عـــــــــــادل عبدالعـــــــــــــاطى

Quote: نور العقل ونار الروح الى سامي ورحاب وناصر كدت أقول ثلج العقل ونار الروح، وكدت اقول صلصال العقل ونار الروح ، وكدت اقول ماء العقل ونار الروح، الا اني كنت حينها ساكون مخطئا. فالعقل ليس ثلجا، لانه لا يذوب، وهو ليس صلصالا ، اذ هو لا يتكلس. ربما يكون الجسد قد قُد من صلصال، من حميِ مسنون. لكن ليس العقل. آخيرا فان العقل ليس ماء يجري، وانما هو دفقات ، من الطاقة ، ومن انسياب الروح، تتدفق وتسرى. ذلك كله، اقوله، مدفوعا بقيم الفيزيقيا والميتافيزيقيا، كون النيوروات حوامل جبارة للطاقة، وكون الطاقة هي هي، تتحول اعراضها ولا تتغير جواهرها، حيث تتحول النار الى نور، يشع فيضيئ دروبنا، ويضيئنا ؛ وحيث النجوم البراقة هي كتل من النار تغلي بالغضب. الروح لذلك نار ، وهي طاقة ايضا . ربما ليس كل روح ، ولكن روحي انا هي كذلك لا محال. جاء في الأثر " ونفخت فيه من روحي" ، والنار تنفخ ، والنور يُبث. ليس غريبا اذن ، ان ينفخ التنين نارا، في الميثيولوجيتا، من فمه . ليس من الغريب ان تولد العنقاء، وتموت، في النار. وبين التنين والعنقاء من اوجه الشبه ما يتجاوز النار، ففيهما الحنين الى وجود كامل، يتلاقي فيه صلصال الجسد بنار الروح، في وجود شاهق ومستحيل، تلعب فيه النار دور المحيي والمميت . وفي علاقة العقل والروح توتر مقيم، وحب قديم . اشبهت عندي علاقتهما، العلاقة ما بين القوس وحبل القوس، من علاقة الارتباط. فالقوس عندي العقل ، وحبل القوس عندي الروح ، وافعالنا هي السهام الني نرميها عن اقواس ذاتنا . اُشبٍّه العلاقة بين العقل والروح أيضا؛ بالعلاقة بين اليين واليانج ، اي التناقضات المكملة لبعضها في الثقافات الشرقية، وان كان في تلاحم اليين واليانج قد رأي الصينيون وغيرهم اصل العناصر الاولى، بما فيها النار والماء والارض وكل المعادن. وصور استاذنا الكبير محمود محمد طه، العلاقة بين الروح والقلب، الذي هو عنده مصدر العقل، كالعلاقة بين الشفع والوتر. أو قل شبّه الانسان – السالك بينهما وبهما-، بالمتارجح بين شفع ذاته ووترها، او بين ان يكون شفعا ووترا. قال الاستاذ ان العقل برزخ، يربط ما بين ارادة الحياة، من اسفل، وارادة الحرية، وهي الروح، من اعلى، وقال كلام كثير آخر جميل . وعلاقة العقل والروح ان شئت جدلية، وان شئت متكاملة، وان شئت كانت هي هي : تغيرا في المقدار وتناسقا في المعيار. او قل تعددا في الصفات وتشابه في الذات. فما هو النور ان لم يكن نارا ؟؟ فالشمس ، وهي مصدر النور الذي يغمر كوكبنا، ولا اقول كوننا، هي كتلة نار كبيرة، تتحول الى طاقة نور عندما تصلنا اشعتها. وفي قصة موسى انه رأي ناراُ فالتمس منها خبرا (نوراُ) او جذوة منها يصطلون. وكان الخبر منها اكثر من الجذوة، فما اكثر الجذوات وما أقل النور. في ميثولوجيا الاسلام أيضا، ان الملائكة، وهي مخلوقات كونية لا تعرف الخطأ، قد خلقت من نور، وهي اقرب الى منطق العقل. أما رئيسها الذي تمرد، ابليس ، فقد خلق من نار، اي من جذوة الروح، اي من نزوع الحرية والتمرد. العقل ، لذا، انجذاب الى الثابت، وفيه ميل الى الاستكانة، والروح ، بذا، اضطرام نحو المتحول، وفيها جنوح نحو الثورة. العقل، اذن، نور هادي يضي ولا يحرق، والروح، لذن، جذوة متقدة قد تحرق وتضيئ. لا اعلم ان كان كل ذلك كذلك، ولكن اعلم ان روحي جذوة نار. هي بعض ما بداخل ذاك التنين الخرافي القديم. في لحظات الاضطراب والغضب يتفجر لظاها، فتخرج مع الشهيق والزفير، ناهيك من حالات النفخ العملاق، المقصودة والمفروضة والمؤودة. في لحظات الهدوء، تكون كنار الكانون الهادئة، تضطرم في جمر جميل، لتصنع اجمل شاي منعنع في عصرية جميلة او صباحية باردة؛ في جنة عطبرة. روحي روح مقاتل، روح ثاثر، روح العنقاء التي تولد شرنقة في الرماد وتموت محترقة في اللظي. روحي روح برموثيوس الذي تحدي الالهة، وسرق منهم النار، قكان عقابه نكالا ان تأكل النسور من كبده، كل يوم. كبدي هي طعام الروح، وهي ثمنها. احتراقي في النار هو ثمن ولادتي منها. معيشي في لهب الحريق هو كفارة سرقة البريق، وضريبة مواجهة الآلهة، الصغار منهم والكبار. لا يلومني احد، اذن، اذا اشعلت ناري حريقي ذات يوم، او في كل يوم. لا يحاول احد ان يطفيني، فنار روحي لا تطفيها الكلمات، ولا يغمرها الماء. الثلج ينزل عليها مثل الزيت، والرجاء ريح تزيد اضطرامها. نار روحي كنيران المجوس، لا تنطفي، وان خفت لهيبها، بين وقت وآخر. ان اطفيها اقتل ذاتي، وأخسر ميعادي، وقدومي الآتي. ان احافظ عليها، اتجدد في ذاتي، وانتصر على مماتي. اذ انا لا اريد النهاية الا باضطرام النار وفي اضطرام النار، لأحيا من جديد. والحياة الجديدة، ليست حياة الجسد، فمصير الصلصال الى الارض، ومصير النار الرجوع لمصدرها الاول، اي الطاقة الكونية العظيمة، التي لا تنتهي وإنما تتبدل. الحياة الجديدة، هي حياة برومثيوس داخل الاسطورة وخارجها. هي حياة العنقاء في الخيال، وهي حياة التنين في المحال. الحياة الجديدة، ليست حياة الجوارح والاطراف، وانما هي حياة الخيال والاطياف. الحياة المنبعثة ليست تمددنا وامتدادنا، في المدى، وانما رجعنا ، في الصدى. هي الحياة في قلوب الناس، في الفكرة، لا انغماسنا مع الناس، في الكسرة . ليست هي الحياة بعد الموت، في النشور، وانما هي الحياة رغم الموت، في الفكر والشعور. وما العقل في حياتي ؟؟ هو بعض من شعاعات تلك النار المقدسة. هو خلاصتها بعد ان ابتعدت عن موقدها العظيم. هو عيني بعد ان تجردت من جسدي. هو خشبة القوس ومسنده الصلب، حينما تكون الروح حبله المشدود. هو اصدقائي : صورة ذاتي الخالية من البراكين. هو تلك الجمرات الهادئة، في ذلك الكانون العطبراوي، في تُكل نورة بت بعنيب. هو خلاصة كل تلك الاشتعالات الحارقة. هو شرنقة العنقاء، في لونها اللبني، على قمة النخلة الكونية العملاقة. عقلي هو امتداد روحي، وهو بعض من بذرتها. لا يطلب مني احد ان اتخلص من روحي لحساب عقلي، لأنهما تؤأمان سياميان لا ينفصلان. لا يظن احد انه بدون اضطرامات النار تلك، يكون ضوء. لا يحسب الانسان ان الشمس تعطي دفئا ونورا، لو لم تكن تغلي كالمرجل وتقذف لهبها في الكون، وتحترق من الداخل. لا تطلبوا مني المحال، وانما اطلبوا مني سرعة التحكم في تلك المراجل، فنار الروح اذا لم تقيدها اسطوانات العقل لاحرقت جسدها والخيال. لذا اصدقائي، لا تغضبوا ولا تنفعلوا ولا تحزنوا، حينما اشعل نيراني، او تشتعل من تلقاء نفسها فيي. كونوا عندها الوتر، عندما اكون الشفع، وكونوا الشفع، عندما اكون الوتر. كونوا لي ما اريد ان اكون لكم ، مشعلا لايقاد جمركم ، عندما يخبو، ومرصدا لتجميع ضوئكم، عندما يفيض. لا تطفئوا ناري ولا توقدوها، بل احصروها. كونوا لي سند الروح، وعمود القلب، ومعراج العقل. كونوا لي الشهود؛ اذا كنت الشهيد؛ وكونوا لي الصديقين؛ اذا كنت الشاهد.. كونوا لي أحبة، وقضاة، ومحبين. 25/8/2008