|
Re: من حيث تأمن تأتيك المهالك (Re: فدوى الشريف)
|
ضد الوهن
محمد علي عبد لله
من حيث تأمن تأتيك المهالك 2 ــ 2!!
كتبتُ فى الحلقة الماضية الخميس 25/9/2008 عن المبادرة العربية التى أُسندت إلى قطر، وقلت إن المبادرة العربية التى تستضيفها قطر ستكون فرصة الحوار الأخيرة لحل أزمة دارفور، وفرصة الحوار الأخيرة فى ظل طلب أوكامبو وغزو خليل لأمدرمان وقرار قضاة محكمة لاهاي المرتقب ستكون شروطها قاسية جدًا بطريقة كان يمكن أن يقول معها الراحل مجذوب الخليفة لو كان حيًا بمثل ما قال غازي صلاح الدين عن نيفاشا لو أردنا حلاً على هذا النحو لتوصلنا إليه بعد أسبوع واحد من الشروع فى التفاوض المباشر مع الحركات المسلحة!!، بل ما كانت تطالب به الحركات فى تفاوضها مع الراحل مجذوب الخليفة أقل بكثير مما ستطالب به على المائدة القطرية بعد التطورات التى حدثت مؤخرًا، وقد كان غازي صلاح الدين يفاوض الحركة الشعبية على نسبة 8٪ من السلطة فى الشمال بينما كانت تصر الحركة الشعبية على 10٪ لكنها نالت ــ بقدرة قادر ــ فى نيفاشا 28٪ !! ، فهل يتكرر المشهد فى الدوحة مع الحركات المسلحة بدارفور؟! ومن الذي يصنع هذا الانحدار المريع فى الموقف الحكومي؟!، إن هذا الانحدار تصنعه جملة عوامل ومعطيات، والحرب النفسية تلعب دورًا كبيرًا، ولذلك قلتُ من حيث تأمن تأتيك المهالك، إن الشروط القاسية يُراد لها أن تُطرح على مائدة عربية وفى عاصمة عربية وبمبادرة عربية، والسودان الذي يرى أن العرب قد تخلوا عنه كثيرًا فى الأخطار المحدقة به والمؤامرات التى تحاك له، وأهل دارفور الذين يرون أن الجامعة العربية تناست معاناتهم ومصائبهم وكانت إغاثات بني الأصفر هي التي تشبع جوعتهم وتشفي مريضَهم يُراد لهذا المشهد المؤلم والمعاناة الطويلة والأزمة الأعظم تعقيدًا أن تنتهى عربيًا ولكن بشروط قاسية جدًا تجعل عدم قبولها من الصديق القطري والشقيق العربي تعنتًا يُظهر الحكومة بمظهر من لا يريد حلاً ولا نهاية لمعاناة أهل دارفور فتصدر الإدانة للحكومة إن هي رفضت من الجامعة العربية أولاً ومن ثم رابطة العالم الإسلامى ليبقى ظهرها من بعد ذلك مكشوفًا، والظهر المكشوف وحالة العزلة التى يُراد وضع البلاد فيها إذا رفضت الشروط القاسية جدًا تجعل كل خيارات واحتمالات التصعيد والمواجهة مفتوحة ولكن بلا نصير ولا ظهير!!، وهكذا ساقت أمريكا العراق إلى احتلال الكويت بضوء أخضر من السفيرة الأمريكية فى بغداد وقتذاك ليبقى ظهره مكشوفًا من كل سند عربي، ثم حاصرته حتى جففت جميع مقوِّمات الصمود والمقاومة فيه ثم احتلَّته فى واحدٍ وعشرين يومًا وهو يملك الجيش العربي الأقوى!، والذى يظنُّ أن هذه الأحداث يمكن أن تُقرأ قراءة مجتزأة وأن هذا الترتيب كان محض صدفة فلن يخلص إلى التشخيص الصحيح ولن يصل إلى القراءة الصائبة، والسودان لا يحتاج إضعافه ثم غزوه إلى عشر سنوات من الحصار، فإن الوضع فى السودان يعتبر وضعًا شاذًا لا تجده فى دولة تحترم نفسها، فإذا كان المسلحون من معارضي صدام حسين كانوا قبل سقوطه فى فنادق أمريكا ولندن وطهران وبين العواصم الثلاث تنسيق رغم العداء الظاهري !! فإن المسلحين من معارضي الإنقاذ الذين يعملون على تدميرها وتدمير هُوية البلاد يقومون بدورهم هذا من داخل القصر الجمهوري وينفذون خططهم بالتمويل الحكومي ويتخذون من آليات السلطة وسائل لهدمها وتعطيلها وشلِّها وإرباكِها!!، فهل رأيتم فى العالم كلِّه وضعًا شاذًا على هذا النحو؟! ، القراء الكرام عندما كتبتُ الخميس الماضي عن توقعاتي فيما يتعلق بالمبادرة القطرية لم أكن قارئ فنجان وقد نشرت الصحف فى اليوم نفسه خبرين رئيسين أحدهما: موافقة حركة العدل والمساواة على المبادرة القطرية !!، والخبر الثانى: الترابي يعقد لقاءات سرية مع المسؤليين القطريين!!، وخليل إبراهيم يُطلق موافقته على المبادرة القطرية بعد أن قرأ له شيخه الترابي الموقف القطري وأكمل التنسيق معه !!، والخبران يؤكدان ما ذهبتُ إليه من تحليل، وما استعرضتُه من نصوص الرؤية التى يُراد طرحُها فى الدوحة يبيِّن حجم الكارثية التى يمكن أن تنتهي إليها أوضاعُ البلاد إذا قبلتْ الحكومة بها، وأعلى سقف فى الرؤية هذه يمكن أن ترفضُهُ الحكومة هو التعاون الكامل مع محكمة لاهاي بما يعني القبول بتفكيك الإنقاذ تفكيكًا تسلم به مقاليد الحكم ولا تسلم !! وقد كشفت لنا المفاوضات السابقة والاتفاقيات التى أُبرمت سواء مع فصائل متمردة أو مع الاتحاد الإفريقى أو الأمم المتحدة أن السقوف العالية من المطالب يمكن أن يقبل الخصم بالتنازل عنها بما لا يبعد كثيرًا عن تحقيق أهدافه إن لم يكن ما توصل إليه هو الهدف الحقيقى !!، والمسألة يمكن أن يُطرح لتجاوزها أن يسمي المؤتمر الوطني شخصًا آخر لرئاسة الفترة الانتقالية، وقد كان يقال لكراجيتش إن حل أزمة صربيا فى غيابك عن المشهد السياسي، وهكذا تنازل ثم أُلقي عليه القبض وهو يحاكم الآن فهل يتكرر المشهد مع البشير؟! ، وتقسيم السودان إلى سبعة أقاليم مع بقاء الإقليم الجنوبي على المستوى الولائي به عشر ولايات فى حين أن الأقاليم الستة الأخرى لا يتجاوز عدد ولايات الإقليم الواحد منها ثلاث ولايات هذا يعني أن تكون نسبة تمثيل الإقليم الجنوبي صاحب الولايات العشر فى البرلمان الاتحادي أكبر، وبالنظر إلى السكان فإن شحن الجنوب بالسكان أيسر من شحن حافلة ركاب فى ظل حدود للإقليم الجنوبي مفتوحة على خمس دول ليس للحكومة الاتحادية أي سلطان على تلك الحدود !! وفي ظل حكومة هناك بلا أخلاق !!، وأقل ما يمكن أن يقال فى أن يكون للرئيس سبعة نواب هو أن الانتخابات القادمة ــ إن قامت ــ ستشهد تنافسًا بين سبعة مرشحين على أقل تقدير ستة من الشمال وواحد من الجنوب فى ظل الاستقطاب الجهوي الحاد الذى صنعته بعضُ الدوائر لتقتطف ثمرته، على هذا النحو يمكن أن تتصور نتيجة انتخابات بهذه الصورة، وتنازع ملوك الطوائف المصنوع هو الذي أسقط الأندلس!!، وماذكرتْه الورقة المتَّفق عليها بين الترابي وروجر ونتر ــ يعنى أمريكا ــ والعدل والمساواة والحركة الشعبية من إقامة تعداد سكاني دقيق وشفيف وإقامة مؤتمر عن هُويَّة السودان يبيِّن أن الصراع فى حقيقته صراع هُويَّة، وأن الهدف الأساسي للمخطَّطات كلِّها والمؤامرات التى تحاك إثارة بحث هوية السودان لإعادة كتابتها وتقريرها بما يخدم مشروع الشرق الأوسط الكبير وإعادة ترسيم المنطقة ثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا، هذا ما أتوقَّعُهُ وأرجو أن تكون هذه هلوسة!!.
انتهى
|
|
|
|
|
|
|
|
|