|
إتصل تلفونيا تقتل كنغوليا !!!!
|
إتصل تلفونيا تقتل كنغوليا !!!!
في سبتمبر الماضي شاهدت فيلما سينمائيا اسمه Untracable من بطولة الممثلة الاميريكية دايان ليين، فكرة الفيلم مبتكرة للغاية حيث يقوم طالب دراسات تقنية بجرائم قتل معقدة تنقل اثناء وقوعها مباشرة على موقع معين للانترنت، المؤلم في الفكرة ان دخول الناس لمشاهدة الجريمة يساهم بشكل مباشر في قتل الضحية حيث ان المجرم اوصل جهاز الكومبيوتر بتوصيلات مع مسرح الجريمة المعينة مما يساهم سرعة حدوثها. مثلا في إحدى الجرائم قام القاتل بوضع الضحية وسط مصابيح (لمبات) كهربائية يزيد توهجها طرديا مع زيادة زوار الموقع الالكتروني المعين.. بحيث يصبح كل من شاهد الجريمة في الانترنت مشارك في عملية القتل و قد تزايد عدد المشاهدين بسرعة كبيرة حتى احترقت الضحية في نهاية المطاف..
تقفز مشاهد الفيلم اعلاه بشدة كلما شاهدت الاخبار عن مأساة الكونغو الديمقراطية الاخيرة.. فالمعروف أن الكونغو من اغنى بلدان العالم بالمعادن و من أميزها الماس ولكن معدنا آخرا و هو الكوبالت اكتسب اهمية صناعية كبرى إثر دخوله في صناعة المراكم (البطاريات القابلة للشحن). و بالطبع يكثر استخدام هذه الخاصية الهامة في صناعة بطاريات الكومبيوترات المحمولة الكاميرات و الموبايلات التي تكتسب اهمية خاصة اذا علمنا ان عدد الموبايلات المتداولة في مختلف البلدان اليوم يقارب عدد سكان العالم، و الكوبالت معدن نادر الوجود في الطبيعة و يوجد في بضعة بلدان في العالم و اغناها به هي دولة الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا) حيث تصدر هذه الدولة ما يقارب الـ 40% من انتاج العالم. الحرب التي يقودها الجنرال نكوندا حتى و إن حاول إكسابها شرعية إثنية لحماية أهله التوتسي ضد قبائل الهوتو لا تعدو إلا حربا للسيطرة على المناجم الغنية بالمعادن في شمال الكونغو.
الإشكال يكمن في إن معظم ثروات افريقيا يتم استغلالها عبر التجارة الغير قانونية مما يسهم في انخفاض سعر تكلفة المنتجات التي تدخل فيها هذه الثروات في نهاية المطاف لان تجار الحرب يبيعون هذه المعادن بأي سعر طالما أدى الى اغنائهم و لا تستفيد منه الدولة المنتجة بالصورة المثلى، لذا ففي معظم دول افريقيا تصبح هذه الثروات وبالا على سكان المناطق المكتشفة فيها بدلا من أن تكون نعما عليها في ظل نظام عالمي يبحث عن الكسب السريع بأي ثمن.
بالطبع لا تشترك الشركات العالمية المصنعة للالكترونيات في علاقات مباشرة مع لوردات الحروب في البلدان المصدرة لتلك الثروات بل يوجد وسطاء و سماسرة يعملون في الخفاء و بعيدا عن الاضواء لترويج تلك البضائع, و بالأمس القريب أججت تجارة الماس الغير شرعية حرب سيراليون و ليبيريا و راح ضحيتها ما يقارب من الـربع مليون افريقي خلال سنوات بسيطة. في الأسبوع الماضي كشف صحفيون فرنسيون عن شبكات تجارة الكوبالت و تهريبه عبر الكونغو و يستخدم المهربون الطائرات و الشاحنات لتهريب هذا المعدن النادر.
السؤال ما هو الممكن عمله كي تتوقف مثل هذه الحروب الاستنزافية لثروات القارة و كودراها البشرية، لقد لعبت المنظمات و الاعلام الملتزم في دول العالم الديمقراطية دورا محوريا في الكشف عن علاقات الماس و حروب غرب افريقيا الدموية مما ساهم في وضع قوانين و اسس للتجارة في ذلك المعدن النفيس و الزم العاملين في ذلك المجال بابراز شهادات منشاء و استيراد لكل الخام المستورد من افريقيا مما اسهم بصورة كبيرة في اغلاق تدفق الاموال إلى لوردات الحرب الشيء الذي ادى إلى كبح جماح الحرب في نهاية المطاف.
العالم اليوم أمام مأساة انسانية جديدة عواملها معروفة فهل يحرك ساكنا، بل هل نحرك نحن كمستهلكين لهذه البضائع ساكنا بالتوقف و لو مؤقتا عن شراء الموبايلات كرسالة منا بأننا لا نرغب في شراء بضائع ملطخة بدماء اخوان لنا في الإنسانية، و هل نحن على استعداد أن ندفع مبالغا أعلى قليلا في مثل هذه السلع حتى تتم المتاجرة بها بصورة شرعية و كي تتوقف مثل هذه الحروب مستقبلا و بصورة نهائية. في أحداث الفيلم المذكور في بداية هذا المقال كان عدد المشاهدين يزداد طرديا مع كل جريمة مبتكرة يصممها القاتل فهل لنا الشجاعة يا ترى كي نقاوم فضول شراء أجهزة جديدة لإيقاف شلالات الدماء في الكونغو.
أمجد إبراهيم سلمان [email protected] 25 نوفمبر 2008
|
|
|
|
|
|
|
|
|