ليركس مصطفى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 11:07 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الموسيقار يوسف الموصلي(Elmosley)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-09-2007, 01:42 PM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ليركس مصطفى (Re: Ahmed Yousif Abu Harira)


    منذ متابعة بعيدة في القِدَم تلمّستُ في نفسي محبّة لأغاني وردي، ولما ينتقيه من ليركس. ولطالما احترمتُ عبقرية هذا الرجل في اختياره للِّيركس الذي يؤدّيه. ولعلّ هذه المحبّة نفسها للأعمال الفنية هي التي تخلق لنا معها علاقة حميمة. وبالتالي تمكننا من اكتشاف الهنّات والأخطاء التي بداخلها. ما يجعلنا نقترح خلقاً آخر في مقام خلقٍ قائم بالفعل. ليس بديلاً عن تمام بنيانه بقدر ما هو بصيرة ثانية فيه. وما يمكن أن يؤخذ على ليركس وردي قليل جداً، لا يمكن مضارعته بما أُعيبه على محمّد الأمين مثلاً. فأبو الأمين عندي عبقرية غناء فذَّة ونابغة، وأفشل مشروع ليركسٍ كان بوسط العمالقة. هو أفشلهم على الإطلاق من ناحية الليركس إذا استبعدنا "الملحمة" عن قائمة "معاين من الشبّاك" و"الجريدة" والمتناسخات دون عبقرية قديمة تُذكر ولا ابتداعٍ جديد تمّ. مثل المتناسختين "أربعة سنين" و"خمسة سنين" وربما امتدّ بكتّاب ليركسه الأمرُ ليضعوا نتائج تقويم جدارية بتمامها أو كاليندر رسمي، الله أعلم. ولكن في رأيي أنّ محمّد الأمين صاحب أسوأ اختيارات ليركس وسط العمالقة. سَبَق لي أن كتبت: (إنّ الاختيار موقفٌ نقدي من الوجود. إن اخترتُ هذا الشيء عوضاً عن ذاك، فهذا يعني أنني بالضرورة أجريت عليه عملية نقدية ما، توصّلت بها لاختياري). بأي حال أبو اللّمين ليس موضوعي الآن ولا وردي، وإن بدأت تأملاتي بهما، وبفعل مقارنتي بينهما من هذه الناحية، ناحية الليركس، وبأغاني الحقيبة. حين غنّى هذان العملاقان معاً، أغنية "خوفي منّك" لوردي، كنت ممتلئاً بالطرب حتى أخمص قدميّ أُردّد، هذا هو ود الأمين مع الليركس الجيد، وهذا هو المغني الحصيف في اختياراته للكلمة، ومن تمنيت سماعه منذ وعيت. وللأسف، قَصَّر هو في أن يكون لي هذه اللحظة، التي يزوِّم فيها كجارحٍ عتيد، يحبس فريسته، أو موهبته الضخمة، وموسيقاه العبقرية، بمخلبين من حديد ويضرب الريح بجناح صلد. جناح الكلمة التي بوسعها أن تحلّق بك فعلاً، وما أبعدها من أن يأتي بها إنتاج د. عمر محمود خالد، الذي أراه ركيكاً حدّ الوفاة ولا علاقة له بصنعة الليركس مطلقاً.
    أعود وأقول، النقد بالنسبة لي هو أمنية جميلة بالكمال أتمناها لمن يستحقها بالفعل، ولا أمنيات لي بصدد الفنّانين كثيري النقصان. فهناك من إذا شرعت في التمنّي له، ستجد أنَّك في النهاية تقترح إلغاءه تماماً وإحلاله بفنّان آخر. وهذه النقائص بالنسبة لي أتتبعها لأدق مستوى من التفاصيل. لكم مثلاً -ومن باب المثال فقط- تمنيتُ اختفاء مفردة من ليركس يؤديه وردي للشاعر "عبد الواحد عبد الله يوسف" الذي لم نعرفه نحن الأجيال المتأخرة، مع كوننا جميعاً ردّدنا خلف وردي عمله "نشيد الاستقلال". من مقالة منشورة بهذا الموقع لدكتور عمر محمّد أحمد الأمين، عرفت شيئاً عن سيرة الرجل وموضوعه يستحق الاهتمام فعلاً وأرجو العودة لتلك المقالة التي أعجبني منها القدر الذي تُوفّره من معلومات. ولم تعجبني في كتابتها ولا طريقة تناولها لأعمال الرجل ولا في اختياراتها من أشعاره. بأي حال كنتُ في السابق أظن أنّ "نشيد الاستقلال" من عَمَل محمّد المكي إبراهيم، لأنّني وجدتُ أنّ هناك تداخل أرواحٍ من اللغة بينهما، عظيم. أعني "نشيد الاستقلال" فقط ولا غيره، فأنا اطلعت على شعر ودّ المكي كلّه وأعرفه معرفة ممتازة، الشيء الذي لم يتم لي مع أشعار عبد الواحد. ولكن رهافة اختيار المفردات في "نشيد الاستقلال" تشابه شفاف ود المكي في اختيار مفرداته لحد كبير، بل وبذات روح تراكيبها في هذا النشيد "فقط". والنشيد لا يشبه المقتبسات اليسيرة التي قرأتُها من شعر عبد الواحد. وهذا موضوع ربّما أعود إليه على حدة لو أسعفتني أمانيّ الكثيرة والعصيّة على التحقّق.
    ما استوقفني من "نشيد الاستقلال" السطر الذي يقول فيه عبد الواحد: (والنهر يطفح بـ"الضحايا" والدّماء القانية).
    المقطع بكامله يقول:
    كرري تحدّث عن رجالٍ كالأسود الضارية
    خاضوا اللهيب وشتتوا كتل الغزاة الباغية
    والنهر يطفح بالضحايا والدماء القانية
    ما لان فرسان لنا بل فَرَّ جمعُ الطاغية

    دون العودة إلى عصمت زلفو في كتابه "كرري" ولا إلى غيره من كتابات التاريخ، لنعرف ما وقع بالفعل في كرري من أحداث، ولمن كانت الدائرة؟ بعيداً عن ذلك كلّه، أعتقد أنّ ترتيق عبد الواحد لما حدث في كرري "بهذه الصورة" جانبته البصيرة الفنيّة بشكل لا يغتفر. لأنّ كُتّاب اللغة الدارجة أيضاً تناولوا هذه الواقعة ونجحوا في الترتيق الذي طمح إليه عبد الواحد عبد الله عينه، وأراه قد فشل فيه فشلاً كبيراً. لأنّه ذهب يغالط التاريخ بشكل مفضوح وغير مُمَنْتَج على النحو السينمائي الصحيح لامتصاص الهزيمة النكراء في تلك المعركة الكبيرة -والقصيرة- جداً لفارق التسلُُّح طبعاً. ورغم ذلك فقد نجح كُتّاب ليركس الدارجية في -مكيجة- هذه المعركة واستعادتها على تَتَر فيلم يحفظ لنا بطولتنا بالتأكيد، وفي ذات الوقت لا يُمَكِّن التاريخ من اصطيادنا السهل بحقائقه. وهذا بالضبط ما فشل فيه الشاعر عبد الواحد كما أُقَدِّر. إذ كان عليه أن يُكَذِّب ما حدث في صور تخريجاته له بعيداً عن إعادة روايته. أي كان عليه أن يغالطه على مستوى آثاره فقط، دون أن يسلّم نفسه لمآزق جاهزة وقاضية مع التاريخ وأدلّته القائمة بالفعل. لأنّ "هزيمة الأجداد" التي يخشاها الشاعر على النشء، ليست أبشع من اكتشافهم لأكاذيب ورثّهم لها هؤلاء الأجداد ذاتهم. وعبد الواحد نفسه صائرٌ في عِداد هؤلاء الأجداد لا محالة.
    ولماذا كان عليه تخريج الواقعة التاريخية فقط، وعدم إعادة تأليف التاريخ؟
    لأنّ أي إعادة رواية لأحداث قاسية وقعت بالفعل، تتم على نحو "جنوني"، كنكران عبد الواحد هذا لما حدث فعلاً، يعتبر في -علم النفس- وحتَّى في متوارثنا السوداني ضرباً من ضروب "الخُلْعة". ونوعاً من التأثير الفاجع للحوادث على من ألمّت بهم. أو كما يُروَى في النكات عن حوادث السيارات وما يهرف به بعد ذلك من فُرِقَت أفئدتُهم بالخوف إثر التصادم الشديد أو الانقلاب.
    أمَّا في الفلسفة فيُطْلِق نيتشه على هذه الحالة حَرْفياً (الشفقة الراثية: Pathos) في كتابه "عدوُّ المسيح". بعد أن يُعَرِّفها ملفوفة باللاهوت ومسماة بالإيمان هكذا: {إغلاق الأعين دائماً عن كلّ ما يقابلها حتّى لا تعاني من رؤية الباطل الذي لا يمكن أن يُعَالج}.
    أمَّا وجه احتجاجي الأساسي فهو على استخدام عبد الواحد لمفردة "الضحايا" كوصفٍ لأُولئك الأبطال. ولكم أصابتني هذه المفردة بالخزي والتَّحَسُّر. كيف لهذا الشاعر أن يُمَرِّر غربال حساسيته الشعرية مفردة ملتاثة كهذه!؟ كيف يصف رجالاً رموا باللالوب الذي كانوا يمصّونه لأنّه يعزل بينهم وبين الجنّة! أُسوةً بذاك الصحابي الذي رمى تمراته وخَرَط سيفه مندفعاً في لجب المعركة بينما هو يصيح: بخٍ بخٍ، أتحول هذه التمرات بيني وبين الجنّة!؟ وذهب مستشهداً كما هو الاستشهاد بالمرارة كلّها ودون سُكّر. وكذاك أجدادنا فعلوا بتفلهم لما يمصّونه من لالوب وشرعوا يمصّون الذخيرة حيّة ومالحة الموت. والنص المُغَنَّى يتضمن في ثناياه أيضاً ثوار سنة 1924م. الرجال الذين حاربت جثثهم حتى بعد موتهم، ومع ذلك يؤبّنهم عبد الواحد كـ"ضحايا". هذه المفردة -القَدَرَية- وبائسة الاستسلام للقدر، والتي لا تصلح أبداً إلا ليُنعت بها من بَغَته القدر والمصير الجَبْري بدُبُر بيته. وما أفشلها من مفردة وأبأسها في حضرة من خرج بهم الوعي المُتَعَمَّد، واختيار تحريرنا عن إدراك كامل. من خرج بهم حُبّنا نحن الذين لم نكن قد وُلدنا بعد. بل حُبّنا فقط كنقطة غامضة في مستقبل سلالاتهم، ما أخرجهم مودّعين حياتهم المضمونة. وبالطبع غير متوقّعين أبداً أن تركلهم تلك النقطة الحُلُم بكلمة كهذه في المستقبل، وإن جاءت عفو الخاطر. (الضحايا!؟) وما أفجعها من كلمة قَدَر وأنباءٍ للصحف... انفجار أُنبوبة غاز في منزلٍ ناءٍ أسفر عن ثلاثة "ضحايا" من الأطفال وكلب.
    إنّ دلال وسمسار تلك الحرب نفسه، الشاعر الإنجليزي روديارد كيبلنغ، لم يهتدِ لكلمة ناسفة كهذه. فهو أسماهم بالفظي وظي. ووَصْفُهُم بالبربرية والتوحش في مقام المجالدة والحرب مَزَانة فَخَار وليس بمشانة. أي هم الشُّعْث، القساة حين الذود عن حريتهم. الهاجمون على القَدَر ومدافع المكسيم برماحهم لينتزعوا مصيرهم، بعكس "الضحايا" تماماً. ووصفة الفظي وظي هنا هي نَفْس الجائزة التي استحقها أجدادهم من الأمازيغ. فروما القديمة عندما تعقّدت في قتالهم لزقت بهم وصفة "البرابرة" الشائعة حتى هذه اللحظة. أي المقاتلون الفوضويون، القساة البدائيون، شاربو الدماء في كؤوس الجماجم. كما يفترع صاحب الغلادييتر فيلمه برجل أمازيغي قبل بداية الحرب يشرب دماً في جُمْجُمَة صريع. وكلّ ذلك محض افتراء إمبريالي طبعاً، فهم في حقيقة الأمر مجالدون شرفاء، كأجدادي تماماً. لم يعبثوا ولم يتهاونوا حين المساس بحريّتهم. وإن كان عبد الواحد عبد الله يُرخّص لاستخدام هذه المفردة بعدم التكافؤ فهي حُجّة باطلة دون ريب، أو معكوسة بالضبط. كان عليه أن يقرأ أنّ الإبادة الجماعية وقعت كنتيجة للبسالة في صف أجدادنا، وتجاوزهم لكل مبلغ حصّله من قاتلوا الإنجليز من قبل. فالقتال لم يكن "fair عادلاً" من ناحية مستوى التجهيزات والمشينري فحسب، ولكن كان "متكافئاً" من ناحية "ضراوته" بما ينتج إبادة حتماً وفعلاً وليس بما يبررها. فالمجالد الذي يدك الصندوق الإنجليزي إما أن تبيده وإما أن يبيدك، روديارد بصيغة متمسكنة جداً يقول ذلك:

    Our orders was to break you, an’ of course we went an’ did.
    We sloshed you with Martinis, an’ it wasn’t hardly fair;
    But for all the odds against you, Fuzzy-Wuz, you broke the square

    لماذا وقعت مذابح إذاً في تقدير روديارد؟
    لأنّ الفظي وظي، لم تعقه الاحتمالات التي هي ضده كلّها، ورغم أنف البارود اخترق الصندوق الإنجليزي. فللجيش الإنجليزي مع هؤلاء الناس تجربة سابقة، اخترقوا فيها الصندوق الإنجليزي بشرق السودان ونقلوا المعركة من حيثيات قتال الأوربيين لتكون في صالح الشجاعة السودانية. أي أنّ اختراق تلك التشكيلة العسكرية التي تُعرف بالصندوق يُحَيِّد فعالية المدافع وينقل المعركة عملياً من البارود للسلاح الأبيض، ويصبح الوش في الوش، كي يحل بعد ذلك المصطلح والنداء العسكري المعروف: السونكي يكسب.
    روديارد نفسه لا يجرؤ على أن يتعامل معهم إلا كأنداد. أو كما تصف شاعرة ليركس سوداني بأحسن وأحكم مما فعل عبد الواحد. انظر هنا، فهذه الشاعرة بلغة ما هو دارج لا ترى في الإنجليز خصوماً أفضل من أهلها ليكون بعد ذلك موت قومها في معارك مع الإنجليز يصنّفهم في عِداد "الضحايا" لهم:
    الكوراك ضَرَب مَرَقَن جرارقَ أنداد
    (((أندادةَ النَّصارى الكلّهم بولاد)))
    الكرّار علي كَبَّر عليهم زاد
    سيفك في غضاريف الرجال صيّاد
    فُرْتيقة أم لبوس .. لويعة الفرسان
    الليل بابي لي .. عَنَزة وقرونها سُنان

    ليس أنداداً فحسب، بل من عقّدوا كلّ إنجليزي أيامها، وثبّتوا أنفسهم في تاريخ تعقيد جيوش الوحشية الغربية. الجيش الإنجليزي تحديداً، وملكته، وتعقيد روديارد سمسار ودلاّل إمبراطورية الدم نفسه. ليجعل ما عقّدوهم به لازمة نصّه عن الفظي وظي بكامله وقافيته العُقدة. فكل مقطع من نصّه ينتهي بذكر اختراق أجدادنا للصندوق الإنجليزي -التشكيل العسكري المعروف- ما فخر به الإنجليز على الفرنسيين عبر التاريخ، وتحدّوهم بأن يخترقوه. فالشاعر كيبلينغ بذلك يضع الفظي وظي في مرتبة أعداء محترمين أكثر من الفرنسيين أنفسهم، ناهيك عن المُسْتَعْمَرين! فأين هذه المرتبة التي تثبتها أشعار العدو، من مرتبة "الضحايا" في شعر أحفاد الفظي وظي!؟ روديارد قَفَل مقطوعاته الشعرية بلازمة هذه العُقدة ثلاث مرات وبتراكيبَ وصياغات مختلفة:

    1 – ( But for all the odds against you, Fuzzy-Wuz, you broke the square).
    رغم أنّ الاحتمالات كلّها وقفت ضدك، ولكنك يا فظي وظي قد حَطّمت الصندوق.

    2- (For if you have lost more than us, you crumpled up the square).
    وإنْ خسرتم أكثر منّا، فقد قهرتم الصندوق.

    3- ( You big black bounding beggar—for you broke a British square).
    أنت أيّها الشحّاذُ الأسودُ المُتكالب، لتحطيمك الصندوق الإنجليزي

    ولكن أين حساسية شاعرنا عبد الواحد من عُقَد روديارد كيبلينغ هذه كلّها!؟ وكيف تُفلتُ من غربالاته مفردة جرثومة وطابور خامس كمفردة "الضحايا" تلك لتسكن قلب نصّه الوطني. إن كان روديارد سمسار الاستعمار البغيض عينه يشهد، لقد قاتلنا رجالاً كثيرين عبر البحار، البتهانيين والزولو والبورميين، ولكنّ أجدادنا يا عبد الواحد كانوا الأجمل في القتال. لأنّهم بلغوا به منتهى لَذَّة المغامرة في الوجود. كانوا الفيرست كلاس من المقاتلين والمجالدين كما وصفهم شاعر العدو بالحرف الواحد:
    (You’re a pore benighted heathen but a first-class fighting man).
    وشهادة أنّ أجدادنا كانوا رجالاً "درجة أولى في القتال" كرّرها روديارد بداخل نصه الكامل مرتين.

    WE’VE fought with many men acrost the seas,
    And some of them was brave and some was not:
    The Paythan and the Zulu and Burmese;
    But the Fuzzy was the finest of the lot.
    We never got a ha’porth’s change of ’im:
    ’E squatted in the scrub and knocked our horses,
    ’E cut our sentries up at Suakin,
    An’ ’e played the cat an’ banjo with our forces.
    So ’ere’s to you, Fuzzy-Wuzzy, at your home in the Sudan;
    You’re a pore benighted heathen but a first-class fighting man;
    We gives you your certificate, and if you want it signed
    We’ll come and have a romp with you whenever you’re inclined.

    والصورة بكاملها، صورة نهر عبد الواحد المستعطف –غصباً عَمّا أراده فعلاً- والداعي للشفقة بكثرة "الضحايا". ومن لوّنوا النهر بدمائهم مسكنةً وغشامة منهم ساكت وقِلّة حيلة. صورة أجدها خاطئة وهزيلة في تمامها، ومنذ افتراعها "الإنكاري"، علاوةً على مذمّة كونها لأضاحٍ من النعاج. فهي بذلك تُفَرِّغُ الملاحمَ البطولية التي وقعت بالفعل، من بسالتها كلّها، وتجعلُ منها تراجيديا قحّة وتحنّن قلب الطير. وتُحرِّض كلّ من يسمعها على أحد مكروهين: إمّا اتهام أهلها بـ"الخُلعة" وما يقترح عليهم مراجعة أطباء النفس، أو توصيفهم بالشفقة الراثية/ الـPathos للمعلِّم نيتشه، لينخرط بعدها معارضاً قصيدتنا هذه بقافية: وا شِريري وا شِريري، الجنازة ما جابوها من الإستبالية!؟ كُر علي يا يمّة. وهذا كلّ ما سيفوز به أولئك المقاتلون الذين التمسوا حرابهم وجالدوا ضُّحىً طاغٍ، وأيضاً الذين حملوا مدافعهم وقاتلوا الليل بطوله. لأنّ الشاعر بصورته هذه دَمَّر ساحة المعركتين، كرري وثوار أربعة وعشرين الذين ذُكروا في القصيدة أيضاً.
    وانظر مرّة ثانية لكاتبة ليركس أخرى بنظم دارجي إذ تصف ذات ساحة المعركة المعنية منسوجة مع سيرة ود حبّوبة:
    ديَّم في التُّقُر أنصارو منزربين
    في الصفا واليقين حقيقة أنصار دين
    بالحربة أم طبايق قابلوا الِمْرتين
    ((وفي وش المَكَن رقدوا أتقول نايمين))
    وسييييفك، للفِقَر قَلاّم

    فصورة: (النهر يطفح بالضحايا والدماء القانية)، وإن هي لشاعر مُتعلِّم ومُثقّف بالفعل، ولكنّها تخسر خسارة فادحة بمقارنتها مع صور محكمة من ليركس جاء بلغة دارجة وكتبه شعراءٌ من غمار الناس. حين قالت الكاتبة الأولى: (أندادةَ النصارى الكُلَّهم بولاد)، ولم تقل: "الضحايا". فبذا جُنِّح الموت وقُصَّت عنه أرياش ذلك الأسى والفجيعة المشهدية، التي صوره بها عبد الواحد عبد الله. الذي لم يزد على تسوُّل الإشفاق لأولئك "الضحايا". وكاتبة الليركس الأخرى تتجاوزه أيضاً بقولها: (في وش المَكَن رقدوا أتقول نايمين). فتشبيه الرجال وهم في حضن مصارعهم بالنيام صورة شعرية ناضجة وأصيلة، لم تستلفها الشاعرة من أحد. وهي صورة شعرية قطعاً وليست لمشاعة ليركس يلغ فيها الجميع. ولا أعتقد بأنّ هناك من سبقها على إنتاج هذه الصورة. فعادة الشعراء ألاّ يصفوا قتلاهم بل قتلى عدوّهم الذي أماتوه ببشاعة، ويهربون من الوصف حين يكونُ عليهم دور الهزيمة. لأنّ توصيف النجاح والنصر أسهل بحيث لا مقارنة مع ترتيق الهزائم وتبرئتها من جراحها:
    تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت .... جلودهم قبل نُضج التين والعنب
    أو كما وصف أبو تمام نصرهم على بني الأصفر "الرومان"، والمعلّم أبو تمام هو فعلاً -الأستاذ الرئيس- كما لقّبه البحتري، ورغم ذلك هو هنا في مهمة سهلة وبسيطة للغاية، وهي امتداح النصر.
    أمَّا عَمَل هذه السيدة على الارتقاء بالهزيمة في هذه الصورة الراقية وغير القابلة لأن يصطادها التاريخ ويتفهها بحقائقه هو ما عجز عنه الشاعر المُثقَّف عبد الواحد دون ريب. فقد جاء تصوير تلك السيدة بالفرادة والبراعة المطلوبتين كلّهما. فالشاعرة "بت إمام" بقولها: (في وش المَكَن رقدوا أتقول نايمين) تجعل الموت هنا هو المسكين وحده. وهم من شمتوا منه بذهابهم لمواصلة أحلامهم بحرية تلك النقطة البعيدة من سلالاتهم، فكانوا هم من قطع دابر الموت وما كان هو بمستأصلهم. وقد ابتعدت في وصفها تماماً وبكل حنكة عن استعمال أفعال تقود نحو الإشفاق والتعاطف الرخيصين. أو أفعالٍ ثانية من جنس "السقوط" أو "الوقوع" أمام الـmachine guns بل استخدمت الفعل "رقدوا" أي بـمطلق و"عيهم" و"إرادتهم" للنوم، فلا هم هَلْكَى ولا "ضحايا". كي يُتْرَك الموت بعدها بائراً ودون معركة يواصلها، بينما يبقى المستقبل ثرياً بالاحتمالات وبروّاب أحلامٍ لن تنقطع ذات يوم، يستمدّها هؤلاء النيام من ذلك الرقاد الذي فعلوه بإرادتهم وبكامل وعيهم بالحرية.
    وفي تقديري أنّ مؤدّى "نشيد الاستقلال" من ناحية المحتوى وعلى صعيد الوعيين الإنساني والوجودي لا يُنقصُ من قدره ومقاصده الجيّدة شيءٌ، وإنّما الآفات والنواقص جاءته من جانب الوعي الفنّي.
    بينما تَميّز ليركس مصطفى سيد أحمد في إجماله بلعب دورٍ طليعي ورائد، ليس في دائرة الوعي الفنّي وحدها، بل على مستوى حركة الثقافة السودانية كلِّها وفي مناحيها المختلفة. وأذهب أبعد من ذلك وأعتبر أنّ هذه الخدمة على وجه التعيين، أعني خدمة دَفْع حركة الثقافة السودانية بكلياتها إلى الأمام، هو ما يُمَثِّل بالنسبة لي دوراً جوهرياً وأهم مما أحدثه في شق الغناء تحديداً حيث الجهة التي نهضت فيها اجتهاداته المعلومة للجميع. لأنّ تجربة مصطفى قامت فعلاً بخلق انتباهة وعي عريضة وسط أجيال الشباب كي يتبنوا الثقافة والحداثة نفسيهما، وليس أغنياته فحسب.
    يمكنني النمذجة على "خدماته" حالياً من باب الاستدلال لا غير، إذ ما من سبيل مطلقاً لحصر تلك الخدمات في هذه الورقة أو تعيينها على وجه الكمال. وإنْ ترينني/ ترني أذكر هذه النقاط أدناه فمن باب التلمّس والإحياء لذكرى الراحل لا أكثر:
    1- إنزال ما تمّ من اجتهادات في ترقية التفكير وليس الكتابة السودانية وحدها إلى دنيا عموم الناس، عبر السَّمَاع. والعمل على ترويج رؤى التنوير والتحديث بتبنيه لهذا الخط من خلال أعماله. فتقديم ذلك الكم كلّه من كُتّاب الحداثة جَدّد الحياة الثقافية السودانية في شموليتها، ولا تنحصر نعماؤه ولُقاه في محيط الأغنية فقط. ومصطفى قدَّم كُتّاباً معروفين وآخرين ما كانوا ليعرفوا لولاه، كما أُشتُهِر بهذا المسلك بالضبط فرانس شوبرت في أعماله أيضاً.

    2- تبنِّي وبرهنة مفهوم المشروع المتكامل على الغناء. وفي هذه الناحية سبقه سرور وكرومة من القدماء. كما شاطره المُعاصر وردي أيضاً، فهو العلم الوحيد من المتأخرين الذي بوسعك مضارعته مع مصطفى في مناحٍ كثيرة. مفهوم المشروع هذا أعتبره شيئاً أساسياً في نظرتي لتجربة مصطفى. لأنّ الذي هو غالب وأعم -خصوصاً لدى فترة العماء التي ناقشتها أعلاه- هو أن يبتدع الفنّان ثلاث أو أربع أغانٍ ينقصها الانسجام والترابط الفكري والهدفي، ثم يشرع بعدها في اجترار هذه الأعمال وتردادها حتّى الموت. أمَّا مصطفى فلم يوقفه من العمل على مشروعه والإضافة والتجديد فيه سوى الموت. فقد سعى باستمرارية صلدة وإرادة لم تعرف القعود والراحة مطلقاً. لماذا؟ لأنَّه صاحب مشروع مكتمل في تصوراته الداخلية، فكان هو يسابق الزمن لتحقيق تلك الرؤى كواقع فعلي ومُنجَز، صُحبة كُلَى لا تعمل بتاتاً، وببطن واقعٍ مرير ومزري حدّ اليتم الاجتماعي. ولكم تمنيتُ رؤيته المشاريعية هذه للكتابة السودانية وكُتّابها! فالواحد من كُتّابنا ينجز كتاباً أو اثنين ثم لا تسمع به مرة ثانية إلا منعياً في قعر جريدة منسيّة وبصورة لا يمكن استلالها من الحمد ولو بمنقاش. مصطفى سعى دون كلال أو توقّف نحو تقديم أعمال متواصلة وبتركيز جهده على أن تكون كلّها ذات قيمة كبيرة. لو صَعِد صاحب أغنية "الذكريات" مثلاً على المسرح فسرعان ما ينادي فيه الناس طالبين: الذكريات الذكريات..
    (وذكرياتنا مهما "كانت" برضو ترديدها بيألم).
    وحين يغنيها هو ويفرغ منها يصبح عاطلاً حقيقياً على المسرح. والمستمع نفسه لن يهتم بعدها إن كان سيكمل صاحب الذكريات الحفل أم إن كان سيرث المسرح شخصٌ غيره. أمَّا مصطفى فأحدُ المستثنيين من فقر المشاريع هذا، وإن صَعِد على المسرح فلن تعرف ما تطلبه منه لكثرة ما ترغب فيه. فأعماله من هذه الناحية لا تنفد من كثرة جيّدها، وجُلّها محبَّبٌ ومطلوب.

    3- توسيع وترقية نظرة الليركس في مادّتها الأساسية وهي "المرأة". باشتغاله المستمر والموفّق جداً على تقديم أعمال تُحَيِّد البدن لصالح ثراء الروح والحرية والكون.
    لأنّ 98% من أغاني الحقيبة "ومُعظم" ما تلاها من غناء يتكوّن من بدائيات ثلاث:
    أ- الهجر، وتداعياته السطحية جداً مثل السهر والتشبيب الوجودي المخفّف للغاية بعلامات الليل. أمَّا "الوصل" لدى شعراء الحقيبة حين استتباعه في صورهم، فلا يمكن فهمه أبداً إلا في إطار إخضاع استعماري لهذا الكائن المحبوب. وسبيه وغَلْقه في حظيرة (دُجْنَة أنثوية/ سيكسية) تمحق مميزات هذا الكائن الأخرى كلّها، ولا تعتد بحريته مطلقاً. فصورة كهذه:
    في هواك يا جميل العذاب سَرَّاني
    على عفافك دوم، زيدني في هجراني
    برغم إشكالاتها الجمّة فهي -كريمة- بعض الشيء، وليست غالبة وسط أغاني الحقيبة. ومع ذلك فالمؤلِّف لا يمتلك إدراكاً حقيقياً بحرية هذا الكائن المؤنَّث. أبداً، بل هو يدّخره لـ"العفاف". والعفاف في أغاني الحقيبة، وكافّة مشتقات هذه الكلمة، مرادفٌ لعدم إتيان الجنس المُحرّم فقط. ما يجعل هذا المقطع يعني تلخيص ذلك الكائن وحصره في (مؤونة) جنس عاطل يُخزَّن للمستقبل، وسيأتي توظيفه دون ريب. فماذا فعل ليركس مصطفى إزاء هذا الإجحاف والقصور في الوعي؟ لنقرأ ما يغنيه مصطفى من شعر عاطف خيري:
    يا فَرَس كلّ القبيلة تلجمو
    يكسر قناعاتها ويفر
    يسكن مع البدو في الخلاء
    وما يرضى غير الريح تجادلو وتقنعو
    الشاعر هنا لا يتحدَّث مادحاً لذلك الكائن المؤنَّث الحر فحسب، بل هو نافلةً على ذلك يتمنَّى له تلك الحرية التي لا تجادلها سوى الريح بالفعل. ولولا أنّ "حتّى" كانت ستفسد الإيقاع الظاهر والباطن لهذه الفقرة الشعرية لتوقعت أن يقول عاطف: وما يرضى "حتّى" الريح تجادله وتقنعو. فهذا الفرح الجديد كلّه، الذي تغنَّى به مصطفى عن حرية الكائن المؤنَّث، وهذا العمل على الارتقاء به ناحية آفاق حُرّة وغير مُنَمِّطةٍ له في دوال الجنس والسَّبْي، لهو فتوحاتٌ كبرى في هذه الناحية. خاصّة بالنسبة لعينٍ استطاعت أن ترقب أغاني الحقيبة جيداً ودورانيتها العقيمة لدى هذه النقطة. ما يُملّكك براهين لا داحض لها على أنّ الحقيبة فترة عطاء غنائي كثيف بالفعل، ولكن هذه الأغاني في حقيقتها النوعية هي "قصيدة واحدة"، قيلت بألسنة كثيرة وطرائق متعدِّدة. وهذه المحدودية تقوم أيضاً كبراهينَ على ما شخّصتُه سابقاً من كون كُتّاب الليركس يأخذون بالأصل ما هو شائع من جُمل ورؤى المجتمع الذائعة كما هي، ويضعونها في صياغات الليركس، ولا أكثر.
    ب- الجسد، بوصفه المرتقب الوحيد والمُؤَمَّل فيه من الحبيبة، وبذات التتبّع المقدراي وَفْق تَمْثلة للمرأة -المانيكان- يحفظها الجميع.
    ومع أي واحدة من هذه البدائيات الثلاث التي أُشَخِّصُها كان بوسعي عمل جداول تكرارية لـ-مفردات- أغاني الحقيبة، وصورها، تُظَهِّر بكل جلاء فداحة المسألة. وتثبت حقاً أنّ الحقيبة بالفعل هي "قصيدة واحدة" في مئات الصياغات وبعشرات الألسن. ولكن هدفي هنا ليس أغاني الحقيبة بقدر ما هو "التجاوز" الذي قام به مصطفى لتلك الأغاني، وأيضاً "الأخطاء" التي وقع فيها مصطفى من مصائد الحداثة الزائفة في بعض ليركسه.
    فبتفكيكنا الجسد إلى إسبيرات يابانية وليست تايوانية، أي على هذا النحو:
    قوام لادن وفارع في استقامة..
    شَعَر بالطول الذي يسدله مع حلكة..
    عيون واسعة وللمها..
    أرداف نافرة ومنبر
    فم ودعة مع منتجاته من رضاب .. إلخ.
    ثم وضع أغاني الحقيبة كلّها -بعد تفكيك الإسبيرات هذا- في ملف ويرد word واحد، وإجراء بحثٍ عن هذه المفردات أعلاه وتكراراتها، وصور هذا الحشد العضوي وتراكيبه التي ورد بها.. فالنتيجة الحتمية والمُستخلصة لذلك هي يأسٌ شامل من العثور حتّى على فروقات متوسطة وغير جوهرية بين كل أغنية وأختها. إذاً ما يُبحث عنه في ذلك الكائن "السريري" كان شيئاً واحداً ومتفقاً عليه، وهو "نُشارة الجسد". ومصطفى جاء مسيحاً للغناء السوداني لدى هذه السلخانة، مُطَيِّبَاً ومبرئاً له من هذا التحنيط القشري، بأزمان وجودية أخرى من قلب نصوص لا يَعرفُ العاشقُ فيها ما يعشق من حبيبته سوى الغموض الصوفي كلّه. الذي يوفّره الكائن/ الإنسان عبر رحلته كُلِّها في الوجود، وليس الأنثى/ الجسد وهي تعبر مراهقتها. فهل جَهِلَ أعمدةُ الحقيبة الستة، بعدد رواة أحاديث الرسول الستة، ويا للمصادفة الجميلة، سيّد عبد العزيز، عبيد عبد الرحمن، صالح عبد السيد "أبو صلاح"، عمر البنا، محمد بشير عتيق، إبراهيم العبّادي، ود الرضي. فهل جهل هؤلاء الكُتّاب جميعاً ما يريدونه من ذلك الكائن المحبوب لدرجة أن يقولوا: (حاجة فيك) كما قال "هاشم صدّيق" بكل هذا الإبهام المُعَزَّز بالاحتمالات على إطلاقها الأجمل!؟ وحين الاستفسار عن ماذا تشبه هذه "الحاجة" يا تُرى؟ {زي نَقْر الأصابع لمّا ترتاح للموسيقى}. فهذه الصوفية الفاتنة والمسارب الروحية ذات الآفاق في بحثها عن الكائن الشريك لا السبيّة، من لدن تجربة مصطفى الذي أدّاها مُبْدِلاً بها مفاهيم الحبيبة وهي "كيمان" لحم في جزارة الحقيبة.
    ج- "الطبيعة" معجونة بالجسد والهجر.
    والخصائص الثلاث هنا "الطبيعة" و"الجسد" و"دائرة الهجر بما فيها من وداع وتشبيب ووصال ومُنى.. إلخ" وعجنهما ببعضهما بعضاً، ومع مفردات الليل خاصّةً، مستلفاتٌ بتمامهن من الشعر العربي بقِدَم المُعَلَّقات ومُحْتَذياتٌ له. وملاحظتي الأساسية أنّ الشعر المنظوم بالعربية الغابرة في إجماله يبدأ وينتهي لدى الوصف القشري للأشياء. وبذا فهو فقيرٌ من ناحية مادّته فقراً مُرعباً. ومرتدٌ في تطوره كلّ الردّة إذا قارنّاه بالشعر الذي يمكن استلاله من المسلات البابلية، آثار الفينيقيين، المصريين، الكوشيين، أو في حِقَب أوفيد وصحبه من اليونان. فالشعر عند هذه الحِقَب المقطوعة من درجة بُعدها نحو الماضي، لهو أرقى -بشكل لا يُوصف- من شعر الحِقَب الوسيطة كلّها من التاريخ. فكتابات هذه الحِقَب قشرية لحدّ الأذى، وهذا ما توارثته عنها الحقيبة بالضبط.
    فالليل لكم هو شاسع المعنى واللُّقى في أي مدوّنة من تاريخ بائد، ولكم هو ذليل ومُسْتَرْخَص في معانيه الوجودية كافّة لدى أغنية الحقيبة. ليس الليل فحسب بل الطبيعة في تمامها لا وجود لها مطلقاً بمعزل عن المرأة، وكخادمة لسهر فقدها، أو مُتَع الظَّفَر بها. ولكم هو سمج وذليل -في ذائقتي- هذا الاشتباك الأبدي بالوجود من خلال رفقة الكائنات الأخرى. بما يكسر التأمل، وثراء الوحدة لحد الإزدواج في كائنٍ خرافي من رأسين، وذي أربعة (رجلين، عينين، يدين) يضاجع نفسه في يأس لا ينتهي، ولا يكتفي من ولادة الكائنات المشوّهة. هذا تقاعسٌ عن عطايا الوحدة وابتذالٌ للفردانية حدّ الشيوع المُضِر. فالكائنات من غناء الحقيبة تعاف مصيرها الشجاع والحصري على ما يبدو، ولا حِيَل لها في دَفْع العدم إلا بالتناسل المُمتد.
    ربما لا تخلو أغنية حقيبة واحدة من مفردة "الليل" أو ما ينوب عنها، محشودةً في مفردة "العين" سهراً، ونحولاً، وبكاءً.. على مُفْتَقَدٍ لا علامات تصعُد به دَرَج الوصف سوى ما هو اكتيالٌ من الجسد، وما هو نقاءٌ من كلِّ تطلع آخر عدا السرير.
    "هجد الأنام وأنا وحدي مساهر
    النحول على جسمي يا حبايب ظاهر
    هووووي أسبابي
    الحب الطاهر"
    وهكذا بلا نهاية، تتسمَّر الحقيبة كلّها وتتحنّط في هذا النعش، حتى تبلغ الدنيا "حداثة" الكاشف تلك، التي هي مواصَلةٌ في ذات خط ومضمون وبنية الليركس:
    "الليل.. الليل.. ما بنومو
    أنا حارس نجومو"
    ..........
    لي نية في قمر السماء... مقاصدي آه ما أجسمها
    والقمره ما لقيت سلّمها
    و"القمره" المقصودة هنا هي المرأة بالطبع، فتصبح مقاصده -للأسف- ما أتفهها وليس أجسمها. ولو أنّه كان يعيش في بيئة غربية مثلاً حيث ثقافة (لليلة واحدة فقط: one night stand) لاكتشف أنه من دون مقاصد مطلقاً، لكونه لا يستطيع أن ينفذ ببصيرته في تلك الأكوان وحدها وسيرورتها بمعزَلٍ عن الكائن المشهور "المرأة". ولاكتشف أنّ الطبيعة ذات الأفلاك والأشجار والأمواه أكبر من "هجرانه" ذلك، بحيث لا سبيل للمقارنة. بل أكبر من خَلْقه هو نفسه وحبيبته "القمره" تلك، أو كما قال القرآن: (لَخلقُ السماوات والأرض أكبرُ من خلق الناس ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون. غافر:57).
    فالطبيعة وحدها مادّة تأمّل وفن لا ينضب، وسلافة غيبوبات صافية ما هي بحاجة أبداً لكي تُشعشع بعيني حبيبة وسهر وهجران:
    (إنّ في خلق السماواتِ والأرض، واختلافِ الليل والنَّهَار، والفُلكِ التي تجري في البحر بما ينفعُ الناس، وما أنزل اللهُ من السماء من ماءٍ فأحيا به الأرضَ بعد موتها.. وبَثَّ فيها من كلِّ دابّة، وتصريفِ الرياح، والسحابِ المُسَخِّر بين السماء والأرض.. لآياتٌ لقومٍ يعقلون. البقرة: 164)
    وهذا العجز عن التقدّم وقع لأنّ شعراء حداثة الكاشف هم أنفسهم شعراء الحقيبة في الغالب الأعم، كسيد عبد العزيز مثلاً. وأيضاً جاء هذا الجمود ليبرهن نظرية أن اللاحقين تكلوا كربونهم بالفعل على أعمال سابقيهم، كي يُعيدوا إنتاج نصوص الحقيبة ذاتها، وعلى كافّة مستويات وعيها الإنساني والوجودي، مع توارث حَرْفِي للصنعة من جانب الوعي الفنّي.
    وهذا القصور كلّه تمَّ "تجاوزه" بعد ذلك في تجربة مصطفى، وفي التجارب التي عقبت أزمانه أيضاً من خلال التطور في الكتابة الذي أسهمت تجربة مصطفى المُبَكّرة في إشاعته وترويجه.
    فلننظر مثلاً إلى ما تغنيه عقد الجَلاد:
    لأنّك عندي كل الخير
    وجيهك فرحة الدنيا
    ودواخلك زي شُعاع النور
    وهذا مقطعٌ حديثٌ في رؤيته وديباجته الفنيّة معاً، ويفترع نصّه بعكس كل التوقعات مما قبل زمان مصطفى. فـ80% من الأغنيات قبل مصطفى إما أن تُفترع بالليل أو أحد تداعياته كالسُّهاد وغيره، وإما بالوصف الجسدي المُباشر. أمّا أن يبدأ امتداح هذه الحبيبة بشكل "معنوي" فهذا شيء نادرٌ جداً في الماضي إن لم يكن معدوماً. ثم يلي ذلك تشبيه الوجه بـ"فرحة الدنيا" الشيء المعنوي أيضاً، عكس الوجوه كلّها مما قبل مصطفى وحتى أثناءه وبعده، التي هي "وجه قمراء" أو "قمر أربعطاشر" أو "مدوّر مثل القمر" وإلى آخره من تداعياتٍ لـ"صورة واحدة"، عقيمة، وأبدية في جمودها وقشريتها ومتكرّرة من زمان ما قبل المعلّقات. أمّا استخدام مفردة "الدواخل" في هذا المقطع فارتقاءٌ ما بعده دَرَج، كما جاءت هذه "الدواخل" مُشَابِهة للنور، فهي ليست "بيضاء نيّة" أو "أبيض ضميرك"، ومن (هنا) ينهض الفاصل الحاسم، والمُمَيِّز اللُّبي، في تقسيم أزمنة الغناء لما قبل مصطفى وفيما هو بعده. فـ"دواخل" المحبوب هذه، أي قيمته الحقيقية وليست قشرته، لم تكن شيئاً يُعْتَدُّ به مطلقاً في الزمان القديم. وكل ما يهم من المحبوب شيءٌ شكلي، قشري، صنمي. فما اختاره مصطفى من ليركس لتجربته خرج بالكائن المؤنّث من حيّز صفة الملامح إلى فيصل القدرات، ومن سجن الميزة البدنية نحو آفاق بوسع المرأة/ الإنسان أن تكونها. فليس بوسع أحد أن يكون تمثالاً جميلاً إن لم يكن قد خُلِق كذلك. ولكن بوسع الجميع أن يكونوا بشراً وسيمي الروح ومرتقين بذاتهم. فهم بذلك يحققون جمالاً تندُّ عنه التماثيل وفراغُ الصور.
    أقول قولي هذا منتقداً وأجدُ نفسي من أكثر المتطربين بأغاني الحقيبة، وهذا ما خَلّفته فيَّ حِكَمٌ كثيرة أقلاها تأخري في سماع مصطفى. وحتى الأعمال التي أنوي انتقادها كنماذج لحداثة غير ناضجة ولا راشدة في ليركس مصطفى تُطربني هي الأخرى، برغم هرطقتها الفاجعة. مثل عمله الفقير للغاية "كان نفسي أقولّك من زمان" لكاتب الليركس الناجح جداً في أعمال ثانية له "صلاح حاج سعيد".
    وربما من هنا تنبع قيمة رؤاي، أو وساوسي الأخرى إن شئت، التي تقول لي -أحياناً- بأنّ الغناء في جوهره ليس باباً من أبواب البيان الفذ، بقدر ما هو بابٌ في التركيب الخاص للصوت البشري منادياً ومُعلناً عن نفسه في الوجود، بالتكاتف مع صوت الآلة الموسيقية ضد العدم. وهذا اتجاه أحيدُ عنه الآن، لأنّ الأدلّة المتوفرة على أنّ الليركس يحمل خطاباً لُغوياً، وشعرياً ناجز الأخيلة والصور والمنطق لهو أوفر وأرسخ من افتراضات تُنجر أو تؤلّف طازجة في مقام الاعتذار عمّا وقع كأخطاء فعلية وأكيدة في ليركس فاسد. وهذا يمكن التدليل عليه من خلال المقارنات التي يمكن إجراءها بين أعمال لكاتبٍ واحد في الأساس. تجده في أغنية ناجحاً وموفور العطاء البياني لدرجة جميلة، وفي الثانية فاشلاً لمدى لا يمكن رصده. وما أعظم الفرق بين النجاحات التي حَقَّقَها صلاح مثلاً في "الحزن النبيل" و"المسافة.. إلا قليلاً"، وأيضاً في أعمال أخرى له مع فنّانين آخرين غير مصطفى، وبين الفشل الذريع والأخطاء الجِسام التي وقع فيها عملُهُ "كان نفسي أقولّك".
    بهذه المقدّمة الوجيزة والتي أرجو أن تكون محتوية لأبعاض من الحق والتنَبُّه. أو منطوية على قليلٍ مما يشرعن الطريق أمامي كي أمدّ بصيرتي نابشاً في بعض الليركس الذي رأيتُه ضعيفاً في تجربة مصطفى، وأحياناً بوسط تجربة كاتبيه أنفسهم. لأنَّه جاء شائهاً وغير ذي معنى -كما أرى- ومُنْقَطَعاً به عَطِشاً وشريداً وسط مفازة بين نهرين لم يدرك أحدهما. نهر الليركس القديم ورقراق بساطته، ونهر الحداثة الجارف العصي، والمُتطلِّب جداً ممن يقصدونه. وأنوي تناول الفصل القادم معنوناً بأسماء كُتّاب الليركس الذي سأستخدمه كنماذج، مع تعريفات جانبية لهؤلاء الكتّاب أوحتها لي أعمالهم موضع القراءة. فإن أخطأت فمن نفسي ولا دخل للشيطان هنا، وإن أصبت فذاك ما أنشده.
    وسأفتتح نقدي بصلاح حاج سعيد، لأنَّ تقاطع تجربة مصطفى مع تجربة الميوزيشن الموصلي منح الفرصة لعملين له من رصيد التسجيلين الأشهر لمصطفى. وقصة التسجيلات النظيفة لأعمال مصطفى هذه فاجعة حقيقية وآفة أخرى لازمت تجربته ولم ينجُ منها إلا القليل. وليته الموصلي وليتها حصاد رَكّزت على ذاك الرجل الذي حمل في عينيه انعكاساً لشاهدي قبر على الدوام. أقول هذا بالرغم من عدم رضائي عن نهج الموصلي الموسيقي في التسجيلين. وما أنا بخبير موسيقى ولا أحد المشتغلين عليها، ولكن ذائقتي لها رأي يُمَثّلها لن تتوانى عن إعلانه.
    فبخصوص ألحان مصطفى ذاتها وموسيقاه، كان بوسعي إيراد ملاحظات كثيرة هنا. ولكنني تركتُ هذه الجهة لمحترفيها، ومن هم أهل فائدة فيها أكثر مني. وما وددتُ قوله باختصار هو أنّ هناك ألحاناً هزيلة للغاية لدى مصطفى مثل "مد إيدك.. شيل سلاحك" وغيرها. بل من أعماله ما هو ضربٌ من ضروب الروي ولا علاقة له بالألحان البتة، مثل اشتغاله على "أدَّفقي" لقاسم أبي زيد. وهناك المتشابه من ألحانه لدرجة كبيرة كالتشابه بين "علّمي عيوني السفر" و"الدنيا ليل غربة ومطر" وبين "أسئلة ليست للإجابة" و"أظنك عرفتِ". وبين "عَزّ المزار" و"حاجة فيك".
    وهناك المُحْتَذِي مثل لحن "يا صديقي الأوَّل" فهو احتذاءٌ لا مِراء فيه أو لبس للحن أغنية "يا جميل يا مدلّل"، أو ربما اجترار لا واعي وقع فيه مصطفى. أثبّت هنا الكثير من الاحتراس لأنّني لا أعرف وجهة نظر الراحل مصطفى، فربما هو عملها على سبيل المجاراة المقصودة والمُحِبَّة. وذاك فنّان رؤيوي وله تصوراته الناضجة جداً، التي أخرجت لنا هذه التجربة الفريدة والعبقرية. ولو كان فنّاناً -لافاحاً- من أشباه الفنّانين المنتشرين هذه الأيام لأسميتُ لحنه "المُنْتَحَل" بدل "المُحْتَذِي".
    وهذه الهنّات التي ذكرتُها ما هي بشيء أبداً مقايسةً مع حجم تجربته الكليّة وكمية ونوعية الأعمال قاطعة الحُسْن والكمال التي أنتجها.
    وأمَّا عدم رضائي عن عمل صديقي الموصلي في تسجيليْ مصطفى الجيّدين، والوحيدين المُنْتَجَيْن على نحو تسجيلي ممتاز، فلا أستحي أبداً أن أعلن في جوار هذا أنّ أوركسترا مصطفى كانت أبدع وأثرى ممَّا أنجزه الموصلي دون شك بالنسبة لي. والسبب هو أنَّ طُغيان آلة الكي بورد قَلَّل من الثراء الذي كان يمكن أن يحققه الميوزيشن الموصلي في التسجيلين، بإعطاء فُرَص أوفر لآلات أخرى أكثر أهمية. أمَّا الأسوأ من ذلك فهو اعتماد الموصلي لهذه الطريقة مع كافّة التسجيلات التي أنجزها لفنّانين آخرين في تلك الفترة. والكي بورد -عن نفسي- لا أستطيع أن أنظر إلى اعتماده بتلك الطريقة الأساسية باحترام مطلقاً. ليس لأننا ما وجدناه بهذه الكثافة قط في الأعمال التي نسمعها لموسيقيين آخرين من كافّة أرجاء العالم. بل أيضاً لأنّه آلة فقيرة كما أرى، وتمثّل الموسيقى تمثيلاً من على الشفاه فحسب، ولا تتبناها نُطقاً متجذِّراً في الداخل كي تجعلنا نَحُسّ بقدومها من العمق.. it’s so fake، آلة زائفة لدرجة بعيدة، "قِرْدَة"، ومُقَلِّدة موسيقى لا أكثر. ربما تليق بشخص مثل حيدر بورتسودان كي يؤسِّس بها حفلاته وكلّ تصوّراته عن الموسيقى، ولكن ماذا عن الميوزيشن المُحترم الموصلي؟ أهو حيدر بورتسودان آخر لكي يُرَقِّي هاتيك الآلة هذه الترقية كلّها، ويعتمد عليها بهذه الصورة الجوهرية!؟
    لا، هو ليس حيدر بورتسودان قطعاً، ولا ينبغي له، ولكن هذا ما حدث على يديه فعلاً. وما جعل الصرير المعدني في التسجيلين يُسَطِّح الألحان ويُقشِّرها عن لُبِّها، كما أنقص تلوينها الأوَّل -المصطفوي- في آذاننا، وأوحش بها عن تلك الأُلفة الثرية التي ثَبَّتتها أوركسترا الراحل. أو هكذا سَوَّلت لي ذائقتي وتفاكيري.




    -يُستتبَع-

    (عدل بواسطة محسن خالد on 10-11-2007, 05:01 PM)
    (عدل بواسطة محسن خالد on 10-13-2007, 06:18 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
ليركس مصطفى محسن خالد09-30-07, 09:15 PM
  Re: ليركس مصطفى محسن خالد09-30-07, 09:20 PM
    Re: ليركس مصطفى محسن خالد09-30-07, 09:24 PM
    Re: ليركس مصطفى Elmosley10-19-07, 01:01 AM
  Re: ليركس مصطفى Emad Abdulla09-30-07, 09:37 PM
  Re: ليركس مصطفى أبو ساندرا09-30-07, 09:55 PM
  Re: ليركس مصطفى esam gabralla09-30-07, 10:21 PM
    Re: ليركس مصطفى خدر09-30-07, 10:30 PM
  Re: ليركس مصطفى عبد المنعم سليمان09-30-07, 10:49 PM
    Re: ليركس مصطفى khatab10-01-07, 06:35 PM
      Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-02-07, 10:38 PM
        Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-02-07, 11:04 PM
        Re: ليركس مصطفى Manal Mohamed Ali10-02-07, 11:14 PM
  Re: ليركس مصطفى عبد المنعم سليمان10-02-07, 11:20 PM
  Re: ليركس مصطفى الملك10-03-07, 03:40 AM
    Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-03-07, 01:55 PM
  Re: ليركس مصطفى Ali Alameen10-03-07, 02:33 PM
    Re: ليركس مصطفى Kostawi10-03-07, 05:12 PM
      Re: ليركس مصطفى ابو جهينة10-03-07, 07:14 PM
        Re: ليركس مصطفى nadus200010-04-07, 07:47 AM
          Re: ليركس مصطفى yasir Abdelgadir10-04-07, 02:09 PM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-04-07, 08:12 PM
    Re: ليركس مصطفى najua hussain10-04-07, 08:47 PM
      Re: ليركس مصطفى bent-elassied10-05-07, 09:19 AM
        Re: ليركس مصطفى صلاح شعيب10-05-07, 10:32 AM
  Re: ليركس مصطفى أحمد الشايقي10-05-07, 11:28 AM
  Re: ليركس مصطفى فيصل عباس10-05-07, 12:26 PM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-05-07, 10:03 PM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-05-07, 10:04 PM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-06-07, 10:19 AM
    Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-07-07, 07:36 PM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-07-07, 10:03 PM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-09-07, 06:32 AM
    Re: ليركس مصطفى Ahmed Yousif Abu Harira10-09-07, 07:03 AM
      Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-09-07, 01:42 PM
        Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-09-07, 01:51 PM
          Re: ليركس مصطفى Elmosley10-09-07, 09:25 PM
        Re: ليركس مصطفى Elmosley10-15-07, 09:01 PM
          Re: ليركس مصطفى saif basheer10-16-07, 12:23 PM
        Re: ليركس مصطفى Elmosley10-16-07, 04:32 PM
        Re: ليركس مصطفى Elmosley10-17-07, 08:21 PM
  Re: ليركس مصطفى Masoud10-09-07, 09:42 PM
    Re: ليركس مصطفى عبدالله الشقليني10-11-07, 01:16 PM
      Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-12-07, 05:39 PM
        Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-12-07, 05:44 PM
        Re: ليركس مصطفى Elmosley10-12-07, 11:02 PM
          Re: ليركس مصطفى خدر10-12-07, 11:50 PM
            Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-13-07, 06:09 PM
              Re: ليركس مصطفى Osman Musa10-13-07, 06:17 PM
                Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-13-07, 06:20 PM
                  Re: ليركس مصطفى الجيلى أحمد10-13-07, 09:17 PM
            Re: ليركس مصطفى Elmosley10-16-07, 04:16 PM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-14-07, 09:05 PM
    Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-14-07, 09:59 PM
      Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-14-07, 11:13 PM
        Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-15-07, 06:55 PM
          Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-16-07, 07:47 AM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-15-07, 08:48 PM
    Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-17-07, 00:57 AM
  Re: ليركس مصطفى Ashraf el-Halabi10-17-07, 01:01 AM
    Re: ليركس مصطفى محسن خالد10-17-07, 01:18 AM
      Re: ليركس مصطفى mansur ali10-17-07, 05:41 AM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-17-07, 06:36 AM
    Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-17-07, 07:12 AM
      Re: ليركس مصطفى mohmmed said ahmed10-17-07, 07:45 AM
        Re: ليركس مصطفى saif basheer10-17-07, 09:59 AM
          Re: ليركس مصطفى Adil Al Badawi10-17-07, 02:51 PM
            Re: ليركس مصطفى munswor almophtah10-17-07, 05:59 PM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-17-07, 08:12 PM
  Re: ليركس مصطفى Elmosley10-17-07, 11:24 PM
  Re: ليركس مصطفى Elmosley10-18-07, 00:48 AM
  Re: ليركس مصطفى Ashraf el-Halabi10-18-07, 01:30 AM
    Re: ليركس مصطفى Elmosley10-18-07, 04:12 AM
  Re: ليركس مصطفى يوسف الولى10-18-07, 02:32 AM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-18-07, 06:24 AM
    Re: ليركس مصطفى Elmosley10-18-07, 01:03 PM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-18-07, 08:28 PM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-18-07, 08:43 PM
  Re: ليركس مصطفى Elmosley10-19-07, 03:52 AM
    Re: ليركس مصطفى عبدالله الشقليني10-19-07, 07:01 AM
      Re: ليركس مصطفى Elmosley10-19-07, 02:04 PM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-19-07, 07:51 AM
  Re: ليركس مصطفى Agab Alfaya10-19-07, 08:02 AM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-19-07, 08:40 AM
    Re: ليركس مصطفى mansur ali10-19-07, 09:18 AM
      Re: ليركس مصطفى محمد سنى دفع الله10-19-07, 10:58 AM
  Re: ليركس مصطفى Adil Osman10-19-07, 01:01 PM
    Re: ليركس مصطفى Adil Osman10-19-07, 01:43 PM
  Re: ليركس مصطفى Elmosley10-19-07, 02:22 PM
    Re: ليركس مصطفى خدر10-19-07, 03:45 PM
    Re: ليركس مصطفى mansur ali10-19-07, 03:52 PM
      Re: ليركس مصطفى Elmosley10-20-07, 03:03 AM
  Re: ليركس مصطفى esam gabralla10-19-07, 05:32 PM
  Re: ليركس مصطفى سمندلاوى10-19-07, 07:57 PM
    Re: ليركس مصطفى صلاح شعيب10-19-07, 09:28 PM
  Re: الوقف Agab Alfaya10-20-07, 07:29 AM
  Re: محسن بين التنظير والتطبيق Agab Alfaya10-20-07, 07:53 AM
  Re: التحولات تتم عبر الحقب والاجيال Agab Alfaya10-20-07, 08:10 AM
  Re: ليركس مصطفى Bashasha10-20-07, 08:34 AM
    Re: ليركس مصطفى mansur ali10-20-07, 02:39 PM
      Re: ليركس مصطفى abdelkhalig elgamri10-21-07, 07:16 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de