وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 07:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.امجد إبراهيم سلمان(Amjad ibrahim)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-16-2005, 10:49 PM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان

    سلام جميعا

    التوثيق لاعمال المفكرين عمل مضني و صعب و به مسئوليات كبيرة حقا، لحسن الحظ تتيح التكنولوجيا المعاصرة حلولا كثيرة و تواصلا مع محبين للفكر و مثابرين في تحصيله و تدوينه و من هؤلاء الاخوة محمد احمد ابو جودة، وعيسى عبد المنان، و الاخ معروف سند..
    الذين قاموا بطباعة معظم هذه الوثيقة و ارسالها لي عبر الايميل مما سهل ووفر على الكثير من الوقت، فلهم مني جزيل الشكر و عظيم العرفان على هذه المساعدة الكبيرة..

    وثيقة آن آوان التغيير من المحطات السياسية الكبيرة في الحياة السياسية السودانية المعاصرة.. لأنها قدمت نقدا متكاملا لتجربة الحزب الشيوعي السوداني، و قدمت اجتهادات نظرية كبيرة أدت الى احداث هزة فكرية حقيقية داخل هذا الحزب العريق، كما اسهمت ايضا في تكوين احزاب و حركات ليبرالية في الساحة السياسية السودانية بصورة عامة...

    برحيل كاتبها تكتسب هذه الوثيقة بعدا آخرا حيث يزول الشخصي حولها، و تسمو باجتهاداتها النظرية كتحدي فكري حقيقي للاتيان بالجديد.. لقد ظلت هذه الوثيقة حبيسة الورق طيلة الـ 14 عاما السابقة، و اطلع عليها عدد قليل جدا من أعضاء الحزب الشيوعي المعنيين اساسا بها، كما انها لم تصل الا نادرا للمثقفين السودانيين بصورة عامة و لقد واجهه الاستاذ الخاتم عدلان عنتا كبيرا كي ترى حيز الوجود و توزع على عضوية حزبه آنذاك..
    لا اطيل عليكم و ارسل لكم الحلقة الاولى من 6 حلقات على التوالي..
    لكم مودتي
    امجد ابراهيم سلمان
    [email protected]



    كلمة الشيوعي

    بإصدار هذا العدد ، تكون اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وبقرار منها وِفقاً للائحة الحزب، قد واصلت فتح المناقشة العامّـة حول قضايا العصر . فخلال أكثر من أربع ســنوات مضتْ ، حدثت تطوُّرات عاصفة وعميقة تغيّرت فيها الخارطة السياسية للعالم المُعاصر . إنهارت النُّظُم الإشتراكية في دول شرق أوروبا ، وانهار حُكم الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي – سابقاً- ، ونبذتْ بعض الأحزاب الشيوعية انتماءها للماركسية ، وغير ذلك من تلك الظواهر بالغة الأهمية . ولم يعُد في استطاعة أحد ان ينكر أنّ الماركسية اللينينية تمرُّ بأزمة مُستحكمة تتعلّق بوجودها وجدواها . وهذا يطرح على الشيوعيين والماركسيين في كل أنحاء العالم ، أن يشرحوا ما حدث، وأن يدرسوه ويتأمّلـوه ويخرجوا منه بحصيلةٍ نظرية تُغني الفكر الإنساني وتُضيئ مسيرة الإنسانية من أجل غدٍ لائق للإنسان ، مُفَـجِّر لقواه ولطاقاته غير المحدودة .
    إنّنــا ننشرُ في هذا العدد مُساهمة أخرى تُضاف لسابقتها التى نُشرِت في الشيوعي 156 ، وكِلاهما يُمثِّلان مساهمة شخصيـــة لكاتبيهما ولم نشـأ ان تخرج باسم هيئة حزبية قائدة حتى تكون الرسالة واضحة للجميع ، وهي أنّنا نفتح المناقشة العامّة دون ان نكون قد حدّدنا بصورة مسبقة، نتائجـها النهائية .

    إنّ قادة الحزب السياسيين ومثقَّفيــه وأعضائه ،مدعُــوون جميعاً للمساهمة المكتوبة، مقالة وتعليقا ، بدون حِجر وبحرية تامة ، دون ادّعاءات بامتلاك الحقيقة المطلقة ، ودون قفز مُفتَعل الى النتائج .مناقشــة تتميّز بالعُمق والرصانة والذهن المفتوح، مبتغاها الحقيقة الثورية دائماً وأبداً بكونها حقيقة ، حتى نصِلُ عبر عملية ، ربما تكون مُعقَّدة أو طويلة، الى رؤية موحّدة نتوجّه بها الى شعبنا كخيار قابل للأخذ والرّدِّ والإضافة والحذف والإلغاء ، قابل للنقد وقابل للنّقض، فالحُكم أوّلاً وأخيراً ، هو للشـــعب .

    سـتكون مجلة الشيوعي هي المنبر الأساسي لهذه المناقشات، ولكنّها لن تكون المنبر الوحيد . والأمر يتوقّف على حجم المناقشات نفسها. فهيئة التحرير حريصة على نشر المساهمات بمجرّد وصولها حتى تكون دراستها متزامنة أو متقاربة ؛ مع الإصرار على تذليل كل الصعوبات الموضوعية المترتِّبة على عملنا في ظروف السِّرِّية المطلقة ، ووجود سُلطة فاشية هدفها الأساسي اقتلاع حزبنا من الجذور . ونرى ان نشير الى أميز الحقائق في تراث حزبنا ، النظري والعملي ؛ وهي أنّه ستستمر المناقشة دون ان يتوقّف النضال أو يتراخى . فليس من الخيارات المطروحة ، بالطبع، القبول بالدكتاتورية أو التصالح مع الفاشيـة ، بل الأمر على العكس من ذلك تماماً . فإسقاط الدكتاتورية يزيح العقبة الكؤود التى تحول دون حوار ثَـر وشامل ، يشترك فيه شعبنا باجمعه .
    ونحن واثقون أنّ هذه المساهمة تمثِّل استمراراً للمناقشة التى استُــهِلـَّت بإصدار الشيوعي 156 وستساعد الكثيرين على بلورة أفكارهم وتسجيلها على الورق ، وإرسالها الى هيئة التحرير .

    هيئة تحرير مجلـة الشــيــوعــي
    طبعة ثانية – م.خ – هيئة تحرير مجلة الشيوعي – فبراير 1994



    آن آوان التغيير


    1- مدخل :

    مالذي حدث للشيوعيــة ؟ للأحزاب الشيوعية ، والشيوعيين الأفراد ؟ ماذا حدث لعالم بكامِله ، كان ، حتى الأمس، ملء السمع والبصر ، وأضحى أثراً بعد عين ؟ . إنهارَ انهياراً مأساوياً يُذَكِّر المرء بالقَـصص التوراتي والقرآني، حيث تختفي أقوام بكاملها من على وجه البسيطة وفي لمحِ البصر !؟ ..

    عندما بدأ شبح الشيوعية يُطارد أوربا العجـوز، ويُقلِق نومها، ويُفزِع أباطرتها وطغاتها ويُجبرَهم على الإنخراط في حِلفٍ مُقدّس. كانت قد وُلِدتْ بالفعل، واحتلّت مكانها على مسرح التاريخ ، قوّة لم يسبق لها مثيل في عُنفوانها ونُبلِها ومشروعها الإنسانيِّ الأخّاذ . ذلك المشروع الذي أراد أن يُحوِّل العالم ويجعله مكاناً جديراً بإنسانٍ جديد متعدد المواهب والمَلَكات . ينمو في جميع الإتِّجاهات، ويكون شرطاً لِـنُموِّه هذا، النُّموّ الحرّ لكل إخوته في الإنسانية .

    عندما بدأ " ماركس" و " إنجلز " يرسمان معالم المشروع الجديد، تخدُمهما العبقرية والموهبة والذكاء ، فقد إنجذبت إليه بالفعل ، وعلى طول أوروبا وعرضها، أكثر العقول استنارة ، وأكثر المناضلين شرفاً وحماسة ؛ وقد تفجَّرت في صدور الرجال والنساء أحلامٌ وآمالٌ ، وامتلأت آفاقِهم باحتمالات نبيلة وخَـيـِّرة كفيلةٌ باجتياج السـماء . وقد نشأت لتحقيق تلك الآمال والأحلام والطموحات والإحتمالات، أخَـــــويَّات بشرية، لم تكن أقلّ من تلك الأخويات التى حقّـقها الأنبياء وسط أتباعهم . وقد كانت صداقة ماركس وإنجِلز نفسَيهما ، مثالاً ساطعاً على ذلك، قلّ أن يجود الزمان بمثلِه . وقد انخرطت هذه القوى في تغيير العالم ، وتحقيق المشروع الإشتراكي، ثمّ الشروع بعده في بناء المجتمع الشيوعي ، باعتبار ذلك تجسيداً لأنبل القِيَــم التى عرفتها الإنسانية ، وباعتباره حلآ لأعقد الألغاز التى أنشأها التاريخ ، وتجاوزاً لأصعب التناقضات التى عرفتها البشرية . وقد اتـَّسـَم نضال هذه القوى بالبطولة وبالشجاعة الفائقة وبنكران الذّات والإزدراء بالمنفعة الشخصية والإستهانة بالمصاعب والأخطار .

    ورغم الهزائم والإنكسارات، التى واجهتها في بداية مسيرتها، فقد تمكّنت هذه القوى في عام 1917، في روسيا القيصرية، من الإستيلاء على السُلطة ، والشروع في بناء المجتمع الجديد . وقد تجلـَّتْ في عملية الإستيلاء على السُلطلة وفي مواجهة التدخل الخارجي والحرب الأهلية ، بطولاتٌ خارقة ، إعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء . وقد ظهرت إثر انتصار الثورة في روسيا ، بوادرٌ باهرة لإجتياح العالم بأكملِـه ، ولم يكن الإعتقاد بإمكانية وواقعية ذلك الإجتياح وِفقاً على الشيوعيين وحدهم ، بل شاركتهم فيه شعوب بكامِلها ، وارتعدت له فرائص البرجوازيين ووجَفتْ قلوبهم . ولكن! بعد الشروع في معارك الإستيلاء على السُلطة في بعض البلدان، إتّضح أنّ تحقيق الحُلم لم يكن بالسهولة التى تَـخَـيَّله بها الشيوعيون وقادتهم . وبدأ واضحاً أنّ قوى أوروبا العجوز لم تكن تنقصها الشجاعة، ولا الحَمـِيَّة والمكـر ، ولا العنفوان المُـسلّح ، وإنّ وصفَـها بأنّها قوى عجوز ، كان يحتوي على جُرعة زائدة من البلاغة الكلامية .
    عندما بدأت وقائع هزيمة الثورة في هنغاريا ، وتأجيلها في ألمــانيا، وإجهاضها في بلدانٍ أخرى، تفعلُ فعلها وتُشكِّل وعياً جديداً ؛ إضطرّ البلاشفة الى توقيع صُلح " برست ليتوفسك " ،و قبول اقتطاع مساحات هائلة من أراضيهم لصالح المعتدين الألمان . ومن شيوعية الحرب وطموح التنفيذ الفوري للبرنامج الشيوعي، تراجعوا الى السياسة الإقتصادية الجديدة التى يُمكن أن تؤدي الى بروز فئات برجوازية صغيرة جديدة في المستقبل ، تنافس البروليتاريا . وشيئاً فشيئاً ، حلّت الوقائع الصّارمة محلِّ الأحلام المُجـَـنَّـحة ! ..

    أثناء حرب التدخل والحرب الأهلية، فَنِيَ آلاف الشيوعيين ، وهلكت أقسام كاملة من البروليتاريا الصناعية . وحلَّ محلَّهم فلآحون أمِّيون وأجلاف ، لا يستوعبون المشاريع النظرية ولا يؤمنون بها . وأمسكت بمقاليد السُلطة، بيروقراطية ضخمة من قُساة القلوب ، ظلّت الهُـوَّة بينها وبين الشعب تتَســع كل يوم .وقد أدّى ذلك الى نتائج ،ليس من أهدافنا حالياً الخوض في تفاصيلها، ولا تَـقَصـِّي أسبابها، تاركين ذلك لمناسبة ، ربما تحينُ قريبا ؛ مِن هذه النتائـــج :

    *- تركّزت الثروات في يدِ الدولة فأصبحت مالكة لكلِّ شيئ ، ومتصرِّفة مُطلَقة الصلاحية في كلّ خيرات المجتمع . وكان مطلوباً منها ،مع ذلك، أن تشرع في الإضمحلال ! .. ووجدت البيروقراطية أن باستطاعتها أن تتصرّف بخيراتِ المجتمع ومصائر الناس بِحُريّة أوسع من تلك التى كانت لدى القياصرة ! فانفصلتْ عن الشعب، وامتصـَّت رحيق حياته ونكَّلتْ به .

    *_ مِن خلال عمليات تصفية نشطة إستُخدمت فيها المؤتمرات الحقيقية والمفتعلة ، تمّ القضاءُ على جميع الأحزاب الأخرى ، وسُحـِق استقلال المنظمات الإجتماعية والأهلية، وصار الحزبُ حِزباً واحداً ، الرأيُّ رأياً واحداً ، والتصـوُّر للماضي والحاضر والمستقبل تصـوُّراً ضحلاً وبائساً ! يُمثـِّلُه ويُجَـسِّده حاكمٌ مُعتل العقل كان اسمه " جوزيف ستالين " ..

    *- حَـلَّتْ سياسة الهيمنة والضمِّ والإلحاق وفَرض النماذج السياسية والإقتصادية ، بل النّهب الواضح الفظ !، في بعض الحالات، محلِّ السياسات القائمة على أخويـَّة الشعوب وحرِّيتها وحقـَّــها في تقرير المصير .

    إنّ ذلك كلّه وغيره، لم يحدُث مرّة واحدة ، ولم يحدُث دون مقاومة ؛ فَعَلى المستوى الأعلى للقيادات الحِزبية، فقدَ الكثيرون أرواحهم دفاعاً عن المشروع الأصلي . وعلى مستوى الشَّعبْ ووسط جماهير الفلآحين بصفة خاصّة، ســالَتْ دماء الملايين الذين كانوا يدافعون عن اسلوب في الحياة ، كانوا يرَونَـه طبيعيّاً وعادلاً ، خاصّةً بعد تمليكهم الأرض بعد الثورة، ولم يعبأ أحد بإقناعهم أن هناك مـا هوَ أفضل منــه .


    هذه اللمحات العابرة ، ليست محاولة لتفسير ما حدث في الإتحاد السوفييتي وغيره من البلدان الإشتراكية ، بل هي محاولة لتوضيح حقيقة ، في غاية البساطة، وهيَ أنّ أيِّ حزب يُمكن ان ينحدر من ذُرى البطولة الى سِـــفوح الإنحطاط ، ويمكن ان يتحوَّل قادته من مناضلين يقتحمــون السماء ، الى حِفنةٍ من القَــتَـلة الأشرار .

    ولكنَّ الإنحطاط الذي أصاب الحزب البلشفي تحت قيادة " ستالين" لم يكن شاملاً لكل الحركة الإشتراكية والشيوعية . فأثناء الحرب الأسبانية، وطوال الحرب العالمية الثانية، إنقدحت شرارة البطولة من جديد ولعبَ الشيوعيون ، على طول أوروبا وعرضها، أدواراً في مقاومة الفاشية والنازية ، لايمكن أن تنساها الشعوب . ولعبَ الجيش الأحمر السوفييتى دوراً في دحرِ النازية لايمكن ان تنساه الإنسانية . وقد حقَّق معجزة سحق النازية رغم أنّ قائده المعتوه! كان يُلحِق به من الخسائر والأضرار ما عجـِزَ عنه " الفيرماخت" أي، هيئة قيادة الجيش النـّازي . وقد نشأت في حماية الجيش السوفييتي ، في شرق أوروبا ووسطها، دولٌ إشتراكية على منوال المثال السوفييتي ، والذي كان قد لحِقتـه تشويهات لا تغيبُ عن العين . ومن المؤكّد ، أنّ تلك التشويهات كانت واضحة وجليـّة لقادة البلدان الإشتراكية الجديدة ، ولكنّ إمكانية نقدها وفضحها ، دع عنكَ إمكانية الخروج عليها!، كانت مُغلَقة ، حيث كان " قانون البقاء " يتكفَّل بإخراس الألسـنة . ولا يُمكن لأحدٍ أن ينكر أنّ هذه النُّظُم قد حقَّقتْ إنجازات باهرة وكبيرة بكلِّ المقاييس ، في بُلدانٍ كان أغلبها يتّسمُ بالتخلف ،ولكنّهم كانو يحققون هذه الإنجازات والنَّيْرُ الروسيُّ الفادح يثقِلُ أكتافهم !. وكنتيجة ، لامفَـرَّ منها لعملية طويلة من التدجين والإخضاع والإرهاب والإفساد والتشويــه، عبرتْ هذه الأحزاب مرحلتها البطولية الى مرحلة الإنحطاط والإذعان والمناقضة . وهل نحتاجُ لأمثلةٍ على مـا نقول؟ .. إنّ القليل منها يكفينا :
    **- في أوائل نوفمبر 1989 عاد " إيريش هونيكر " من زيارة الى الإتحاد السوفيتي ، حاول فيها " غورباتشوف " أن يقنعه بإجراء إصلاحات على غِرار البيريسترويكا . وقد رفض هونيكر هذا الأمر بازدراء ! قائلاً : إنّ نظامه لا يحتاج الى إصلاح ! وعندما سُـئِل عن " سور برلين " قال: إنّه سيظلُّ قائماً خلال السنوات المائة القادمة !! ولكن ، بعد أقلّ من عشرة أيّام، أي في 9نوفمبر 1989 إنهــار سور برلين الذي كان أوّل سورٍ في التاريخ يُقام، ليس لحماية الشعب من الغزاة، كما كان يحدُث في الصين وإسبرطة مثلاً ، بل لمنع سُـكّان الجنَّة الإشتراكية الألمانية من الهروب الى سـعير الإستغلال الرأسمالي!! ولانظنُّ أنّ " ماركس" كان من الممكن ان يحتمل مثل هذه السـُّخرية القاسية .

    **- وفي تشيكوسولوفاكيا ، سـَـيـَّرَ أبناء العُمّال والفلآحين والعُلماء ، مظاهراتٍ في 17نوفمبر يطالبون فيها بالإصلاحات الديمقراطية السياسية والأكاديمية . وقد حاولتْ الفتيات في المظاهرة أن يستَمِـلنَ رجال البوليس برشقهم بالأزهار ، ولكنّ القادة الشيوعيون ، الذين تحوَّلوا الى تروسٍ في ماكينة البيروقراطية المعزولة عن الشعب، أجابوهم بالرصاص الحي !.

    **- في ديسمبر 1989 ألقى " نيكولاي شاوشيسكو " خطاباً استمرّ ستَّ ساعات في مؤتمر الحزب الشيوعي الروماني، وقُـوطِع بالتصفيق المتواصل، والوقوف أكثر من عشرِ مرّات وأُجِيــز بالإجماع ! فَمـَنْ يجــرؤ ان يقول أنّه لا يرى الشمس في رائعة النّهار !؟. وانتُخِبَ شاوشيسكو رئيساً مدى الحياة ، وأبدى القادة السوفييت ، وعلى رأسهم غورباتشوف، إعجابهم بالشديد بالخطاب وبصاحب الخطاب، وأرسلوا له رسالة مطَـوَّلة بذلك، كانوا قبـلها بعامين، قد أنعموا عليه بِوسام " لينين " للسلام . وقد كان الشعب الروماني يشهدُ المهزلة بغضبٍ يُحرّق الأجفان ويُفَـجِّرُ البابي ؛ فقد تحوَّل قادة الحزب الشيوعي في نظرهم الى طُفيليّات جديرة بالسـحق . وعندما انفجرت المظاهرات إحتجاجاً على نفي راهب كاثوليكي، إندفعتْ السيكيوريتات، وبأوامر الطاغية ، تحصدُ جماهير الشعب بالمئات ، ولكن السيكيوريتات، وبكلِّ قوّتها وجبروتها، لم تستطع ان تحمي الطَّـاغية ! وعشيـّة أعياد الميلاد، أُعدِمَ تشاوشيسكو وزوجته ، ولم تُذرَف عليهما دمعةٌ واحدة ..

    وفي هـنغــاريا وبُـلغاريا وألمــانيا، كان الشيوعيُّون من الحِكمة بحيث استطاعوا ان ينضمـُّوا بسهولة نسبية الى الشعب، ويشتركوا معه في هدم البناء الذي أقاموه طِوال سنوات حُكمِــهم . وقبل ذلك ، في بولندا، وقفتْ الطبقة العاملة كلّها ضد السُلطة وضد الحزب ونظّمت نفسها في نقابة " تضامن " ؛ ومع ذلك لم يرَ الحزبُ أنّه كفَّ عن أن يكون حزباً للطبقة العاملة! واستعان قادته بالجيش، الذي يبدو أنّه تقمَّــصته روحٌ هيجليـّة حوَّلته الى نقيضٍ ! فصارَ هو الطبقة العاملة ، بينما أصبحتْ الطبقة العاملة نقيضاً لِذاتِــها ! . وقد كان بعض الشيوعيّون يصرخ ويقول: لن نتنازل عن شبرٍ واحد من رِقعة الإشتراكية حتى ولو كان ذلك التنازل من أجل الطبقة العاملة نفســها !! . ولم يكن استخدام الجيش ضد الطبقة العاملة وقفاً على بولندا وحدها ، فقد اسـتُـخْــدِم ضدها في ألمــانيا عام 1953، وفي المجر 1956 وفي تشيكوسلوفاكيا عام 1968 .

    هذا العبور من عصر البطولة الى عهد الإنحطاط، هل يخُـصّنا نحن في الحزب الشيوعي السوداني ؟ هل يُمكن ان يكون مصيرنا كمصيرِ الآخرين ؟ وهل سنشترك يوماً في قمع شعبنا وقهره بالسلاح ؟ وهل في مآسي الأحزاب الشيوعية الأخرى ومصائرها، شيئـاً نتعلـَّمه منها ؟ وهل في استطاعتنا أن نُديرَ ظهورنا لما حدث ونتعامل كأنّ شيئاً لم يكُنْ ؟..

    هذه هيَ بالضبط ، الأسئلة التي كتبتُ هذه الورقة للإجابة عليها ، بل إنّها كُتِبَـتْ لِتفادي مثل ذلك المصير الذي حلَّ بغيرِنا . فَثمَّة نغمة بدأت تتـّــسع الآن بأنّــنا حزبٌ من نوعٍ خاص ، لم يعرف عِبادة الفرد، ولا حَجْب الرأي الآخر ، ولا نَفي المخالفين في الرأي ؛ دع عنكَ إعدامهم . وما دامت المقدِّمات المختلفة تقود الى نتائج مختلفة ، فلا يُمكن لأحدٍ أن يتّهمنا بشيئ أو يُحاسبنا بأخطاء غيرنا . وربما يتساءل البعض : كيف يُمكن لحزب عبدالخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ ، أن يصبح كحزب شاوشيسكو ؟ .

    وليس في نيّة كاتب هذه السطور ان يكتفي بالإجابات العاطفية، أو الجُمل الطنّانة المُفجِّرة للحماس والعواطف النبيلة . صحيحٌ أنّنا حزب سودانيٌّ شديد الإعتزاز بسودانيـَّتِه ، ولكن الأحزاب الشيوعية الأخرى، كانت أحزاباً وطنية هيَ الأخرى ، شديدة الإعتزاز بانتماءها القومي من دون شك . وقد كانت لها مآثرها وتضحياتها وأبطالها وقد حاولتْ ، كما حاولنا ، أن تُخضِع الماركسية لمُقتضيات واقعها، ربما أقلّ قليلاً أو أكثر قليلاً . ولكـنّــنا ، كحزب شيوعي، لو وُضِعــنا في نفس الظروف التى وجدتْ هذه الأحزاب نفسها في خِضَـمِّها ، لفعلنا مثلما فَعلوا ، مع أنّ البصمات السودانية لن تكون معدومة .

    إنّنــا كشيوعييين ، وإذ نستندُ على الوقائع المُتـَّفق عليها ، حتى مِن قِبَل الأعداء، لَـيَــحِقُّ لنا أن نفخر بالمأثرة التى جسـَّدها على السودان، حزبُـنا الشيوعي السوداني . ولكنـَّها مأثرة قد آذنت بالإنطواء ! ويعتقد كاتب هذه السطور، أنّ سـاعة التغيير قد أزِفَتْ ، وإنّــنا إذا فَـشـَـلنا في النهوض بأعباء التغيير، فإنّ نُـبْلَ التاريخ سيتحوّل الى لؤمٍ لايُصـَدَّق . وعندما ينظرُ المرء الآن ويُجيلُ النّظر داخل الحزب الشيوعي الســوداني، فإنّه يرى مظاهر الشيخوخة قد دبَّت في كلِّ شيئ وتخلـّلت جميع الخلايا . ولكنـَّه يرى ،مع ذلك، إمكانية هائلة للنهوض بالإستناد الى جديدٍ ينبتُ بين الأنقاض، وحياةٍ تتمخَّضُ من كوم الرّماد . هناك إمكانيات حقيقية لبناء مشروع جديد، عادل وخَـيـِّر ، ولكنـَّه أكثر تواضعاً ممّا كنّا نحلم ونتمنّى ، وأكثر واقعية وراهنية ، وأكثر التصاقاً بالأرض، وأكثر اهتماماً بإنسان اليوم، وقضاياه الحقيقية ومشاكله الطاحنة وآماله القريبة، منــه بإنسان خيالي لايعدو أن يكون مقولة ذِهنية ، لاننكر جمالها ومقدرتها الهائلة على الجذب، كما لاننكر أنّها يُمكن ان تتحقّق في يومٍ قادم من أيـّام الإنسانية . ولكنـّــنا فقط، في لحظتنا هذه من الزمان ، في بُقعتنا هذي من الأرض، في مرحلتـنا هذه من تطوُّر المجتمع، نتركها للأجيال القادمة . فهيَ ، وياللأسف الشديد، ليست في متناول أيدينا ، ليست في مُستطاعنا . كما أنّ الأجيال القادمة لن تتمكّن من الوصول إليها إلآ على أساس من هذا البناء المتواضع الذي نحاول أن نُـقِــيمَـه لأنفســنا . وفي هذا مصدرٌ عميقٌ للعزاء .

    إنّني أرمي في الصفحات التالية، أن أُقَــيِّمَ إنجازات الحزب الشيوعي الســـوداني، وأُثبتُ بعض ما أضافه للحياة السياسية والفكرية والثقافية الســودانية . كما أنوي أن أُحاكِمَ بالآمال التى فجـَّرها في جوانح الناس، والمشاريع الكُبرى التى ألزمَ نفسه بتحقيقها ، وفشـَـل في تحقيقيها لمُـختـَلف الأسباب . كما أنوي أن أقول أنَّ السـَّيرَ بالطريقة القديمة ، لم يَعـُد ممكناً . فالآيديولوجية القديمة لم تَعـُد مُلهِمة للأجيال الجديدة، ولا مُفِـجِّرة لطاقاتها ، لا جامعة لِقوى التغيير . والنُّظُم الداخلية، عفا عليها الزمن، والديمقراطية يجب أن تدخل من جميع النوافذ والأبواب ، كما أنّ الوجوه يجب أن تتجـدّد .

    أنوي أن أقول : أنّ ســــاعة التغيير قد أزِفَتْ ، وأرجـــو ألآ يفـــــوت الأوان ..

    (عدل بواسطة Amjad ibrahim on 12-17-2005, 04:51 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان Amjad ibrahim12-16-05, 10:49 PM
  Re: وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان Amjad ibrahim12-17-05, 04:59 AM
  Re: وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان بهاء بكري12-18-05, 10:44 AM
  Re: وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان Amjad ibrahim12-18-05, 05:25 PM
  Re: وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان Amjad ibrahim12-20-05, 01:39 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de