|
ونجهل فوق جهل الجاهلينا
|
يعود الصيف بلا جديد ، هو ،، هو ، صيف لاهب ، يحرق منّا الجاف والمبتل ،، يعصر أجسادنا فيخرج ماءها ، ويضربنا بشمسه المحرقة في أعناقنا ، وفوق رؤوسنا ، ثم ينفذ إلى نخاعنا ، فيصيبنا بأقصى قسوته موتا أبديا ، أو تغشانا منه رحمة فيقعدنا بالشلل أو يرمينا بالعاهة المستديمة ،، أجدادنا القدماء أورثونا حكمة غالية ، غرسوا الأشجار لتمدد ظلالها فتهزم أشعة الشمس الحارقة ، وتخفف لهيبها ، وتكسر حدة نفاذها إلى داخل أجسادنا النحيلة أصلا . ثم علّمونا أن نرش الماء على الظل ليمنحنا رطوبة وطراوة ، ويتيح لنا الجلوس هانئين للعب الطاولة أو الضمنة أو المنقلة أو السيجة أو طق الحنك أو النوم ،، لكن جاءنا مشروع حضاري ، يقول بأن الأصل في هزيمة الشمس هو التكييف ، فجاءوا بالكوريين لينشروا ثقافة التكييف بيننا ،، مكاتب مكيفة ، بيوت مكيفة ، عربات مكيفة ، لكن الكوريين يجهلون أن وجود المكيفات في بيوتنا يصيبنا بعدة أضرار : 1- في بطن كل مكيف يوجد موتور يتحرك وينفث في الجو حرارة إضافية فتجتمع حرارته مع حرارة إخوانه ، فترتفع درجات الحرارة في الجو الذي هو أصلا يحاكي النار الحامية . 2- بعض المكيفات تعمل بالماء فتؤثر على مخزون الماء المتاح لنا للشرب والتي هي أصلا شحيحة . 3- المكيفات تهدر فلا تتحمل حوائطنا الهزيلة هديرها فتتشقق الحوائط وتنهار البيوت فوق رؤوسنا . 4- ترتفع فاتورة الكهربا لمجرد وجود مكيف بالبيت حتى وإن لم يعمل المكيف مطلقا . 5- تستهلك المكيفات طاقتنا الكهربائية المحدودة أصلا ، فتتضاعف فترات الانقطاع وتضعف الإضاءة أو يعم الظلام فتصاب أعيننا بالعمى . 6- تبرّد المكيفات – حين تعمل – باطن البيت ، لكنها تلهب خارجه ، فعندما نخرج من بيوتنا تكون لسعة الشمس أقوى على أجسادنا الهزيلة . ولكن هل تحدّث المشروع الحضاري عن التكييف ، والصيف ، وانقطاع الكهرباء ، والسحائي ، وصحة البيئة ، ووفرة مياه الشرب ؟؟ لا أعلم ،، لكني أعلم أن البعض سيقول لي : لماذا تتحدث عن المشروع الحضاري وتربطه بأمور مثل هذه وأنت لم تطّلع على أدبياته وخططه واستراتيجيته ؟ أقول إن كان المشروع الحضاري قد تحدث عن هذه الأمور فإنني الآن أنبه إلى أنه لم يفعل بها إلا المزيد من الخراب ،، وإذا كان قد تجاهلها وأهملها فإني أعتبره جاهلا ، لأن هذه الأمور من صميم الحضارة والتحضر ،، قالوا أن المشروع الحضاري ينطلق من فكرة ربط الحاضر بالماضي ، ويعيدنا إلى أصولنا ، الدينية والثقافية ،، وهذا المشروع لا يعني أن التطور المادي ضرورة لابد من تحقيقها ، ربما لا تتقدم الأشياء إلى الأمام ، وربما تتراجع أشياء أخرى كثيرة ، لكن لابد من أن يكون للحاضر والمستقبل علاقة بالماضي . هذا أمر لابد منه حتى ولو كان ماضينا سيئا ، فإن مستقبلنا وحاضرنا سيرتبطان به لا محالة ، وبهذا الربط فقط نكون قد أنجزنا مشروعا حضاريا ،، قلت إذن لماذا لم يطوروا نظرية الظل والرش بالماء التي أورثنا إياها أجدادنا ؟ ولماذا تجاوزوها للتكييف مع أن سلبياته عديدة ولا يرتبط مطلقا بماضينا ؟ لماذا قطعوا الأشجار وأزالوها من شارع النيل ، ولماذا أعدموا الماء في المواسير ؟؟ قالوا أننا نعاديهم انطلاقا من جهلنا بماضينا ، ففي رأيهم أن ماضينا كان قحطا وجدبا ،، ألسنا قادمين من صحارى قاحلة لا شجر فيها ولا ماء ولا حياة ؟ ويرى أصحاب المشروع الحضاري أن حضارة الظل والرش بالماء ليست حضارة أصيلة ، إنها حضارة مكتسبة ، اكتسبها أجدادنا بعد نزوحهم الكبير ، وهم حاليا يركلون كل ما هو غير أصيل فينا ، ينبذونه ليجعلوا واقعنا يرتبط بواقع أجدادنا الميامين ،، إذن مال أجدادنا والتكييف ؟ هل كان التكييف أصيلا فينا ؟؟ أجابت أضابير المشروع الحضاري أن الكوريين واليابانيين هم أصلا آسيويون ، تماما كما أجدادنا ، لذا نجد بيننا وبينهم أمورا مشتركة من ضمنها التكييف ، أما شح الماء فهو أصيل فينا ، وسيتم القضاء على الطاقة الكهربائية لأن أجدادنا ما كانوا أبدا يشغلون أنفسهم بها .. سيقول البعض أنني أكرّس منهج معالجة الخطأ بالخطأ ،، لكني أقول لا ، ليس الأمر هكذا وإنما أنا أضع منهجا جديدا وهو منهج الجهل فوق جهل الجاهلينا ،،
|
|
|
|
|
|
|
|
|