|
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ (Re: هشام آدم)
|
________________________
الهروب الاحتجاجي إلى أرتكاتا
بقلم الناقد المصري: يحيى عبد الحميد شوقي يحيى
من أهم ما يميز الرواية بصفة عامة ، والرواية العربية بصفة خاصة ، استجابتها للتغيرات والفورات المجتمعية الحادثة بها ، نتيجة الانفتاح علي العالم ، وما أدي إليه من زيادة الوعي بما تعانيه هذه المجتمعات .
ولما كانت هذه المجتمعات لا زالت تعيش الأمية الديمقراطية ، وتفرض سطوتها وقمعها علي كل صاحب رأي أو رؤية ، وفي مقدمتهم الكتاب عامة ، فطاردتهم وألحقت الكثيرين منهم السجون والمعتقلات ، أو أرغمتهم علي الهجرة خارج البلاد .
والأمثلة علي ذلك كثيرة ، خاصة كتاب الستينيات الذين استيقظ وعيهم علي ما يدور تحت السطح، من كبت وتكميم ، فلجأوا إلي الأساليب الرمزية التي تحايلوا بها علي جهل الرقيب ، أو الهروب من المباشرة في المواجهة ، فاستعاض بهاء طاهر بـ ( صفية ) عن مصر رمزا في " خالتي صفية والدير ، وصنع الله إبراهيم بـ ( أشرف عبد العزيز ) في " شرف ، واستحضر جمال الغيطاني عصر المماليك ، ليلبسه ثوب الحاضر في " الزيني بركات " . ومن قبل كان فتحي غانم قد صورها في شخصية صفية في ( زينب والعرش ) ، و كان نجيب محفوظ قد صورها في ( العوامة ) في رائعته المبكرة في هذا المضمار في ( ثرثرة فوق النيل ) .
وإذا كانت الرواية قد لعبت دورا تنويريا ، بفتح باب الحوار بين الثقافة العربية والثقافة الغربية ، فأشعلت قنديلا لا شك كان له دور كبير في محاولة إيقاظ تلك الشعوب النائمة . فقدم توفيق الحكيم " عصفور من الشرق " وقدم يحيي حقي " قنديل أم هاشم " وقد اللبناني سهيل إدريس " الحي اللاتيني " وقد السوداني الطيب صالح " موسم الهجرة إلي الشمال " اعتمدت إما علي عودة العربي من الغرب محملا بالجديد من الأفكار علي مجتمعه ، وإما بتجربة العربي في الغرب ، فكان الاحتكاك وكانت المقابلة ، خالقة نوعا من الصراع بين الحالتين .
ثم يأتي الكاتب السوداني " هشام آدم " في أولي روايته " أرتكاتا " مستفيدا من تلك الحالات ( الرمزية والاحتكاكية ) ، ليخرج بشكل جديد ، حيث يزرع العربي في الخارج متخفيا بزي أفرنجي ( أسباني علي وجه التحديد ) ، ليصب جام غضبه ورفضه للممارسات العربية عامة ، والأصولية خاصة ، وكأنه وهروبا من المواجهة المباشرة غير محسوبة العواقب ، يهرب إلي الخارج ليعلن معارضته لما يدور في بلده التي سيطر عليها حكم الأصوليين والإسلاميين ، في عهد كل من النميري والترابي ، ولما جري من وراء حكمهم من اعتقالات وكبت حريات ، وتطبيق للحدود تطبيقا حرفيا مجحفا .
لمن لا أعرف أسبانيا مثلي ، يبدو العنوان محيرا " أرتكاتا " ، فما في لغتنا العربية ما يؤدي بنا إلي معني أو إيحاء ، فنضطر إلي تجاوز العنوان لفاجأ أننا أمام ن مغاير ، يبدو كما لو أنه نص مترجم ، فالأجواء غير عربية ، ثم نجد شخصا يدعي " كاسبر سا رجينيو " يروي ذكرياته ، يقوم برحلة خارجية – عبر أسبانيا – وداخلية عبر الأديان ، تفرغ أبوه بعد التقاعد للعبادة . إلا أنه لم يغادر قساوته ، بل وغلظته . وفي رغبة منه لستثمار ما خرج منه عند التقاعد يقرر تربية الخيول ، يتأمل الفتي كاسبر وتخرج منه أمنية تعبر عن عمق العلاقة بينه وبين الأب ، ومدي التباعد والفجوة { ربما يفلح في تربية الخيول ، طالما لم يفلح في تربية أبنائه } .
ولم تكن العلاقة مع الأب بأفضل منها مع الأم ، التي تنظر للأبناء – كإحدي الأرستقراطيات – إلا علي أنهم للوجاهة الاجتماعية فقط . ثم تبتر جميع العلاقات النسائية للفتي كاسبر ، حتي تلك التي هجرها منذ تسع سنوات ( كارسيس ) التي لم تصارحه بالحب إلا بعد هذه الفترة ، وبعد أن تكون قد تزوجت ، إلا أن علاقة جسدية تقوم بينهما ، ليتأمل الفتي ( بإحساس شرقي / رغم أنه لم يكن شرقيا ) : { وفكرت ذات يوم فيمن أكون ، وذهلت للنتيجة التي توصلت إليها ، فلم أجد نفسي سوي خاسر متبجح ، فقد خسرت ساريسيا وكارسيس ووالدي ونفسي قبل كل ذلك ، ولم أزل أبحث بين الكتب المقدسة عن إجابات لأسئلتي المهرطقة ، عرفت عندها أنه يجب علي أن أبحث عنها في مكان آخر } . وليكشف عن الرحلة الأخري ( الداخلية ) حيث يجد ( كاسبر ) في إحدي الرحلات الجامعية يواجه المرشد السياحي المسلم " جهاد " – ولا شك أن الاسم هنا ذا دلالة – فلا يفتأ أن يتفجر الكره الدفين الذي زرعه فيه جده للمسلمين منذ أن ( غزوا ) – علي حد تعبير الجد – أسبانيا في مطالع عهد الاسم . غير أن الفتي ( كاسبر ) عندما يطالع بعض الكتب التي تتحدث عن ذلك الرجل الذي جاء ( قبل ألف عام ) فكنت { عكس ما توقعت ، فمضيت أقرأ في سيرته حتي وصلت إلي اللحظة الأخيرة التي سبقت موته ، فوجدتني أبكي كأنني فقدت صديقا مقربا لم أقرأ عن شخصية مثيرة بقدر ما قرأت عن محمد نبي العرب ، فأحسست تجاهه باحترام كبير ، وتمنيت أن يكون ما قرأته عنه صحيحا وغير محرف } . ولنكتشف نحن أن هشام آدم ما أراد نقد الأساليب الاسلامية في حد ذاتها ، وإنما أراد إدانة أساليب أتباع الاسلام ، في الحين الذي يتبرأ منه نبي الاسلام ذاته . وليصل في النهاية إلي { قناعة لا أعرف منبعها أن التدين لا يشترط وجود دين ، يجب أن يحاسب الناس علي أعمالهم ، لا علي اتباعهم لدين ما بعينه } .
الرواية والتلقي
تثير رواية ( أرتكاتا ) العديد من التساؤلات التي تدور حول عملية التلقي التي تستتبع عملية التلقي ، تلك التي تقوم علي اعتبار القارئ طرفا فعالا للعمل ، وعنصرا فاعلا في وجود النص . فهل يتفاعل قارئ " أرتكاتا " معها رغم ما قد يخالف أفق توقعه حول كتابة لكاتب عربي ؟
إن الفضاء والشخوص يعيشون بيئة ليست مألوفة لهم . علي الرغم أن الكاتب لم يستطع التخلص نهائيا من بيئته ، حيث نستطيع تبين بعض الملامح التي تنتمي إلي البيئة الشرقية والتي قد تبدو غير مألوفة في المجتمع الغربي ( حتي لو كان في الأندلس التي تعيش بقية من الأجواء الاسلامية ) مثل ذلك الإحساس بالخطأ الذي عاشه السارد بعد العلاقة المحرمة مع محبوته السابقة رغم زواجها . كذلك ، تلك الوصية التي أوصاها الأب لزوجته باصطحاب الأبن { إلي حيث مسقط رأسه لتتعرف علي أقاربنا هناك ، كان تصرفه هذا الذي بدافع صلة الرحم ...} و { لا يخلو من زهو ذكوري طالما رغب أن يشعر به .. } ، وأيضا { .. المرأة التي ترفض ( الزنا ) أو تستغيث كانت تعد امرأة غبية لأنها تفضح نفسها بنفسها ..} . وهو الأمر الذي يعتبر إحساسا شرقيا تماما ، يشهد علي ذلك حالات الاغتصاب التي تصيب الكثيرات ، ويفضلن الصمت خشية الفضيحة . ولا شك أن أن هذا الخلط يوقع القارئ في الحيرة . ويؤدي لعدم نقاء الفضاء المكاني ، خاصة وأن هناك من المواقف التي كانت تصلح لللأداء في البيئة السودانية وتمنح العمل مصداقية أكبر ، وللمكان فعلا أقوي مثل مشهد غرق الطفل في نهر " كويريو " ، وما استتبعه من خلع الرجال لملابسهم ، فما كان أحري به أن يتم في أحد فروع النيل الساري في العديد من دول إفريقيا ليبث في ليخصب الأرض ، وليتحول في ذات الحين لمصدر الموت أيضا .
الشخصيات والإسلوب
علي الرغم أن كل الشخصيات الواردة بالرواية جاءت كلها مجرد أدوات مساعد ، إلا أن الكاتب استطاع زرع كل المسببات التي تصنع من " كاسبر " خصية مهيأة لما آلت إليه من ضياع وتفتت وتشتت لم يصل لحد اليقين في لحظة – حتي تلك التي بكي فيها عند القراءة عن نبي العرب { وتمنيت أن يكون ما قرأته عنه صحيحا وغير محرف } ، فجاء كاسبر شخص فقد التعاطف مع الأب المنحدر من " القبائل النوركية " ، والأم المنحدرة من أصل فرنسي والنفس التي تشتت وازداد تشتتها عندما { وقعت في يدي بعض المخطوطات والمنشورات الدينية في مكتبة الجامعة تتحدث عن الخطبة التي ألقاها البابا أربان الثاني في " كليرمونت " والتي يحرض فيها المسيحيون علي عداء المسلمين الذين نعتهم بأنهم " أبناء عاهرات " وأكد في المقابل حصولهم علي مكافأة من الرب لكل من يقتل مسلما ، عندها توقفت عن القراءة وتساءلت ن عن أي رب يتكلمون ؟ هل يكون الرب يدا يبطش بها كل من استساغ القتل ؟ وإلي جانب من يقف هذا الرب ؟ كيف يهب جنته للبرابرة مقابل قتلنا ، ويكافئنا بذات الجنة مقابل ذات الفعل ؟ } ، ذلك التشتت والتشكك إلي جانب الخوف من السباحة ، ووالخوف من الطيران ، جعل من " كاسبر " شخصية مهيأة للضياع وفقدان الثقة والحب في كا ما ومن حوله ، حتي الأديان ذاتها ، الأمر الذي لم يكن ليبوح به ( كعربي ) فاستزرع تلك الشخصية الغربية حتي يعلن من خلالها رفضه للممارسات الآنية .
علي الرغم من استخدام الإسلوب السلس الهادئ النبرة ، وما يؤديه من جذب للقراءة ، إلا أن تأخير البوح بما تريده الرواية إلي الصفحات الأخيرة ، جعل الرواية تسير كما لو كانت مجرد ذكريات لشخص لا يعنيني ( كقارئ ) - حيث يفقدني التعاطف الذي هو أول مراحل التفاعل - ساعد عليها استعمال تواريخ معينة ومحددة ، ليس لها أي دلالة عامة ، مما يزيد من الاحساس بذلك ، الأمر الذي قد يجعل القارئ أقرب إلي الهروب ، خاصة أنه لا يستطيع أن يجد نفسه في العمل ، طالما العمل في المحك الأول رسالة ، فضلا عن كونه موضوعا جماليا ، موجه لقارئ ، هو الآخر نتاج أوضاع اجتماعية متغيرة .
كما توجد بعض الأخطاء التي كان يمكن التجاوز عنها بحكم العمل الأول ، غير أن حصول الكاتب علي الماجستير في اللغة العربية يجعل من الصعب التجاوز عنها خاصة تلك التي تتعلق باستعمال الهمزة ، والركاكة الإسلوبية في القليل مثل : { حتي وأنا أعلم كيف سوف أوصلها إليك } والتي علي الرغم من قلتها ، إلا أنه في هذه الحالة لا أستطيع تجاوزها .
وعلي الرغم من ذلك يبقي لهشام آدم رؤيته غير المسبوقة – فيما أعلم – والتي تعطي لروايته (.........)اجتها ، وريادتها في عملية التخييل التي يتحايل بها الكتب علي الواقع .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 11:53 AM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 11:55 AM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 11:57 AM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 12:01 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 12:12 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 12:15 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 12:18 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 12:21 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | Osama Mohammed | 06-17-08, 12:21 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 12:27 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 12:31 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | ahmad almalik | 06-17-08, 12:32 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 12:39 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 12:47 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:08 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:09 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:11 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:12 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:13 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:14 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:15 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:16 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:18 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:19 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:29 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:40 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 01:42 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | دينا خالد | 06-17-08, 01:36 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-17-08, 03:31 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-18-08, 10:34 AM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-18-08, 12:54 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-18-08, 01:04 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | سارة عمر | 06-18-08, 01:14 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-18-08, 01:28 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | عمر التاج | 06-18-08, 01:28 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-18-08, 03:33 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | Mohammed Elhaj | 06-18-08, 04:34 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-18-08, 05:52 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-19-08, 09:58 AM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-19-08, 10:47 AM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | حيدر حسن ميرغني | 06-19-08, 11:00 AM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | هشام آدم | 06-19-08, 12:07 PM |
Re: من كتب عن أرتكاتا؟ | محمَّد زين الشفيع أحمد | 06-21-08, 05:03 AM |
|
|
|