخادم، من أجل السماح لإثنين من المحظوظين بأن يستأثروا بجواهر التاج، تاركَيْن للآخرين عملية إصلاح القصر المتهدّم.

    وفي الحقيقة، لم تكن عطلة نهاية الأسبوع بين 12-14 أيلول/سبتمبر بطولها سوى جولة بوكر كاذبة ضخمة؛ فما بين ثنائي "الفدرالي-الخزانة"، الذي أبدى رغبته في عدم التحرّك؛ و"وول ستريت"، التي فسّرت الموقف، وعن خطأ، على أنّه استراتيجية توتّر من أجل دفع المصارف الخاصّة كي تتحمّل جزءاً أكبر من الحلّ؛ والصراع بين المصارف الخاصّة المزعومة، التي توازعت ما بين شراةٍ انتهازيين ومموّلين ملزَمين، وهؤلاء الأخيرون رافضون أن يقدّموا خدمةً لأولئك، مع علمهم أيضاً بأن مصلحتهم الخاصّة تقضي بألاّ يبقوا غير مبالين بإنقاذ مصرف "ليمان"؛ هكذا تجمّعت الشروط على أفضل ما يرام لكي تجعل تنسيق عملية الإنقاذ غير ممكنة.

    ولكن الثنائي "الفدرالي-الخزانة" لم يكن يكذب خادعاً. إذ ترك الأمور تسير على مجراها؛ وتخلّى عن اشتراكيته. لكن لمدّة يومين فقط، وهذا ما لم يكُن يعرفه بعد في حينه! إنّما كان لدى الثنائي رغبةً جامحة في تصديق ذلك. إذ كان يحظى منذ أسبوعٍ تقريباً بتشجيعٍ شديدٍ من كل المعجبين بهما، خاصّةً بعد أن هزّتهم قليلاً الخيارات المفاجئة التي فُرِضَ عليهما اتّخاذها حتّى الآن. وهذا ما جعل كاتب الافتتاحيات في صحيفة "فاينانشل تايمز" يعلّق برضى: "لقد آن الأوان لكي تنسحب السلطات العامّة (...) فما جرى القيام به حتّى الآن كافٍ" [4]. لكن ليست هي "الفاينانشل تايمز" FT التي تقرّر إذا ما كان "ما جرى القيام به حتّى الآن كافياً" أم لا، بل الوضع الحقيقيّ هو الذي يقرّر!

    إذ ليس فقط أن وضع "ليمان" لم يكن قد أنذر فعلاً بحقيقة مخاطره، وأنّ الاحتياطي الفدرالي كان ما يزال بعيداً عن كسب رهانه في الوقت الذي اعتقد فيه أنّه تخلّص من اشتراكيته، فوراء كلّ هذا كانت أوضاعٌ جديدةٌ تنضُج مهدّدةً بخروجها من الساحة (أي إفلاسها) في صورةٍ يمكن تشبيهها بالأغنية الوداعية لفرقة "مصاحبي الأغنية": تنعكس وتتردّد باستمرار.

    إذ لم ينتظر الاحتفال الجديد أكثر من ثماني وأربعين ساعة لكي يعود ويعقب الاحتفال الذي سبقه؛ ويا للاحتفال! فوضع مجموعة AIG للتأمين يمكن أن يشكّل حالة مدرسية في هذا الإطار. إذ تركّزت فيه كل الانحرافات الشاذّة لعالم المال المعاصر وانكشفت في احتفالٍ استعراضيّ لافت. وكما لو أنّ مهنة التأمين البسيطة تسمح بكلّ شيء، فقد كانت AIG قد أسّست لها فرعاً "للمنتجات المالية"، واندفعت مستميتةً في سوق التأمينات المتخصّص إلى حدٍّ ما بالـCDS.

    وها هي AIG، وفي عزّ مرحلة الانهيار المالي، تجِد نفسها ملتزمة بـ441 مليار دولار من الصكوك التي عليها ضمانها، ومنها 57,8 ملياراً عائدة للرهونات العقارية المخاطرة subprime [5]. ومن نافل القول الإشارة إلى أن خسائرها كانت باهظة: 18 مليار دولار في الفصول الثلاثة الأخيرة، والفصل الحالي ينذر بالأكثر، إذ إنّ انهيار "ليمان"، ما بين تفعيل الـCDS وتناقص قيمة الموجودات، قد يرفع مجمل خسارات AIG المتراكمة إلى 30 مليار دولار، ومن ضمنها هناك 600 مليون تعود إلى التبخّر الكلّي لقيمة أسهم "فاني-فريدي" إثر تأميمهما.

    في ظلّ هذه الظروف، لم تتردّد وكالات التصنيف، مدفوعةً بضرورة إعادة تلميع صورتها كي تغطّي على الكثير من الأغلاط السابقة، في إسقاط تصنيف AIG بقوّة، مع ما رافق ذلك من نتيجةٍ أولى، تمثّلت في إجبارها على تسديد فوراً تأميناتها المالية المسمّاة "طلب هامش التغطية" appels de marge, margin call، تعويضاً عن تدنّي صفتها كضامنٍ لعقود الـCDS التي تورّطت فيها. لكن كيف يمكن لـAIG أن تؤمّن فوراً ما بين 10 و13 مليار دولار من "طلبات هامش التغطية"، في حين أنّها كانت تتداعى منهارة؟

    وطوال نهارٍ بأكمله، ظلّ الثنائي "الفدرالي-الخزانة"، وهو ما يزال في سكرة "خروجه من الاشتراكية"، لكن مهزوزاً بحجم الأضرار المتوقّعة، يتخيّل أنه سينسّق عملية إنقاذٍ من القطّاع الخاص، على أن يتقدّم مصرفي "غولدمان ساكس" و"جي.بي. مورغان" J.P.Morgan على رأس لائحةٍ لمجموعةٍ من الدائنين المتضامنين، لتأمين قرضٍ بقيمة 75 مليار دولار لـ AIG.

    وكما لو أنّ لا أحد بقي يتذكّر تحديداً أنّه عشية ذلك كان يُطلَب إلى المصارف الرئيسيّة العشر في السوق المالية، أن تُجمّع في صندوقٍ خاص مبلغ 70 مليار دولار من أجل دعم تصفية بنك ليمان "المنظّمة"... هكذا كان متوقّعاً أن تستحيل عملية الإنقاذ من قبل القطاع الخاص، وبدت ضرورة التدخّل الحكومي أمراً محتّماً. ولم تكن الصدمة أقلّ وقعاً من الطريقة القصوى التي ستتّخذها، فالدولة قد استقرضت ديناً-جارياً بقيمة 85 مليار دولار من المصرف المركزي، لتتملّك 79,9 في المئة من AIG.

    هوغو شافيز، مهرّج ليبرالي...
    وكان اقتضاب البيان الرسمي الذي صدر عن الاحتياطي الفيدرالي في 16 أيلول/سبتمبر باعثاً على الدوار، فعلاً. فهل هناك من سابقة لهذا الواقع الغريب بأن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بإقراض هيئةٍ لا تعدّ مصرفاً؟ ويمكن هنا تلمّس حجم التنازلات التي انتزعتها منه الأزمة. ففي آذار/مارس، كان المصرف المركزي الأمريكي قد قرّر، وللمرّة الأولى منذ العام 1929، السماح لمصارف الاستثمار بإعادة التمويل (وهو ما لم يكن مسموحاً به حتى ذلك الوقت، إلاّ لمصارف الإيداع)، وها أنّ شركات تأمين تظهر الآن لتحجِز مكاناً لها أيضاً...

    لكن ما سيلي سيكون أكثر إثارةً للدهشة. فمن ناحية، بدا الآن أن الاحتياطي الفدرالي ووزارة الخزانة باتا يتصرّفان في وحدةٍ عضويّة قريبةٍ من الاندماج بكلّ معاني الكلمة. ومن ناحيةٍ أخرى، بدت مساهمة الحكومة الفدرالية بنسبة 79,9 في المئة في AIG كأنّها "المقابل" لقرض الاحتياطي الفدرالي. لكن منذ متى يتمّ منح قرضٍ مقابل حصّةٍ في رأسمال؟ المفترض بالقرض أن يتمّ سداده، وهو مضمونٌ بواسطة كل موجودات AIG، وقد تمّ وضع فائدة جزائية عمداً عليه من أجل الحضّ على تسديده بأسرع ما يمكن؛ ولكن حتّى عندما يتمّ إطفاء القرض، تبقى الحكومة الفيدرالية مالكة بنسبة 79,9 في المئة لأسهم AIG؛ وهذا يعني أنّها قامت بعملية استيلاء من دون أن تدفع شيئاً: ما يعني أنّها عملية استملاك! فها هي قد "سقطت" في الاشتراكية، وبقوّة هذه المرّة.

    وقد نقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن السيدين هنري بولسن وبن برنانكي قد بدَوا "مغتمّين" لدى خروجهما مساء 16 أيلول/سبتمبر للإعلان عن خطّتهما. ويمكن تفهّم وضعهما: فإلى جانبهما يظهر الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز بمثابة مهرّجٍ ليبرالي باع نفسه للرأسمال الكبير، فهو عندما يؤمّم... يدفع! إلا أنّ الألعاب البهلوانية البالغة الاشتراكية من جانب عرّابَيْنا ليست إلاّ في بداياتها. فنحن الآن في مرحلة ما بعد توتّرات السيولة، التي يظهر الاحتياطي الفدرالي مسّلحاً جيّداً في مواجهتها.

    فالأزمة الآن هي أزمة ملاءة معمّمة سيطرت على القطاع المالي، وقد بدأت الخسائر الهائلة تعصِف في عمق قاعدة رساميل المؤسسات. هكذا انطلقت حالة جنون اضطراريّة لإعادة الرسملة منذ شهر آذار/مارس؛ وفي الحقيقة، من أزمة "بير شتيرن" إلى أزمة "ليمان"، مروراً "بفاني-فريدي"، كان في أساس الأوقات الحرجة الشكّ في قدرة المصارف المعنيّة على زيادة رساميلها في النهاية [6].

    لكن، لكي تتمّ عمليات إعادة الرسملة، يجب أن يكون هناك مرسمِلون! إذ لم يبقَ أحد له القدرة على هذا النوع من الجهود: فالمصارف الزميلة تكافح هي نفسها من أجل الحفاظ على ما بقي لها من رأس المال؛ أمّا الصناديق السيادية [7]، والتي جرى الاعتماد عليها كثيراً، وكثيراً جداً ربما، قد أعادت النظر في أسباب خيبات أملها الأخيرة: فدخولها المثير على الساحة في آذار/مارس كان قد ارتكز على فرضيّة أن أسعار الموجودات العقارية والأسهم قد بلغت أدنى درجاتها، ونحن نعلم ما الذي حدث مذّاك، والخسارات التي تكبّدتها قد اقنعتها بالتفكير مرّتين من الآن وصاعداً. من يبقى؟... الدولة؛ فهي الوحيدة القادرة على إنجاز "العمل" عندما لا يبقى أحد راغباً ولا قادراً عليه.

    ولكنّ ما زال أمام "كارل" برنانكي و"فلاديمير إيليتش" بولسن مفاجآت جديدة. فالقبّعة ذات النجمة الحمراء تناسبهما كما القميص بحمّالتين لخنزير؛ إلا أنّهما من جهتهما، قد فهما أنّ عليهما أن يبقياها مثبّتة على الرأس طوال الوقت اللازم، بعكس أولئك الليبراليين المجانين الساخطين الذين دعوا إلى "ترك الإفلاسات على مجراها" وإلى أخلاقيات التطهير. هكذا لا توجد إلاّ قراءة واحدة لهذا الزيّ الجديد، ومفارقة غنيّة بدلالاتها تجعل رئيساً سابقاً لشركة "غولدمان ساكس" يتبنّاها؛ فعالم المال الليبرالي يتميّز بنيويّاً بحالة عدم استقرار متفجّرة، ليس فقط أنّها بالتأكيد تفجّر كوارث متكرّرة، بل إنّها أيضاً عاجزة عن حلّها بنفسها؛ ماذا حلّ إذاً بـ"حلول السوق" الشهيرة التي دعا إليها البيان الأوروبي في 29 كانون الثاني/يناير الماضي!

    وحدها الدولة، في مبادرةٍ سياديةٍ بحتة، وفي خرقٍ فادحٍ للحقّ العام، تبيح لنفسها ما هو غير معقول -كأن تعمَد إلى التأميم فوراً من دون أن تدفع إلاّ لاحقاً، وأن تستأثر من طرفٍ واحدٍ بكل أرباح الأسهم - ومن ضمنها الأسهم التي لا تملكها(!)-، الدولة إذن يمكنها أن تضع حدّاً للانعكاسات المتنامية للانهيارات التي تغذّيها آليات السوق المقدّسة. إذن إما قبّعة النجمة الحمراء، وإما قيام الساعة.

    القبّعة أفضل؛ فها هو الفجر المشعّ ينبلِج تحت أنظارنا: فلم يكَد موكب "القروض العقارية المخاطرة" يمرّ كلّياً، حتّى أطلّ موكب قروض الـ" Alt-A mortgages". فهذا النوع من القروض، الوسيط ما بين القرض "الأوّلي" prime (النموذجي) و"القروض العقارية المخاطرة" subprime، يتظاهر بأنّه طلب بعض المعلومات عن أوضاع مقترضيه، لكنّه قبل ألا يأتيه الردّ وافياً أو مع بعض "المغالطات": فبحسب دراسة قام بها "معهد بحوث موجودات الرهون العقارية" Mortgage Asset Research Institute، فإنّ كامل الملفّات تقريباً (التي وضعها وسطاء سماسرة لصالح المصارف) قد بالغت في تحديد مداخيل المقترضين على الأقل بنسبة 5 في المئة... ولأكثر من النصف بنسبة تزيد عن 50 في المئة عن المدخول الحقيقي!

    وضمن فئة "Alt-A" هذه، يمكن تمييز القروض المسمّاة "Option-ARM " (الرهن العقاري مع خيار تعديل الفائدة Option Adjustable Rate Mortgages)، التي من ميّزاتها أنّها تمنح المقترِض عدّة إمكانيات في مجال الشروع في تسديد الدفعات؛ ومنها خيارٌ مغرٍ بشكلٍ خاص، يقترح على المقترض، في السنوات الأولى، ليس فقط بأن لا يبدأ بتسديد المبلغ الأساسي، بل ألاّ يدفع حتّى مجمل الفائدة، فيتيسّر له أن يبدأ بمعدل فائدةٍ مؤقّت قدره 1 في المئة؛ وهذا إغراءُ لا يمكن مقاومته.

    وبطبيعة الحال، كلّ هذه التسهيلات تؤجّل الأمور للسنوات اللاحقة؛ وحين تعود الفائدة إلى حقيقتها (reset) تكون الأمور جدّ مؤلمة. هكذا ترتفع أقساط المقترِض الوسطية وفق خيار "ARM" دفعةً واحدةً بنسبة 63 في المئة. وقد قدّرت وكالة بلومبرغ المالية التأخيرات في الدفع لأكثر من شهرين بنسبة 16 في المئة من قروض "Alt-A" الممنوحة منذ كانون الثاني/يناير عام 2006. ومن شأن حالات التأخير هذه أن تتسارع في السنة القادمة، وتستمرّ كذلك حتى العام 2011، نظراً لمهلة إعادة تعديل سعر الفائدة، التي تتراوح ما بين ثلاث وخمس سنوات. وأمرٌ بسيط آخر: انتشر 855 مليار دولار من القروض العقارية المخاطرة في "الطبيعة"، وهناك أيضاً 1000 مليار من الـ" Alt-A"...

    ومن هذه الألف، تملك مؤسسة "فاني" أو تضمن 340 ملياراً؛ ويحمل مصرف "واشوفيا" Wachovia 122 ملياراً من قروض "option-ARM"؛ ومؤسسة "كاونتري وايد" المالية، التي أنقذها "بنك أوف اميركا" من الإفلاس (وهو أيضاً منقِذ ميريل لينش)، تتحمّل 27 ملياراً؛ وشركة "وامو" (Washington Mutual) 53 ملياراً، يذهب منها 13 في المئة لإعادة تصحيح معدّل الفائدة reset السنة القادمة؛ والنتيجة أن "وامو" وجدت علامتها في تصنيف مؤسّسة "Standard&Poor’s" قد انحدرت إلى مستوى " junk bond " (حرفياً سندات الخردة)، وهو الأدنى.

    وليس من البراءة ختم هذه القائمة، وهي غير ناجزة بتاتاً، بمؤسسة "وامو"، وذلك لأنّها صندوق توفير، أي لادّخارات عموم الناس، بدأت تهبّ عليه رياح الكرة الثقيلة: ألم تزداد طلبات الاسترداد بشكلٍ كبير على "سندات الأسواق المالية" money market funds(وهي تشابه سندات SICAV الفرنسية)، التي تمّ اعتبارها حتّى الآن سائلة وموثوقة كالحسابات الجارية، بعد أن اكتشف الزبائن أن أموالهم تذوب بفعل الخسارة الكاملة لقيمة صكوك مصرف "ليمان" التي كانت هذه السندات قد استثمرت فيها بفطنة؟ إنها هروبة المدّخرين: وهذا ما يكمل المشهد تماماً...

    عقائد الإيمان إلى سلّة المهملات
    حتّى من دون متابعة هذا السيناريو الكارثي، لكن انطلاقاً من أخذه بعين الاعتبار، فإن حاجات إعادة الرسملة المصرفيّة كبيرة جدّاً، بل شاملة في كلّ مكان، وتأتي في سياقٍ من رفض الالتزام من جانب كلّ أولئك الذين ما زالت لديهم سيولة؛ لدرجة أنّ الدولة، التي لم تضحى مُقرِضة وحسب، بل مساهمةً وكذلك من "يعيد الرسملة" في نهاية المطاف، تواجه مهمّةً ماليةً تتضاءل أكثر فأكثر إمكانية حلّها بالوسائل الاعتياديّة. حتىّ وإن تكن الدولة الفدرالية، كما هو محتمل، ستضطرّ في النهاية، من الآن وحتّى بعض الوقت، إلى دفع بدل "شهادات الاكتتاب" warrants [8]، ثمّ ثمن الأسهم التي تمنحها ملكية AIG؛ لكنّه بعد الـ200 مليار دولار التي دفعتها في العملية المشابهة من أجل "فاني-فريدي"، لن يكون بمتناولها دائماً تجديد سخائها، لأن إمكانياتها محدودة.

    وتقدّر مؤسسة "ستاندرد أند بورز" أن يبلغ ما ستدفعه كليّاً قيمةً تعادل عشر نقاط من الناتج المحلّي الإجمالي! فسواء أكان ذلك على شكل إعادة رسملة في كلّ الاتّجاهات، أم عبر بنية حصر أضرار ضخمة لتخليص عالم المال الخاص من مختلف موجوداته المتضرّرة، فالمشكلة هي نفسها. إذ هل يجب إخراج هذه النقاط العشر من الناتج المحلّي الإجمالي من جيب دافعي الضرائب الأميركيين، ونسف ما تبقّى من النمو؟ أم بالعكس، سيصار إلى ترك العجز والدين العام يتضخّمان، مع المخاطرة بجعل سندات الخزينة والدولار قريباً غير قابلين للشراء، وتحويل أزمة المال الخاصّ إلى أزمة مالٍ عام، تضاف إليها أزمة نقدية؟

    ليس هناك في كلّ الأحوال سوى حلول سيئة، وفقاً لقوانين الأرثوذوكسيّة الماليّة المألوفة. ولذلك فإنّ أصحابنا بالـ"القبّعة" سيذهبون إلى حيث يجب، لكي يقوموا بما يجب القيام به؛ ولذلك أيضاً فإنّ العقائد التي تَعَبَّدَ لها ببلاهة الكثير من المرتدّين سوف تُرمى قريباً إلى سلّة المهملات. فمن إعادة الرسملة عبر طبع الأوراق النقديّة، إلى وضع اليد بكلّ بساطة، حتّى مراقبة أسعار الصرف إذا ما ساءت الأمور أكثر، فنحن ربّما لم نشهد شيئاً بعد. إنّ التاريخ يتبع في مسار تطوّره مسالك غريبة الأطوار. ولنفتح أعيُننا جيّداً، فقد دخلنا حقلاً نجهله.


    * عالم اقتصاد، باحث في المركز الوطني للابحاث العلمية ومن مؤلفاته Et la liberte sauva le monde, Raison d’agir, 2003. صاحب كتاب: "وستنقذ الأخلاق العالم... بعد الانهيار المالي، الإنقاذ عبر "الأخلاقيّات"، Et la vertu sauvera le monde... Après la débâcle financière, le salut par l’“ éthique ” ?, Raisons d’agir, 2003


    [1] إنه المبدأ الأوّل من نصّ: "أربعة مباديء وتسع اقتراحات للنتهاء مع الأزمات المالية"« Quatre principes et neuf propositions pour en finir avec les crises financières », La nouvelle pompe à phynance, blog du Monde Diplomatique : www.monde-diplomatique.fr/2007/09/L...

    [2] ليس في الأمر تعرّض حقيقي للمخاطر، إذ إن التزامات الشراء/الدفع يقابلها التزامات البيع/القبض.

    [3] Office of the Comptroller of the Currency, New York, 30/9/2007.

    [4] « Decisive inaction », Financial Times, 11/9/2008.

    [5] هو نوعٌ من القروض العقارية الممنوحة إلى مقترضين من ذوي الملاءة المشكوك فيها جدّاً، والذين حتّى لا يعترف بهم النظام المصرفي.

    [6] انفجرت قضية ليمان مع الاعلان عن فشل المفاوضات من أجل الحصول على مساهمة بنك التنمية الكورية.


    [8] شهادات الاكتتاب warrants هي شهادات تعطي صاحبها حقّ الاكتتاب بعدد من الأسهم بسعر محدّد خلال مدّة معيّنة.
                  

العنوان الكاتب Date
على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-08-08, 10:17 PM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر حاتم الياس09-08-08, 10:35 PM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-09-08, 10:22 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر عبدالعظيم عثمان09-09-08, 10:52 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر Osama Mohammed09-09-08, 11:39 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر عمرو احمد09-09-08, 11:46 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر عمرو احمد09-09-08, 11:52 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-09-08, 02:02 PM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-19-08, 08:46 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-23-08, 09:51 PM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-24-08, 03:19 PM
  Free Market Ideology is Far From Finished esam gabralla09-24-08, 03:22 PM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla09-25-08, 10:58 PM
    Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر Mohamed Elnaem09-26-08, 07:26 AM
      Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر Mohamed Elnaem09-26-08, 08:23 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر طارق أحمد خالد09-26-08, 09:41 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla10-07-08, 00:15 AM
  The Financial Mess & Washington's Wars esam gabralla10-07-08, 00:17 AM
    Re: The Financial Mess & Washington's Wars أحمد أمين10-07-08, 00:27 AM
  Capitalism Reaches a Crossroads esam gabralla10-07-08, 00:20 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla10-07-08, 00:26 AM
  نَهِمون، منقِذون أم مخدوعون؟ "صناديق سياديّة" للسهر على صحّة الشركات متعدّدة الجنسيات esam gabralla10-07-08, 00:30 AM
    Re: نَهِمون، منقِذون أم مخدوعون؟ "صناديق سياديّة" للسهر على صحّة الشركات متعدّدة الجن اسامة الكاشف10-07-08, 06:00 AM
      Re: نَهِمون، منقِذون أم مخدوعون؟ "صناديق سياديّة" للسهر على صحّة الشركات متعدّدة الجن اسامة الكاشف10-07-08, 06:19 AM
        أمريكا: الأزمة الاقتصادية تغير الخارطة الانتخابية لصالح أوباما فرح10-07-08, 08:25 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla10-08-08, 10:11 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla10-08-08, 10:12 AM
  Re: على هامش "التاميمات" في امريكا:اكذوبة السوق الحر esam gabralla10-08-08, 10:13 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de