|
Re: أصْدَاءٌ مِن سِيْرَةِ المَرْحُوم أَجْوَادْ وَدْ رَعِيَّةْ __كمال الجزو (Re: elsharief)
|
وَلا هَذِى .. وَلا تِلْكَ (2) بَعْضِ مِنُّوْ .. يَجْزى عنُّوْ (أ)
(2/أ/1) وجدنا ، فى الحلقة الأولى بعنوان: (أصداء من سيرة المرحوم أجوادْ وَدْ رَعِيَّة) ، نسباً يشدُّ كثيراً من مبادرات الوفاق إلى ذلك النموذج الأمدرمانىِّ القديم الذى كان يتدخل ، حسب شوقى بدرى ، فى كل مشكلة تنشب بين طرفين ، عارضاً (جوديَّته) لوجه الله تعالى ، فى الظاهر ، بينما عينه ، فى الحقيقة ، على (رياله) الخاص! لكننا وجدنا ، مع ذلك ، أن (بعض) هذه الأجندات يمكن أن يكتسب مشروعيَّة ما من كونه لا ينغلق ، فحسب ، على مصلحة (الأجواد) الضيقة ، بل ينفتح ، فوق ذلك ، بصورة أو بأخرى ، على الصالح (الموضوعىِّ) العام ، فلا تثريب عليه ، عندئذٍ ، أن ينطرح كرافعة لوحدة الإرادات المشتركة ، فى واقع محلىٍّ وإقليمىٍّ ودولىٍّ لا يعترف بالحياد (المطلق) فى صراع المصالح الطبقيَّة والوطنيَّة المتشعِّبة. ولمحنا ، من ثمَّ ، خطل الاقتصار ، فى حقل الصراع السياسى بالذات ، على محاكمة (الجوديَّات) ، وطنيَّة كانت أم أجنبيَّة ، بالاستناد ، فحسب ، إلى محض بُعدِها (الأخلاقى) ، بحيث ينصرف الناس عن طاقة (الجوديَّة) نفسها فى الوصول ، أو عدم الوصول ، بالأطراف إلى الهدف المنشود ، للانشغال بما إذا كانت تصيب ، أو لا تصيب ، (ريالها الخاص)! فهذا الضرب من المقايسات (الأخلاقيَّة) ، على أهميته ، يمكن أن يرد ، فقط ، لدى طغيان (المُضمر) على (المُعلن) ، بصورة قاطعة ، كما فى حالة (أجواد وَدْ رَعِيَّة) ، ولكنه سيظلُّ يمثل ، فى شِرْعَة الكثيرين ، ولآماد طويلة ، للأسف ، حقل عمل (المصلحين) لا (المصارعين) ، مثلما سيظلُّ ، لهذا السبب نفسه ، أكثر حقول الممارسة السياسيَّة كساداً ، لحين إشعار آخر تتقدم فيه منظومة (القيم الأخلاقيَّة) إلى واجهة المشهد! لذلك فقد بدا لنا أكثر سداداً ، فى كلِّ الأحوال ، اعتبار أن المحكَّ العملىَّ لجدوى الصراع السياسى هو مدى القدرة على سبر الجوهر الحقيقى للاستراتيجيات المصطرعة ، بما فى ذلك استراتيجيات أهل (الجوديَّات) أنفسهم ، ومن ثمَّ القدر من المبدئيَّة والواقعيَّة الذى تتسِمُ به المواقف المُتخذة ، بحيث تتبدَّى معياريَّتها القيمية من خلال الأداء العملى ، لا التعبيرات التبشيرية ، طالما أن أحداً لم يبادر بالتلويح برايات (أخلاقه) من فوق أسطح البيوت! فى ضوء هذه المحدِّدات اقترحنا التعاطى مع مبادرتى (الأجوادين) الجدد فى (ملتقى السلام) و(لجنة العشرة) ، على خلفية المنحنى الذى بلغه زحف مبادرة الايقاد ، من (مشاكوس) و(ناكورو) و(نانيوكى) إلى (نيفيشيا) مؤخراً ، بحيث أضحت نموذجاً مدرسياً (لحافة الهاوية) المفتوحة على أحد احتمالات ثلاثة: أولها وأضعفها الارتداد إلى سفح المواجهة الحربية ، وثانيها وأقواها تآكل الزمن المتاح بما يسمح (لأجوادْ ودْ رَعِيَّة) الأمريكى أن يتدخل بمشروعه البديل على طريقة (خذه أو دعه take it or leave it!) ، أما ثالثها فقائم نظريَّاًً فى أن يتبادل الطرفان ، فجأة ، من التنازلات ما يفتح الطريق أمام اتفاق سلام ما فى الدقيقة الأخيرة! وخلصنا إلى أن رجحان الاحتمال الثانى ناتج ، دون شك ، عن حالة الانهاك البادية بوضوح على جبهات القوى السياسية السودانية كافة ، مِمَّا وصفه الأستاذ نقد (بتوازن الضعف) ، وهى الحالة التى أفرزت المبادرتين المذكورتين ، فهل أىُّ منهما مؤهَّلة لتحقيق الهدف المنشود؟!
(2/أ/2) لأغراض الحصول على إجابة يقينيَّة ينصحنا البعض بالتريُّث ، ومنح هؤلاء (الأجوادين) الفرصة الكافية ، انتظاراً لما ستسفر عنه (جوديَّتهم)! هذا الرأى ، مع كامل احترامنا وتقديرنا لأصحابه ، هو ، بكل المقاييس ، من قبيل الدعوة للارتداد إلى طفولة البشرية ، كون الانسان قد كفَّ ، منذ عصور سحيقة ، عن لمس النار للوقوف على خاصيتها فى تسبيب الأذى ، وصار يستعيض عن ذلك بعمليات عقلية يجريها فى دماغه ، مستنداً إلى ما راكمته خبراته وتجاربه من ذخائر معرفية عبر مئات القرون. وفى الدياليكتيك الشعبى (الجواب من عنوانو) ، بمعنى أنه لا حاجة بك لتجريب المُجرَّب ، أو الاستمرار ، كلَّ مرَّة ، فى تقصِّى كل التفصيلات ، لأجل الاحاطة ، فى النهاية ، بالمحتوى الاجمالى أو الوقوف على الناتج المتوقع ، فلربما يفى بعض ذلك بالمطلوب ، أو كما قال المرحوم عبد الرحمن الريَّح: "بعض مِنُّو .. يجزى عنُّو"! ومن أهم ما قد (يجزى) عن أىِّ (انتظار) لا طائل من ورائه لناتج أىٍّ من المبادرتين، وعن أىِّ إهدار عبثىٍّ ، بالتالى ، للجهد والوقت وربما المال ، إيلاء القدر اللازم من الاعتبار للخلل السياسى البنيوى الذى لازم نشأة كل منهما ، من حيث الارتهان لإرادة السلطة فى التقرير الحاسم بشأن مصير الجهد المبذول ، كما فى حالة (ملتقى السلام) ، أو شبهة التجيير قطعىِّ الورود والدلالة لجهة السلطة ، فى نهاية المطاف ، كما فى حالة (لجنة العشرة) ، الأمر الذى يقدح ، منذ البداية ، فى أيَّة جدارة مفترضة فى أىٍّ منهما لبلوغ شئ ، ولو يسير ، من مطلوبات الوفاق.
(2/أ/3) ولكن دعونا ، قبل الخوض فى تفصيل ما ذهبنا إليه ، بل ولأجل التأكيد على ما ذهبنا إليه ، نستدعى خبرة (منبر السودان أولاً) الذى اختار أن يعمل فى صمت فلم ينل حظه من التوثيق ، رغم أنه يمثل ، فى تقديرنا ، مسطرة معياريَّة يجدر القياس موضوعيَّاً عليها ، ولنتأمَّل كيف (قرَّرت) السلطة مصيره ، بجرَّة قلم ، حين لم تقع على بغيتها فيه! فقد سبق أن تداعى مثقفون ومهنيُّون وطنيون ، منذ سبتمبر 2002م ، وقبل أن تكون أىٌ من المبادرتين الأخيرتين شيئاً مذكوراً ، إلى ذلك المنبر الذى كان من أهم خصائصه المائزة ، والملامح الرئيسة لمسار تطوُّره ، والمآل الذى انتهى إليه ، ما يلى: (1) بدأ المنبر بنفر قليل ، ثمَّ ما لبث أن اغتنى ، حتى صارت القلة كثرة ، بمشاركة أكثر من مئة وخمسين من حملة المعارف العلميَّة ، والخبرات العمليَّة ، فى مختلف التخصُّصات ، ومن مختلف المدارس الفكرية ، (2) أجمع المشاركون ، من خلال مُمارسة رصينة لعصف أدمغة مُتمَكِّث brain storming تصرَّمت فيه أشهر بأكملها ، على تصويب النقد المستقيم لأساليب (المصالحات) الكاسدة التى لم تزوِّدنا يوماً بعلم يفوق إهالة التراب على الجراح ، من جهة ، ولمجمل خبرة المبادرات المتراكمة ، وما احتوشها ويحتوشها من عناصر النقصان ، بما فى ذلك أكثرها ترائياً بالاكتمال ، كمبادرة (الايقاد) ، من الجهة الأخرى. (3) وخلصوا ، من ثمَّ ، إلى ضرورة الانكباب الطموح على اجتراح الأساليب والوسائل الأشبه بما يلائم المسألة السودانية ، والأقرب لإعانة المجتمع المدنى وقواه الحيَّة كافة على الانخراط ، تحت أعلى سقف ممكن ، فى عمليَّة تشريح وتبيُّن وافيين ، ومطلوبين أكثر من أىِّ وقت مضى ، لأزمات الوطن وأدوائه المستفحلة ، بما يقرِّبُ الشقة بين مختلف الرؤى والبرامج بشأن المخارج والوصفات العلاجية التى تضمن لنا ، على الأقل ، وطناً نختلف فيه بمستوى لائق من التحضر! (4) وأمَّنوا على وعى المنبر بذاته عندما حدَّدوا الاطار المفهومى لعملهم فى هذا الاتجاه ، لا كمحض (أجوادين) يلوِّحون (بحياد) مخاتل ، أو يزعمون لأنفسهم (قوميَّة) مُرائية ، بل كمُيَسِّرين facilitators يفوقون فى تأهيلهم مُيَسِّرى (واق الواق) مِمَّن تداعوا على قصعة الوطن فى منتجعات كينيا ، فانتهوا بها ، لاحقاً ، إلى كارثة (ناكورو) ، ويبزونهم عِلماً فى ما يتصل ، على الأقل ، بدقائق تراكيب قضايانا الوطنية شديدة الخصوصيَّة والتعقيد. (5) واتفقوا على أن يكون المنبر مستودع أفكار tank think يستند ، بالأساس ، إلى المناهج العلميَّة الموضوعيَّة وحدها ، بصرف النظر عن أىِّ انتماءٍ ، أو عدم انتماءٍ ، سياسىٍّ أو حزبىٍّ أو جهوى ، لأىٍّ من مشاركيه ، مع التأكيد على الانحياز الغالب وسطه إلى المبادئ التى ثبتت قيُّومِيَّتها تاريخيَّاً ، بحيث لم يعُد من السائغ اعتبارها عظمة نزاع وطنىٍّ بأيَّة حال ، والمتمثلة فى منظومة قيم الوحدة والسلام والعدالة والديموقراطية والتعدُّد. كما اتفقوا على اعتماد وسائل وآليَّات التمحيص الصبور والدراسة المتأنية لكل البرامج والأفكار والآراء ، بغية التحديد الدقيق لما هو متفق عليه ، وما هو متقارب ، وما هو مختلف حوله ، وذلك عبر المحاضرات والندوات والسمنارات وورش العمل وما إلى ذلك ، وصولاً إلى (المؤتمر الجامع)! (6) هكذا ، وعلى مدى أكثر من ستة أشهر ، انخرط المنبر فى عمل دءوب ، حيث توزع أعضاؤه على أكثر من عشرة محاور: (الاتفاق الاطارى ـ السلطة ـ الثروة ـ حقوق الانسان ـ الاطار الدستورى ـ الحكم الانتقالى ـ نظام الحكم ـ المناطق المهمشة ـ الترتيبات الأمنية ـ الضمانات ـ دارفور ـ عوامل الوحدة والانفصال) ، دون التقيُّد بمحاور (مشاكوس) وحدها ، والتى خطط المنبر لتجاوزها بجعل محاوره أكثر إحاطة بمشكلات البلاد رأسياً وأفقياً ، ودون الالتزام بقيود (مشاكوس) الزمنيَّة ، فحتى لو قيض لها أن تفضى بطرفيها (الحكومة والحركة) لاتفاق سلام ، فسوف تظلُّ جدوى المنبر قائمة بحكم طبيعة مهامه. (7) عكف أعضاء المحاور ، من خلال هذا العمل ، على ما يقارب العشرين ألف صفحة من الوثائق الأساسيَّة ، ومن مستخلصات التجارب فى البلدان الأخرى ، ومن زبدة ما راكمت العقول السودانيَّة ومنظمات المجتمع المدنى من دراسات وأبحاث فى شتى المجالات ، مستصحبين ، ضمن هذا الاطار ، كلَّ البرامج والخطوط المعلنة للحزب الحاكم والحركة الشعبيَّة والتجمُّع الوطنى ، وقاطعين شوطاً بعيداً فى رصد واستجلاء مختلف أطروحات القوى السياسية حول كلِّ مسألة ، وكلِّ قضية ، وكلِّ تفصيلة ، بالاستكتاب حيناً ، وباللقاءات المباشرة أحياناً أخرى ، بين ممثلى لجنة تنسيق المنبر ومندوبى حزب الأمة والاتحادى والشيوعى والبعث والناصريين وحق والعدالة والمؤتمر الوطنى المُعارض والجبهة الوطنية الديموقراطية (إتحاد القوى سابقاً) ، ولم ييأسوا ، إلى ذلك ، من امكانيَّة إقناع الشعبى أيضاً بجدوى التعويل على هذا الجهد ، أملاً فى تتويجه بعقد (المؤتمر الجامع) ، أو قل: (مشاكوس الأهلى) الذى يتقاصر عنه (مشاكوس الإيقاد) عمقاً واتساعاً! ( وحيث جرى الاتفاق ، ابتداءً ، على تلخيص وطرح النتائج التى يتوصَّل إليها كلُّ محور، عند نهاية كلِّ مرحلة من مراحل عمله ، أمام ندوة أو ورشة متخصِّصة بمشاركة موسَّعة ، فقد نظم المنبر ، فى مطلع أبريل 2003م ، وبنجاح تام ، أوَّل ندوة لمحور (الاتفاق الاطارى) ، أسهم فى مداولاتها ، برصانة عالية وحماس كبير ، مشاركون من داخل وخارج المنبر ، أبدوا العديد من الآراء الثاقبة والملاحظات الدقيقة ، مِمَّا تقرَّر استصحابه فى العمل اللاحق للمحور. (9) لكنَّ قراراً مفاجئاً صدر من السلطة ، صباح اليوم التالى مباشرة ، يحظر نشاط المنبر ، ويقضى على جهده المجيد بالاجهاض المأساوى!
(2/أ/4) الآن ، وبما أن الناس قد عرفوا الله بالعقل ، وليس بالعين ، فإن بمستطاع كلِّ عقلٍ راشدٍ الاجابة ، يقيناً ، على السؤال المركزى الذى نطرحه كخاتمة لهذه الحلقة قبل الأخيرة ، وكمدخل للحلقة القادمة والأخيرة ، على النحو الآتى: هل يُتوقع من الصدر الذى ضاق بمنبر (السودان أولاً) ، على ما هو عليه من رحابة ونزاهة وموضوعيَّة ، أن يتسع لأيَّة مبادرة أخرى ، ما لم يضمن أنها ستتمخض ، فى نهاية المطاف ، عمَّا يشتهى هو وحده ، أو أنها ، على الأقل ، سوف ترعى بقيدها الموصول بقبضته القويَّة وإرادته المنفردة؟!! (نواصل)
|
|
|
|
|
|
|
|
|