{ ليس من المضحك أو الناقص أو الخاطىء إن هناك رجالا ونساء, فليس هذا تطورا فى البيولوجى, ولاتطورا أو تدهورا فى العقل إنه إصعاد متصل فى عملية الخلق لصناعة الروح الإنسانى الشامل} بدر الدين الديب فى عودة حرف ال ح
عصام إبن صديقتى ام الحسن- المرأة القامة التى اهدتنا والعم جبرالله بشر جميل ينتمى للحياة الأجمل ماكنت لاعجب لولا انى التقيت ام الحسن- لا اقول امى بل اقول صديقتى الحكيمة, الجميلة, النبيهة نباهة الشعر حين يتمكن فى روحها فتهدر. كان زمانا يشبه نضارة روحها, دعتنا اسرة ابو ادريس لنتعرف على بقية اسرتهم- اسرة ابو ادريس, ابناء وبنات عمة عصام لزم فى الوعى والثقافة وعشق الحياة. إمرأة جميلة تتوسط القادمين من مدنى, على يديها حملت الفجر من تلك المكتبه التى تنتمى ايضا الى اسرتها, رأيت انسانه ذكية وزكية, قرأت لنا الشعر الذى ينهمر من شلالات روحها التواقة الى الحق والعدل والمساواة. لزمن ظلت ام الحسن رباطة جأشى لاواجه قبح الواقع, ظلت شلوخها مطارقا والواحا يكتب عليها الثوار احلامهم وارسم عليها بهجة الحياة التى احب. مرّ زمنا طويلا لم التقى ام الحسن- المرأة الوسيمة العقل والروح التى انجبت للدنيا ضمن الجميلات عصام جبر الله. التقيتها والدنيا انتفاضة, لم تمنعنا حينها امتحانات الشهادة السودانية التى كنت ضمن من جلسن لامتحانها ان نشارك فى امتحان كينونتنا الاعظم, الخرطوم تعجّ بالمظاهرات وتطفح ظلم البلاد على شوارعها, خرجت ضمن بنات انتمن لفعل الانتفاض , هناك فى شارع 25 بالعمارات سمعت صوتا يهدر بالقصائد الثورية, كلمات تلامس الوجدان وتسطع فى جبين كل تواق الى التحرر من ظلم طال البلاد وعرضها, {يالصوتها لما سرى... انه صوتى انا, ذاده العلم سنا}, صوت اعرفه وتعرفه دروب الناس, كانت ام الحسن, احتضنتنى بحينة الامهات وتقدمت صفوف المظاهرة نحو الشارع الانسانى المدى. لا ادرى كم سارت اقدامنا, لم نعرف حينها وماكان مهما ان ننتبه لتفاصيل ذاتية, ولم تنسى ام الحسن ان تنبهنا ان نعود الى الداخلية لنذاكر, فكانت الماده الاخيرة التى بنهايتها نكمل انجازنا, واتفقنا ان نلتقى فى ذات المكان بعد نهاية الامتحان وقد حدث, اذكر يومها ان الهدير فى قمة الانتشاء, انتشاء من حسّ الحياة بعد موات طويل, جبنا شوارع العمارات والديم, فى بيت فى حى الزهور خرجت امرأة بذات المطارق وقدمت لنا الماء, بخرطوش ضربت به الدكتاتورية ظهر البلاد فتحت نوافيرها فى وجوهنا لنغسل عيوننا من غازات الكراهية المسيله للحماس والتقدم الى الامام- ام الحسن تهتف لن نتراجع, ستعود يا اكتوبر وننطلق من جديد, يالجمال هذه المرأة التى انجبت عصام جبر الله الذى أحب. فى سوق الخرطوم وقعت فى يد عسكرى, صرخ فى وجهى وتجشأ ايضا ظلم الحكام له, تجشأ صمته ونزاعه الداخلى وهو يقودنى بعنف الى حيث يقف {كومر} كدسوا فيه بنات واولاد شموع والكل يدعك فى عيونه , هدرت ام الحسن بقصيده- قالت له تعال ياحشا البلاد وانضم لهدير العباد, وارتخت يد العسكرى عنى, وقف ولمعت عينيه, رأيت فيها عودة الابن الضال. يومها اهتمت ام الحسن ان نجد وسيلة لشراء حذاء لىّ بعد ان فقدت حذائى البالى فى المظاهرات, ضحكنا يومها واقدامى منتفخة وصوتى كصوتها مبحوح, ضحكنا على شكلى, حافية ولابسة توب ابيض بالتاكيد ليس ملكى. لم نجد محلا لنشترى ما اصرت ام الحسن عليه وذهبت الى الداخلية حافية ومكسية بالوعد الجميل- موعدنا مع الانتصار. كان فعلا انتصارا, انتصارا للبلاد, تكدسنا يومها فى شارع المستشفى فى الخرطوم, الغاز المسيل للدموع اصاب العديد والعديدات بالاختناق, العامل بالمستشفى يفتح ايضا كتلك المرأة بحى الزهور نوافير الماء, تتلقفه ام الحسن كابنها, بلت طرف ثوبها وصارت بين الجموع تبلل للبنات فى عيونهن, نظرت الى عينيها فما رأيت سوى الدمع مدرارا, كانت تبكى نشوة الانتصار. فى الميدان الشرقى فى جامعة الخرطوم- ذلك المشهد البديع التقينا- تعانقنا وبكينا وضحكنا, كنت بلا صوت, {قرشته الهتافات} فانجبت للبلاد انتفاضة اكثر مجدا, انتفاضة كانت ام الحسن من صانعاتها, فى تلك اللحظة الحاسمة التى انفلتت فيها السلطة من ايادى النظام, فى شارع النيل وكنا قد تمرسنا على القفز سريعا فى اقرب عربية تكدس فيها الناس شيبا وشبابا, وجدتنى فى الواجهة وكان وجه ام الحسن طبل الحماس, {يا ام ضفائر قودى الرسن واهتفى فليحيا الوطن}. فاضت ام الحسن فى روحى وانا اشاهد فى شريط الانتفاضة الذى بثة التلفزيون, رأيتنى بنية يافعة فى ذلك الزمان ولم تكن لىّ ضفائر وكان شعرى الآفرو ضفائر الحلم التى مشطتها ام الحسن فى شجر النيم الراقد على ضفاف النيل. ام الحسن التى لم يشغلها يومها كام ان نتنبه للسؤال عن الاخبار التى تقاطرت الى اسماعنا عن بناتها الجميلات وعصام الأجمل, من كانت معتقلة, ومن كان محتجزا ومن كانت وسط الجموع تهدر. ام الحسن مشغولة كانت بتظريز الامل فى قلوب الجموع, مشغولة بترطيب العيون من الغاز المسيل للدموع, مشدودة كانت للشعر الذى تفيض به كنهر رحيم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة