الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 08:22 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.امجد إبراهيم سلمان(Amjad ibrahim)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-06-2004, 03:24 AM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي (Re: Amjad ibrahim)


    الجهاد و النفاق
    ومن الآثار السلبية لاستعمال السيف في أمر الدعوة ظهور النفاق.
    والنفاق هو أن يظهر الإنسان الإسلام ويبطن الكفر، خشية أن يلحقه أذى من المسلمين إذا أعلن كفره. فحين كانت الدعوة بالتي هي أحسن في مكة ، لم يكن هنالك منافقين، والناس إما مؤمن أو كافر.. لك بأن الكافر يعلم أنه لن يلحقه أذى من المسلمين، بسبب كفره، ولذلك لا يحتاج لإخفاء هذا الكفر، ولهذا لم يرد ذكر المنافقين في القرآن المكي..
    أما بعد الهجرة، وبعد نسخ آيات الإسماح، وإحكام آيات الجهاد، فقد ظهر في المدينة رجال يظهرون الإسلام، ويؤدون كل شعائره، وتمتلئ قلوبهم حقدا وغلاً للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بل أنهم كانوا يحيكون المؤامرات، ويحتالون الحيل ضد الإسلام ما استطاعوا، ونزلت في المدينة آيات عديدة، تتحدث عن المنافقين، وتكشف مؤامراتهم وتتوعدهم بسوء المصير.
    والمنافق أسوأ من الكافر، لأنهما يستويان في الكفر، ولكن المنافق يزيد على الكافر، في محاولته خداع المسلمين، والإيقاع بهم، من حيث لا يشعرون. ومن هنا فإنه يفتقد شرف الخصومة الذي قد يكون لدى الكافر، الواضح العداء للمسلمين والإسلام. ومن أجل ذلك قال تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) النساء 145. والمنافق قد أٌكره على الإسلام خوف السيف، ولكن لم يكن من الممكن إكراهه على الإيمان، لأن الإيمان محله القلب، ولا يطلع أحد على السرائر، ليحكم بكفر أحد أو إيمانه، ودين الشخص هو ما في قلبه، لا ما في لسانه، ولهذا لا يمكن الإكراه في الدين وإن أمكن في الإسلام. قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) البقرة 256 والإسلام الذي في مستوى القول باللسان، والعمل بالجوارح للأركان المعلومة، قصاراه أن ينجي من السيف، ولكن لا عبرة به عند الله ما لم يزيد فيدخل معنى في القلب به يتحول الإسلام إلى إيمان.
    قال تعالى (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) الحجرات 14 فالمنافقين كانوا مسلمين، وهذا ما منع عنهم السيف، ولكنهم لم يكونوا مؤمنين، بل كانوا يكيدون للمؤمنين وهم محسوبون عليهم، ولم يكن من الممكن ظهور هذه الظاهرة لولا استعمال السيف في الدعوة..

    أدب الجهاد

    وعلى الرغم مما ذكرنا من عدم موضوعية الجهاد، واستحالة قبول تبعاته في وقتنا الحاضر، ومع يقيننا من أن الجهاد قد كان تشريعاً مرحلياً، بدليل أنه جاء في فروع القرآن، ولم يكن مطلقاً في أصوله، إلا أنه حتى في ذلك الوقت، وبذلك المستوى الذي تحدثنا عنه، فإن الجهاد لم يكن عملاً دموياً، يعبر عن إنتقام أنفس حاقدة ومريضة، وإنما كان عملاً يوجهه أدب الدين، ويراعى فيه ما يمكن من القيم الإنسانية. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي جيوش المجاهدين بألا يقتلوا أعزلاً، ولا يقتلوا أمرأةً، ولا يقتلوا الشيخ الكبير، أو الراهب المنقطع في صومعته، ولا يحرقوا زرعاً، ولا يقطعوا نخلاً. ولقد كان الجهاد يبدأ بإعلان الأعداء، ولم يكن يتم خلسة أو سراً، ولم يكن المجاهدون ينكرونه إذا سئلوا عنه..
    إن أقل الناس إدراكاً يستطيع أن يدرك أنه ليس هنالك أي علاقة بين الجهاد الذي كان المجاهد يثبت فيه في ميدان القتال ليفوز بإحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة، وبين حوادث الإغتيالات، والتفجيرات وإثارة الفوضى، التي تسمى اليوم جهاداً. حيث يهرب المجاهد، ويختفي بعد أن يكون قد ضرب العزل، وقتل النساء والأطفال بتفجيرات عشوائية، واعتدى على الآمنين في المركبات العامة، دون سابق إنذار، وفرّ دون أن يفكر في الثبات أو حتى الإعتراف لو تم القبض عليه..
    إن العمليات التي تتم اليوم باسم الجهاد، بعيدة عن روح الجهاد وأدبه وأخلاقه، فإذا وضح أن الجهاد نفسه على رفاعته، إذا قورن بهذه الجرائم، بعيد عن أصل الدين.. يمكننا أن نتصور مدى بعد هذه الأعمال الإجرامية من ناحية، ومدى رفعة الإسلام في جوهره من الناحية الأخرى.

    الباب الثالث
    الجهاد في مستوى الأصول

    الجهاد ليس أصلاً في الإسلام
    الأصل في الإسلام أن كل إنسان حر، إلى أن يسئ التصرف في الحرية، وعند ذلك تصادر وفق القانون.. وهذا الأصل هو جوهر الدين، وللوفاء به بدأت الدعوة إلى الإسلام في مكة بآيات الإسماح، وهي الآيات التي حددت مهمة النبي الكريم في النذارة والبشارة، ثم دعته إلى الصبر على كيد الجهلاء والإصرار على دعوتهم، والإعراض عن سفهائهم، مع تذكيره بحقائق الدين الكبرى، في أن الهداية من الله، فيجب ألا يتحسر على كفرهم وضلالهم، بل يواصل الدعوة منتظراً لأمر الله.. فبعد قرآن النبوة الذي ركز على تربية النبي صلى الله عليه وسلم، وإعداده ليتحمل هذا الأمر الثقيل، مما جاء في سور العلق والقلم والمزمل.. بدأ قرآن الرسالةبقوله تعالى: (يا أيها المدثر* قم فأنر) المدثر1،2 وقد حصرت مهمته العظيمة في قوله تعالى: (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشراً ونيراً) الإسراء 105 .. وحين قابل قومه الدعوة بالإعراض، ذكره الله ان مهمته هي مجرد البلاغ، ومن ذلك قوله تعالى: (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حقيظا إن عليك إلا البلاغ) الشورى48 ودعاه إلى الصبر في العديد من الآيات مثل قوله تعالى: (فاصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون) النحل 127 وجاء أيضاً (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) لقمان 17 وقال تعالى: (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) فاطر 8 وجاء أيضاً (فاعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون) السجدة30
    ولعل كل هذه الآيات المكية، والعشرات من مثيلاتها، يمكن أن يلخصها مفهوم الدعوة بالتي هي أحسن، الذي جاء صراحةً في قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) النحل125.
    هذا المفهوم الجوهري إنما يعتمد على حقيقة أن الإسلام في أصوله يقدس الحرية الفردية، بصورة ليس لها مثيل، حتى أنه يبلغ في ذلك حد إعطاء حق الكفر!! قال تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف29
    ولقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النهج الرفيع من الدعوة ثلاثة عشر عاماً، هي عمر الدعوة في مكة، وفي هذه الفترة، فترة الإسماح والحرية، تخرج من مدرسة النبوة كبار الأصحاب، من المهاجرين الأوائل الذين حملوا لواء الدعوة وسط الكفر والبغي والفجور، دون أن يسمح لهم برد الظلم ودفع العدوان، فكانوا وسط هذا الظلام، يبينون بلسان الحال الصادق، ولسان المقال البليغ، كمالات الدين، يدعون الناس إلى واجبهم في هذه الحياة، نحو ربهم بإخلاص عبادته، ونحو بعضهم بإصلاح ذات البين، والسعي بالخير والمسالمة والإخاء. وإذا أصر القرشيون المتجبرون العتاة على الإعتداء على هؤلاء النفر المسالمين، ,اصروا على عبادة الحجر الأصم وقطع الرحم ووأد البنات، وفعل المنكرات.. فقد أساءوا التصرف في الحرية، وقابلوا الإحسان بالإساءة، فكان لابد من مصادرة حريتهم.. ولما لم يكن هنالك قانون لمصادرتها، فقد صودرت بحد السيف، فأمر النبي بالهجرة، وأذن له بالقتال، ونسخت بلك آيات الإسماح والصبر والدعوة بالتي هي أحسن وأحكم الجهاد كما رأينا في الباب السابق.. فالجهاد إذن ليس أصلاً في الإسلام، وإنما هو فرع.
    والأصل في الأسلام هو حرية الإعتقاد، وحتى لا تضار هذه الحرية، قيدت الدعوة في مستوى الأصول، بالدعوة بالتي هي أحسن، التي يقوم أدبها على كف الأذى عن الناس، وتحمل أذاهم، وتوصيل الخير لهم، برغم ما تلاقي منهم من أذى ومن فجور.. هذا هو الأسلوب الذي يربيالداعية ويحترم المدعو، وهو الأسلوب المناسب لوقتنا الحاضر، حيث أصبحت حرية الإعتقاد من البدائه التي لا تقبل الجدل.. وأصبح أسلوب الإقناع، والدعوة بالحسنى، هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن أن يطرح به أي فكر، أو رأي أو دين..أما فرض الرأي بالقوة فقد أصبح أمراً متخلفاً، لا يشرف صاحبه، فضلاً عن أنه غير ممكن عملياً..

    الجهاد بالسيف غير ممكن اليوم:
    أن حاجة وطاقة المجتمع المعاصراليوم، تسقط الجهاد تماماً.. فأما حاجة المجتمع فإلى السلام، فإن البشرية قد ضاقت من ويلات الحروب مما يجعل السلام هو أملها المنشود.. ولهذا فإن الدعوة للقتال مهما كان مبررها، تعتبر أمراً مرفوضاً من جميع العقلاء، دع عنك أن يكون القتال المعلن هو بغرض نشر أي دين، أو فكرة، أو عقيدة.. وأما طاقة المجتمع المعاصر، فإنها قد بلغت من التطور العلمي، حداً جعل السلاح المدمر الرهيب، يصل إلى مستوى يجعله يلغي نفسه، من شدة خوف أصحابه من نتائج استعماله، لتصورهم لبشاعة التدمير الذي سيلحقه هذا السلاح بالحياة على هذا الكوكب. حتى أصبحت الحروب لا تسوق في النهاية إلا لطاولة المفاوضات.
    لقد فرض تطور السلاح السلام العالمي على كافة الدول.. والمسلمون اليوم، أكثر ضعفاً وتخلفاً في هذا الجانب، من الذين يجب عليهم، حسب فهمهم، مجاهدتهم من الدول، التي يصفونها بأنها كافرة، فلو فرضنا جدلاً بأن المسلمين تطوروا حتى ملكوا السلاح النووي، فإنهم مع ذلك لن يستطيعوا أن يجبروا الدول التي تملكه قبلهم على إعتناق الإسلام بالقوة!! فإذا وقعت الحرب واستعمل السلاح الرهيب، فلن يكون هنالك منتصر ومهزوم، وإنما هو الفناء الشامل، ومع ذلك فإن الإسلام لن ينتشر وإنما سيعم الخراب.. فهل يصح عقلاً أن يكون هذا هو مراد الدين؟ أن يأمر بالجهاد في وقت لا يعني فيه الجهاد إلا فناء البشرية جمعاء؟!
    إن الجهاد لا يناسب العصرالذي تطور فيه السلاح إلى هذا الحد الرهيب، وهذا هو السر في أن الله قد ربطه بالخيل، في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) الأنفال60.
    ولقد ظن سائر الدعاة الإسلاميين أن كلمة (الخيل) هنا ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي كناية عن كل ما يستعمل في الحروب.
    وذكروا أنها في وقتنا الحاضر، يمكن أن تعني الصواريخ والقنابل والطائرات. وهم إنما اتجهوا إلى تأويل هذا النص الصريح، لأن تطور الحياة جعل الخيل عديمة الجدوى في الحرب.. ولكن هذا التطور الذي أبطل مفعول الخيل، لم يكن تطوراً حسياً فقط، وإنما هو أيضاً تطور معنوي، وهو في هذا المستوى قد أبطل مفهوم العنف والإكراه، بأكبر مما أبطل فاعلية الخيل. فقد أصبح فرض أي دين على من لا يريده بالعنف في وقتنا الحاضر، أطثر بشاعة وتخلفاً من الخيل في الحرب الحديثة. وهذا التطور الحسي والمعنوي، إنما تم بإرادة هادية وحكيمة، تستهدف فرض السلام بشتى الوسائل كمقدمة ضرورية لتطبيق الإسلام على الأرض.. اقرأ قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) الفتح 28.. ومعلوم أن الإسلام حين استعمل الجهاد في الماضي، لم يظهر على كل الأديان، ولم يصل إلى كل أنحاء الأرض، بل أن الأرض نفسها لم تكن قد اكتشفت يومئذ.. هذه الآية لا تزال تطالب بمظهرها، وهي ستتحقق دون ريب، بالدعوة بالتي هي أحسن، فإن موعود الله لابد آت.

    الأصول وعقوبة الردة:
    ليس في أصل الدين عقوبة على الردة، ذلك لأنه ليس في أصل الدين عقوبة على مجرد الكفر.. فالناس كل الناس أحرار في إعتناق الإسلام، وأحرار في الخروج عنه، إذا عجز المسلمون أن يثبتوا لهم كمماله على غيره من المعتقدات..
    وهذا هو السبب، في أن الذين أرتدوا في مكة، عندما حكى النبي صلى الله عليه وسلم واقعة الإسراء والمعراج، انصرفوا موفورين ولم يتعرض لهم أحد بسوء.
    بل أن الذين أرتدوا المدينة قبل نزول آية السيف التي نسخت محتوى الإسماح لم تترتب على ردتهم أي عقوبة. وإنما أوكل أمرهم إلى الله، ليعاقبهم على كفرهم في الدار الآخرة.. وفي هذا الكرامة كل الكرامة لهم، والمسئولية كل المسئولية. قال تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً) الآية 137 النساء. فلو كانت هناك عقوبة القتل على الردة، لقتلوا من أول مرة ولم يجدوا الفرصة ليكفروا مرة أخرى، ولم يجدوها ليزدادوا كفرا في آخر أمرهم ثم يترك أمرهم إلى الله.
    وكما أن حكم قتل المرتد، ظل لآية السيف، فإن حكم عدم قتل المرتد وترك أمره لله، ظل لآية حرية الإعتقاد وهي قوله تبارك وتعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف29. فإن إعطاءه الحق في الكفر، يعطيه بداهةً الحق في الكفر بعد الإسلام، وهو الردة.
    وهذا المستوى الرفيع من الحرية هو ما ينسجم مع حقوق الإنسان ومع كرامته ومع ثقة الإسلام في نفسه، ومقدرته على إقناع الناس، دون الحاجة إلى إبقائهم بالعنف داخل هذه القناعة. وهذا هو المستوى الذي يناسب البشرية، وهي تستشرف عهد السلام، حين كان القتل والحروب هو الذي يناسبها في عهدها الأول، الذي مثلته آيات فروع القرآن..

    الجهاد الأكبر:
    إن الجهاد الحقيقي الثابت في أصل الدين، هو جهاد النفس.. لأن به استقامة السلوك، وترقي الفرد والجماعة. إن من السهل على الإنسان أن يرى العيوب في الآخرين، ويهُب لمصاولتهم ومقاتلتهم. ولكن من الصعب عليه أن يرى العيب في نفسه، ويقاومها ويشدد عليها، ويهذبها ويردها بقوة عن رغائبها. ومن أجل ذلك، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو راجع من غزوات الجهاد (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)!! يقصد جهاد النفس! وأرفع مستويات الجهاد الأصغر، الموت في سبيل الله، وأرفع مستويات الجهاد الأكبر، الحياة في سبيل الله، وهذا لعمري أصعب بكثير، لأنها تعني أن يكون النفس الطالع والنازل لله.. تعني أن يكون الإنسان في كل لحظة مراقب لربه ولقد شهد الله تبارك وتعالى للنبي الكريم بالحياة في سبيله في قوله تعالى: (قل أن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين) الأنعام 162-163. هذه حياة كلها لله منشطها ومكرهها، وهذا هو الإسلام في قمته السامقة التي لا تطال.. ومن أجل تجويد النظر إلى عيوب النفس أولاً، قبل إدانة الآخرين، يجئ الأدب الإلهي الرفيع (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) المائدة105. ذلك أن هداية أنفسنا هي واجبنا بالأصالة، بيننما هداية الآخرين هي واجبنا بالحوالة، فإذا لم نستطع هداية أنفسنا فإننا عن هداية غيرنا أعجز. فقد جاء في الأثر، أن الله عز وجل قال لعيسى عليه السلام (يا عيسى عظ نفسك، فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني). فأنت إذا دعوت الناس ولم يستجيبوا لك، فاعلم أن العيب ليس في الآخرين، وإنما فيك أنت. فلو أنك أطعت الله بالقدر المطلوب، لأطاعك الآخرين. ولقد ربّى الإسلام الأصحاب رضوان الله عليهم، على هذا النهج، فدعاهم إلى التأكد من إسلامهم هم أولاً، إذا لم يستجب لهم الآخرين، قال تعالى (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا إنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون) هود14. إن من أكبر أخطاء الجماعات الإسلامية، إغفالها للمضمون التربوي والسلوكي للدين.
    هذا المضمون الذي يقوم في الأساس على الإعتماد على الله، لا على صالح الأعمال، وعلى النظر المتصل إلى عيوب النفس، واكتشاف دسائسها وخداعها، وردها في كل لحظة عن مهاوي الغرور، والتعالي على الآخرين.. وعلى العكس من هذا، يقوم سلوك أفراد الجماعات الإسلامية، على إستعلاء، سببه أنهم يرون أنفسهم، أفضل من بقية الناس،لا لقيامهم بالأوامر الشرعية واجتنابهم لكبائر الآثام التي يتورط فيها غيرهم. وإنما بسبب رضا أحدهم عن نفسه لا يواجهها، ولا يكتشف عيوبها، بل ينشغل عن ذلك بمصاولة وعداوة الآخرين، ما دامت نفسه قد أوهمته أنها لا تحتاج إلى شئ، وهذا في حد ذاته أكبر المفارقات الدينية..
    فقد قال الشيخ إبن عطاء الله السكندري رضي الله عنه: (رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً) والسبب في ذلك أن العبادة يجب أن تسوق إلى العبودية لله، والشعور بأن ما حقق الإنسان من أفعال، إنما هي بأعانة الله، وليس بمجاهدته هو.. فإذا ساقت المعصية إلى العبودية، في معنى ما ساقت إلى الندم والذلة، فقد أدت ما عجزت الطاعة أن تؤديه فتكون بذلك أفضل منها، أما إذا ساقت الطاعة إلى الإستعلاء والتكبر، فإنها تكون عملاً باطلاً وهو ما أشار إليه تبارك وتعالى في قوله: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً) الفرقان23. هذا هو حال الأعمال التي يعجب بها أصجابها، وتسوقهم للإستعلاء على الآخرين، بدلاً من الإنكسار لله، والنظر إلى تقصيرهم هم..
    إن الفهم الدقيق لحقائق الدين، وواقع الحال يجعلنا نفهم، أن الجهاد الأكبر هو المقصود في العبارة النبوية الكريمة: (الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة) لأن به الترقي في مجالات الكمال الذي لا تحده نهاية.

    الأصول وحقوق الإنسان:

                  

العنوان الكاتب Date
الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim01-27-04, 03:21 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim01-28-04, 03:45 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim01-29-04, 03:28 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim01-30-04, 04:21 AM
    Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Yaho_Zato01-30-04, 05:48 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim01-30-04, 07:32 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim01-30-04, 07:42 AM
    Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Yaho_Zato01-31-04, 01:41 AM
      Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Haydar Badawi Sadig01-31-04, 03:11 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim02-01-04, 11:33 PM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Yasir Elsharif02-02-04, 11:53 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim02-04-04, 02:05 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim02-05-04, 03:10 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim02-05-04, 03:19 AM
    Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Yasir Elsharif02-05-04, 10:27 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim02-06-04, 03:24 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim02-06-04, 03:50 AM
    Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Yasir Elsharif02-06-04, 02:50 PM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim02-08-04, 01:44 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim02-08-04, 01:57 AM
  Re: الجهاد ..؟ ام حرية الاعتقاد.. عمر القرّاي Amjad ibrahim02-08-04, 11:40 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de