|
Re: رسـالـة الـغـفـران ... (Re: emad altaib)
|
ــــــــ وُلِدَ أَبُو اَلْعَلَاء أَحْمَد بْن عَبْد اَللَّه فِي سَنَة 363 ه بمعرة اَلنُّعْمَان بْن بَشِير اَلْأَنْصَارِيّ وَسَمَّى اَلْمُعَرِّنِسْبَة إِلَى هَذِهِ اَلْبَلْدَة , وَعَرَفَتْ أُسْرَته بِالْفَضْلِ وَالْعِلْم وَالْأَدَب كَانَ أَبُوهُ قَاضِي المعرة وَكَذَلِكَ جَدَهُ وَيَنْتَهِي نَسَبه إِلَى عَرَب اَلْيَمَن . لَاقَى اَلْمُعَرِّي فِي طُفُولَته عِنَايَة بِاللُّغَةِ مِنْ أَبَوَيْهِ , وَلَكِنَّ هَذِهِ اَلْعِنَايَة لَمْ تَمْنَع عَنْهُ تَصَارِيف اَلْقَدَر إِذْ أُصِيبَ بِالْجُدَرِيِّ , فَذَهَبَ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ ثُمَّ اِنْطَفَأَتْ اَلثَّانِيَة وَلَمْ يَكَدْ اَلْمُعَرِّي يَعِد سِنِي حَيَاته عَلَى أَصَابِع يَده وَيَتَحَدَّث هُوَ عَنْ نَفْسه فَيُخْبِرنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِف مِنْ مَشَاهِد اَلدُّنْيَا غَيْر لَوْن اَلْحُمْرَة , لَوْن اَلثَّوْب اَلَّذِي كَانَ يَلْبَسهُ فِي مَرَضه وَهُوَ طِفْل , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مندوحة مِنْ اَلِانْصِرَاف لِلْعِلْمِ فَأَخَذَ أَبُوهُ بِتَلْقِينِهِ اَلْعِلْم حَتَّى شَبَّ , ثُمَّ انهدم رُكْن حَيَاته إِذْ مَاتَ أَبَوْهُ وحاطته فِي حَلَب , ثُمَّ نَضِجَ عِلْمه وَاسْتَقَرَّ فِي المعرة فَتْرَة مِنْ اَلزَّمَن , وَلَمْ تَهْدَأ تَحْصِيله فِي حَلَب , ثُمَّ نَضِجّ عِلْمه وَأَسْتَقِرّ فِي المعرة فَتْرَة مِنْ اَلزَّمَن , وَلَمْ تَهْدَأ نَفْسه فَطَافَ بِسَوَاحِل اَلشَّام فَعَرَفَتْهُ أَنْطَاكِيَة وَاَللَّاذِقِيَّة وَطَرَابُلُس وَزَارَ مَكْتَبَتهمَا اَلضَّخْمَة , وَرُبَّمَا لَزِمَهَا أَيَّامًا . وَأَخِيرًا عَادَ إِلَى المعرة يَسْتَجِمّ مِنْ عَنَاء اَلرِّحْلَة , وَلَمْ نَدْرِ كَمْ بقى فِيهَا مِنْ اَلسِّنِينَ ثُمَّ تَطَلَّعَتْ نَفْسه إِلَى اَلرِّحْلَة فَقَصَدَ اَلْعِرَاق وَسَبَقَتْهُ شُهْرَته إِلَى بَغْدَاد فَأَسْتَقْبِلهُ عُلَمَاؤُهَابِالْحَفَاوَةِ وَالتَّرْحَاب وَلَقِيَ فِي مُخْتَلِف اَلْمَجَالِس اَلْعِلْمِيَّة إِكْرَامًا , و اِحْتِرَامًا لَوْلَا أَنَّهُ أُهِينَ فِي مَجْلِس اَلشَّرِيف المرتضى اَلَّذِي أَمَرَ بِطَرْدِهِ خَارِج اَلْمَجْلِس , فَجْر مِنْ قَدَمَيْهِ وَأُلْقِي فِي اَلشَّارِع هَذِهِ اَلْحَادِثَة حَزَّتْ فِي نَفَسِي اَلْمُعَرِّي وَجَعَلَتْهُ يَنْكَمِش عَلَى نَفْسه وَيَنْزَوِي فِي دَاره . وَلَمْ تُطِلْ أقامة اَلْمُعَرِّي فِي بَغْدَاد فَلَمْ تَمْضِ عَلَيْهِ سُنَّتَانِ حَتَّى عَاوَدَهُ اَلْحَنِين إِلَى المعرة وَعِنْدَمَا بَلَغَهُ أَنَّ أُمّه مَرِيضَة بِهِ لِيَكُونَ فِي قُرْبهَا , وَتَرَكَ بَغْدَاد عَائِدًا وَلَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكهَا إِذْ مَاتَتْ قُبَيْل وُصُوله وَكَانَ قَدْ بَلَغَ اَلثَّامِنَة , اَلثَّلَاثِينَ وَكَاأُمّه آخَر عِمَاد يَلْجَأ إِلَيْهِ فَرَثَاهَا أَحَرّ اَلرِّثَاء وَأَعْتَزِل اَلنَّاس وَالْحَيَاة وَالْعَامَّة , وَلَزِمَ بَيْته وَعَزَمَ عَلَى تَجَنُّب أَكَلَ لَحْم اَلْحَيَوَان وَنِتَاجه مُكْتَفِيًا بِالنَّبَاتِ , وَفِي ذَلِكَ يَقُول : - يَسُرّنِي بِلِسَان يُمَارِس لِي وَأَنْ أَتَتْنِي حَلَاوَة فَلَيْسَ وَجَاءَهُ طُلَّاب اَلْعِلْم مِنْ أَنْحَاء اَلْبِلَاد اَلْإِسْلَامِيَّة , يَتَلَقَّوْنَ عَنْهُ اَلْعُلُوم حَتَّى غَصَّتْ دَاره بِهِمْ وَكَانَ شَدِيد اَلْحَفَاوَة بِتَلَامِيذِهِ يحوطهم بِعِنَايَة وَرِعَايَته وَظَلَّ عَلَى هَذِهِ اَلْحَال إِلَى أَنَّ مَرَض , وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِنْ اَلْعُمْر عِتِيًّا و فَوَصْف لَهُ اَلطَّبِيب فَرَوَّجَا لِمَا جِيءَ بِهِ لَهُ مِيدَالْيَة ده وَهِيَ تَرْتَعِش فَمَا تَحَسَّسَهُ حَتَّى كَفّ يَده وَقَالَ اِسْتَضْعَفُوك فَوَصَفُوك هَلَّا وَصَفُوا شِبْل اَلْأَسَد ? وَأَسْتَمِرّ مَرَضه ثَلَاثَة أَيَّام قَضَى فِي نِهَايَتهَا وَدَفَنَ فِي اَلْمُعَمِّرَة وَهُنَالِكَ اِنْطَفَأَ مِصْبَاح شَعَّ عِلْمًا وَأَدَبًا وَمَلَأ اَلدُّنْيَا تَغْرِيدًا وَصَدَّاحًا إِذْ كَانَ اَلْمُعَرِّي كَاتِبًا وَشَاعِرًا مِنْ آثَاره اَلنَّثْرِيَّة " شَرْح دِيوَان اَلْمُتَنَبِّي وَاَلْبُحْتُرِيّ وَأَبِي تَمَام " وَلَهُ كِتَاب " اَلْفُصُول وَالْغَايَات " كَمَا لَهُ رَسَائِل مُتَعَدِّدَة مِنْهَا " رِسَالَة اَلْغُفْرَان " اَلَّتِي نَحْنُ فِي سَبِيل اَلْحَدِيث عَنْهَا , وَأَمَّا آثَاره اَلْمَنْظُومَة فَمِنْهَا " اللزوميات " و " سَقَطَ اَلزَّنْد " و " الدرعيات " فَهُوَ إِذَنْ مُفَكِّر وَكَاتِب , شَاعِر . وَرِسَالَة اَلْغُفْرَان قِصَّة خَيَالِيَّة فِيهَا رُمُوز وَإِشَارَات , وَفِيهَا أَحْيَانًا تَلْمِيحَات وَتَصْرِيحَات وَظَاهِرهَا جَوَاب عَلَى رِسَالَة تَلَقَّاهَا اَلْمُعَرِّي مِنْ أَدِيب حَلَبِيّ يُسَمَّى أَبَّنَ القارح وَيُسْتَعْرَض اَلْمُعَرِّي فِي رِسَالَته مَا يَتَعَرَّض لَهُ اَلنَّاس يَوْم اَلْحَشْر وَيَصِف حَالَة اَلنَّاس فَيَتَحَدَّث عَنْ اَلْمَوْقِف وَمَا يُلْقِي اَلنَّاس فِيهِ مِنْ أَهْوَال , وَتَدُور اَلْقِصَّة حَوْل علِيّ بْن مَنْصُور ( أَبَّنَ القارح ) إِذْ يَعْجَب مِنْ طُول وُقُوفه فِي اَلْحَشْر فَيَسْعَى إِلَى دُخُول اَلْجَنَّة قَبْل اَلنَّاس , وَهُنَا تَحَدُّث لِلرِّجَالِ حَوَادِث تَدْعُو إِلَى اَلضَّحِك و اَلسُّخْرِيَة إِذْ يُنَاقِش جَمَاعَة مِنْ اَلْعُلَمَاء وَالشُّعَرَاء فِي اَلْمَوْقِف كَمَا يُنَاقِش خَازِن اَلْجَنَّة وَيَمْدَحهُ بِشِعْر لَا يُفَقِّه مِنْهُ اَلْخَازِن شَيْئًا , وَبَعْد طُول عَنَاء يَدْخُل اَلْجَنَّة وَيَجْتَمِع بِشُعَرَائِهَا وَيُنَاقِشهُمْ فِيمَا قَالُوا فِي اَلدَّار اَلْفَانِيَة وَيَسْأَل كُلّ مَنْ يُلَاقِيه هَذَا اَلسُّؤَال " بِمَ يَغْفِر اَللَّه لَك ? " وَيُطِلّ عَلَى جَهَنَّم وَيَسْأَل مِنْ فِيهَا " لِمَ لَمْ يَغْفِر اَللَّه لَك ? " وَلِهَذَا تُسَمَّى رِسَالَته بِرِسَالَة اَلْغُفْرَان .
|
|
|
|
|
|