يا ثوار دارفور بأبوجا : لا لأي تنازل .. و ليذهب سالم أحمد سالم الي ... حيث يشاء

Quote: أ.د. حسن مكي محمد أحمد فرص الحوار المطرد: بين التفكير وسيف التكفير والسودان والإدارة الأمريكية لماذا تبدو نذر هذا الصيف قاتمة؟ بدءاً بحرب أهلية في تشاد، في ساعات تم حصد المئات في أم جمينا وكلا القاتل والمقتول مقهور ويائس ولا منتصر في صراع تشاد، الذي سيقود إلى محرقة حرب أهلية تأكل التنمية والمدارس وعائدات البترول وتزيد من قصص مآسي الحروب وتجنيد الأطفال القصر والفاقد التربوي - ويبقى الرئيس إدريس في الحكم أم جاءت المعارضة تظل تشاد والإنسان التشادي الخاسر الأكبر، والنتائج المؤكدة مزيد من الضحايا واللاجئين واتساع جغرافيا الحرب الأهلية لتصبح بحجم تشاد ودارفور. كما يشمل المشهد، مأساة أخرى، قد تنذر بعواقب، ممثلة فيما حدث في مناطق المناصير، في خلاف لا يستأهل حتى الوصول لابواب المحاكم، ولكن تزداد مساحة الانسداد في العقول، مفسحة المجال للغة العنف وماذا بعد العنف وسفك الدماء من طريق إلا طريق الحوار والاخذ والرد - ولا أدري أين ذهبت الحكمة السياسية في هذا الصيف؟ أم أنها ظلت غائبة وأن القضايا لا تحل إلا بعد سفك الدماء. وشهد المشهد السوداني، فصلاً آخر من فصول التكفير وكان الظن أن عقلية التكفير قد انتهت بإندثار جيل المكفارتية، الذين استباحوا حرمة القبور بحجة إزالة البدعية وكفروا الكثيرين من أهل السودان لأنهم اختاروا في تدينهم طبعة صوفية - وها هو المشهد يتكرر في انسداد تاريخي معلوم رفضاً للحوار أو التأمل أو التدبر. وكل خطأ في الاجتهاد عندهم زندقة أو ردة. واحتكروا وحدهم حق التفسير والتأويل. وما دروا أن ما هم علىه من التدين نسبي وإن علموا شيئاً فقد غابت عنهم أشياء. وفي ظل هذا التراشق الداخلي والخارجي والتهافت تنضج اطروحات التدخل العسكري في السودان. وفي ظل هذا الترهل الداخلي والتكلس العقلي والروحي أصبح البعض يراهن على الغرب ويعول على الفرج الأمريكي - وليس كل المعولين على الفرج الأمريكي عملاء أو زنادقة ولكنه اليأس من جذوة الإصلاح الداخلي - وكيف يكون هناك اصلاح ولا تكاد تبرز مرجعية أو رؤية لكسر الانسداد وبدلاً من هدر الطاقات في شد الحقائب إلى الخارج، هلاّ قدمنا بعض ما نقدمه للخارج لاهل الداخل. في أواخر الحقبة المهدية، زاد الاستقطاب واشتد الانسداد، حتى استجارت طائفة من السودانيين بالإنجليز والأحباش كما عبر ذلك الحاردلو شعراً وبيوت سودانية كبيرة سلوكاً ومنهجاً. وفي ظل الثقافة الاستعمارية نمت عقيدة المواطنة بدلاً من عقيدة الولاء السناري التي تطورت عند المهدي، لبيعة دينية تقوم على نصرة لدين حسب الطبعة المهدوية أو الفهم المهدوي الذي أختزل الثقافة الدينية في العقل المهدوي. وللآسف الشديد، فقد سار التاريخ والتقدم، في ركاب المشروع الاستعماري وكسب قلوب الناس. وأضطر أحفاد المهدويين لاعادة تعديل المشروع المهدوي روحياً وهيكلياً ليتواءم مع المشروع الاستعماري، الذي جاء بالتعلىم الحديث والتنمية وعقيدة المواطنة واللحاق بالمستقبل. وشيئاً فشيئاً هجر الناس الخلوة إلي المدرسة ولكن عبقرية روح سنار نجحت في بسط بعض من معاني الخلوة في المدرسة والجامعة ونمت عقيدة المواطنة على حساب الولاءات القديمة بطابعها القبلي والصوفي. إن التحديث والتجديد والتقدم من الضروريات وإلى حين من الدهر، غابت هذه المفاهيم عن الخطاب الإسلامي وطغت على هذا الخطاب قضية تدوين الدستور الإسلامي وغطس الناس في هذه القضية ووظفوها سياسياً. وحينما جد وقت القضية، لم تبرز حيثيات لتدوين دستور إسلامي، وإنما اجتهادات وتلفيقات من هنا وهناك. وفجأة غابت القضية وطغى الخلط وكثر الكلام عن الشريعة في الشمال ولكن حتى دعاة الشريعة لم يحددوا رؤية للشريعة؛ ما هي؟ هل هي الأحوال الشخصية؟ أم نظام البنوك اللا ربوية؟ أم التعلىم الديني؟ أم وضع اللغة العربية؟ الحدود؟ أم كل ذلك دون مقاربة لقضية مطلوبات التدين والظرف الموضوعي والحفاظ على الوطن كإطار موضوعي لممارسة التدين. وفي ظل هذا التشويش، برز كلام عن وضع اللغة الإنجليزية كأداة للتحديث ومن المعلوم أن الإنجليزية أصبحت سيدة لغات العالم، ولغة العلم الأولي. ولكن لا يعني ذلك أنه لا سبيل للتنمية والعلوم إلا بالإنجليزية، فالألمان أكثر تقدماً ونهضة من بريطانيا ولم يحققوا ذلك بالاندماج في اللغة الإنجليزية، وإنما يتواصلون مع الحداثة والعلوم بلسانهم. وهكذا حال الفرنسيين. والنخب الجنوبية تتحدث بالإنجليزية أفضل من النخب المصرية ولكن النخب المصرية أكثر حداثة وتصالحاً مع العلوم من النخب السودانية جنوبية وشمالية. ومن المؤكد أن سوريا المعربة أكثر حداثة من كينيا أو يوغندا، وكذلك أمر العراق - وها هي إيران تخصب اليورانيوم وتدخل نادي الصواريخ والطائرات والرادار والتنمية الاقتصادية بالحرف العربي واللسان الفارسي. ومن المحزن أن جهابذة نادي اللغة الإنجليزية السوداني لم يثبتوا أو يبرزوا جدوى ثقافتهم الإنجليزية وليتهم فعلوا علماً بأن خريجي التعريب يقودون معركة بناء سد مروي والجيل الثالث من أجهزة الاتصال وبناء الطرق والتصنيع العسكري وثورة التعلىم والتنمية البترولية. ومع ذلك، فإن النقطة صحيحة، وهي تدني المستويات التعلىمية في اللغات «العربية والإنجليزية والفرنسية» بينما إسرائيل نجحت في جعل لغة ميتة، مثل اللغة العبرية لغة علم وتواصل وأدب وفن، حتى أن عمير رئيس حزب العمل الحالي لا يحسن الكلام إلا بها - ومع ذلك إسرائيل دولة قوية ومتقدمة. ونرى عودة مباركة للغة العربية في المغرب والجزائر ومن المؤكد أن مستويات النخب هناك في اللغة العربية أفضل من حالنا بكثير ومع ذلك فإن طغيان الفرانكفونية على جامعاتهم ومعاهدهم لم تجعل حالهم التنموي أفضل من حالنا علماً بأنهم أبناء امبراطوريات ولهم قدم عريق في الحضارة بينما سودان اليوم تحالف لأقاليم ظلت هامشية، وفي قطيعة مع التاريخ، باستثناء سودان النيل الوسيط. وحتى لا يحدث خلط يمكن القول بأن الحزب الحاكم لا يؤدي دوره على الوجه المطلوب، بدليل إتساع العنف في قضايا يمكن حلها بالحوار، كما أن الحزب الحاكم لم يطور للأسف مرجعيات ورؤي حول قضايا الحكم والسلطة، لذلك يظل النادي السياسي أسيرا للحلول الأجنبية والوسيط الأجنبي. ولا يمكن فصل القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية عن العقل السياسي ومقدرات هذا العقل على الحوار واستقطاب القدرات، حتي في قضية مثل قضية انفلونزا الطيور، التي من المفهوم أن تأخذ أسبقية في بلاد العالم الأول، ولكن ليس في مثل البلد الذي تحصد الملاريا والكوليرا وأمراض التخلف الناس بالآلاف، فإن شرور انفلونزا الطيور بالمقارنة مع سجل هذه الأمراض تصبح امراً عارضاً ولا يستحق كل هذه الجلبة وربما يكون الامر اجتهادياً خاطئاً ولكن كان من المطلوب أن تناقش الدائرة الاجتماعية في الحزب الحاكم مع الشريك الآخر هذا الأمر حتى يتحدد سلم الأولويات وحتى لا تهدر الموارد مع كل صيحة ودون جدوى. يجب إلا نمل الحوار في قضايا الشرق والغرب والوسط والجنوب ويجب أن تظل رايات الحوار مشرعة، وأن تحتمل الاجتهادات وأن تعتصم بحل الداخل القائم على العقلانية والمحبة والموضوعية بدلاً من الهرولة الخارجية التي تجلب معها التبعية والهيمنة.