الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-17-2024, 12:14 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-11-2008, 09:37 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37060

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" (Re: adil amin)

    الفصل الرابع
    كانت ملكة تغفو مع الإهتزاز المنتظم للقطار ودوي العجلات يدق أنغام رتيبة كبندول الساعة القديمة لم تكلف ملكة نفسها متعة النظر من النافذة.. فقد أوصدتها بعد احتدام الغبار.. القطار المكتظ يتلوى كالثعبان في الفيافي الموحشة والظلام قد بدأ يلف الكون بغلالة رقيقة.. صراخ الأطفال في العربات المتهالكة المظلمة يتداعى إلى مسامع ملكة بين الفينة والفينة مهيجاً أشجانها. ممرات القطار مكتظة بالركاب وتسلق نفر غير قليل منهم على سطوح العربات.
    قطار كريمة !! قطار الشمال الثاني الذي ينقل المسافرين عبر مئات الأميال من مدينة كريمة في الشمال إلى عاصمة البلاد الخرطوم.. لم يكن خيال ملكة يتسع لهذه المسافات الشاسعة التي يطويها القطار.
    النجوم تلمع في الأفق خلف زجاج النافذة الأحمر كأنها عيون تسخر من ملكة التي فرقتها الهواجس… غفت مرة أخرى ولم تستيقظ إلا على صوت حركة كثيرة خارج القطار المتوقف على ما يبدو منذ مدة طويلة.. فتحت ملكة النافذة وشاهدت مدينة حديثة وعمران يفوق تصورها.. بهرتها الأنوار الكهربائية في المحطة.. "هل هذه الخرطوم؟!".. لم تكلف ملكة نفسها مشقة السؤال. تناولت صرة ملابسها ونزلت من القطار "هنيهات وانطلق القطار مواصلاً سفره، نظرت إلى القطار الراحل في حيرة حتى غاب عن ناظرها. ثم طفقت تتجول في المحطة المكتظة بالناس وتتلفت في توجس كعادة أهل القرى عند دخولهم المدن الكبيرة. اقتربت من شاب موفور الصحة يتحدث مع فتاة جميلة في مكان منزوي، حاولت ملكة تستفسر منها إذا كانت هذه المدينة الخرطوم أم لا.
    - معذرة يا أولادي.. هل هذه محطة الخرطوم.
    أجابها الشاب الذي استدار في دهشة بالغة.
    - لا … هذه عطبره .. الخرطوم ليس بعد.. اخطأت يا والدة بنزولك من القطار.
    عقدت الدهشة لسان ملكة "يا لها من غبية، لماذا لم تسأل قبل رحيل القطار؟" .. خافت أن يخدعها أحد الخبثاء في المدينة كما تعود أهل القرى.. لكن يا لها من بلهاء فقد خدعت نفسها.. وهذا الشاب يبدو عليه الاحترام لم يقل سوى الحقيقة.. لمح الشباب الحيرة البادية على وجهها الذي كساه القنوط أيضاً، عادت الأقدار تعابثها مرة أخرى، نظر إليها في عطف مواسياً ثم التفت إلى فتاته بنظرة ذات مغزى.
    - لماذا لا نأخذها معنا البيت ؟!
    - أجل لا بد من أن نأخذها معنا .. هذه القروية المسكينة.
    نظرت ملكة إلى هذا الثنائي العجيب في امتنان. شكرت الله الذي سخر لها هذين الضيفين الودودين والقاهما في طريقها.
    - هيا بنا يا أماه إلى البيت وغداً لناظره قريب.
    - أسمي ملكة بارك الله فيكم ..
    وتحركت معهما، لاحظت ملكة بحاسة الأمومة التي لا تخطئ أن الشاب والفتاة يعانيان من مشكلة، خاصة وأن الحزن كان يشوب صوت الفتى قبل أن تقطع لهما حوارهما بظهورها المفاجئ. انطلق ثلاثتهم خارج المحطة التي عمها الهدوء بعد رحيل القطار، كانت سيارة الشاب الحكومية تقف عن كثب، ركبت ملكة أولاً ثم الفتاة وجلس الشاب على عجلة القيادة وانطلقت العربة تشق شوارع المدينة الهادئة، ثم عبر الجسر المقام على نهر عطبره ولاحت أنوار مصنع الاسمنت لعيون ملكة مثيراً فضولها القروي.. لاحظ الشاب ذلك وتحدث باسماً.
    - هذا مصنع اسمنت عطبره.. أنا أسمي عصام وأعمل مهندساً فيه وهذه الفتاة تدعى حنان وتعمل في المعمل المركزي … و…
    ارتبك الشباب وعجز عن مواصلة حديثه ولكن نظرات ملكة المطمئنة حثته على استرسال معها في الحديث.
    - كل ما في الأمر أني أحب هذه الفتاة.. وعازم على الزواج منها ولكن أمي لها رأي آخر وتقف حجر عثرة في طريقي.
    التفتت ملكة إلى الفتاة التي أغرورقت عيناها بالدمع ثم نظرت إلى الشباب الذي لاذ بالصمت.
    - لماذا لا تريد أمك ذلك؟
    رد الشباب في أسى
    - كانت هناك مشاكل ونزاع حاد بين المرحوم والدي ووالد حنان وعلينا نحن أن ندفع ثمن ذلك.
    واردفت حنان من خلال العبرات التي خنقتها
    - أم عصام تريده أن يتزوج بنت أختها.. لذلك تتذرع بهذا العذر الواهي.
    أثارت هذه القصة المؤثرة اشجان ملكة.. وهي تعرف ما ذا يعني أن يكون هناك قلبين عاشقين في محنة.. كيف لا تعرف ذلك وهي امرأة عركتها الحياة وصقلتها التجارب.. كانت تجلس بين الشابين وتفكر في طريقة تربط بها جسور المحبة الممتدة بين العاشقين الصغيرين.
    - إذا كانت هذه مشكلتكما اعتبروها محلولة.
    أدهش رد ملكة الجرئ وبنبرتها الواثقة عصام حتى أنه كاد يدهس قطه كانت تعبر الشارع في تكاسل أمام العربة المنطلقة وانحرف عنها عصام في آخر لحظة وطوح بالسيارة، اطلقت حنان صرخة ذعر خافته.. ولاذت ملكة إلى صمتها الحكيم مرة أخرى.. والعربة منطلقة وعصام وحنان في حيره من أمرهما " ما سر هذه المرأة الغريبة؟!".. بعد وقت قصير تسألت ملكة.
    - ما اسم المرحوم والدك يا عصام ؟!
    - اسمه خضر عبد الجواد.
    - وأنت يا حنان
    - عبد الله نصر الدين وهو لا يزال على قيد الحياة.
    - حسناً.. قرا عيناً، خذني يا عصام إلى أمك.. أبيت ليلتي معها وغداً الصباح تجد أمك قد أذعنت لك..
    أطلق عصام صيحة تفاؤل عظيمة.. كان يثق في كلام هذه المرأة الحديدية التي تتكلم بثقة مفرطة لم يعهدها في أحد من قبل أن أهل القرى أذكيا فقط ينقصهم التعليم، وما يضيره لو أنه ركن إليها حتى لو مجرد تفاؤل!!.
    - إذا وافقت أمي.. سأتزوج فوراً وسيكون لي معك شأن آخر.
    - إن شاء الله يا أبني.
    ظلت السيارة منطلقة في الشارع الاسفلتي ولاحت مدخنة المصنع عن بعد.. اندفعت السيارة وتخطت بوابة المصنع وتوقفت أمام منزل عصام، منزل حكومي مطلي بالجير الأبيض، كانت هناك زهور حمراء تطل من السور " ما هذه المنازل الجميلة التي لم تر ملكة مثلها .. نزل ثلاثتهم من العربة، ودعت حنان ملكة وبنظرة أمل ورجاء وجهت لعصام نظرة وداع جسدت فيها كل أمانيها. أخذ عصام يتابعها بنظره حتى دخلت إلى بيتهم.. دلفا إلى داخل المنزل، ظل عصام يحيطها بمظاهر الود والترحاب، لم تجد ملكة صعوبة كبيرة في اختراق أسوار قلب أم عصام التي كان يبدو عليها إنها من النساء الذي يفرض رأيه بالقوة حتى ولو على جثث الآخرين. أدركت ملكة صعوبة المهمة التي تنتظرها. تأملت ملكة البهو الفخم. كانت هناك صورة لرجل في العقد الرابع من عمره مجللة بالسواد، يبدو أنه والد عصام المرحوم.. تناولت ملكة طعام العشاء مع الأسرة الصغيرة في صمت وفي المساء استلقت ملكة المتعبة على فراشها تشاهد التلفزيون، ذلك الصندوق السحري في دهشة، بدأت تدخل عالم المدينة وأجهزتها العجيبة كانت والدة عصام تنظر إلى ابنها الذي يحملق في التلفزيون في شرود وعقله بعيداً، تنحنحت أم عصام
    - هل زرت خالتك في عطبره ؟!
    - لا لم أذهب ولن أذهب.. أنا غير مستعد للزواج..
    كان رد عصام الجازم بمثابة رأيه الدائم في عدم رغبته للاقتران بإبنة خالته التي تفرضها عليه أمه، جالت هذه الخواطر في ذهن ملكة وهي تتظاهر بالنوم.
    - يا عصام يا ولدي.. أنا أريد مصلحتك.
    - إذا كنتي تريدين مصلحتي دعيني من هذا الأمر.
    - كيف أتركك وقد وصاني المرحوم والدك !!
    جالت الدموع وتساقطت من عيني عصام، عندما نطقت أمه اسم والده الذي كان يوقن تماماً أنه لن يرضى بهذا الزواج بالإكراه ، إن أمه تشده الحلقة الضعيفة، معزة والده الراحل.. ما ذنبه هو وما ذنب حنان.. الأباء يزرعون الحصرم والأبناء يضرسونه كان الحوار المؤثر بين عصام وأمه يترامى إلى أذني ملكة المرهقة كأنه قادم من واد بعيد وقد اختمرت الخطة الجهنمية في رأسها ولم تمض سويعات حتى كانت تغط في سبات عميق، نوم امرأة تحمل هموم العالم على كتفيها.. لم يبارحها قط جولان وتشتت خواطرها بين بيتها القابع في الشمال وابنها الضائع في الجنوب وملكة لا تعرف كم تبعد هذه المدينة.. التفتت أم عصام إلى ملكة التي كانت تغط في نوم عميق وقد انتظمت أنفاسها.
    - نامت المسكينة .. يبدو أنها قادمة من مكان بعيد.
    - نعم يا أماه وهي لا تعرف الفرق بين عطبره والخرطوم.
    وكعادة النساء وفضولهن رددت أم عصام
    - يبدو أن ورائها سر كبير، كان الله في عونها.
    كانت هذه كلمات أم عصام الأخيرة رددتها وهي تتثاءب، نهض عصام في تثاقل وأغلق التلفزيون واطفأ النور، ثم ذهب إلى حجرته واستلقى في فراشه يحملق في السقف "هل تحل هذه المرأة الغريبة مشكلته العويصة؟!" أتمنى ذلك، أغرورقت عيناه بالدموع وتسرب النوم إلى أوصاله.. تعالى آذان الفجر في الحجرة الأخرى هبت ملكة مذعورة تتمتم بتعاويذ قرآنية والآذان يجلجل في المكان، هبت معها أم عصام واندفعت نحوها وجلست جوارها مذعورة.
    - ماذا بك يا أختي؟
    أجابت ملكة مبهورة الانفاس
    - بسم الله الرحمن الرحيم.. انه الرجل ذو الثوب الأبيض.
    دنت منها أم عصام أكثر وقد تملكها الفضول الممزوج بالفزع.. اردفت ملكة في نبرة آسره.
    - نعم ! نزل من قصره المنيف وقال لي أنه غير سعيد لأنه ابنه غير سعيد.
    اتسعت عينا أم عصام من فرط الدهشة من هذا الكلام الغريب من المرأة الغريبة.
    - ماذا قال الرجل؟!
    - قال أنه يدعى خضر عبد الجواد
    اطلقت أم عصام شهقة خافتة وانهارت باكية على كتف ملكة، بكاء أرملة ظلت وفية لزوجها حتى بعد انتقاله الحسي إلى عالم الغيب و اردفت ملكة بصوتها الساحر
    - قال يجب أن يتزوج ابنه من من يريد حتى يرتاح
    ومن بين شلالات الدموع الغزيرة التي سكبتها عينا أم عصام أعلنت الإذعان ورفعت الراية البيضاء وتمتمت.
    - نعم .. فاليتزوج عصام من يريد.
    بان الارتياح على وجه ملكة وابتسمت ابتسامة ظفر ورددت متسائلة.
    - من هو الرجل ذو الثوب الأبيض؟
    أجابت أم عصام في أسى وهي تكفف دموعها.
    - إنه زوجي يرحمه الله، توفي وعصام في العاشرة من عمره.
    ورددت ملكة مواسية
    - لا تحزني الرجل ذو الثوب الأبيض في نعيم..
    تبددت الأحزان من وجه أم عصام وبان عليها الارتياح، نهضت من جوار ملكة وخرجت تصلي، ثم عادت إلى فراشها مرة أخرى تنام. نهضت ملكة وصلت بعدها ثم عادت للنوم هي أيضاً سعيدة بعد تكللت مجهوداتها بالنجاح.

    * * *

    أشرقت الشمس معلنة صباح يوم جديد، حضر عصام يحمل أواني الشاي إلى أمه وضيفتها.. ترامى إلى أذنيه حديثهما الودي عن زواجه المرتقب، دخل إلى البهو وتحاشى النظر إلى أمه والتي رمقته بنظرة حب بالغ ممزوج بالندم من ذكريات الليلة الماضية.. التفت عيناه بعيني ملكة فأبتسمت له مشجعة، تنفس الصعداء.. جلس يشرب الشاي في صمت، التفتت أم عصام إلى ابنها ورددت في نبرة حب بالغ.
    - لقد وافقت يا أبني على زواجك من حنان.
    هب عصام كالملسوع واندلق الشاي الساخن على أصابعه وهو لا يصدق اذنيه.. "هذه المرأة التي يشع منها الغموض وتجللها الحكمة فعلت ذلك !!"
    احتضن عصام والدته وهي تربت على رأسه في حنان.
    - نعم يا أمي سأتزوج حنان وليكن ذلك بعد غد.
    ولم تكد ملكة تسمع قرار عصام حتى اطلقت زغرودة طويلة ردد صداها المكان..
    - نعم يا ابني خير البر عاجله..
    وقد كان .. كانت أنوار الزينة تجلل المنزل كحبات اللؤلؤ وأم عصام تدور كالنحلة بين المدعوين ومعها تلك المرأة الغريبة التي أثارت فضول واعجاب المدعوين بلباقتها وحضورها الدائم، كان عصام الذي لم تسعه الفرحة وحنان العروس الجميلة التي تعهدتها السعادة بصورة مذهلة لا تعرف حتى هذه اللحظة كيف استطاعت هذه المرأة حل مشكلتهما المزمنة في عشية وضحاها.. إنها حكمة الله المتجلية في كل مكان.. إنها سعيدة وقد تزوجت من تحب ..
    ظلت الأفراح ممتدة طوال الليل وحتى الخيوط الأولى من الفجر في الصباح كانت ملكة تجلس عن كثت وقد كساها الهم.. الذي ما فتئ ينتابها كلما خلت إلى نفسها، لاحظت أم عصام الوجوم الذي يخيم على ضيفتها الطيبة، همست بذلك لأبنها عصام الذي أقبل مبتسماً وجلس جوار ملكة.
    - ملكة العزيزة … جاء دوري الآن لأسدي لك صنيعاً.
    تنبهت ملكة من شرورها وابتسمت في وجه الشاب.
    - بوركت يا ولدي .. خذني إلى محطة القطار المسافر إلى الخرطوم ولا تسألني لماذا؟
    - حاضر لن اسألك.. ولكنك أعظم امرأة عرفتها في حياتي.
    نهض من جوارها.. ودخل إلى المنزل وارتدى ملابسه على عجل.. سرعان ما دار محرك السيارة في الخارج وابتعدت إلى الطريق الأسفلتي في طريقها إلى محطة القطار في مدينة عطبره.
    خرجت حنان العروس الجديدة من غرفة نومها ولمحت ملكة التي لا زال الاكتئاب مسيطراً عليها تقبع بعيداً في طرف الفناء الذي لا زالت آثار الحفل المنصرم تخيم عليه، الكراسي مبعثرة هنا وهناك وبعض المدعوين لا زالوا نائمين في الفناء وأم عصام توقظهم.. اقتربت حنان من ملكة.
    - صباح الخير.
    تنبهت ملكة من شرورها وتأملت العروس التي ترفل في أثوابها.
    - أهلا يا بنتي أجلسي لتسمعي كلماتي الأخيرة.
    - خير.. إن شاء الله
    - أوصيك بأم عصام خيراً، عامليها كأمك تماماً، لقد ضحت هذه المرأة بزهرة شبابها في تربية ابنها عصام حتى غدا رجلاً وهي لا ترضى أن تأخذه منها امرأة أخرى.. وإذا كان لا بد من امرأة فقد اختارت أخف الضررين بإصرارها السابق على الزواج من ابنة أختها.. أرجو أن تتفهمي ذلك ..
    كان حديث ملكة الحكيمة المؤثر يمس شغاف قلب حنان التي ظلت حتى اللحظة لا تجد نفسها تطاوعها على حب أم عصام فقد كانت حجر عثرة في طريق سعادتها.. ومع ذلك أذعنت حنان لنصائح ملكة.
    - نعم يا أمي ملكة، سأعاملها كوالدتي تماماً حتى أثبت لها عملياً أني المرأة المناسبة لابنها عصام.
    - بارك الله فيك يا بنتي.
    حضرت أم عصام من الداخل تحمل أواني الشاي، جلست النسوة الثلاثة يتجاذبن أطراف الحديث.. أعلن نفير سيارة في الخارج عن عودة عصام. دخل المنزل وفي عينيه خيبة أمل وردد في قلق.
    - توقفت القاطرات، نتيجة الإضراب عن العمل الذي شل المرفق.
    كان هذا الكلام يقع على أذن ملكة كالإبر.. فهي لا تفقه في السياسة ولكنها عرفت ضمناً أنه لا يوجد قطار يقلها إلى الخرطوم في الوقت الراهن وهذا سيضاعف عذابها .. انهارت باكية.. كان بكاؤها مراً ازعج الأسرة الطيبة التي التقت حولها مواسية. . ولكن عصام اسعفها مواصلاً حديثه.
    - جهزت لك مقعد في الحافلات التي تسلك طرق برية وعرة.. مقعد أمامي أكثر راحة.
    - هل سأسافر إذاً؟
    - غداً صباحاً إن شاء الله.
    لم تصدق ملكة إذنيها.. إذا ستسافر ومن خلال وجهها المبلل بالدموع ضحكت في سرور، أسعد أسرة الكريمة وأخذ يحقدون في صانعة الفرح المقيم.. ملكة تعود إليها سجيتها.. وأردف عصام.
    - سيقلك الباص إلى مدينة شندى أولاً .. هناك سيكون هذا العنوان مكان إقامتك.. أصدقائي في المدينة جماعة الأشباح..
    ادخل عصام يده في جيب سترته وناولها الورقة ثم دخل إلى حجرته وعاد يحمل رزمة أوراق وناولها ملكة قائلاً:
    - بما أنك امرأة ذكية جداً، قررنا ضمك إلى المناضلين.
    عاد عصام مرة أخرى يتحدث بالألغاز.. لكن سعادة ملكة بالرحيل جعلتها تقبل كل الشروط.
    - هذا منشورات خطيرة، أخفيها تماماً، وعندما تصلى مدينة شندى أطلبي عربة أجرة واعطى السائق الورقة التي بها العنوان وستجدين الأمور تسير على ما يرام، سيرحب بك الشباب واعتبريهم كأبنائك تماماً. أنا شرحت لهم كل شيء في الرسالة وسيقومون بتوصيلك إلى الخرطوم إلى حيث تريدين.
    كان لكلام عصام مفعول السحر في أذني ملكة، لم تشعر يوماً في حياتها أن لها أهمية كما تشعر الآن، فهي تعشق المخاطر منذ صغرها، كانت تجازف بعبور النيل سباحةً أيام تحديها لبعلها العنيد محمد أحمد..

    * * *

    أزفت ساعة الرحيل في صباح اليوم التالي، كانت ملكة تقف في موقف الباصات السفرية في أبهى حلة بعد أن أهداها أهل المنزل السعيد كل عن حدة قطعة ملابس جديدة. ركبت ملكة الباص الذي كان صوت محركه الدائر يصم الآذان، لم تمضي هنيهات حتى كان الوداع المر ورحلت ملكة كالطيف وتركت خلفها الأسرة السعيدة التي أوشكت الأقدار أن تعبث بها. مع أزيز الباص الذي كان يطوي السهول والوديان والطرق الوعرة غفت ملكة وهي تحلم بالأيام القادمة التي ستكون حبلى بالمفاجئات السعيدة أو المفارقات المحزنة..عرفت ملكة بتجاربها الجديدة أن للحياة وجهين، جانب حلو وجانب مر، هاهي الآن تتقدم نحو الخرطوم، ودخلت عالم جديد مليء بالألغاز والأوراق الخطيرة التي تحملها.. لو أنفقت عمرها كله في القرية لما سمعت به أو رأته.. كان الشيء الوحيد الذي يذكرها بعالم السياسية هو الراحل ود الزين الذي مات منذ أمد بعيد..
    ظل الباص يطوي الأرض وجميع الركاب لاذون بالصمت الرهيب، كانت تلك الأوقات العصيبة في نهاية السبعينات عندما بدأت البلاد تهوي نحو القاع بخطر واسعة وكثرت الاضطرابات والإضرابات وقد شل إضراب عمال السكة الحديدية كل البلاد وغدى السودان أشبه بشيخ هرم تيبست مفاصله ملقي على قارعة الطريق ينتظر الموت البطيء القادم من المجهول.
                  

العنوان الكاتب Date
الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin11-29-08, 01:20 PM
  Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin11-29-08, 01:22 PM
    Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin11-29-08, 01:24 PM
      Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin11-29-08, 01:25 PM
        Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin11-30-08, 08:30 AM
          Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin11-30-08, 11:56 AM
  Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" محمد الطيب يوسف12-03-08, 12:40 PM
    Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-04-08, 11:54 AM
    Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-04-08, 11:58 AM
      Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-06-08, 09:23 AM
        Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-06-08, 09:25 AM
          Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-07-08, 09:49 AM
            Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-11-08, 09:37 AM
              Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-12-08, 01:02 PM
                Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-12-08, 01:24 PM
                  Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-12-08, 01:26 PM
                    Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-13-08, 02:10 PM
                      Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-14-08, 11:24 AM
                        Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-18-08, 10:44 AM
                          Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-22-08, 01:37 PM
                            Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-22-08, 01:39 PM
                              Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-22-08, 01:40 PM
                                Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-22-08, 01:42 PM
                                  Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-22-08, 01:44 PM
                                    Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك...... في "عالم مليكة" adil amin12-22-08, 01:53 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de