ليركس مصطفى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 10:18 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الموسيقار يوسف الموصلي(Elmosley)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-14-2007, 09:59 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ليركس مصطفى (Re: سمندلاوى)

    صلاح حاج سعيد
    بطل الابتداء وشهيد الخواتيم





    التجريد في الكتابة إن تجاوز مقداره بحرف يجرّك إلى مغارة تهويم مسدودة. وفي التشكيل إن تخطّى حدوده بضربة ريشة واحدة يحيل العمل إلى شخبطة عمياء. أمَّا إن تجاوز مقداره في الموسيقى فقطعاً ينسف العمل تماماً وينتمي به إلى جَلَبَة ظُلوف عائرة لو وُصِفَت بالنشاز لرُقِّيَت. والكون كلّه لولا المقادير لفسد. "وكلّ شيءٍ قدَّرناه تقديراً" و"كل شيءٍ عنده بمقدار".
    "إنّ اللهَ بالغُ أمرِه، قد جعل اللهُ لكل شيءٍ قَدْراً".
    --------------------------------------

    كان نفسي أقولِّك من زمان
    بالكاتمو في سري ومكتّم في حشاي
    مكبوت سنين *1
    كان نفسي أقولِّك من زمان
    بالشايلو في عيني معزة
    وفي القلب ريداً يخاف الغربة والشوق والحنين
    زاملني زي خاطر الفرح
    وكتين يقاسم الهم عزاء
    وكتين مدامعي تكون جزاء
    وتفتح مباهج الليل ظنون
    كان نفسي أقولِّك من زمان
    سطوة محاسنك عندي ما كسرة جفون
    وكت العيون تعبرني زي خاطر المساء
    سطوة محاسنك ما الرخام الفي الحرير
    وكت الدغير يفجعني بحرفاً قِسَا *2
    سطوة محاسنك عندي وكتين كبرياءك ينهزم
    لي طيبتي بلفظة حنان
    وكتين مشاعرك تنسجم في عمري
    تنفح قلبي برعشة أمان
    سطوة محاسنك عندي وكتين شوقي يصبح في هواك
    ليل عزة ما بتعرف هوان *3
    كان نفسي أقولّك من زمان
    عينيك وحاتك غربتي وأهلي وبلادي
    الفيها ضائع لي زمن
    عينيك وحاتك شوقي لي زولاً ولوف
    من بعدو ساب عيني سهن
    وأنا كنت داير من زمان
    أشرح حكايتي معاك ألف
    أحكيك وأزيد القول ولف
    وأتمنى لو قلبك عرف
    كان من زمااان
    من قبل ما في قلبي يتحكّر
    زمان الفرقة في جرح الأسى*4
    من قبل ما حرف الحقيقة الحلوة يتبدّل عسى
    ويصبح أماني كتيرة في خاطر الحنان
    كان نفسي أقولّك من زمان

    قبل أن أشرع في قراءة هذا النص الذي عَرَّفت كاتبه بـ: "بطل الابتداء وشهيد الخواتيم". أُثَبِّت أنّني أستثني بشكل كامل عمليه "الحزن النبيل" و"الشجن الأليم"، عن أحكام هذه القراءة جُمْلةً وتفصيلاً. وأعتبر هذين العملين من ضمن أهمّ نجاحات الأغنية السودانية عموماً، وتاجاً حقيقياً في تجربة مصطفى على وجه التحديد. والاكتمال فيهما تحقّق فعلاً، ومن أوجهه جميعاً، البيانية لغةً وأخيلة وموسيقى. وهو بالضبط ما تمنيتُه لأعمال صلاح الأخرى كلّها. فعمله "المسافة" عمل بديع أيضاً وفي منتهى الجمال لولا إشكالاتٌ صغيرة في خاتمته. وبادئة صلاح في هذا العمل هكذا:
    لسّه بيناتنا المسافة والعيون.. العيووون. اللهفة والخوف والسكوت.
    وهي بادئة متمثّلة للمنطق والتماسك في جوهر صورتها البليغة والناجزة. ما يجاور المسافة وهي البُعْد.. بالعيون/ المَرْكَبة الوحيدة التي يُؤمَّل فيها محو الخلاء بينه وبين حبيبته. هذه المَرْكَبة التي وقودها اللهفة، وفراملها الخوف، وحاصل ما تقطعه السكوت، وانتصار الخلاء. هذه الصورة بجمالها المتسق هذا، وبحنكتها الرصينة ستُخدش يسيراً لدى موضعين من تداعياتها، حينما يقول:
    عندي ليك مليون بشارة وألف خير
    والكلمة شارة
    إنتِ لما الحب يهوِّم في عيوني وفي عيونك يبقى حائم بالأمارة
    الفرح منّك يجيني
    ويعتريني الخوف عليك

    فالكلمة/ شارة هذه تركيبة غامضة وعصيّة على التفسير، يا تُرى ما الذي يقصده صلاح بذلك؟ فمفردة الشارة هذه بالنسبة للفصيح لا تُوجد إلا بمعنى "الهيئة واللبس"، وهو المعنى ذاته الذي يُستخدم في عاميتنا عند أهلنا من البدو فقط. فهم يداعبون أحدهم بقولهم: والله يا فلان، الليلة شارتك سمحة بالحيل، شايل السوق آلزول؟ ويقصدون أنّ هيئته مرتّبة وملابسه مصوبنة. ولا تُستخدم عندنا مرّة ثانية إلا بمعناها "الخاطئ" الذي يُقصد منه "الإشارة" ويستخدمها العساكر فقط، لوصف علاماتهم العسكرية. هل هو يقصد بـ"شارة" هذه، مفردة إشارة؟ لا أدري! ولكن إن كان يقصد ذلك then we have a problem here كما يقول مايكل دانكن بصوته الأجش، لأنّ هناك صورة تتقدّم هذه وتنص على ذات المطلب في صورته الصحيحة والواضحة، حينما يقول:
    راجي منّك بس إشارة
    وكلمة تديني البشارة
    وهذا كلام معقول وواضح جداً، فالحبيبة هي المستعصية وهو من ينتظر منها إيذاناً بدخول عالمها، لتكون كلمتها المُرَحِّبة به هي ما يحمل له البشرى. فكيف يأتي بعدها بمقطع آخر يحتوي هذا الكلام معكوساً؟ حين يصبح هو صاحب البشارة، بينما تبقى تركيبة الكلمة/ شارة غير مفهومة وكما هي في تمام غموضها. أهي محاولة لإكمال نص الليركس بأي حال أم ماذا؟
    بقدر ما حاولت الالتفاف على هذه التركيبة لأجل تفسيرها أعيتني. فهي بوضعها هذا (الكلمة/ شارة!؟) تُمَثِّل صورة مسدودة، وإشارة عقيم لن تلد لنا شيئاً مهما استبطناها وتعاملنا معها كرؤى، وإن شرعنا في تأويلها على ضوء "الإشارات في علم العبارات" لابن شاهين، الذي هو كتابٌ وعِلْمٌ في تأويل الرؤى مهما استعصت رمزيتُها وأشكلت عباراتُها.
    وما يلي تركيبة (الكلمة/ شارة) هو هذا المقطع الطويل:
    إنتِ لما الحب يهوِّم في عيوني وفي عيونك يبقى حائم بالأمارة
    فما هي حصيلة إدراكنا أو شعورنا من هذه المناظرة بالأعين؟ لا حصيلة مُطلقاً، فهناك شيءٌ ما ناقص هنا، أو مجهول لا أعرف ما هو على وجه التحديد!
    وأيضاً أعجز تماماً عن توليد أية وظيفة أو دلالة لمفردة "الأمارة" هذه. فأية أمارة أو علامة التي يحوِّم بها الحب في عيني تلك الفتاة يا تُرى؟ لا أعرف، لكونه ذكر بأنَّ الحب يهوِّم في عينيه هو، أمَّا في عينيها هي فقد قَرَّر على نحوٍ حاسم وقطعي بأنَّه "يحوِّم" بأمارة ما، فما هي؟ مكانها شاغر كما قلت، والكلام غير مستوٍ. وحشو هذه المفردة من خلال هذا التركيب الماثل أمامنا، وهذه الصياغة المحدودة، يُرَشِّح على نحوٍ أكيد استخدامها من باب التقفية.
    وأيضاً هناك إشكال آخر في ذات النص حينما يقول:
    تمشي وين الخطوة عنك
    ما الزمن بالحظ بلاك وابتلاني
    والخطأ سببه هو حرف "الباء" المتقدِّم لمفردة الحظ، إذ يعكس المعنى دون شك. ليصبح أنّ الحظ حالفه وهو يعتبر ذلك "بلوى" بدل أن يعتبره "نعمة". فالرابط الواجب استخدامه هنا هو "في" بدلاً عن "الباء". ليكون المقطع هكذا:
    ما الزمن في الحظ بلاك وابتلاني.
    أي أنّ ابتلاء الزمن وقع "على" الحظ فدمَّره، وليس وقع "بالحظ" والشاعر يعتبر ذلك بلوى! لأنّ قولي: "فلانٌ محظوظ"، يعني الخير فقط وليس الشر. فكيف يبتلي الزمنُ الشخصَ بالحظ! بدلاً عن تهنئته به!؟ وأيضاً أعيب عليه في هذا المقطع الانتقال إلى صيغة "المُذكَّر المُخَاطَب"، عِلْمَاً بأنّ سياق الأغنية كلّها يخاطب مؤنَّثاً، ما عدا هذا المكان المُشْكِل بالأصل.
    بأي حال الأغنية جيدة وإن تتعثّر بهذين المقطعين ولكن ليس كثيراً. إذ هما قابلان للبلع -مع الكراهة- في معقولية ما تقدّمهما من نظم.
    أمَّا عمله الذي بادئته:
    ريدي ليك الريح بعرفو
    شافو لما كتبت حرفو
    أجده أضعف كثيراً من "الحزن النبيل" و"الشجن الأليم" و"المسافة". بل لا يمكن مقارنته بهذه الثلاثية التي تُشَكِّل جزءاً مهماً من تجربة مصطفى مع هذا الكاتب. وبادئة الريد الذي تعرفه الريح هذا، أيضاً باستقصائنا للنص في كامله نجدها أفضل ممّا تمّ بداخل العمل وفي تطورات معماره ناحية الاختتام. فبادئات صلاح لأغانيه كلّها جميلة ومعطاءة أُنجزت بجمالٍ فنّي محكم، وباختيار دقيق لما يمكن أن يقع في نَفْس المستمع من محبّة لهذه البدايات. والبادئة بالنسبة لي تُمثّل شيئاً جوهرياً من الأغنية وعلاقتها بالناس. فهي التي تُحَدِّد بشكل حاسم نجاح الأغنية من عدمه. لأنّها تُكَرَّر، وتعتبر بمثابة المحطّة الأساسية التي ينتهي إليها النص بعد كلّ جولة تصوير يقوم بها، ليأوي إليها مجدّداً كي يُخَزِّن فيها إثمارات رحلته التصويرية بعد كل مقطع.
    فبما هدفي الآن -كما أسلفت- هو مراجعة بعض الأعمال التي تُمَثّل لي أخطاءً "شنيعة" تغافل عنها الناس بزعم أنّها "حداثة أو تحديث". بينما هي في حقيقة الأمر مجرّد حشو لفظي غير مفهوم بتاتاً، ولم يشتمل على أية فائدة أو مغزى. ونموذجي من صلاح هو عمله "كان نفسي أقولِّك من زمان". والذي تنطبق عليه أيضاً قدرة صلاح على ابتكار بدايات مغرية وجميلة للعمل. فما أجمل بادئة "كان نفسي أقولّك من زمان" على مستوى الليركس الذي كان شائعاً قبل فترة مصطفى. فليركس ذلك الزمان قلتُ إنَّه يُتَمْثِلُ الحبيبة، ويصفها بالمقاسات الدقيقة كجامدٍ لا علاقة له بالكائنات الناطقة. فيفاجئنا صلاح بهذا الاستهلال المتمنِّي للحوار، والذي يشجب دهوراً خَلَت من صمت "الحبيبات الدُّمى" كما يصف الشاعر الصادق الرضي.
    ومن (هنا)، من إنجاز صلاح لمداخل جِدُّ مغرية بالمتابعة وبالتداعي معها، الذي حينما نقوم به فعلاً -مع هذا العمل- سيصدمنا لغوٌ بلا معانٍ وبلا خلاصاتٍ من أي نوعٍ كان. سواءٌ فكرية، أو فنّية، حَمّالة رؤى أو حدوس، لا شيءَ أبداً، بل يُوَرِّثنا صلاح عبر عمله هذا في إجماله إحباطات مُرَّة وتهاويم منزوعة المعاني والهدف.
    فهو بعد فراغه من بادئته الواعدة: كان نفسي أقولّك من زمان، يرتجل اللفظ تلو اللفظ دونما جهة يقصدها ونقاءً من كل غاية. لدرجة أن تضيع أي معالم لليركس نفسه. فيفشل النص بذلك في أن يكون ليركساً من أساسه، سواءٌ في صوره الكلاسيك، أو في تطلعاته نحو قصيدة التفعيلة، أو التزَيُّن بنكهة قصيدة النثر. أمّا الآفة الحقيقية فهي ضياع "المنطق" لدى صلاح نتيجةً لسوء التعامل مع اللغة، بتبذير ما عرف الاقتصاد في المفردات قط، ودون حذر في تناولها مطلقاً. والمنطق -عموماً- لا يستوي إلا بسواء وعائه. فمنطق العلوم الرياضية لا يستوي مع معادلات خَرِبة. وكذلك منطق الصور والأخيلة وجميع أنواع البلاغات والرؤى التي تحملها اللغة لا يستقيم إلا باستقامتها ولا يغدو صالحاً إلا بصلاحها. ولذلك أسمى ابن السِّكِّيت كتابه بـ"إصلاح المنطق". والذي هو في حقيقة مادّته تبيانٌ لأغلاط الخلط بين المفردات بتغيير حركاتها، ومواقع أحرفها واستخدامها، وتوهّم اشتقاقاتها من أفعالٍ خاطئة. أي هو كتابٌ في اللغة التي هي ماعون المنطق وأساسُ بنيانِه المرقون.
    وبنا إلى المقطع الأول الذي يقول:
    بالكاتمو في سري ومكتّم في حشاي
    مكبوت سنين
    وهو يمثِّل كتابة ذات ثقوب وتصدّعات ليس بوسعها حتّى المرور من غرابيل أدوات النقد الكلاسيك. المعدّة في أساسها لنقد ما هو قديم من الكتابة الشعرية. فمثلاً جميعنا يعرف ما وجّهته كلاسيكيات النقد من تجريح لاستخدامات مفردة "الحشا" في مقام العشق. إذ صُنِّفت هذه المفردة في دائرة الأمعاء واستُهْجِن استخدامها رفقة مواضيع تتم في محيط الفؤاد والقلب والدماغ. وأيضاً هو مقطعٌ ساقطٌ لدرَكٍ لا يُبْلَغ في اختبار التجنيس بين المفردات و"الجَرْس اللفظي" الخاص بالكتابة الشعرية. فما أغلظ وأوفر حرف الكاف في هذا المقطع.. كاتمو/ مكتّم/ مكبوت، من أصل سِتِّ مفرداتٍ فقط، يُغَطِّي إزعاج الكاف على نصفها بالضبط. وإنِّي هنا أستصحب هذه الأدوات الكلاسيك لأنّ مراهنتي على تفرِّد تجربة مصطفى في جوهرها انطلقت من تبني مصطفى لتيار كتابة أكثر نضجٍ من تجارب الذين سبقوه. إذن على الكتابة هنا أن تكون متجاوزة بالفعل لثقوب الكتابة القديمة وآفاتها. والفنون المصنوعة من اللغة ومن غيرها، كلّها، لا تهدم قديمها بل تتغذَّى به لأجل تمتين ما هو جديد.
    وبمواصلة مساءلتنا للمقطع الثاني:
    كان نفسي أقولِّك من زمان
    بالشايلو في عيني معزة
    وفي القلب ريداً يخاف الغربة والشوق والحنين زاملني زي خاطر الفرح وكتين يقاسم الهم عزاء، وكتين مدامعي تكون جزاء، وتفتح مباهج الليل ظنون

    نجد أنّ: بالشايلو في عيني معزَّة، صورة جميلة نستطيع أن نتدرّج بها نحو: وفي القلب ريداً يخاف الغربة والشوق... ولاحظ أنّ هذا "الشيل" حَطَّ الآن فقط عن ظهر مفردة "الحشا" الأمعائية أعلاه، ولتوِّه قد جاء من مواضع سيئة إلى مواطنه الأحق. ومهما تجاوزنا عن ذلك فالمعضلة أمامنا، لدى مفردة "الحنين" هذه، هل يتوقف سردُ صلاح لديها؟ وأعني مفردة "السرد" عن دقّة. ولذلك كتبت جمله بالطريقة النثرية أعلاه. فبناء الليركس قد انفرط من عند مفردة "الحنين" وتحوَّل إلى سردٍ بَيِّن وغامض. تلحظه حتى في لهاث مصطفى الباحث عن موضع وَقْفٍ لا يُوجد بداخل هذا السرد أصلاً. بالفعل إنِّي عاجز عن تحديد وضع هذه المفردة، لأنّ هناك شاغر ما وخلل واضح في ترادف هذه المفردات دون فاصل وفي حشو قبيح. أتُرى موقعها إلى اليمين كي تنضاف إلى مفردتي "الغربة" و"الشوق" اللتين يخشاهما صلاح!؟ أم إلى اليسار نحو أداة التشبيه "زي"، كي يكون الحنين "مُشَبَّهاً" عجيباً، في هذا الموضع، بمُشَبَّه به أعجب منه. فجملة التشبيه هي:
    زي خاطر الفرح وكتين يقاسم الهم عزاء.
    ولا أظنّ أنّ هناك دلالة مرجوّة أو منتظرة من المزاوجة بين هاتين المفردتين (خاطر/ الفرح). فالمجاورة بين المفردات في مزاوجات جديدة، لا ترتهن لسيرورة القواميس ولا ما هو دارج، تحتاج لما هو فوق مقدرات كُتّاب الليركس، لأنّها تجر العمل من حارة الأغنية إلى حارة إطلاق الشعر. وهذا بالضبط الجوهر الذي طمحت إليه تجربة مصطفى من ناحية اختيار الليركس تحديداً. أي القفز بالأغنية السودانية من حارة مشاعة الليركس إلى حارة فرادة الشعر. وهذا القفز المميت نجح فيه مصطفى تماماً عندما تعامل مع نصوص معيّنة توافرت فيها خصائص تُؤهّلها لذلك. وأيضاً نجح فيه عندما تعامل مع نصوص ليركس بحت محدّثة بحنكة ودراية كعملي "الحزن النبيل" و"الشجن الأليم" لصلاح نفسه. ولكنه -مصطفى- وقع في أخطاء مميتة بفعل تلك الحماسة المندفعة والبكرة، بينما كانت تجربته في إطار التشييد، فقدَّم نصوصاً أراها "مسوخاً شائهة" وهذا النص أعلاه أحدها. فهناك من كُتّاب تجربة مصطفى من تخصّصوا في كتابة الليركس القديم وعُرفوا به، ومع ذلك غامروا على صعيد التحديث ونجحوا.. في حدود التلوين المُيَسَّر الذي تسمح به تأهيلات هؤلاء الكُتّاب أنفسهم. أقول ذلك لأنَّني أراهم أصحاب مقدرات في خانة معيّنة هي الليركس وغنائيته الأسهل من باقي معمارات الشعر. وأعمالهم من ناحية وعيها الفنّي دون شك تقل قيمتُها إزاء أعمال لكُتّاب آخرين غنَّى لهم مصطفى أيضاً. أمثال سالم حمّيد وأزهري محمّد علي وأبي ذكرى*5 ومُحمَّد إبراهيم شُمُّو وعاطف خيري وكثيرين غيرهم.
    فما هو الإيشاء -ناهيك عن المعنى- الذي تجود به مزاوجة مفردتي (خاطر/ الفرح). هذه التركيبة جُثَّة وما من شيءٍ هنا، والمؤسف أكثر أنّه لا نجاة لصلاح من هذه الهرطقة أبداً. وحتّى لو جَرَّبنا معاني "خاطر" الفصيحة كلّها، أو الدارجة معاً فلا محيص. لماذا؟ لأنّ صلاح يستخدم هذه التركيبة ثلاث مرات في هذا النص عينه، وكل واحدةٍ منهن أعجب من أختها وأغرب. فإحصاؤنا لهذا الإلغاز المُغلق هكذا:
    1- والحنين زاملني زي "خاطر الفرح".
    2- العيون تعبرني زي "خاطر المساء".
    3- ويصبح أماني كتيرة في "خاطر الحنان".
    وهذه الجُمَل الثلاث من دون معنى مطلقاً بسبب هذه اللواري من الخواطر العايرة. فلم تنجُ من صلاح في هذا النص إلا "خواطر فيل" فقط، إذ سبقه عليها النور الجيلاني كما يبدو.
    وهذا السرد السوريالي لا يتوقّف لدى (خاطر/ الفرح) وإنّما يجذب هذا التهويم نحو وضع أطين في اللامعنى. وذلك باشتراطه لمواقيت يتم فيها هذا التشبيه الذي نحن في الحقيقة لا نعرف كيف هو لأننا لم نفهمه، ليستمر صلاح في سرده:
    "والحنين زاملني زي خاطر الفرح (وكتين) يقاسم الهم عزاء".
    كثافة المفردات هنا، حتى وإن تجاوزنا عن رصفها دون معنى، فخروجها بهذا التتابع اللزج والسيلاني، كعكول صمغ إثر كعكول، يقتل كل ملكة في دماغ البشري تعمل على الاستنتاج واستخلاص الصور. فما بالك برصف لها دون معنى وبلا صور وبكل فوضى وإرباك يمكن توفيرهما. ولا تعتقد بأنّك وصلت هكذا إلى نهاية مع سرد صلاح، أبداً، تنتظرك مواقيت أخرى، فهو يستمر:
    "(وكتين) مدامعي تكون جزاء، وتفتح مباهج الليل ظنون".
    فتأمّل هذا الانتحار المجّاني بالمفردات إلى ما لا نهاية! والحصيلة هي لغوٌ وزبدٌ لا محالة! فالشعر طريقته المثلى هي الاقتصاد في استخدام المفردات. والتقتير هو لُعبة الشعر منذ افتراعه وحتى اليوم.
    فإن قمنا بإسقاط مفردة "خاطر" التي تناولناها أعلاه، كي نفهم -من باب العبث- أنّ "الحنين" رافقه مثل "حُلْم أو تمنٍّ أو تفكير في الفرح". لاحظ كون "الحنين" يرافق مثل حلم بالفرح أو تمنٍّ له! شيءٌ بلا معنى طبعاً. وإن قبلناه له هكذا فكيف بالله عليه ينزلق بسرعة الرمح في إلصاق تعقيدة جديدة:
    "وكتين يقاسم الهم عزاء"!؟
    هذا تحللٌ عن كل منطق ولا بد أن ينتهي لدى صيغ جنونية من التراكيب. وأيضاً لا يتوقّف الكاتب إذ يريدنا أن نوافيه حين "مواقيت/ وكتين" دموعه تكون جزاء! فكيف ذلك؟
    لا شيء في متناول الفهم هنا، ولكن مجرّد الزحف من عند مفردة الفرح يجعلنا نتوقع شيئاً غير الدموع، وإن كان هذا المتوقع دموعاً فترشيحنا سيتّجه ناحية دموع الفرح. أما أن تكون دموع "جزاء"! فأيُّها "جزاء" هذا يا تُرى! وأيُّ ضابط جيش صَرَفه بقلب هذه البيادة الطفولية بالمفردات!؟
    ولا أمل في أن يتوقف صلاح أبداً، إذ يستمر السرد بأنّ مدامع الجزاء هذه: "وتفتح مباهج الليل ظنون".
    لنسأله فوراً من أين جئت بهذه المباهج؟ أسيدتنا مريم العذراء أنت لتبقى بداخل كهف التهويم هذا ومحرابه ثم تأتي بهذه المباهج والفواكه الخاتمة من لا مكان؟ فمدخل نصّك الذي كان مفهوماً لنا يقول بأنَّ مبلغَ أمانيك "كان" أن تبوح لها مجرّد البوح. وأنّ السائل والمحروم نفسيهما -المذكوران في القرآن- أفضل منك حالاً لأنّ بوسعهما البوح بما يحسّانه، فمن أين لك بهذه المباهج القائمة ضد المنطق العام لنصّك!؟
    يا تُرى بأيّ حيلة توصّل صلاح إلى "نتيجة" المباهج هذه؟
    أهو تجريدٌ للمنطق بعد هذه التأكيدات كلّها التي تُثَبِّت مدخلها "الآسي" ومقدّماتها المتتابعة في "ألم" متسلسل ولا نهائي؟ هو تجريدٌ باطلٌ إذاً! لأنّ "كمّيات" التأكيد على الأسى والألم جاءت حتى أوسع من فَدّان القصيدة ذاتها. كما أنّ القصيدة لم تقم مطلقاً بتبديل خطّها النوعي ولا "جهته" سوى الآن. وبذا ينطبق عليها ما ورد لدى نصير الدين الطوسي في كتابه "تجريد المنطق" باب "النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمتين" ويقول فيه: {والنتائج تابعة لأخسّ المقدّمات في الكم مطلقاً، والكيف إذا لم تتركّب جهاتُها}.
    وبالتمادي لقدّام مع هذا السرد، لبلوغ هذا المقطع السردي الجديد:
    كان نفسي أقولِّك من زمان
    سطوة محاسنك عندي ما كسرة جفون
    وكت العيون تعبرني زي خاطر المساء
    سطوة محاسنك ما الرخام الفي الحرير
    وكت الدغير يفجعني بحرفاً قِسَا
    ولو أنّني أستقبح أن تكون محاسن الحبيبة بمثابة سطوة تمتلكها، إلا أنّ المعنى يقع في حدود الفهم بأي حال. وهو احتذاءٌ لأغاني الحقيبة، لذا أعتبره ردة عن مشروع صلاح نفسه قبل مصطفى. لأنّه الرجل الذي نقلنا فعلاً في مطلع نصّه من زمن الحبيبة التمثال لزمن حبيبة أخرى في مدى البوح والإبلاغ. ثم تحلّ من جديد عُجمة الخواطر الكارثية:
    "وكت العيون تعبرني زي خاطر المساء".
    فهل بوسع أحد أن يتخيّل عيوناً تعبر بهذه التركيبة الوصفية (خاطر/ المساء)؟ وهل في مغارات هذه الوصفة مهما تعثرنا بداخل ظلمتها شيئاً يُفهم أو يحس أو يُدرك!؟ كيف يسدُّ الكاتب عيني نفسه وقصيدته أن تُبصرا! ويستعيض عنهما بهذا العمى الجواني لدرجة ممارسة العزلة باللغة. اللغة التي هي بالأصل فعلٌ تجاه الخارج. هكذا ينطبق على الكاتب تماماً ما قاله أدونيس في أغاني مهيار الدمشقي:
    أعيش بين النار والطاعون
    مع لغتي- مع هذه العوالم الخرساء
    ثم يتقدّم صلاح أكثر -غير آبه بالمرّة- وينفي عن سطوة المحاسن تلك: "سطوة محاسنك ما الرخام الفي الحرير".
    ويا له من قول مطلوق بلا هدف ولا محتوى. ربما لو نفى صلاح على هذا النحو: ما الرخام الفي الحمّام، لصار للكلام معنى يُحَصّل. أو إن قال: ما الجسد الفي الحرير، لفهمنا أيضاً. ولكن أليس حديثه هنا جاء مسدوداً بطريقة عجيبة حينما يقول: الرخام الفي الحرير. فأيُّ رخامٍ هذا الذي في الحرير! وكيف يكون الرخام في الحرير!؟
    وحين يضيف:
    وكت الدغير يفجعني بحرفاً قسا.
    لا تمتلك حينها إلا ركل الموضوع بكامله، فهذه منظومة عبث بلا حدود. وانتبه إلى أنّ مفردة (وكتين/ وكت) تُحشر في هذا النص القصير ست مرات -أوف بوينت- ودونما وظيفة حقيقية لها. أمّا مفردة (الدغير) هذه فلم أعرفها لكي أتوصّل إلى فجيعة الحروف القاسية تلك، التي يروي عنها صلاح. ويرجع لتكرار تركيبة (سطوة/ محاسن) لتكون المرّة الرابعة، أيضاً من هذا النص القصير. فحينما تغلق الجهاز ويتوارى صوت مصطفى الملائكي ذاك تجد أنّك بسببٍ من قُبح هذا الشيء المُسَمَّى ليركس، كمن دخل طاحونةً داويةً تطقطق مراراً وتكراراً بأربعة تراكيب فقط: (خاطر/ الفرح، المساء، الحنان) ثم هرطقة (وكتين/ وكت) ثم هرطقة (سطوة/ محاسنك) هرطقة فـ(عينيك/ وحاتك).
    ما الذي "يجبر" الكاتب على هذا التكرار كلّه؟
    إنّ نظرتي لهذا النوع من التكرار الفنَّي قاسية جداً، كما هي اشتغالات فرويد عليه في تلك الحارة المُسماة بعلوم النفس. لدرجة وضعه في خانة الأمراض، وإعطائه مصطلحاً خاصّاً به هو (إجبار التكرار: repetition-completion) كي يردَّه بعدها لدافع غريزي وبدائية فطرية قاطعة، أنا هنا أُحيلها إلى "مبدأ لذة" هذا الولع والفرح الطفولي بتكرار المفردات.
    ويتواصل سرد صلاح بكل هذه المحدودية أعلاه:
    سطوة محاسنك عندي وكتين كبرياءك ينهزم
    لي طيبتي بلفظة حنان
    وكتين مشاعرك تنسجم في عمري
    تنفح قلبي برعشة أمان
    سطوة محاسنك عندي وكتين شوقي يصبح في هواك
    ليل عزة ما بتعرف هوان
    والمقارَن هنا، وبحركة أوتومتيكية، في زحف هذا السرد المُبهم وغير الحصيف، يجعل الامتياز الوحيد لهذا العاشق هو "الطيبة". فعلاً الطيبة، وإلا لعرف أنّ كبرياء المحبوبة لا يُتكسّب بانهزامه ولا يُرتقب أو يُتمنَّى. يخلط بشكل فادح بين "الاستكبار" الذي هو ذم، وبين "الكبرياء" الذي هو أنبل خصيصة يمكن أن تُرتجى في الإنسان. لأنّه فقط يخلط بين هذه المفردة والاستكبار لذا هو يُجَرِّد حبيبته من كبريائها ليفوز هو بلفظة حنان، وما أبأسها من غنيمة في ضوء هذا -"الانهزام"- كما أسماه. انظر إلى مفردة "الانهزام" نفسها وإلى قبحها، هذا تناول للمفردات دون أدنى حساسية. وما الذي فتن الدنيا بماري أنطوانيت "الساذجة" سوى ذلك "الكبرياء" الذي لم ينهزم فِتراً وهي في طريقها إلى المقصلة!؟ وتتراكم أرادب مفردة:
    "وكتين"..
    مشاعرك تنسجم في عمري
    يا تُرى كيف تنسجم مشاعرها في عمره؟ شيءٌ غير قابلٍ للفهم، بوسعنا أن نتخيّل (متصل الزمان والمكان في النسبية) الذي هو طول وعرض وارتفاع المكان مهصوراً بالزمن، وما عُرِف بأنّه صورة غير قابلة للتخيُّل، ولكننا سنعجز حتماً عن تخيّل هذه التوليفة الفوضوية (تنسجم/ مشاعرها/ في عمره)، ليصبح من الجائز أن يظفر قلبُه برعشة أمان. فما التدَرُّج هنا الاستاطيقي أو الفكري الذي ننتقل بعده إلى:
    "سطوة/ محاسنك" عندي "وكتين" شوقي يصبح في هواك
    ليل عزة ما بتعرف هوان.
    وما الذي يقصده صلاح بهذه المقالة؟ ما الذي يُدخل العزّة والمذلّة في إطار علاقة بين عاشقين؟
    في تقديري أنّه يقصد: اختفاء ذلك "التعزُّز والتدلُّل" من العلاقة بينه وبين الحبيبة. كي يصبح التعزّز وليس العزّة مكفولاً للجميع. ولكن هل هذه الصياغة بوسعها أن تقودنا إلى هذا المعنى؟ مطلقاً لا. فقد رصف المفردات على نحو مسدود لن يقود إلى معنى مهما حاولت معه. وتفسيري هذا تخمين توصّلت له من أشباح كلامه فحسب. فأنا لا أدري ولم يقابلني مطلقاً ما يُعرف بـ"ليل/ عِزَّة"، وهل يبرهن ذلك أنّ النهار للمذلَّة مثلاً؟ أم هو يقصد أنَّ يستبدل معاناته الليلية تلك بحالة أخرى، ولكنّا نجده هنا بإهمال شديد يسميها بالمذلّة، لأنّه افترض تبدّلها بالعزة. ومعاتلتنا الحالية لكي نشرح هذه الجزئية فقط لأنَّنا حين نقوم بإضافة هذه العبارة إلى جُملة مفردة "الشوق" الأولى فسيغدو من المستحيل أن يقود التتبع اللُّغوي، المنطقي، نحو خلاصة مُدركة أو مفهومة ولو رششنا تراكيبه هذه بلبن الطير. فتقدير كلامه -هكذا، بوضعيته هذه- ودون الرجوع لأبواب النحو لأنّه سيحرجنا:
    سطوة محاسن هذه الحبيبة تتجلّى عند صلاح "وكتين" شوقه يصبح في هواها ليل عزة ما بتعرف هوان.
    فأية تلفيقية لغو هذه؟ وأيُّ حديثٍ هذا الذي إن استدبرته أو استقبلته سَدَّ فرجه وبوزه بذيلٍ حتى ينابيع الماء!؟
    هذه هساهس نَفْس ذاتية ومسدودة حتى النهاية. ولا تخريج لها ولا تأويل في ذهن المتلقي وإن أُوتي بصائر وحِيَل الفيلسوف الكندي رحمه الله. الذي بعث بكتاب كامل في شكل رسالة إلى أحمد بن المعتصم ليُبيِّن له كيفية تأويل سجود الشجر والأجرام في قوله تعالى: (والنجم والشجر يسجدان).
    ثم يأتي السرد الخاتم:
    كان نفسي أقولّك من زمان
    عينيك وحاتك غربتي وأهلي وبلادي الفيها ضائع لي زمن
    عينيك وحاتك شوقي لي زولاً ولوف من بعدو ساب عيني سهن
    ويبدأ هذا المقطع أيضاً بذات التفريط في قانون الاقتصاد مع المفردات. فعيون هذه الحبيبة، غربتي/ وأهلي/ وبلادي الفيها ضائع لي زمن. هذا شيء غير محتمل، ولا يُعقل أبداً أن تكون عيون هذه الحبيبة جواباً بتمامه يُسلَّم بوسط نص الأغنية. ولاحظ عُسْر الجرس اللفظي بين مفردتي (ساب/ سهن) حاول أن ترددها ثلاث مرات إن كان بمقدورك.
    وبعد هذا التهويم كلّه، والإلغاز الشامل، الذي وَقَع في غير ما مَلْغَزَة، نعثر على المقطع الناجح الوحيد بوسط هذا الفشل الذريع كلّه. وهو:
    وأنا كنت داير من زمان
    أشرح حكايتي معاك ألف
    أحكيك وأزيد القول ولف
    وأتمنى لو قلبك عرف
    كان من زمااان
    وهذا المقطع يُمثّل الليركس الشاطر الذي كتبه صلاح هذا نفسه في "الحزن النبيل" و"الشجن الأليم" و"المسافة... إلا قليلاً". لذا دوماً تجد أنّ الناس من هذه الأغنية كلّها يكررون هذا المقطع وحده لأن عقولنا الباطنة تفهمه حتى وإن لم نقم بتفتيته قطعة قطعة كما أفعل الآن أنا. وهو لا يحتاج إلى تعليق ولا إلى شروح أو تبيان. ولكن يبدو أنّ صلاح مغرمٌ بمسألة الحشو واللغو اللفظيان هذه. إذ سرعان ما يعود ليختم هذه القطعة بـ:
    من قبل ما في قلبي يتحكّر زمان الفرقة في جرح الأسى
    من قبل ما حرف الحقيقة الحلوة يتبدّل عسى
    ويصبح أماني كتيرة في خاطر الحنان
    كان نفسي أقولّك من زمان
    فأوَّل ما يعاب على السطر الأول هنا، هو الطول الذي يمتد به حتى يخرجه من دائرة الليركس لدائرة الحكي والروي. نحن نلمس ذلك واضحاً في صوت مصطفى -حين يغالب- وهو يغنيها. فآفة صلاح الماثلة أمامنا من واقع هذا النص علاوة على الاختلالات الجمّة لمنطقه، فهي الإسراف في استخدام مزاوجات لفظية يبدو لي أنّها تشجنه وحده، ولكنها ساقطة في اختبار الصور والمنطق والمغزى معاً.
    وانظر أيضاً إلى الجرس اللفظي المنهوك هنا حتى الموت:
    ("قـ"بل، مرتان/ "قـ"ـلبي/ الفر"قـ"ـة/ الحـ"قـ"يـ"قـ"ـة)،
    قافاتٌ مرهقة فعلاً، خصوصاً بالنسبة للنطق السوداني المُشْكل مع القاف. وما الداعي لهذه المزاوجة مثلاً، العطنة في سطحية لا في شجن (جرح/ الأسى). وماذا يعني بـ(حرف/ الحقيقة) أو ما هي الكنايات أو الاستعارات التي يمكن أن تختبئ خلف مجاورة ميتة كهذه!؟ ومتى كانت الحقيقة "حلوة" ذات يوم؟ وما هو المعنى الإجمالي لسطره:
    من قبل ما حرف الحقيقة الحلوة يتبدّل عسى؟
    فإن كان يعود بالحديث على نَفْس هذه المحبوبة فالأمر بينه وبينها رَمَضٌ وعذاب كما أحسسنا بذلك في كل شبح من أشباح سرده وتحت أقنعته اللفظية هذه كلّها. وصلاح لا يتوقّف عن سرده المُبهم أبداً، حتى يرتكب خطأ منطقياً فادحاً بعدم تركيزه أو لنقل سوء تناوله للمفردات. فبمثل سوء استخدامه لمفردة "شارة" و"الكبرياء" أعلاه، يتناول مفردة "عسى". و"عسى" المذكورة هذه تفيد: (الطمع والرجاء واليقين وأيضاً قيل الشك)، أو مثلما قال يعقوب عليه السلام حين فقد ابنيه الاثنين يوسف وبنيامين: (عسى اللهُ أن يأتيني بهم جميعاً).
    وهذه المعاني المذكورة لعسى كلّها لا تفيد سطر الكاتب لأنّه يتمنَّى "معكوس" ما ذكره. فهو هنا لا يريد أن يخسر "حرف الحقيقة الحلوة" تلك، الذي نحن لم نفهم منه شيئاً. بدليل استخدامه للفعل "يتبدَّل" من باب الخشية. فكان حتماً عليه نفي "عسى" في حالة المعنى السلبي كما وقع على لسان إبراهيم (عسى "ألا" أكون بدعاء ربي شقياً) أو (عسى "ألا" يتبدّل حرف الحقيقة الحلوة).
    لأنَّ جملة صلاح جاءت مما "يُحاذَر ويُخشى" وليس مما يُتمنَّى وقوعه، فكيف يستخدمها!؟ فهو بهذه اللغة العرجاء يتمنّى عكس ما يريده في الواقع. وللأسف مفردة "عسى" لا تُستخدم في اللغة الدارجة عندنا إلا بصيغة واحدة تُطابق الفصيح حرفياً: يا زول عساك طيّب؟ وهكذا لن نتمكن أبداً من ابتكار تخريجات مستحيلة لها، فـ"عسى" هي "عسى" والسلام.
    ثم يمضي ليراكم على تعقيدة (حرف/ الحقيقة/ الحلوة) تلك، تعقيدة أخرى:
    ويصبح أماني كتيرة في خاطر الحنان
    علماً بأننا أضعنا الموضوع بكامله، ما الذي يتحدّث عنه الكاتب! هو الموضوع إيه يا جدعان؟
    فنحن لم نفهم ما قبل هذا المقطع، ولا حرف الحقيقة الحلوة بالأساس! كي نفهم بعد ذلك كيف يصبح أماني كثيرة، وفي ماذا؟ في (خاطر/ الحنان)! التي هي ملتبسة حدّ الهرطقة، ونجهلها أيضاً كما نجهل رفيقاتها الأخريات (خاطر/ المساء) و(خاطر/ الفرح). انتهى.





    هوامش:
    -----------------------------------
    قمتُ بكتابة نص هذه الأغنية من أحد تسجيلات مصطفى مباشرة. ثم أجريت مقارنته بما ورد مطبوعاً في كتاب الميوزيشن الأستاذ يوسف الموصلي (أهل المغنى "1") الناشر ميد لايت، المؤلِّف يوسف الموصلي، ص: 124 -125.


    * 1
    في المصدر السابق ذكره (أهل المغنى "1") وردت مفردة "مدسوس" بدلاً عن "مكبوت".
    بالنسبة لي يتمَثَّل المُعطى النهائي للّيركس على صعيد ما اكتمل عبر عملية الغناء التي أُنجزت له بالفعل.
    ففي أحد أعمال الكتيّابي وهو كاتب ليركس مُجِيد في تقديري له، كما وأنّه محظوظ في الألحان التي تمّت لأعماله، سواء عمليه الاثنين عند مصطفى، أو الألحان الأخرى التي أنجزها له حمزة سليمان. وعمله "لمحتك وقلت بر آمن" عمل في غاية الجمال والحُسن. وأذكر منه دائماً ذلك الفريز الذي يقول: (وأقول يا إنت أغرق) فهو يستبصر بالضبط ما أورده شكسبير على لسان "إياغو" في عمله "عُطيل" إذ يقول:
    I would drown myself for the love of a guinea-hen, I
    would change my humanity with a baboon.
    يُهَدِّد بأن يغرق نفسه وكمان ينقلب قرد it’s so funny. والعبارة تقولها شخصيتان في "عطيل". "رودريغو" و"إياغو" وتمثّل قضية الإغراق هذه نقاشاً مهماً بداخل العمل. بل إياغو يهدِّد بإغراق مخلوقات أخرى كالقطط والجراء العمياء.
    بأي حال لدى مراجعتنا لأغنية "علي بابك نهارات الصبر واقفات"، نجد أنّ جُملة "وبدون جنحين" غنّاها مصطفى في البداية ومن واقع النص هكذا "بدون جنحات". أقول من واقع النص لأنّ قافيته الشاملة هي "واقفات، وفات، الساحات.. إلخ".
    وبعد تجربة مصطفى لقافية الكتيّابي لدى "بدون جنحات" أدرك ما فيها من نشاز وربكة إيقاع فقام بتعديلها إلى "بدون جنحين" فاستقام الليركس بهذا التعديل نصّاً وغناءً. وبذلك لا يحق لأي شخص أن يأتي بها في صورتها الأبكر وينتقدها تاريخياً، بل علينا أن نأخذها على نحوها الكائن في الأغنية المسجّلة والماثل كهيئة خاتمة ومُنْجَزَة غناءً. حديثي هنا بصوب مفردة "مدسوس" الواردة في كتاب الموصلي، والماثلة واقعاً وببطن الأغنية كـ"مكبوت". فرواية الموصلي لو أنّها الصحيحة تُنجي صلاح من ذنوب الكافات الكثيرة تلك، ولكنها تبقى إدانة للّيركس ذاته لأنّها خرجت في جسمه بالفعل.
    -------------------------------
    *2
    "الدغير" هكذا يقولها مصطفى في الليركس المُغَنَّى. وقد ردت في المصدر السابق ذكره (أهل المغنى "1") هكذا:
    وكت الصغير يفجعني بحرفاً قسا
    وباختبار ما يقوله مصطفى أو بتجريب ما أورده الموصلي، في الحالتين المفردتان بلا معنى، ولا تُفصحان عن شيء مُطلقاً من خلال هذه الصياغة.

    -----------------------------------
    *3
    هكذا يُغنيها مصطفى وقد وردت في المصدر السابق ذكره (أهل المغنى "1") هكذا: (يصبح في هواك ليل عزة ما يتفرق هوان).
    ورواية الموصلي بادية العُسر، ولا أدري إن كان تصحيح النص المُغنَّى تَمَّ من قِبَل مصطفى أو صلاح.
    ----------------------------------
    *4
    بهذه الرواية يغنيها مصطفى بينما مصدرنا السابق للأستاذ الموصلي يوردها هكذا:
    (زمان الحرقة في جرح الأسى).
    لتُستخدم مفردة "الفُرقة" بدلاً عن مفردة "الحُرقة" بداخل ما يُؤدِّيه مصطفى. وأيضاً ما قام به مصطفى يبدو الأصوب وإن لا يفيد بصورة كبيرة في إزالة مشكلة إكثار صلاح من مفردات ربما تكون جيّدة ومُشجنة لو استخدمت على نحو مفرد، أما وضعها بهذه الكميّات ففيه إرباكٌ عظيم وقلّ استبصار شعري في منتهى الوضوح.
    ----------------------------------------------------
    *5
    في الحقيقة أبو ذكرى بمراجعة ديوانه "الرحيل في الليل" نجد أنّ نصّه الجيد والوحيد هو الذي غنّاه مصطفى هذا. والذي هو غيره من أعمال الراحل لا يرقى أبداً إلى جودة هذا العمل الذي سُمِّي الديوان به. الرجل رحل مُبَكِّراً من الناحية الفنية، أو في الوقت الذي اهتدى فيه بالضبط لدربه الفنّي وبدايات نضجه. لو امتدَّت به الأيام لكان بوسعه إضافة الكثير على نحوٍ أكثر نضج وإحكام.

    (عدل بواسطة محسن خالد on 10-14-2007, 11:42 PM)
    (عدل بواسطة محسن خالد on 10-15-2007, 06:11 PM)
    (عدل بواسطة محسن خالد on 10-15-2007, 06:14 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
ليركس مصطفى محسن خالد09-30-07, 09:15 PM
  Re: ليركس مصطفى محسن خالد09-30-07, 09:20 PM
    Re: ليركس مصطفى محسن خالد09-30-07, 09:24 PM
    Re: ليركس مصطفى Elmosley10-19-07, 01:01 AM
  Re: ليركس مصطفى Emad Abdulla09-30-07, 09:37 PM
  Re: ليركس مصطفى أبو ساندرا09-30-07, 09:55 PM
  Re: ليركس مصطفى esam gabralla09-30-07, 10:21 PM
    Re: ليركس مصطفى خدر09-30-07, 10:30 PM
  Re: ليركس مصطفى عبد المنعم سليمان09-30-07, 10:49 PM
    Re: ليركس مصطفى khatab10-01-07, 06:35 PM
      Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-02-07, 10:38 PM
        Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-02-07, 11:04 PM
        Re: ليركس مصطفى Manal Mohamed Ali10-02-07, 11:14 PM
  Re: ليركس مصطفى عبد المنعم سليمان10-02-07, 11:20 PM
  Re: ليركس مصطفى الملك10-03-07, 03:40 AM
    Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-03-07, 01:55 PM
  Re: ليركس مصطفى Ali Alameen10-03-07, 02:33 PM
    Re: ليركس مصطفى Kostawi10-03-07, 05:12 PM
      Re: ليركس مصطفى ابو جهينة10-03-07, 07:14 PM
        Re: ليركس مصطفى nadus200010-04-07, 07:47 AM
          Re: ليركس مصطفى yasir Abdelgadir10-04-07, 02:09 PM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-04-07, 08:12 PM
    Re: ليركس مصطفى najua hussain10-04-07, 08:47 PM
      Re: ليركس مصطفى bent-elassied10-05-07, 09:19 AM
        Re: ليركس مصطفى صلاح شعيب10-05-07, 10:32 AM
  Re: ليركس مصطفى أحمد الشايقي10-05-07, 11:28 AM
  Re: ليركس مصطفى فيصل عباس10-05-07, 12:26 PM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-05-07, 10:03 PM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-05-07, 10:04 PM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-06-07, 10:19 AM
    Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-07-07, 07:36 PM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-07-07, 10:03 PM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-09-07, 06:32 AM
    Re: ليركس مصطفى Ahmed Yousif Abu Harira10-09-07, 07:03 AM
      Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-09-07, 01:42 PM
        Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-09-07, 01:51 PM
          Re: ليركس مصطفى Elmosley10-09-07, 09:25 PM
        Re: ليركس مصطفى Elmosley10-15-07, 09:01 PM
          Re: ليركس مصطفى saif basheer10-16-07, 12:23 PM
        Re: ليركس مصطفى Elmosley10-16-07, 04:32 PM
        Re: ليركس مصطفى Elmosley10-17-07, 08:21 PM
  Re: ليركس مصطفى Masoud10-09-07, 09:42 PM
    Re: ليركس مصطفى عبدالله الشقليني10-11-07, 01:16 PM
      Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-12-07, 05:39 PM
        Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-12-07, 05:44 PM
        Re: ليركس مصطفى Elmosley10-12-07, 11:02 PM
          Re: ليركس مصطفى خدر10-12-07, 11:50 PM
            Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-13-07, 06:09 PM
              Re: ليركس مصطفى Osman Musa10-13-07, 06:17 PM
                Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-13-07, 06:20 PM
                  Re: ليركس مصطفى الجيلى أحمد10-13-07, 09:17 PM
            Re: ليركس مصطفى Elmosley10-16-07, 04:16 PM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-14-07, 09:05 PM
    Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-14-07, 09:59 PM
      Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-14-07, 11:13 PM
        Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-15-07, 06:55 PM
          Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-16-07, 07:47 AM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-15-07, 08:48 PM
    Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-17-07, 00:57 AM
  Re: ليركس مصطفى Ashraf el-Halabi10-17-07, 01:01 AM
    Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-17-07, 01:18 AM
      Re: ليركس مصطفى mansur ali10-17-07, 05:41 AM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-17-07, 06:36 AM
    Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-17-07, 07:12 AM
      Re: ليركس مصطفى mohmmed said ahmed10-17-07, 07:45 AM
        Re: ليركس مصطفى saif basheer10-17-07, 09:59 AM
          Re: ليركس مصطفى Adil Al Badawi10-17-07, 02:51 PM
            Re: ليركس مصطفى munswor almophtah10-17-07, 05:59 PM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-17-07, 08:12 PM
  Re: ليركس مصطفى Elmosley10-17-07, 11:24 PM
  Re: ليركس مصطفى Elmosley10-18-07, 00:48 AM
  Re: ليركس مصطفى Ashraf el-Halabi10-18-07, 01:30 AM
    Re: ليركس مصطفى Elmosley10-18-07, 04:12 AM
  Re: ليركس مصطفى يوسف الولى10-18-07, 02:32 AM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-18-07, 06:24 AM
    Re: ليركس مصطفى Elmosley10-18-07, 01:03 PM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-18-07, 08:28 PM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-18-07, 08:43 PM
  Re: ليركس مصطفى Elmosley10-19-07, 03:52 AM
    Re: ليركس مصطفى عبدالله الشقليني10-19-07, 07:01 AM
      Re: ليركس مصطفى Elmosley10-19-07, 02:04 PM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-19-07, 07:51 AM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-19-07, 08:02 AM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-19-07, 08:40 AM
    Re: ليركس مصطفى mansur ali10-19-07, 09:18 AM
      Re: ليركس مصطفى محمد سنى دفع الله10-19-07, 10:58 AM
  Re: ليركس مصطفى Adil Osman10-19-07, 01:01 PM
    Re: ليركس مصطفى Adil Osman10-19-07, 01:43 PM
  Re: ليركس مصطفى Elmosley10-19-07, 02:22 PM
    Re: ليركس مصطفى خدر10-19-07, 03:45 PM
    Re: ليركس مصطفى mansur ali10-19-07, 03:52 PM
      Re: ليركس مصطفى Elmosley10-20-07, 03:03 AM
  Re: ليركس مصطفى esam gabralla10-19-07, 05:32 PM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-19-07, 07:57 PM
    Re: ليركس مصطفى صلاح شعيب10-19-07, 09:28 PM
  Re: الوقف Agab Alfaya10-20-07, 07:29 AM
  Re: محسن بين التنظير والتطبيق Agab Alfaya10-20-07, 07:53 AM
  Re: التحولات تتم عبر الحقب والاجيال Agab Alfaya10-20-07, 08:10 AM
  Re: ليركس مصطفى Bashasha10-20-07, 08:34 AM
    Re: ليركس مصطفى mansur ali10-20-07, 02:39 PM
      Re: ليركس مصطفى abdelkhalig elgamri10-21-07, 07:16 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de