وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 07:11 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.امجد إبراهيم سلمان(Amjad ibrahim)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-20-2005, 01:39 AM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان (Re: Amjad ibrahim)

    الجزء الاخير من الوثيقة
    و يحتوي على الكثير من التصورات للاصلاح العملي و النظري





    6 – منطلقات أساسية لإعادة بناء الحزب :
    1- إنّ انهيار التجربة الإشتراكية، لا يعني أنّ راية العدالة الإجتماعية قد انطوت ، أو أنّ سير الإنسانية نحو المجتمع الأمثل الذي يضمن لكل فردٍ حريته الفردية ، ويوفّر له احتياجاته الأساسية ، ويتيح له كل الفرص للنمو الشامل واللآمحدود ، قد توقّف ، أو أنّ التاريخ قد انتهى . ولن تكف الإنسانية عن تحديد ملامح هذا الأمثل الذي تتوق إليه . ولن تتوقّف عن صياغة رؤى على هذا القدر أو ذاك من العمق والوضوح تحكم مسيرتها . وإعادة صياغة المشاريع بفضل الآفاق الرّحبة التى تتفتّح كل يوم ، سمة أساسية من سمات الفكر الإجتماعي والسياسي . لقد أصبحت كل لحظة من لحظات الإنسانية لحظة للتنظير . وقد انتهت بالتالي الحقبة التاريخية التي يقوم فيها عبقري ما بصياغة مشروع كامل للتحرر الإنساني ، تمسكه الإنسانية ككتابٍ مقدّس ، يهدي مسيرتها منذ هذه اللحظة الماثلة الآن وحتى آخر لحظة متصوّرة في الزمان . إنّ تطوّر المجتمع وتراكم العلم والمعرفة ، يضعُ في أيدي الأجيال اللاحقة مقدرات ووسائل وأدوات وإمكانيات تجعلها أقدر بما لا يقاس من كل الأجيال السابقة في رسم أهداف أبعد مدىً وأكثر إنسانية . وسيتـّضح للجميع أن المعنى الذي أشار إليه أبوالعلاء المعرِّي حين قال :
    وإنّي وإن كنتُ الأخير زمانه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ

    هو في الحقيقة معنى مقلوب يمكن استعداله على النحو التالي :
    لأنِّي ، كنتُ الأخير زمانه ، أتيتُ بما لم تستطعه الأوائل

    إنّ الأجيال الحاضرة عليها أن تكون أكثر تواضعاً ، لأنّ الفضاء التاريخي والمستقبل الإنساني مسكون بكائنات أكثر ذكاء وأطول باعا !

    2- التقدّم الإنساني لا يطرح نفسه بصورة عامة أو مجرّدة ، بل بصورة خاصّة ومحددة في شكل قضايا ومهام ومشاكل تخصُّ هذا المجتمع بالذات ، في هذه اللحظة التاريخية بالذات . القوة الإجتماعية، والحزب السياسي الذي يريد أن يخدم التقدّم الإنساني ، هو الذي يقدّم الحلول الواقعية للمشاكل الحقيقية . ويتوجّه بها بلغة واقعية الى هذا الجيل من البشر الذي يعاصره ، ويبيّن له الطريق ، ويمدّه بالوسائل والأدوات لحلِّها. وعندما يتمكّن هذا الحزب من نقل المجتمع ، ولو درجات قليلة على سُلَّم التطور ، فإنّه يكون قد أدّى ما يتوجّب عليه تجاه الإنسانية ، وتجاه التقدّم الإنساني .
    فالإنسانية ليست شيئاً آخر غير هؤلاء الناس ، الأفراد والمجموعات والطبقات ، بلحمهم ودمهم ، بقيودهم وحدودهم وتناقضاتهم ، بأمانيِّهم وآمالهم وصبواتهم ، الموجودين هنا ، الموجودين الآن .

    والإنسان ليس نبوءة ستتحقّق في المستقبل . ليس فكرة في ذهن أحد – نحنُ لسنا مقدِّمات لظهور الإنسان – لسنا مشاريع إنسانية ، لسنا طوراً سابقاً للتاريخ الإنساني . إنّنا نحن الإنسان في هذه البقعة من الأرض ، في هذه اللحظة من الزمان . لسـنا وسيلة أحد في تحقيق رؤاه الذهنية ، لسـنا فئراناً للتجربة ! . ظهور الإنسان الجديد ليس شيئا إضافيا للعملية الحياتية البشرية المألوفة ، والمعروفة . والتقدّم مبدأ أصيل " In built" في البيئة الإجتماعية ؛ وليس وارداً بالتالي التضحية بالأجيال الماثلة لمصلحة الأجيال القادمة ، أو لمصلحة " الإنسان الجديد " كما حدث في تجارب التجميع الزراعي الستاليني في الثلاثينات ، والذي راح ضحيّته ما لا يقلّ عن عشرين مليوناً . كما حدث في تجربة " بول بوت " التي راح ضحيّتها أكثر من ثلاثة ملايين ، أو في الصين على أيّام الثورة الثقافية ، أو غيرها . إن مَن يضحِّي بالأجيال الحاضرة لمصلحة الأجيال القادمة يضحّي بكلَـيهما . وهو كَـمَـن يضحي بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا الحاضرة من أجل مصالح العلم والمعرفة والتكنولوجيا القادمة أو الجديدة ! إن المشاريع الإجتماعية تصاغ من أجل الإنسان ، ولا يُصاغ الإنسان من أجل المشاريع الإجتماعية .

    3- الداء العُضال ، والآفة المعيّنة التي يعاني منها مجتمعنا هيَ التخلُّف ، وما يصاحبه ويتمخّض عنه من فقرٍ وجهلٍ ومرض، على المستوى الإجتماعي. ومن تخلُّف مريع في قوى وعلاقات الإنتاج ، على المستوى الإقتصادي ، ومن قهر وطغيان على المستوى السياسي . فالقوى السياسية التى أمسكت بزمام الحكم منذ الإستقلال لم تفشل فقط في التّصدِّي لقضية التخلُّف ، بل زادتها تفاقماً واستعصاء على الحل .
    الحزب الذي نحن بصدده هو الأداة الجماهيرية المناسبة لإخراج شعبنا من وهدة التخلف، وتخليصه من براثنه ، ونقله إلى مشارف القرن الحادي والعشرين . ووسيلته في هذه النُّقلة التي تطوي العقود والحِقَب، هي التطوير العاصف لقوى الإنتاج بما فيها ، وعلى رأسها، الإنسان . وأدواته السياسية هي توظيف مكتسبات الثورة العلمية التكنولوجية بصورة واسعة وشاملة في كل الحقول الإقتصادية، زراعة وصناعة وتعليماً وصحة وإتصالات ومواصلات. وإذا كان الحصول على الاكتشاف الأخير في هذه المجالات صعبا وبعيد المنال ، فالإكتشاف قبل الأخير يكون كافياً ، وسيكون الحصول عليه ميسوراً بفضل المنافسة الشرسة بين الإقتصاديات الرأسمالية المتقدمة، التي تجعل الأخذ بآخر مقـتنيات العلم و التكنولوجيا مسألة حياة أو موت، وفي هذه المنافسة ، تصبح المعارف والتقنيات التي كانت حتى الأمس مثاراً للعجب ، قليلة القيمة جدّاً ممّا يضعها في متناول أيدينا لأنّنا نكون كَـمَـن يشتري ملابس الصيف على مشارف الشتاء! وبالعكس .

    لقد نادى حزبنا بطي مراحل التخلف عن طريق تخطِّي الحقبة الرأسمالية . وتبنَّى طريق التطور غير الرأسمالي لهذا الغرض . ومع أنّ الهدف يبقى كما هو – أي نقل المجتمع إلى مشارف القرن القادم – إلا أنّ الوسائل ستختلف ، فالتركيز الوحيد الجانب على علاقات الإنتاج سيحل محلّه تصوّر شامل يركِّز في نفس الوقت على تطوير قوى الإنتاج ، وعلاقات الإنتاج بالتالي . تُراعي فيه بِدقة المصالح الإجتماعية لكل القوى المشتركة في هذا البعث الإقتصادي الإجتماعي الحضاري الشّــامل . وفي حين يشـن هجوم كاسح على كل أعمدة التخلّف ، فإنّ كل القوى الإجتماعية القادرة على المساهمة في بناء السودان الجديد ، سيفسح أمامها المجال . وسيسمح بأشكال مختلفة لملكية وسائل الإنتاج مثل مِلكية الدولة ، الملكية الرأسمالية بأشكالها المختلفة ، والملكية التعاونية، والملكية الأُسَـرية ، والرِّفاقيات الإنتاجية التي تقيمها طلائع القوى المنتجة الأكثر تقدماً ، وذات التخصُّصات المتكاملة ، والمستويات الثقافية الرّفيعة ، ومهما كان حجمها ضئيلاً في البداية . إنّ تخطِّي أي شكل من أشكال المِلكية ليس هدفاً مُسبَقاً ، بل هو أمرٌ يتعلّق بتطوُّر القوى الإنتاجية ، وحَفْز العلاقة الإنتاجية الدافعة لتطور الإنتاج أو كبح هذا العلاقة . إنّه أمرٌ ثقافي ، بالإضافة الى كونه اقتصادياً وسياسياً . وهو لا يتمُّ إلا بِرٌضى المنتجين أنفسهم وبنضالهم . إنّ العلاقة المرفوضة ، والتي ستتمُّ محاربتها ، هي العلاقات الطُّفيلية الصريحة بأشكالها المختلفة ؛ سواءٌ كانت موجودة حالياً ، أو تتولّد في مجرى التطوُّر . إنّ هذا الطريق الذي نخطّـتُه ليس طريقاً رأسماليّاً . ولكنّه في نفس الوقت، ليس رافضاً للرأسمالية من حيثُ المبدأ . و كعلاقة واحدة ضمن علاقات أخرى ، فإنّه يستند على كل النضالات السابقة للمنتجين ، ويستفيد من ثمرات المساومة التاريخية التي أنجزوها مع الرأسمالية ؛ تمّتْ الإستجابة من خلالها لِقـَدْرٍ هائل من مطالبهم ، ممّا أعطى الرأسمالية بُعداً إجتماعيا تَـصـوَّر المنظِّرون المبكِّرون أنّها غير قادرة على تحقيقه ! . وقد تطورت قوى الإنتاج في إطار النظام الرأسمالي بصورةٍ لم يكن يحلم بها أحد ؛ وأصبح الربحُ – هذا الدافع الأزلي للإنتاج الرأسمالي – لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تنازلات حقيقية للمنتجين . وصارت العملية الإنتاجية أكثر ديموقراطية بما لا يُقاس ؛ إذا دخل المنتجون والإداريون والتِّقَنيُّون والمُستهلِكون في تحديد أهدافها ، وفي رسم كيفية الوصول إلى هذه الأهداف ، جنباً إلى جنب مع مالكي وسائل الإنتاج . كذلك ، فقد ظهرت إلى جانب الملكية الرأسمالية الكلاسيكية ، أشكالٌ أخرى للملكية مثل : شركات المُساهَمة والتعاونيات والصناديق الإجتماعية المختلفة والمتعددة والأوقاف الدينية والخيرية ، بالإضافة إلى ملكية الدولة التي توسّعتْ بصورةٍ كبيرة في كل المجتمعات الرأسمالية . بل ظهرت الملكية الجماعية المباشرة في الكثير من المؤسسات الصحفية والإعلامية وغيرها . وظهرت فئةٌ تزداد كل يوم من المالكين لوسائل إنتاجهم من " الحِرَفيين الجُدد " الذين يبيعون منتجاتهم وليست قوة عملهم ، من المهندسين والمصمِّمين والفنانين والمبدعين وصانعي الموضة ونجوم الرياضة البدنية والذهنية ..إلخ ... . هؤلاء المرتبطون بالثورة العلمية التكنولوجية ، الذين يزداد نصيبهم باطِّراد في خلق الثروة القومية . وإذا كان التخلف يحول بيننا وبين ظهور بعض هذه الأشكال من العلاقات الإنتاجية ، فإنّ التطور كفيلٌ بحلِّ هذه المشكلة . وإذا كانت الرأسمالية المحليّة سترفض الإنطلاق من هذه النقطة المتقدمة، فإنّ الصراع الإجتماعي والتدخل السياسي من قَبيل المجتمع ، كفيلٌ بأن يضع لها رأسها ، على الدوام ، بين كَتِفَيها. المهمُّ في كلّ ذلك، أنّنا لا نسعى إلى بناء دولة مطلقة الصلاحيات ، مالكة لكل وسائل الإنتاج ، ومتصرفة في كل الثروة القومية ، وحائزة على سلطة سياسية جبّارة في مواجهة مجتمع مدني مجرّد من الحقوق ، ومفتقر إلى القوة . إنّنا لا نُطابق بين ملكية الدولة والملكية العامة لوسائل الإنتاج كما حدث في التجربة الإشتراكية المقبورة . إنّنا لا نسعى إلى إقامة مجتمع ثكنات جديد ، هذه أهدافٌ قد تخطّاها الإنسان ؛ ونحن نعلم أنّ الملكية تسير بصورةٍ ، لا مَردّ لها، نحو الإصطباغ بالصبغة الإجتماعية ، ولكن هذه العملية لا تمرُّ كلها من خلال عُنق زجاجة الدولة ؛ فتطوُّر قوى الإنتاج وزيادة نفوذ المنتجين الثقافي وصراعهم الإجتماعي الذي نعمل جميعاً لجعله صراعاً ديمقراطيا ، يسيرُ بهذه العملية سيراً وئيداً وطيداً نحو غاياتها النهائية .

    4- القوى الإجتماعية التي ستُنجز هذه النقلة الهائلة وتتصدّى للتخلف بكل ثِقَله وعقابيله، هي قوى المثقفين وكلّ المنتجين والعلماء بمختلف فئاتهم ، وقوى العمّال والزّرّاع المرتبطة بالإنتاج . بالإضافة إلى الملايين من سكان القطاع التقليدي بتنظيماتهم الإجتماعية وانتماءاتهم الإقليمية والقومية . أي أنّها قوى الشعب كلِّه . وستلعب الفئات الجديدة المرتبطة بالثورة العلمية وبالثقافة في أرقى صُوَرها ، دوراً قياديّاً يتعاظم باستمرار . هذه القوى القادرة على استيعاب العملية الإجتماعية في كُلِّيتها ، والمنخرطة في أرقى العلاقات الإنتاجية والتي سيتعاظم نصيبها في إنتاج الثروة القومية باستمرار ؛ وهي القادرة على قيادة المجتمع وتسيير وسائل التوجيه والإتّصال ، وتفجير منابع الطّاقة بكل أشكالها ، والتي لا يمكن لمجتمع معاصر أن يحلم بالتقدّم دون تفجيرها . كما أنّ هذه القوى هي بوّابة المجتمع لانتشار المعلومة الصائرة باطِّراد وسيلة إنتاج أساسية ، بأنّها القوى المُشرِفة على العملية الإنتاجية في كُلِّيتها ؛ وهي القوى التي ستضطّلعٌ بتعليم المجتمع وأجياله الجديدة الطّالعة وأجياله المنخرطة فعلاً في الإنتاج . وفي عصرٍ أصبح فيه التعليم وسيلة أساسية للإنتاج وبوّابة وحيدة للتقدّم . وليست هذه نظرية جديدة للصفوة ، أو بحث معاصر عن المَلِكْ الفيلسوف ! بل هي استيعاب متواضع لطبيعة عصرنا وإلمامٌ بسيط بطبيعة قواه المنتجة ؛ وبحث حثيث عن المنافذ المفضية إلى تحريك الشعب وتغيير المجتمع ؛ والبحث جرى هنا عن المثقف الشعبي الوطني الديمقراطي المزوَّد برسالةٍ وطنية جامعة ، الشّاحذ ذِهنِه لمواجهة التحدِّيات الكبيرة ، والشاخص ببصره نحو مستقبل جديد يليق بالإنسان .

    إنّ المثقَفيـن بأوضاعهم الحالية ، ليسوا مؤهَّلين لأداء هذا الدور بكل عظمته وجلاله، ولكنّهم مؤهَّلون لتغيير أوضاعهم ، وإعداد أنفسهم من خلال جهد ذهني مشترك ، وفي إطار مشروع وطني طموح وجرئ . وعندما نقول أنّهم مؤهَّلون لإعداد أنفسهم لهذا الدّور، فنحن لا نُبَـشِّر بحتمية جديدة ، بل نشيرُ الى إمكانية واقعية ، والى فرصة تاريخية مواتية يُمكن للمـثقـفين أن ينهضوا بها ، ويمكنهم ،في نفس الوقت،أن يتقاعسوا عن أدائها ! ولكنّهم إذا تقاعسوا ، فإنّ النتائج ستكون فادحة بالنسبة لهم وبالنسبة إلى المجتمع .
    إنّ الذّهن الإنساني هو الأداة المذهلة لطي الحِقَب والقرون . والمؤسسة التعليمية هيَ الطريق القصير للعبور من عصور ما قَبْل التاريخ إلى العصر الحاضر واللحظة الرّاهنة . وفي ظل سياسة تعليمية شاملة، ومؤسسة تعليمية حديثة ومُعَدّة إعداداً جيِّداً ، ومُموَّلة تمويلاً سَخيّاً ، فإنّ أبناء الرُّعاة سيكونون قادرين على اللِّحاق بالعصر وارتياد الفضاء ، وأبناء الأُمِّيين قادرين على فَضِّ أسرار الذرّة والتعامل مع الكمبيوتر . كما أنّ المصطلين بهجير الظهيرة السودانية القاسية، قادرون على توظيف الطاقة الشمسية لخدمة تطور بلادنا ومجتمعنا وتحويلها برداً وسلاماً على المواطن السوداني.
    إنّ الدّور القيادي المأمول أن يلعب المثقّفون لا يُقلّل من أدوار الطبقات والفئات الإجتماعية الأخرى ، بل يفتح المجال واسعاً أمامها جميعاً ؛ وعلى كل حال، فإنّ مقولة المثقف ، مقولة ديمقراطية حقَّـاً ، لأنَّها مفتوحة لأبناء جميع الطّبقات ، ولأنّ إنتاج المثقف هوَ فعالية سياسية ويومية للمجتمع المعاصر ؛ كما أنّ دور القيادة في المجتمع الديمقراطي الذي نسعى لتحقيقه هوَ ، دورٌ خاضع تماماً لإرادة المجتمع، ومتوقِّف دواماً على قبوله واختياره . كما أنّ الدور القيادي يُطْرَح في إطار الإعتراف الجّهير بتنوُّع وتعددية مجتمعنا، قوميا وعِرقيا ودينيّاً وثقافيّا وطبقيّا واجتماعيّاً . إنّنا لا تُراودنا الأوهام حول إمكانية تخطِّي هذه التعدّديات بصورةٍ مُتعَسـِّفة أو عجولة ، وحين ينخرط الجميع في أنماط وعلاقات تُناسب مستوى تطوُّرهم، وينخرطون في أشكال للتنظيم الإجتماعي تُناسب مستواهم الثقافي ، فإنّه لَواقعٌ يُحْسَب لصالح المثقـّفين ، ذلك أنّ خصائصهم الأساسية هيَ خصائص متشابهة ، إن لم تكن موحّدة، وهذا يرشِّـحهم لدورٍ وطني قيادي ويجعلهم مُجَسـِّدين لوحدة المُجتمع .

    5- يؤمن الحزب في صورته الجديدة بالديمقراطية أساساً للحُكم وشريعة للمجتمع . الديمقراطية كممارسة إنسانية واحدة من حيث الجوهر، إشتركتْ كل الشعوب في صياغتها وتطويرها وإثرائها . الديمقراطية القائمة على سيادة الشعب والانتخاب العام والحُكم النيابي والتعددية الحزبية ، وضَمان الحُريّات الأساسية في التعبير والإجتماع والإحتجاج ، وضَمان حُريّة العَـقِيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وصيانة حقوق الأقلِّيّات القومية واحترام الثقافات وإحاطة الحريات الشخصية المُعترَف بها والمنصوص عليها في المواثيق الدولية ، بِسياجٍ متين من الحماية . الديمقراطية التي تحمي الحقوق الإجتماعية الأساسية مثل حقِّ العمل والعلاج والتعليم والسّكَن . الديمقراطية النّابعة من واقِع السودان، ومن تجربته القديمة والمعاصرة ، ومن تطلُّعات شعبه والمفتوحة ،في نفس الوقت، ودون تعصُّب أو حَرَج على كل منجزات الفكر الإنساني وتجارب الشعوب .

    إنّ الحزب الشيوعي الســــوداني قد قدّمَ تضحياتٍ جسيمة في الدفاع عن الديمقراطية في بلادنا ، وفي النضال من أجل استعادتها على مدى ثلاث دكتاتوريّات عسكرية . إنّ هذا الإرث المجيد يجب أن يتواصل ويزداد ؛ ولكن المفارقة هي أنّ هذا المناضل الجسور من أجل الديمقراطية كنظام يسود المجتمع ككل، يحكمه في أدائه الداخلي مبدأ غير ديمقراطي ، كما أوضحنا من قَبْل . ولا يمكن للمجتمع ،إذا كان منطقياً مع ذاتِه، أن يأتمن على النظام الديمقراطي ،حِزباً يقوم بناؤه الداخلي على مبدأ نقيض ! . إنّ ما يَضِنُّ به الحزب على أعضائه و مناضليه، لا يُمكن أن يجود به على المجتمع ؛ هذا ليس من طبيعة الأشياء . وقد آن لهذا التناقض أن يزول ، وذلك بأن يقوم الحزب على الديمقراطية وليس سواها . وهذا يعني بالنسبة لنا ، وبصورةٍ عامّة ، مايلي :

    أ-الإنتخابات الحُرّة ،السِّرِّية ، المتعددة للمُرَشَّحين ،أو القوائم ، والمؤتمرات السنوية التى تُدْخِل التعديلات الضرورية على البرنامج واللّوائح وتنتخب القيادات الحزبية والهيئات المتخصِّصة .

    ب-حق الأقليّة في تنظيم نفسها وتمكينها من نشر آرائها من جميع المنابر الحِزبية ، والدعوة لها جماهيريّاً مع التزامها برأي الأغلبية في كل المؤسّسات والمنابر الجماهيرية التي تتطلّب التصويت
    جـ- الفترة الزمنية المحددة للمسؤولية الحزبية وخاصّة على المستوى القيادي وتحديد سن التقاعد ، وضمان حق القاعدة في طرح الثقة بالقيادة ، وِفقَ قواعد دقيقة ، ومُتَّفَق عليها .

    د- نشر السلطة الحزبية على المستوى الأُفُقي بإعطاء الهيئات المتخصصة والقيادات الإقليمية والقِطاعية، صلاحيّات واسعة في مجالاتها المختلفة ومساعدتها في الوصول إلى مستوى التمويل الذّاتي لنشاطاتها .

    هـ- فتح قنوات المبادرة الفكرية والسياسية من القاعدة ، وذلك بتشجيع نشر المساهمات الآراء الفردية وتقوية وترسيخ استقلال المنابر الحِزبية وجَعل الحصول على المعلومة حول كل أوجه نشاط الحزب ، حقـَّاً مُتاحاً لأعضائه وطرح سياسات الحِزب ، ليس من خلال وثائق تتّسمُ بالعمومية والغموض، بل من خلال خيارات ملموسة، يختار الأعضاء من بينها .
    و- جَعلْ الإنجاز الفكري ، والمساهمة الفكرية ، وخاصّة في صياغة وتعميق وتوصيل برنامج الحزب، بالإضافة الى الإنجاز السياسي المتقدِّم ، معياراً أساسيّـاً في الصّعود الى المواقع القيادية ، ومحاربة العطالة الفكرية على هذه المستويات .
    ز- إســتيعاب العناصر الشابّة ، ذات المقدرات المتميِّزة ، في البِنية القيادية للحزب .

    6- إنّ الأساس الفلسفي لتوَجُّهات الحزب الديمقراطية هو إيمانه بأنّ مسائل الحُكم وتحديد طبيعة النُّظُم الإجتماعية ، وصياغة قواعد الإجتماع البشري، هي مسائل إنسانية دنيوية ، المرجع فيها هو الشعب ، والصراع حولها يُعبِّر عن مصالح إجتماعية تخصُّ الجماعات والطبقات والفئات المكوِّنة لهذا المجتمع . ولا يحقُّ لطرف من أطراف هذا الصراع أن يدَّعي أنّه مـُعبِّر عن إرادة السماء أو ممثل للإرادة الإلهية المتعالية . كما لا يَحِقُُّّ له أن يصف الآخرين بأنّهم خارجون عن طاعة الله أو ممثلون لحزب الشيطان . ومن هذه الزاوية فإنّه يتبنّى موقفاً علمانيّـاً مستقيماً – والعلمانيـّة لا تعني بالطبع ، كما يعرف كل شخصٍ مستنير وغير متحامل على الحقيقة الموضوعية وغير منخرط في وأدها، معاداة الدِّين أو استبعاده من الحياة ، إنّها ، على العكس من ذلك، تعني ضمان الحرية الدينية إعتقاداً وممارسة ، وضمان حرية الضمير وتؤمن بالمساواة بين الأديان ، وتناهض الاضطهاد الديني بكل أشكاله - إنّ الحزب العَلْمـاني يرفض تحويل الصراع الإنساني الى صِراعٍ ديني ، ويسعى الى إيجاد حل ديمقراطي لكل الصراعات ، وهو مالا يتوفّر لغير العلمانيين . أولئــك الذين يضعون أنفسهم فوق البشر ، ويزعمون لأنفسهم خصائص فوق_إنسانية ، ومُـدَّعين لذواتهم تمثيلاً فوق_إنساني .

    إنّ الحزب يناهض الدولة الدينية بكل أشكالها لهذا السبب، ولكنّه يجهد في نفس الوقت وبكلّ السبل الى التعبير عن الجوهر الإجتماعي لرسالة الدِّين ، والمتمثِّــلة في إقامة قِيـَــم الخير والعدالة والمساواة ،وإشاعة روح التكافل والتراحم واللِّين ؛ إنّه يستلهم هذه القِيَمْ ويفتح أبوابه للناس كافّة بمختلَــف انتماءاتهم الدِّينية ، ولا يُغلِق أمام أيِّ عضو من أعضائه فُرَص الصعود إلى أعلى المراتب القيادية بسبب انتمائه لهذا الدِّين أو ذاك ، أو بسبب غياب ذلك الإنتماء . كما يرعى في كل نشاطاته تيسير ممارسة أعضائه لشعائرهم الدينية . ولا يُطالب الحزبُ أعضائه بِتَبنِّي موقف فلسفي أو أيديولوجي متكامل عن الوجود . بل يُطالبهم فقط بالاقتناع ببرنامجه ولوائحه ومنطلقاته الأساسية المنصوص عليها صراحة في وثائقه المختلفة .

    7- يُشجـِّع الحِزب ويضمن حرية البحث العلمي، الفلسفي والإجتماعي داخل هيئاته المختصة ، وعلى نطاق المجتمع ككل . ويُشيع جوَّاً من الصراع الفكري الخلآق بين مختلف المدارس ، ويساهم في بناء المؤسسات التي يمكن أن تكون منابر مناسبة لمثل هذا الصراع والحوار . ويشجـع الإنتاج الفكري والبحث الفردي والجماعي ، ويسَـخِّر له كل الإمكانيات الضرورية والمتوفِّرة . عن هذا الطريق، يزيد الحزبُ إلمامه بالواقع وقوانينه وتزيد مقدرته في التعبير عن مصالح القوى التقدُّمية الصاعدة في المجتمع .

    إنّ المعارف التى تتراكم عن طريق هذا البحث الذي يتمُّ داخل الحزب، وعلى نطاق المجتمع ، هي المستودع الزّاخر الذي يغترف منه برنامج الحزب فيصبح أكثر عُمقاً وشمولاً . والجديد في المسألة، أنّ هذا لا يتمُّ بصورة تعسُّفية مُعلآة ، بل يتمُّ كعملية ديمقراطية عميقة ، ووفق قوانين الفكر في الإنتشار والتطوُّر ؛ ويُعبِّر عن تطور فكري حقيقي وملموس . وبهذا ، يتخطّى الحزب المطلب ،غير الواقعي، بأن يكون أعضاؤه من الفلاسفة في مجتمع شبه أُميِّ ، ويغلق الباب أمام ظهور الأدعياء الذين يعتقدون أنّهم مُلمُّـــون بأرقى المعارف البشرية ، لمجرّد تَــلَـقِّيهم لمحاضرة أو محاضرتين ! أو قراءتهم لبعض القوانين والمقولات ، والذين يصبحون بفضلِ هذا الإدِّعاء أسوأُ الدُّعاة للحزب ، بل وأسوأُ رُسُــلِه إلى المجتمع . ، في نفس الوقت ينفتح الباب واسعاً للقادرين على الإنتاج الفكري لينخرطوا في معرفة واقع شعبهم واحتياجاته المادّية والرُّوحية ، وقوانين تطوّره الإقتصادية والإجتماعية والثقافية . كما يتعرّفون على تُراثه وينابيعه المُلهِمة ، ويفجّرون قواه الكامنة التي تمكّنهم من إنجاز القفزة الى ذُرى العصر . وهم يستطيعون أن يفعلوا ذلك دون تصوُّرات فكرية آيدلوجية مُسبَقة ، ودون كوابح دوغمائية ؛ يفعلونه ، في نفس الوقت، مستفيدين من كل الإرث الفكري الإيجابي العالمي ، ومن كل الإنجاز العلمي والمعرفي المُعاصر ، صاعدين على القمم الفكرية التي أنجزتها أعظم العقول البشرية ومنها ، وعلى رأسها، الإنجاز الفكري الماركسي وما حقّقه من منهج علمي في الإقتراب من الواقع ، وما كشفه من حقائق إجتماعية واقتصادية وثقافية ، لا يستطيع أي مفكر جاد أن يتجاهلها وفي مقدمة تلك الإنجازات ، الإنطلاق في نشاط نظري أو عملي من " دراسة المنطق الملموس للواقع الملموس" و الإنطلاق من دراسة كل ظاهرة في خصوصيّتها الشّاخصة وتناقضاتها الداخلية وميولها المستقبلية ؛ مع الإنتباه لكل علاقاتها الخارجية في واقع وفي عالمٍ يُمَثِّل الترابط الجدلي سِمـَـة أساسية من سِماتِــه .

    8- لقد تكوَّن الحزب الشيوعي على خلفية من الرُّؤى الشاملة ، وعلى إيمان عميق بعملية ثورية واحدة تحدّد مصائر البشرية جمعاء ؛ وعلى المسؤولية الأخلاقية النبيلة تجاه الإنسانية كلِّها ، وخاصّةً ، كادحيها . وغالباً ما ينسى الكثيرون أنّ الهدف النهائي للماركسية هو الإنسان ، ليس الطبقة ولا الحزب ولا الدولة ، بل الإنسان الفرد المتحرِّر من كل هذه المؤسسات المشار إليها باعتبارها قيوداً خارجية على فعاليّته الإنسانية الحرة ، تلك التي يجب أن يُسمَح لها ان تتطوّر تطوُّراً غير محدود . إنّ هذا الهدف النهائي المتمثِّل في التحرّر الإنساني الشامل، سيبقى على الدّوام حافزاً للمسيرة الإنسانية ، ومفجِّراً للطاقات البشرية ودافعاً لتَخطِّي الإنسان لِذاته وواقِعه . ولكنّ وسائل الوصول إلى ذلك الهدف النهائي ستختلف على الدوام . بل إنّ الإنسانية ستتوقّف في كل محطة هامّة من مسيرتها الصّاعدة ، لِتُعيد النظر في الوسائل التي اعتمدتها بالأمس . وستتبنّى وسائل أكثر تقدّماً أصبح استخدامها مُـمكِناً بفضل المسافة التي قُطِعت والمعارف التي حُقِّـقَتْ والتجارب التي تراكمت . وهذا ما عَـبَّرنا عنه بأنّ كل لحظة من لحظات الإنسانية أصبحت لحظة تنظير . ولذلك ، فإنّ إضفاء أيّة قيمة مُطلقة على الوسائل، لَيـَــصْـبِحُ مسألة غير علمية ، كما أنّ الأهداف نفسها ، الإنسانية من حيث الجوهر، سَــيـَــتمُّ تعميقها وتوسيعها وتوضيحها .

    لقد تمّت صياغة المشروع الماركسي بالتركيز على لحظة التعميم النظري ، وعكس ذلك في الفكر والممارسة معاً ، وكان ذلك على حساب الخصوصية ، الأمر الذي أصاب الممارسة الثورية بأضرارٍ فادحة ؛ وتمّ التركيز على الأهداف النهائية على حساب الأهداف الجُزئية التي لا يُـمكن أن تتحقّق تلك بدونها ، وعُومِلَـتْ تلك الأهداف الجزئية كوسائل فقط ، مع أنّها تشتمل على غائيّتـها الخاصة ، التي لا يُمكن الوصول إلي غاية نهائية – إن كان ثَمّة شيءٍ كهذا- بدونــها . وقد عُومِـل البـَّــشرُ أنفسهم كوسائل فقط في كثير من لحظات التاريخ المأساوية، مع أنّ " كانط " قد حذَّر من ذلك قبل " ماركس " بكثير .

    قد استبان الآن مدى التعقيد الذي ينطوي عليه المجتمع الإنساني المعاصر ، ومدى التعقيد الذي تنطوي عليه عملية تحريره . ممّا يجعل التركيز على خصوصية الجماعة البشرية الموجودة في هذا القُطر أو ذاك، في هذه القارّة أو تلك، والبالغة مستوىً معيّناً من تطوُّر القوى المنتجة، ومن قوانين الإجتماع وموروثات الثقافة، أمراً لازماً لصياغة أيِّ برنامج سياسي أو مشروع للنهضة . كما أنّ التركيز على الجزئي وعلى الأهداف المرحلية يصبحُ من مقتضيات النّظرة العلمية ذاتها . وقد أوضحنا أن كل ذلك لا يتمُّ على حساب المشروع الإنساني العام، ولا على حساب الأجيال القادمة ؛ بل بالعكس، يضعها على قاعدة أرفع من التطور الإنساني ، ويرفع عنها عبء الوصاية الذي يصوغ لها مُسبقاً شروط حياتها ! مع أنّها أكثر قُدرة من هؤلاء الأوصياء ! . هذه الإعتبارات تُملي علينا النزول من سماوات الثورة العالمية ومآلات الإنسان النهائية ، إلى الإحتياجات الماثلة لشَعبنا ومجتمعنا ، في هذه اللحظة من التاريخ ، وفي هذه البُقعة من الأرض .

    9- إنّ الحزب الذي يتوق إليه شعبنا هو حزبُ القوى الحيّة في المجتمع من مُنتجين بأدمغتهم وأيديهم ، ومن رأسماليين مرتبطين بالإنتاج والوطن، ومن أقليّـــات قومية ودينية وثقافية ؛ هوَ قوّة إجتماعية كُبرى تواجه التخلف بكل أشكاله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، وتواجه المجاعة وسوء التغذية ،ونِسبة وفيــّات الأطفال المأساوية ، والسكن العشوائي وانعدام المياه والدواء ، وتخلُّف التعليم وتدنِّي الثقافة ورداءة المواصلات وبؤس وبدائية الكِســاء ، وتخلُّف قوانين العلاقات الشخصية ودونيــّــة المرأة . قوّةٌ إجتماعية كُبرى تغادر الهامش السياسي الى المجرى العميق للسياسة السودانية ، والمجتمع السوداني . قوّةٌ تَصِـل السُّلطة وتبني نظاماً ديموقراطياً مُعزَّزاً ووطيداً . قوّةٌ إجتماعية كُبرى وحزبٌ سياسيٌّ حديث وتقدُّمي . يتحدّث لغة الشعب، ويأخذ من كل إنجازات العصر .

    10- وكما هو واضح، فإنّ هذا الحزب لن يكون حزباً شيوعيـّاً لأنّه لا يتبنّى موقفاً آيدلوجيـّاً متكاملاً إزاء الكون، ولا يُبَـشـِّر بمرحلة معيّنة يتوقّف عندها المجتمع البشري ، ولا يرمي الى إعادة صياغة المجتمع وِفقَ مُخطَّط نظري شمولي . وهو ليس حِزباً إشتراكيا، إذا كانت الإشتراكية هي المِلكية العامّة لوسائل الإنتاج، مفهومة بأنّها مِلكية الدولة . إنّــه حِزب العدالة الاجتماعية، والتي هيَ مقولة عامة لها وجهها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي . وهيَ الجُّهد المدروس لِرفعِ كل أنواع المظالم ؛ أيّ أنّها مقولة مفتوحة ، تعطي في كل مُنعطَف، معنىً محدَّداً . إنّها تتعامل مع المجتمع كتكوين معقَّد مَـدَاخِلَ لعدالة إليه متعددة ، وليس مُدخلاً واحداً . إنّ العدالة الاقتصادية هامّة وأساسية، ولكنّ أهمّيتها وأساسيّتها لا تُقلِّل من أهميّة وأساسيّة الجوانب الأخرى ؛ كما أنّ حَلْ التناقضات الاقتصادية ، أو بعضها، لا يؤدِّي بصورةٍ تلقائية أو بسيطة، لِحلِّ التناقضات الأخرى .

    11- إنّ إقامة هذا الحزب تتمُّ بمبادرتنا ، وانطلاقاً من كل إنجازاتنا واستفادة من كل قوانا ، مع التشاور الواسع مع كل العناصر الوطنية والتقدّمية والديمقراطية والمثقفة . إنّ الانتماء إلى مثل هذا الحزب سيكون ميسوراً لكل إنسان مستنير سياسياً ؛ وسيكون بالفعل " إتّحاداً اختياريّاً لمناضلين شُرفاء واعين " أي أنّهم سيحتفظون إزاءه بقدر وافر من الحريات الخاصة والشخصية . فالإنتماء إليه ليس نوعاً من العبودية وليس بَيْعاً للنفسِ ؛ وهذا لا يُضعف روح الإنتماء، بل بالعكس، يقوِّيها ، فالحزب الذي يحفظ لأعضائه حقوقهم وكرامتهم هو الحزب الجدير بتفانيهم . هذا التفاني الذي يمكن أن يصل إلى درجة التضحية بالنفس . إنّ الإنسان يقبل الموت من أجل المبادئ التي يمثِّــلها الحزب ، طالما ظلّت هذه المبادئ تمثـِّل بالنسبة له قناعات شخصية راسخة ، وطالما ظل ينعم داخله بكرامة موفورة ، وحقوق مرعيـَّة . وفي نفس الوقت، فهو يستطيع أن يتركه دون أن تُلاحقه اللّعنات وتُـخْـتَلق له العيوب، وتُنبَش من طيـّات الذاكرة .

    الطبيعة الإختيارية لهذا الإتِّحاد ستتحوّل من نص لائحي مُجَـمَّد الى ممارسة يومية ؛ بل إنّ المرء ليتطلّع الى ذلك اليوم الذي تُقيم فيه الهيئة الحزبية المعيَّنة ، حفل شاي بهيـج لأولــئك الذين قرّروا التقاعد أو الخروج من الحزب، تُعَدّد فيه إنجازاتهم ، ويُشـَــيَّعوا فيه بدعوات النجاح في مقبل أيامهم، كما يُعِـدِّد فيه أُولــئك المتقاعدون والخارجون، التجارب التي استفادوها من الحزب ، والخدمات التي قدّمها لهم، والعلاقات والصداقات ، والأعمال المشتركة التي يمكن أن يؤدُّوها مع الحزب. وهذه ممارسة تحدث في كل مؤسسة متحضـِّرة ؛ وستنتهي بالتالي ظواهر السـِّجال المرير وال Vendetta التى غالباً ما تحدث بين الحزب والخارجين عليه .

    12- إنّ الظروف المُثلى لقيام مثل هذا الحزب، هي ظروف الديمقراطية بالطبع ؛ وهي ظروف لا تتوفَّر إلآ بإسقاط السُّلطة الحالية ، ولكن إسقاط السُّلطة يُعرقِله تماماً غياب مثل هذا الحزب، ممّا يُمكن أن يوحِي بأنّنا ندور في حلقة مفرغة! . ونحن بالطبع لا نختار الظروف التى نناضل فيها أو نمارس فيها السياسة . فقيام هذا الحزب ببرنامجه الجديد واسمـُــه الجديد ، الذي يُمكِن الإتفاق عليه، ومنطلقاته الجديدة التي يجب أن تُحـَـدَّد بِدقَّة ، وأساليبه الجديدة الفعـَّالة ، في هذا المعمعان الشرس، يُمكِن أن يعجم عُودِه ويصقله ويُعَـتِّقه ويقوِّيه ، ويجعل له بأساً شديداً .

    13- ما ندعــو إليه هو إنعقاد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي في فترةٍ لا تزيد عن عام من نشر هذه الورقة . ونعتقد أنّ كل الصعوبات يُمكن تجاوزها . تُقَــدَّم لهذا المؤتمر كلَّ التصوُّرات المطروحة، بما فيها هذا التصوُّر الذي أفَـضْـنا في الحديث عنه . وفي حالة تَبنِّي هذا التصوُّر، يُــحـَـلْ الحزب الشيوعي الســــــوداني وتتكوّن لجنة تمهيدية تضمُّ بالإضافة إلى الشيوعيين السابقين، عناصر ديمقراطية مؤثِّرة ، وشخصيات وطنية مثقَّفة ومناضلة ، يُراعى فيها تمثيل الأقليـّات القومية والعِرقيـّة لصياغة برنامج الحزب الجديد ولوائحـه واسمه ونشرِ وثائقه التأسيسية .

    14- وأخيـراً ، لقد تميَّزت كل الأحزاب الشيوعية التي انهارت، بروح المحافظة الشديدة ، والتي تصل في كثيرٍ من الأحيان إلى درجة الرَّجعيـَّة السـَّافرة . واتَّسمتْ ردود أفعالها بعدم الحساسية تجاه الشعب وتجاه الواقع وتجاه التغيير. وقد تعاملت مع الزمن وكأنّه من تراب ! . ولم تقبل الحقائق إلآ بعد أن فُرِضت فَرضــاً عليها. ولم تعترف بالوقائع إلآ بعد أن جُـرَّتْ لها ، ومناخيرها مُغلَقة وأفواهها مفتوحة . إنّ هذا الأمرُ يجب ألا يتكرّر بالنسبة لنا ، وهذه اللحظة التاريخية يجبُ ألآ يُسمَح لها بالإفلات من بين الأصابع. وذلك حتى لا نضطرُّ إلى ترداد قول الشـّاعر:
    أمرتـُــهم أمري بِمُنعَرج اللِّوى ... فَلم يستبينوا النُّصحَ إلا ضُحى الغـَـدِ ..



    إنتهت
    ديسمبر 1991م
                  

العنوان الكاتب Date
وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان Amjad ibrahim12-16-05, 10:49 PM
  Re: وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان Amjad ibrahim12-17-05, 04:59 AM
  Re: وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان بهاء بكري12-18-05, 10:44 AM
  Re: وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان Amjad ibrahim12-18-05, 05:25 PM
  Re: وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان Amjad ibrahim12-20-05, 01:39 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de