سباحة حرة في نهر عطبرة (مصطفي البطل)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-11-2024, 09:07 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-18-2008, 04:26 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سباحة حرة في نهر عطبرة (مصطفي البطل)

    سباحة حرة في نهر عطبرة (١

    http://www.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=3585



    مصطفي عبد العزيز البطل

    [email protected]





    أجد لزاما عليّ ان اقف بك وقفة قصيرة عند مقدمة هذه السلسلة لاهمس في اذنيك بكلمات عجلي عسي ان استبق بها أي خاطرة سالبة قد تقفز الي ذهنك ربما تأذت منها صلة الود المتبادل بيننا ايها الصديق الصدوق، كأن يتراءي لك ان كاتب السطور قد استملكه العُجب و تلبسه الوهم فامتطي حصان الغرور و تصور نفسه واحدا من ثلة العظماء الذين ينتظر منهم الناس ان يدونوا وقائع و ذكريات حياتهم في طروس مكتوبة يتداولها القارئون فيتعلمون و يتأملون ثم يستلهمون المعاني، شأنه في ذلك شأن العميد طه حسين ومن لف لفه من أقمار العرب المنيرة. و حتي لا يكون ذلك مما اخشاه فيفسد ما بيننا فانني انبئك في غير ابطاء ان الكتابة عن مدينة عطبرة و بعض صور تاريخها الاجتماعي و السياسي من منتصف الستينات الي منتصف السبعينات لم يجُل لي ببال قط الا بناء علي نصيحة من اخينا عادل الباز الذي أهمّه مُصاب مقالاتي الفادح خلال الاسابيع الماضية، بعد ان حالت بينها و بين وصولها اليك عوارض تعرفها واعرفها. و كان عادل قد اقترح عليّ ساخرا باديء الامر ان اتفادي تلك العوارض و اتخطاها بأن اقلع عن معالجة (القضايا السياسية) جملة واحدة وان أتجه الي الكتابة في (الموضوعات الدينية)! و قد ذكرني مقترحه هذا قصة لطيفة طريفة بطلها الاقتصادي و الصحافي المعروف الاستاذ محجوب عروة، فقد تقدم عروة في بدايات التسعينات و الانقاذ في عنفوانها بطلب لاصدار صحيفة دينية، و كان القانون يحظر اصدار صحف سياسية ويجيز اصدار الصحف المتخصصه من رياضية و فنية و دينية، فسارعت السلطات باجابة طلبه. و ما ان تسلم محجوب التصديق حتي قام باصدار صحيفة باسم (الحوار)، و لكنها خرجت الي الناس في صبغة سياسية شاملة ككل الصحف السياسية تحمل الاخبار و المقالات و الاعمدة التي تتصدي للهم العام، فلما رأت السلطات ما كان سارعت باستدعائه لمواجهته بالمخالفات الجسيمة التي وقع فيها، وهناك كان السؤال: " ما هذا الذي فعلت، اعطيناك تصديقا لصحيفة دينية و لكنك اصدرت صحيفة سياسية"، فرد ( الاسلاموي) المحنك علي مستجوبيه الذين يعرفهم حق المعرفة، كونه تربي معهم في نفس المدرسة الفكرية و التنظيمية: " و لكنكم طالما علمتمونا ان الدين والسياسة لا ينفصلان و ان من يقول بذلك الفصل انما هم العلمانيون و الملحدون و الكفرة، فهل تحولتم الي العلمانية ام تبين لكم ان الدين و السياسة يجوز لهما ان ينفصلا عندما نصل الي السلطة"! و باقي الرواية اصبحت جزءا من تاريخ الصحافة السودانية فقد تم سحب التصديق وايقاف صحيفة ( الحوار) التي خالفت القانون بأن جمعت، جمعا غير محمود، بين الدين و السياسة! و زبدة الكلام و منتهاه ان عادل، الذي تربطه مثلي بمدينة عطبرة صلات واشجة، وقد عاش في عرصاتها أحقابا وريفة فأكل من ( فولها ) وعدسها و بصلها وبقلها و قثائها، و التهم باسطة اسطواتها عبدالفتاح الحلواني و سليمان اباظة المميزة السداسية الاضلاع، عاد فاقترح عليّ ان اخصص بعض الحلقات عن حياتنا في مدينة عطبرة ووعد بان يضيف هو من عنده الي (فول) الحلقات، بعد انجازها ان شاء الله، بعض " التوم" و " الشمار"! فانا اسبح اذن في نهر (العطبرة)، ايها العزيز الاكرم، لا لشئ الا لأن السباحة في نيل (الخرطوم) لم تعد مأمونة العواقب خاصة بعد ان كثرت حوادث ظهور التماسيح علي ضفتيه. و في ذكائك بقية الكلام!



    عاش والدنا المغفور له عبد العزيز البطل في نفس منزل السكة الحديد الحكومي منذ تاريخ زواجه في سن الحادية والعشرين و حتي تاريخ مغادرته عطبرة و هو ينهد صوب الستين. و كان يقال عن منازلنا ( بيوت الموظفين) وعن المنازل الاصغر التي تجاورنا ( بيوت العمال). و عطبرة في البداية و النهاية هي عمال و موظفين و سكة حديد. حياتها تدور حول السكة الحديد وجودا و عدما كما تدور العلة مع المعلول عند علماء اصول الفقه. و قد بدأت التعرف علي شخوص المدينة و قسَماتها في حوالي منتصف الستينات من خلال نافذة بص مدرسة الكمبوني الذي كنت استقله كل صباح بعد ان ارتدي الملابس المدرسية المميزة بعد ان انتظمت في الصف الدراسي الاول مع زمرة من ابناء الموظفين. و هناك رسخت في ذهني صور المدرسات في زيهن الابيض المميز و آلة البيانو الضخمة التي تصدر تلك الموسيقي المنعشة الجميلة عندما تعزف عليها المدرسة-الراهبة، وانواع من البسكويت كانت تمر علينا به الراهبات ذوات البشرة البيضاء الممعنة البياض و نحن منتظمون في مقاعد الدرس. ولكن الله لم يقيض لتلك التجربة المدهشة ان تضطرد وان تصل الي نهاياتها الطبيعية فقد كانت الضغوط تمارس علي الوالد تستحثه علي انتزاعي من تعليم الراهبات الارسالي الخاص و الحاقي بالتعليم الحكومي العام فرضخ اخيرا لتلك الضغوط. عرفت ذلك عندما اظلني صباح اغبر لم ار فيه ملابس الكمبوني الافرنجية معدة لارتدائي كما هي العادة، بل طلب مني ارتداء جلباب ابيض و اصطحاب والدي الي مدرسة اخري، و هكذا وجدت نفسي داخل مبني مدرسة الشمالية الاولية بحي الداخلة. كان الاختلاف بين البيئتين واسعا شاسعا. أكثر ما روعني وزلزل كياني كان منظر معاقبة المدرسين للاطفال بالضرب المبرح علي مؤخراتهم بالسوط و العصا ولم اكن قد رأيت عند الراهبات سوطا او عصا. غير ان اكبر تحدي واجهته في بيئتي الجديدة تلك، و قد ارهق عقلي ارهاقا شديدا، كان هو ذلك التمييز الفاقع بين (اولاد العمال) و ( اولاد الموظفين)، وذلك امر شرحه يطول.



    لامر ما كانت اللغة العربية من اكثر المواد التي اتقنتها مع بداية عهدي بالتعليم المنظم. و مثل كثير من لداتي تطورت القراءة عندي تطورا متدرجا من كتب (حسن البطل ... حسن ولد العرب) و ( احمد القرشي في المستشفي) في مبتدأ المرحلة الاولية، الي مجلات سمير و ميكي للاطفال، ثم الارتقاء النوعي الي مجلة ( العربي) التي كانت تصدر من الكويت، ثم الي كتب مارغريت ميتشل و فيكتور هوغو و البير كامو التي وفرتها مكتبة البلدية و المركز الثقافي الاجتماعي بحي السودنة، واخيرا الكتب و المطبوعات الماركسية التي كان يدلني علي طريقها عبدالله القطي و صلاح حسن في نهاية محاضرات الديالكتيك و ما أشبه و التي كانا يبذلانها لخليتنا الصغيرة من طلاب مدرسة عطبرة الثانوية الحكومية. غير ان المادة الاساسية التي دأبت علي قراءتها بصورة يومية شديدة الانتظام عبر جميع المراحل الدراسية ابتداء من المرحلة الاولية و انتهاء بالثانوية كانت هي ( البولتين) او (نشرة البولتين). و البولتين كلمة انجليزية يمكن ترجمتها هي نفسها ترجمة مباشرة الي كلمة ( نشرة ) العربية. و كانت الكلمة تطلق علي النشرة الورقية التي يصدرها يوميا قسم العلاقات العامة بمصلحة السكة الحديد، وهو قسم كان يشرف عليه شخص اسمه حامد احمد حمداي. واعتقد انها كانت توزع مجانا بدليل انني كنت اشاهد الغالبيه العظمي من الموظفين متوجهين الي منازلهم في نهاية اليوم وهم يحملون في اياديهم نسخة منه.



    في سنواتي الاولي لم اكن اعرف غير البولتين الذي كان يحضره والدي معه عند عودته من العمل بعد ظهر كل يوم بالاضافة الي مجلتي (سمير) و (ميكي) الذين كان يأتي بهما في يوم معلوم من ايام الاسبوع فان تأخرت ركبت دراجتي و اتجهت رأسا الي مكتبة دبورة حيث يتم التحقق من الاشتراك و من ثم تسليمي نسخة من كل واحدة من المجلتين اللتين اخذتا موقعا حيويا في حياتي و لعبتا دورا محوريا في تطوري الثقافي. الا ان الدور الاقوي و الاكثر تأثيرا، كما اسلفت، كان لنشرة البولتين. ولولا الخجل و الخوف من ان ارد بنفسي موارد السخرية لكنت مستعدا لمجاراة مقولة ثيودور ديستوفيسكي الشهيرة: (كلنا خرجنا من معطف غوغول) بالقول أنني خرجت من "بولتين" حامد حمداي! و العجيب ان هذا البولتين كان يخرج يوميا في لغة اقرب الي الركاكة وكانت موادها مكرورة تكرارا مملا الي اقصي حدود الاملال، وتشتمل علي مواد مختلفة تغلب عليها المواد الاجتماعية كأخبار ترقيات الموظفين و بعض رؤساء العمال وتنقلاتهم ووداع المغادرين منهم الي مناطق عمل اخري او الي المعاش. و اخبار زواج الموظفين ونجاح ابنائهم وبناتهم في المدارس وانجابهم للاطفال، بالاضافة للاخبار السيئة كالوفيات ولزوم اسرة المستشفيات و اعلانات شكر للذين تكرموا بالتعزية وحضور ليالي المآتم، ثم اعلانات شكر من بعض المرضي الذين استردوا عافيتهم ينوهون بفضل الاطباء المعالجين والممرضين. و هناك اخبار الرياضة و المناشط الثقافية والفنية و في مقدمتها اخبار " دار الفنون" بحي الفكي مدني، بالاضافة الي اسماء الممثلين و عناوين الافلام المعروضه في دور السينما الثلاث: السينما الوطنية، السينما الجديدة، والسينما الجمهورية. و تجد في البولتين ايضا اعلانات عن بيع انواع من الفواكة من منتجات حدائق السكة الحديد و بصفة خاصة الغريب فروت واليوسفي واسعارها واماكن التوزيع والاستلام. و ذلك فضلا عن مواد اخري كالتنويهات عن معارض الزهور و العروض المجانية لفرقة بوليس السكة الحديد الموسيقية. الي جانب اعلانات بعض المحال التجارية مثل (مخازن سابا) و (مخازن حبيب بسطا) و (محلات فهمي ميخائيل) و ( محلات ابوعركي لتطريز الثياب النسائية) و غيرها عن البضائع والمعروضات الجديدة مشفوعة بعبارات مثل: " شرفونا تجدوا عندنا ما يسركم باسعار لا تقبل المزاحمة"، و قد استغرقت عبارة " لا تقبل المزاحمة" مني زمنا طويلا لاستيعابها و فهمها. و بالطبع لم يكن البولتين ليخلو من انباء الليالي السياسية المبرمجة و اسماء المتحدثين الذين يحضرون خصيصا من الخرطوم لهذه الاغراض، و من هؤلاء بعض الرموز السياسية الساطعة مثل نصر الدين السيد، احمد زين العابدين، عبد الخالق محجوب، الشفيع احمد الشيخ، و احمد سليمان و غيرهم.



    و اذكر انني كنت اقرأ ذلك البولتين بعد ظهر كل يوم سطرا سطرا و كلمة كلمة بالتزام تام كما يقرأ الانصار المخلصون كل ليلة راتب الامام المهدي. وفي سن مبكرة كانت لدي ملاحظات نقدية كثيرة علي اسلوب تحرير تلك النشرة و الاخطاء التي تشوبها. وكنت عند السنة الثالثة ( الابتدائيه) قد اصبحت رئيسا لتحرير الصحيفة الحائطية الخاصة بالفصل و اسمها ( البراعم ) التي كانت تعتبر بشهادة عدد من المعلمين افضل بكثير من ( الجيل الصاعد) صحيفة السنة الرابعة. و لكن صحيفة السنة الرابعة تطورت بعد وصولي اليها، وكانت من اعظم انتصارتي الصحفية اثناء رئاستي لتحريرها ذلك اللقاء الذي اجريته مع نجم نادي المريخ الاشهر ( ماجد) عند زيارته للمدرسة بدعوة من ناظرها الاستاذ حسن سيد احمد بتيك. و قد كان ذلك الارتباط بالصحافة المدرسية من اسباب استطراد اهتمامي بالبولتين و مواده و كيفية تحريره. و الحق ان مسألة الاسلوب و اللغة المستخدمة لم تكن كلها شأنا خاصا بمحرر البولتين فالواقع ان كل المواد المنشورة كانت عبارة عن اعلانات او تنويهات او مواد من شاكلة ما اشرنا يكتبها الموظفون بانفسهم و يسلمونها للمسئول عن التحرير الذي يقوم بدوره بارسالها لمن يتولون طباعتها و ادارتها بعد ذلك علي ورق الرونيو. و كانت هذه المواد تصاغ باسلوب موحد لا يتغير مثل خط السكة الحديد. فعلي سبيل المثال كانت المواد المتعلقة بالوفيات يتصدرها اما ببيت شعري او آية قرآنية، و لم يكن البيت الشعري او الاية يتغيران قط. و قد كانت هذه الاية تكتب بصورة خاطئة لسنوات طويلة حتي قام احد الموظفين بارسال خطاب يصحح الخطأ، اذ كانت ترد هكذا: ( والصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون) و صحتها بالطبع ( و بشر الصابرين...). اما البيت الشعري الذي كان يظهر بثبات مضطرد في مقدمة غالبية مواد النعي و الرثاء وكأنه مقرر دراسي رسمي فهو: ( كل ابن انثي وان طالت سلامته / يوما علي آلة حدباء محمول ). والغريب ان هناك بيت شعري اخر كان يظهر في مقدمة المواد المشتملة علي تنويهات و تهانئ ولادة الاطفال كما يظهر في ذات الوقت في مقدمة تنويهات و تهانئ نجاح الابناء في المدارس و انتقالهم بين المراحل، يقول البيت: ( نعم الاله علي العباد كثيرة / و أجلهن نجابة الابناء )، و كنت اري في ذلك امرا مدهشا، ولكن من الواضح ان البعض كان يفهم كلمة ( نجابة ) الواردة في البيت بمعني الانجاب اوالولادة، بينما فهمها الآخرون بمعني التفوق الدراسي! و كانت للتهانئ الخاصة بترقيات الموظفين ايضا اسلوبها شبه الموحد الذي لا يطاله التغيير فكنت في الغالب اقرأ موادا من نوع ( علي ربوة خضراء من ربي الخدمة المدنية تمت ترقية الزميل فلان بقسم المخازن الي الدرجة جي). و الدرجة (جي) درجة مرموقة يشغل صاحبها وظيفة رئيس كتبة و تعلوها الدرجة (اف) و هي مرتبة " باشكاتب "، و تكتسب الدرجة اف اهمية خاصة كون ان من يصلها يكون مستحقا لتصاريح السفر بالدرجة الاولي في قطارات السكة الحديد. اما الترقيات للدرجات القيادية فانها في اكثر الاحوال تتضمن تلك الجملة الشهيرة الكثيرة التكرار ( ان فلانا لا يُهنّأ بالترقية و انما تُهنأ الترقية به). و كانت تنويهات و تهانئ الخطوبه و الزواج تأتي بدورها في صياغات متشابهة من شاكلة: ( تم عقد قران الشاب الوجيه فلان من قسم هندسة السيمافورات علي ربة الصون و العفاف فلانة من قسم الكنترول.)



    من عجائب تصاريف القدر ان ذلك البولتين شكّل في يوم ما دليل الادانة الوحيد ضد نائب مدير عام مصلحة السكة الحديد و تسبب في اعتقاله و فصله من الخدمة و حرمانه من المعاش. و الذي حدث هو ان موظفا ذهب الي المشرف علي تحرير البولتين بقصيدة تعرّض بالرئيس جعفر نميري و تسئ اليه، وذلك بعد انقلاب الرائد هاشم العطا في يوليو ١٩٧١ مباشرة، و لكن المشرف رفض استلامها لان موعد استلام المواد و هو الثانية عشر ظهرا كان قد فات، ولم يعجب الموظف ذلك الموقف فذهب شاكيا الي نائب المدير العام محمد عمر ميرغني ( و كان الاخير في بعض الروايات شيوعيا وثيق الصلة بجناح عبدالخالق محجوب) فكتب نائب المدير العام بخط يده و توقيعه و علي ورق مكتبه الرسمي توجيها بنشر القصيدة فورا، و قد تعطلت طباعة البولتين في ذلك اليوم بعض الوقت نتيجة للتأخير الناجم عن الاصرار علي نشر القصيدة و توجيه نائب المدير العام في هذا الصدد. و لا زلت اذكر البيت الاول من تلك القصيدة بعد مرور سبع و ثلاثين عاما علي نشرها وهو: ( نميري يا نمر الورق / كم مرة حذرناك ). و الذي حدث بعد ذلك من اندحار انقلاب الرائد هاشم العطا و عودة النميري للحكم مما معلوم للكافة بالضرورة. و قد قام المشرف علي تحرير النشرة لاحقا حين وصلت التحقيقات حول المواد المنشورة خلال ايام الانقلاب الي عتبة مكتبه بابراز التوجيه المكتوب من نائب المدير العام، و ما هي الا سويعات حتي صدر قرار عزل النائب و اقتيد مخفورا الي معسكر سلاح المدفعية حيث اودع جميع الشيوعيين الذين تم القبض عليهم بتهمة تأييد الانقلاب. و يبدو لي ان الرئيس السابق جعفر نميري كان يعرف نائب مدير السكة الحديد هذا معرفة شخصية و انه لم ينس موقفه المساند لهاشم العطا ابدا برغم تطاول السنين. و برهان ذلك ما كان منه عندما رُفع اليه التماس باعادة و تسوية و تحسين المعاش الخاص بالرجل. و كان استاذنا حسين صديق الامين العام لمجلس الوزراء في مبتدأ الثمانينات، و الذي تربطه فيما يبدو علاقة ما بنائب مدير السكة الحديد المعزول اذ ينحدر كلاهما من منطقة القولد، قد بادر باعداد مذكرة خاصة يلتمس فيها الاذن بتسوية معاش الرجل ثم رفعها للرئيس نميري علي ظن ان الرئيس لن يتنبه الي الاسم او انه ربما نسي واقعة قصيدة البولتين من اساسها بعد مرور اكثر من عشرة سنوات عليها. و كنت في ذلك الزمان المفتش المسئول عن اعداد ما كان يسمي ب ( صحيفة يوميات رئيس الجمهورية) فأدرجت المذكرة في قعر صحيفة اليوميات وكان الظن الا يتنبه اليها الرئيس و ان يؤشر كالمعتاد بكلمة (علم ) في اعلي الصفحة الاولي دون قراءه المذكرات. ولكن وخلافا للتوقع فقد عادت المذكرة المتضمنة للالتماس و عليها تأشيرة الرئيس مما يدل علي انه فتحها و قرأها، و قد كتب في قلب الصفحة بقلمه الاسود و بخط كبير: ( و لا مليم ) مشفوعة بتوقيعه ( نميري)!
                  

العنوان الكاتب Date
سباحة حرة في نهر عطبرة (مصطفي البطل) abubakr06-18-08, 04:26 PM
  Re: سباحة حرة في نهر عطبرة (مصطفي البطل) abubakr06-18-08, 04:27 PM
  Re: سباحة حرة في نهر عطبرة (مصطفي البطل) abubakr06-18-08, 04:29 PM
    Re: سباحة حرة في نهر عطبرة (مصطفي البطل) الطيب شيقوق06-18-08, 08:08 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de