الصدق المهدي يرفض الانتفاضة/نقد يطالب بالتمرد علي قوانيين الحكومة

Quote: اسمحوا لي أولاً أن أعبر، باسم حركة (حق) ، عن عميق حزننا وأسفنا لرحيل المناضلة العظيمة وفنانة أفريقيا الأولى مريم ماكيبا التي غابت عن عالمنا بجسدها مساء أول البارحة تاركة خلفها إرثا غنياً وثراً من الكفاح الصلد ضد التفرقة العنصرية الذميمة، وغناءً وأناشيداً صادحة بالمساواة والكرامة الإنسانية، في وطنها جنوب أفريقيا وفي كل أصقاع العالم. لاشك أن ماكيبا رحلت وهي راضية تماماً عن نفسها بعد أن شهدت في لحظاتها الأخيرة في هذه الدنيا انتصاراً داوياً لمبادئها وطموحاتها ولكل ما ناضلت من أجله، تمثل في الفوز الكاسح لأول ملون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ثانياً اسمحوا لي أن أتقدم بالتهنئة لكل المناضلين من أجل المساواة والكرامة البشرية والتقدم في كل أنحاء العالم وفي الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بانتصار باراك أوباما التاريخي بكل المقاييس. وإذا كان ذلك الانتصار يعني الكثير بالنسبة لشعوب أخرى، فإنه يعني بالنسبة لنا في السودان ما هو أكثر وأعمق وأقرب، ونحن على أبواب معركة انتخابية يتوقف على نتائجها مصير البلاد كلها، وحدتها ووجودها. لقد استطاع أوباما أن يجعل من هدف التغيير شعاراً ملهماً وقوة خارقة لعشرات الملايين من مختلف الألوان والسحن ومن الشباب والشابات الذين اندفعوا بأعداد غير مسبوقة وبحماس دفاق وذاخر للمشاركة في أنجح حملة انتخابية على مر العصور تخطيطاً وتنظيماً وتمويلاً واتصالاً، ولم تكف شعلتها عن التوهج إلى أن أوصلت مرشحها إلى هذا النصر المؤزر. إذا كان أوباما الذي خاض حملته الانتخابية في ظل نظام ديمقراطي حر راسخ شفاف، تؤمن نزاهته وعدالته وتحميها كل القوانين والمؤسسات قد احتاج إلى حملة انتخابية على ذلك القدر من حسن الإعداد وجودة التخطيط وقوة التنظيم وكفاءة الاتصالات وغنى الموارد والعمل الدؤوب على مدى ما لايقل عن ثلاث سنوات متصلة، فماذا نحتاج نحن، ونحن على بعد بضعة أشهر من معركة انتخابية ضد حزب هو في حقيقة الأمر دولة بكاملها ونظام حكم بأسره، يملك وحده كل مواردها وأموالها، ويتحكم في قوانينها وقضائها ومؤسساتها كافة، ويحتكر إعلامها، ويسيطر على أجهزة أمنها المعروفة وغير ذلك، ويمارس الاعتقالات وإيقاف الصحف والإعتداء والتعدي حتى على قوانينه ذاتها؟ ماذا نحتاج ونحن مقبلون على معركة انتخابات لا تتوفر لها أبسط شروط التكافؤ والحرية والنزاهة والشفافية؟ هذا، أكثر من أي شيء آخر، هو الذي يجعل لانتصار أوباما مغزى ومعنى راهن ومباشر بالنسبة لنا، وهو الذي يجعله ذا دلالات مهمة ونحن نطرح برنامجاً لتوحيد القوى الوطنية في بلادنا. لقد شاركنا في اجتماعات طويلة للخروج ببرنامج يحقق الحد الأدنى للخروج بالبلاد من أزمتها الخانقة، وفي تقديرنا أن ما توصلنا إليه حتى الآن هو أقل بكثير مما كنا نطمح إليه، ولكنه تعبير عن واقعنا السيء، نعبر عن رفضنا له لا بالمقاطعة، وإنما بالعمل على تطويره من داخله. إننا نحتاج إلى الكثير من العمل والجهد لتحويل هذا البرنامج الفضفاض والملتبس في الكثير من بنوده، إلى قوة دافعة من أجل "استنهاض طاقات جماهير شعبنا من أجل عملية التغيير السياسي والاجتماعي" كما ورد في فقرته الختامية. نحتاج إلى الكثير من العمل لنزيل الغشاوات التي تبحث عن المخاطر في التدويل، وتواجد القوات الدولية، وتداعيات المحكمة الجنائية، وتغض الطرف عن الخطر الداهم والماحق الحقيقي المتمثل في المؤتمر الوطني وسلطة الإنقاذ. نحتاج إلى الكثير من الجهد لنجعل أهدافه واضحة وفصيحة وقريبة من الجماهير، ولنجعل وسائله محددة وفعالة وناجعة. إن ذلك لا يتحقق بالهروب إلى الأمام، أو بتفادي القضايا الآنية والمباشرة. والقضية الأولى المباشرة والآنية والحقيقية التي لا يمكننا أن نشيح بوجوهنا عنها أو نتحدث عنها في عجالة وإيجاز مثلها مثل كافة القضايا الأخرى هي قضية الانتخابات العامة المقبلة. أي ملتقى للقوى الوطنية لا يتصدى للانتخابات القادمة ببرنامج عمل واضح ومحدد لا يمكن أن يكون مجدياً أو ملهماً. لقد دعونا من قبل ومازلنا ندعو إلى تكوين تحالف سياسي واسع لهزيمة المؤتمر الوطني في الانتخابات القادمة. إننا على قناعة تامة بأن هزيمة المؤتمر الوطني في الانتخابات القادمة هي المهمة الأعظم والأشرف في تاريخنا السياسي المعاصر لأن وجود الوطن يتوقف على إنجازها. إننا ندعو الآن ومن هذا المنبر لتحويل البرنامج الذي اتفقنا عليه حتى الآن إلى برنامج عمل واضح وخطة محددة لخوض الانتخابات لهزيمة المؤتمر الوطني. ندعو إلى تحويل هذا البرنامج إلى صيغة قابلة لاستيعاب كل الطاقات الشعبية ولاستقطاب المبادرة الجماهيرية في كل مكان وتفعيل نشاط سياسي مفعم وفعال في كل موقع، ولاستدعاء الحراك والتنظيم الشعبي الواسع. هذا الحراك الشعبي الواسع لايمكننا خلقه ما لم نجعل من الانتخابات القادمة معركة ليس بين قوى سياسية متصارعة، وإنما معركة شرسة، معركة حياة أو موت، بين كل مواطنة ومواطن وبين المؤتمر الوطني وسلطة الإنقاذ. ولن يحدث هذا ما لم تكن هناك مصلحة واضحة وملموسة لكل مواطن ومواطنة في التغيير، تغيييراً ينتشله من باطن الأرض ويرفعه إلى ظاهرها، يأخذه من كهوف التخلف ومغارات الجهل والخرافة ويرفعه إلى ذرى الكرامة والحضارة الإنسانية، يمنحه المأوى الآمن، والبيئة النظيفة، والرعاية الصحية والعلاج الضروري، ويبني المدارس ويوفر للتلاميذ الكتب والمقاعد والمدرسين، ويمهد له الطرق ويعبدها، ويفتح له فرص التوظيف المجزي، ويحميه من الجبايات الظالمة. برنامج القوى الوطنية هذا لن يكتب له النجاح ولن يقيه أو ينقذه من مصير ما سبقه من برامج وإعلانات ومواثيق إلا جهد خارق لتمليكه لكل مواطنة ومواطن على ذلك النحو. ولأن العمل لهزيمة المؤتمر الوطني إذا ما تصدينا له، سيتم في ظل دولة لا زالت تحتفظ بطبيعتها القمعية، ولا زالت رغم اتفاقية السلام الشامل والدستور تحتفظ بذات أجهزتها ووسائلها وممارساتها القهرية، لا زالت ترتجف عند أدنى تحرك شعبي، فإن ذلك النشاط سيكون ساحة صدام عنيف ومتواصل مع المؤتمر الوطني، سيستخدم فيها أجهزة أمنه ومليشياته. لذا يصبح من الضروري جدا أن نتصدى له بصلابة نضالية وعزيمة بطولية ولابد من لنا أن نبتكر أساليب ووسائل ناجعة وفعالة في مواجهة القمع تفضحه وتحاصره، بحيث يتحول القمع سلاحاً ضد ممارسيه وحبلاً حول عنقهم. هذه المهام، لا غيرها، هي التي يجب أن تجه لها الآن وبكل طاقاتنا، فليس هناك زمن.