متاهة الإنتظار على مرافيء الزمن الحزين!!... خواطر وأشجان

Quote: يا بلادي ؛ استوقفتني عيناك وأنا استرجع عبق طين جروفك ؛ ذاك العبق الذي يتجاذبني فيسكرني ؛ عندها أجدني مدفوعاًفأخاطبك حتى أسترضيك لأنني ربما جفوتك على غير قصدٍ مني ، بل مرجعه أيقاع حياة إخترتها بحماسة الشباب وعنفوانه في المبتدأ؛ ورفضتها وندمت عليها في ما تبقى من عمر بعد كهولة وهرم : يقهرني العالم في غربتكْ..وأقهرُ الغربةَ في عالمكْ..وأكتبُ الشّعرَ بحضرتكْ..'و' يكتبني الشّعرُ بغيبتكْ ..رأيتني في الحلم أثقّفكْ..'و' علّمتني بالصّحوِ أن أعشقكْ.. شاهدتُ فيكِ بلدا يحاصركْ..وعشقك بلدًا فيَّ محاصرا يغازلكْ جاهدتُ فيكِ المخاطرَ أحرّركْ..'و' حرّرتني حين لمستني بقبلتكْ..يا زهرةً ميلادها ميقاتنا وبسمتكْ.. تفتّحي نهر القاش؛ تبسّمي, فإنّي والإغتراب بموعدكْ ..شهد حزنُ الزّمانِ رسالتكْ..وحزنتُ من أسرة الزّمانِ بسمتكْ..عانقتُ فيكِ قرى " الجزيرة وجزر العقيدة لأطهّركْ.. 'و' طهّرتني بدفء ترابكِ و منابعكْ..رتّلتني لحن هيامٍ في قصائدكْ.. تسّاقطي غيم السّما تنزّله .."وسفر الوفاء "ينسابُ وبذرتكْ.. ليخلق َالماء جذوركِ.. ولهذا خلقُ الله للعالم روعتكْ.

إن صحّ الإستشهاد من إبن الفارض:


وَحَيَاة أشْواقِى إليك *** وتُرْبَة الصَّبْرِ الجميل


مَا اسْتَحْسَنتْ عَيْنى سِواك*** ولا صَبَوْتُ إلى خَلِيل


أو من تائيته المشهورة المسماة بنظم السلوك:


فلفظ وكلى بلسان محدث *** ولحظ وكلى فى عين لعبرتى


وسمع وكلى بالنداء أسمع النداء *** وكلى فى رد الرداء يد قوتى

Quote: ألوم نفسي يا بلادي أولاً ثم ألومك ثانياً وهذا تجاسر مني ولكن إسمعينني ، فلا تغضبي عني أكثر ؛ فمهلا فإن وقائع الحياة تدين للأقوياء بالاتجاه وتجرى على الضعفاء بالأثر، فلماذا لا نكوني من الأقوياء؟ نراجع الفكر ونمهد الطريق ونبدأ العلاج مدركين أن من يعطى لقلبه إجازة من حب الوطن وينأى بفكره عن مواجهة الخطر، هو كائن يعطى لنفسه صك اغتراب عن الحياة قاصدا أن يعيش أبد الدهر بين الحفر مثلما قال الشاعر التونسي ابوالقاسم الشابي.

Quote: أنت يا أمي الوطن ؛ أنت سبب وجودي الإنسانى؛ إنه وجود حى يمتزج فيه البشر بالانتماء مع مكان بعينه وزمان فى حينه، هكذا ينبغي ولكن حالما يضربه بعض أبناء في خاصرته وذلك بغية شهوة مصالح وطموحاتٍ شخصية يصار إلى وطن ضعيف تدب على الأرض أجساد بشر بلا هوية لأن من يفعل هذا من بنيه لا يقدس هويته، وويكون الأثر السيء لذلك أن تستطيل المسافات فارقة بين نصوص القوانين وبين روح العدالة لأن هذا هدف من يعضد مثل هذه الفئة من أبناء الوطن سواء تعضيد من الداخل أو من الخارج ، ونتاج لذلك يعيش الناس حياة تَفُح بالوضاعة، ويتكالب القهر من قوى التسلط والجبروت دافعا الجميع لإدمان للرقص جنونا على حافة الانتحار.

ذكّرنى هذا قول بليغ لأحد العبادلة قدوة أهل الجذب والسلوك إلى الله:



من كتاب العبادلة:

(3) عبدالله بن محمد بن عبدالصادق:


فى الآيتين "248" و " 249 " من سورة البقرة ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ

مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ

فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا

الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين(249)


قال مُفَسِّراً لما جاء فيها من الرزق:


نهر طالوت نهر بلوى ، فهو نهر الدنيا ، من أخذ القوت منها لم يتعدَ ، فتلك الغرفة إذا اغترفها كسباً بيده ، فإن تجرد عن الكسب فهو

قوله : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ).

فقوت المتجرد ليس من الدنيا ، لأنه ما أخذ من النهر شيئاً ، فما أحسن هذا التشبيه الإلهى !!!!!


ومَنْ شَرِبَ وأمعن فيه زائداً عن الضرورى فى الكسب فليس منى. وليس على المتجرد تقييد فى الإتساع من فضل الله ، فيشرب ويَرْوَى من جود الله الحق

، الذى لم تُدنسه أيدى المحدثات بالكسب.

فمن فَهِم هذه الإشارات عَلِمَ ما بين الرزقين. وأدرك الفرق بين النوعين : الكلب إذا أكل من صيده فلنفسه سعى ، فيُحرم الصيد لذلك على

المُرسل وأنت المُرْسِل جوارحك فى الكسب ، فإذا أكلت منه حَرُمَ عليك مع نقصان مرتبة ، وتحجير للحلال المحض الإلهى عليك .فمعنى حرام : مانعٌ

بينك وبين من أكل من يد الله .


وقال: لما غلبت الكثافة على غير الأمة المحمدية صار تنزل المعانى عليهم فى سورة الحِس ، لطمس قلوبهم وعيونهم عن إدراك الحقائق على ما

هى عليه ، ونزلت على الأمة المحمدية على ما هى عليه فى نفسها.

ألا ترَى إلى السكينة نزلت فى قلوب المؤمنين فانتفعوا ، ونزلت على من تقدم فى صورة ثوب محمول فى تابوت ، نظير قلب المؤمنين . ليس فى

قلوبهم منها شئ . قال تعالى : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ).


وقال فينا:

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا ) سورة الفتح(4) بفضلهم على غيرهم من الأمم بقوله وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ

وَالأَرْضِ ) الفتح (7) نظير قوله : {تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ} البقرة (248).


من يُبلِّغ منّا ممتهنى السياسة و أثرياء هذا الزمن الذين يغترفون من المال العام بغيرما كسب مرسلين لجوارحهم لكأن بلادنا ضيعة تركها

لهم آباؤهم وهم لها وارثون ؟


ما أحوجهم إلى نزول السكينة مرة أخرى فى صورة حسية فى تابوت آخر لإنعدامها فى قلوب الكثيرين منّا.