العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-12-2024, 00:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-17-2008, 04:56 PM

زهير الزناتي
<aزهير الزناتي
تاريخ التسجيل: 03-28-2008
مجموع المشاركات: 12241

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة (Re: زهير الزناتي)

    دراسة عن سينما يوسف شاهين
    Quote: هل شاهدت – أو سمعت عن - ثلاثية (سيد الخواتم) ؟ .. من العسير جداً أن تجيب بالنفي ، فالثلاثية لا زالت حديث كل المهتمين بالسينما إلى الآن على الرغم من توالي بعض الأعمال السينمائية المبهرة الأخرى .. كسلسلة أفلام (هاري بوتر) ، وثلاثية (قراصنة الكاريبي) للنجم العبقري (جوني ديب) ..
    اخترت أن أستشهد بـ(سيد الخواتم) هنا كمثال ربما لأن (قراصنة الكاريبي) لا زال حديثاً ولم يحظ بالانتشار الكافي الذي يمكّن قطاعاً كبيراً من مشاهدته ، ولأن سلسلة أفلام (هاري بوتر) أيضاً – على الرغم من نجاحها الساحق – لم تستطع أن تثني الجماهير عن رأيهم بأنهم يفضلون قراءة روايات السلسلة نفسها عن المشاهدة ، وأنا أحد هؤلاء بالمناسبة ..

    شاهدتُ (سيد الخواتم) وأعجبت جداً بهذا العمل .. لقد نال الجزء الثالث من هذه الثلاثية وحده 11 جائزة أوسكار ، مما يبرهن بلا شك على أنه عمل سينمائي في غاية الإبهار ..
    ولكن عندما تقارن هذا الفيلم مثلاً بفيلم آخر أقدم منه بمراحل ، وله ثقله وعظمته الفنية مثل (الناصر صلاح الدين) .. تجد أن (الناصر صلاح الدين) أيضاً عمل سينمائي في غاية الإبهار ..

    وهذا يتطلب منا أن نتوقف قليلاً مع معنى (الإبهار) في كلا الحالتين ..
    انزع من (سيد الخواتم) الخدع والمؤثرات البصرية ، والموسيقى والمؤثرات الصوتية .. وستجد نفسك أمام عمل مجرد من كل هذا النجاح الحاصل الآن .. فصناع هذا العمل قد اعتمدوا في صناعته على المستوى الأسهل في الإبهار والأقل إبداعياً .. ألا وهو استخدام التكنولوجيا الحديثة في نسج الخدع ومؤثرات الصوت ؛ بحيث إذا غابت هذه العوامل تجد نفسك – كما أسلفتُ – أمام عمل متوسط على المستوى الفني : إخراج وتصوير متميزين ، وقصة جيدة ، ومستوى تمثيل عادي .. كل هذا قد يخرج في النهاية عمل مستواه (جيد) أو (جيد جداً) فقط .. وليس المستوى الأسطوري الذي نالته الثلاثية عند إضافة الخدع والمؤثرات ..



    على الجانب الآخر في (الناصر صلاح الدين) ؛ تجد أن مخرج هذا العمل قد اعتمد على المستوى الأصعب والأعقد في الإبهار .. فالإبهار في هذا الفيلم يكمن في انتقاء الممثلين بعناية وإعدادهم لأدوارهم ، وفي مستوى التمثيل الذي حكمنا عليه جميعاً بالتميز ..
    الإبهار في هذا الفيلم يتجلى واضحاً في كيفية تعامل المخرج مع الصورة – ليس عن طريق عمل خدع – ولكن في كيفية أخذ الكادرات ، وكيف تكون هناك إسقاطة تحوي مغزىً معيناً لكل كادر .. الإبهار جاء في التقنيات الإخراجية نفسها وفي ذكاء الأفكار ..
    ناهيك عن المعارك الحربية المنفذة بإتقان وصل للعالمية ، والسيناريو المكتوب بعناية ، والمحتوى السامي الذي يقدمه الفيلم ، والتجديد في اللغة السينمائية ، والأسطورة نفسها المعروضة في شخص (صلاح الدين) ..

    (إبهار الفكرة والتناول) الذي يُخرج في النهاية صورة ذكية متقنة ومزينة ؛ أروع كثيراً من (إبهار الصورة) الذي يُخرج صورة ممتعة حقاً لكنها سطحية ومبهرجة الزينة ..



    وهذا هو ما فطن إليه (يوسف شاهين) الذي قدم للجماهير رائعته (الناصر صلاح الدين) وروائع أخرى كثيرة تعتز بها السينما المصرية والعربية ، وتعرفها السينما العالمية حتى الآن ..
    ربما لهذا ينتظر الكل فيلمه الجديد (هي فوضى) الذي سيصدر في العيد بإذن الله ..
    الكل ؟ .. فلنصحح العبارة ونستبدل كلمة (الكل) بكلمة (الكثيرين) فسيكون هذا أدق .. إن كل الجمهور المصري لم يتفق على (يوسف شاهين) .. فأكثر من نصف هذا الجمهور لا يتابعه ولا يفضل أفلامه .. وهنا نلمس حقيقة واقعة : أن هذا المخرج المبدع مظلوم في جمهوره .. ربما لهذا له أفلامٌ تفشل ولا تلقى رواجاً كبيراً على الرغم من قيمتها الفنية العالية ، وعلى الرغم من عدم نمطية (يوسف شاهين) نفسه كمخرج ..



    وبما أن أفلامه قد حققت نجاحاً عالمياً كبيراً كُرم على إثره في الكثير من المحافل والمهرجانات السينمائية العالمية ؛ إذن فلا يمكننا أن نصفه بأنه مخرج فاشل .. ربما المشكلة تكون في الوقت الذي تصدر فيه أفلامه هنا في مصر وفي الجمهور الذي يشاهدها .. فمن يشاهد أفلام (شاهين) يجب أن يكون ذا عقلية خاصة ومستوى معين من الثقافة يسمح له باستيعاب المحتوى السياسي ، أو الاجتماعي ، أو الاقتصادي ، أو الفلسفي ، أو النفسي – أو ربما كل هذه المحتويات مجتمعة - في فيلم من أفلامه .

    قال (شاهين) : ” شخصياتي بيمثلوا أحسن من اللي كانوا بيمثلوه مع أي حد .. محمود المليجي فضل 30 سنة بيضرب الناس طب ازاي عرفتوا إنه ممثل كويس ؟! لما اشتغل (الأرض) ..
    في وقت معين ربنا بعتلي حد زي محسن محيي الدين كان حساس وهايل وكان أحسن مني ، كان عنده حتة الحساسية اللي موجودة في العنين فكان فيه تواصل بيني وبينه . كنت لما أقول ستوب وأبصله كان يقوللي : خلاص عرفت ، ونعيد الشوت ، ويعمله كويس جداً ؛ مكنتش بحتاج أقوله أنا عايز إيه أو الغلط فين .. بمجرد ما أبصله يفهم . أنا باخد موهبة وأوجهها ، أنا مبخلقش موهبة .. عشان كده بالصبر أقدر أطلع كل حاجة جواهم ”

    من الأمور الملحوظة جداً أن مجموعة كبيرة من أشهر نجوم التمثيل والسينما في مصر قد عملوا مع (شاهين) – بدءً من عملاق المسرح العربي (يوسف وهبي) وحتى الممثل الشاب (أحمد يحيى) - ؛ بل إنه قد استطاع بخبرته وذكائه أن يفجر فيهم – أو في معظمهم - طاقات تمثيلية رهيبة ما كانت لتُكتَشَف لولا عملهم معه .. ربما لهذا السبب يحلم معظم العاملين بالوسط السينمائي بالعمل مع عملاق الإخراج هذا ، ويعتبرون أنهم قد حققوا أقصى أحلامهم لو ضمهم يوماً لأحد أعماله .. لدرجة جعلت الأديب (أحمد خالد توفيق) يُصدر تعبيراً ساخراً موفقاً – كعادته – في هذا الصدد حيث قال :

    ” .. وحتى الكومبارس الذي يقدم للبطلة كوب ماء في أحد أفلام (يوسف شاهين) يعتبر نفسه أستاذاً من أساتذة التمثيل ، ويقول في وقار وغموض : ” أفضل أن يرى الناس العمل ليحكموا بدلاً من أن أتكلم عنه “. وغدا من التقليدي في كلام أي ممثل أن يحكي عن (تجربة التطهير أو الميلاد الجديد) التي اجتازها بالعمل مع شاهين ”


    ولأن سينما (يوسف شاهين) تُعدّ غامضة بالنسبة للكثيرين ؛ فأنا أحاول في هذه الدراسة القصيرة المتواضعة أن أقترب أكثر منها وأعرضها لكل من يهتم بالسينما مقسماً حديثي بشأنها إلى ثلاثة أقسام …

    * * * *

    في القسم الأول سأتحدث عن اتجاهات (يوسف شاهين) الفكرية وأيدولوجياته ومنهجه في السينما .. كي أضع أساساً سليماً يجعل حديثي في القسمين التاليين واضحاً وسهلاً ..

    مرحلة الازدهار الكاذبة : -
    فبعدما درس التمثيل والإخراج في كلية (فيكتوريا) في الولايات المتحدة الأمريكية وعاد إلى مصر كي يبحث عن فرصة يبدأ بها مشواره في السينما عام 1950 .. لم يلقَ منتجاً واحداً وقتها يقتنع به وبالسيناريو الذي كتبه لفيلم أراد أن يبدأ عمله به هو (ابن النيل) ، ولكن رشحه المصور الإيطالي (أورفانيللي) لإحدى شركات الإنتاج بعد اعتذار أحد كبار المخرجين ، فوافقت هذه الشركة وقتها فقط لضآلة أجره ، وطلبت منه أن يقدم عملاً آخر غير (ابن النيل) .. فقدم قصة فيلم (بابا أمين) وعمره تقريباً 24 عام ، ومن هنا بدأ مشوار (شاهين) التاريخي والذي يقترب الآن من ستين عاماً في عمر السينما ..

    حينها كانت السينما – كما وصف النقاد – تمر بمرحلة ازدهار كاذبة بعد الحرب العالمية الثانية .. لكنه جاء وقدم (بابا أمين) فيلماً مختلفاً في الشكل والمضمون ؛ استطاع عن طريقه أن يبرز قدراته كمخرج . كان الفيلم اجتماعياً يبتعد كل البعد عن أي مغزى أو إسقاطة سياسية .. فقد جاء المخرج الشاب من الولايات المتحدة إلى مصر على غير دراية بالواقع السياسي المصري .. وظل هكذا بدون وعي سياسي حتى أخرج رائعته (الأرض) عام 1970 ، وذلك باعترافه هو شخصياً .

    وعيه السياسي : -
    تجلى وعيه السياسي الذي كان غائباً بوضوح في الكثير من أفلامه التي ظهرت بعد (الأرض) .. مثل (الاختيار) ، و(العصفور) ، و(عودة الابن الضال) .. وقد فتش في أفلامه الأربعة هذه تحديداً عن أسباب نكسة 67 وأوضح تأثره الشديد بها ..
    فـ في (الأرض) تجلت الروعة كاملة عندما ناقش الفكرة نفسها مجردة .. فكرة تمسك الفلاح بأرضه واستبساله واستماتته في الدفاع عنها ونيل حقه ، ومن المؤكد أننا لا ننسى المشهد الخالد الذي أداه (محمود المليجي) ببراعة في نهاية الفيلم .. عندما لم يمنعه القهر السياسي وجذبه بحبل ربطوا طرفه في جسده والطرف الآخر في خيل الحكومة الذي يعدو كي يبعدوه عن أرضه – لم يمنعه هذا من التشبث بزرعه ومن غرس أصابعه في أرضه على الرغم من جسده المسحوب بعنف .. وامتزجت الدماء على يديه بطين الأرض في مشهد معبر رائع !
    وعن فيلم (الاختيار) قال (شاهين) : ” إنه المواجهة المباشرة مع الهزيمة ، والطرح الواضح لمسئولية المثقفين عن هذه الهزيمة ، ومسئولية المجتمع ككل ”
    أما فيلم (العصفور) فقد حظى بنصيب وافر من الجرأة ، وكان محملاً بمضامين فكرية مختلفة كلها تتمركز حول غضب الشعب من المؤسسات الحكومية المرتشية المخربة بعد النكسة .. وقد تم منع عرض الفيلم إلى ما بعد حرب أكتوبر مما أصاب (شاهين) ببعض اليأس ، وبدأت تدور في ذهنه فكرة فيلمه المميز (عودة الابن الضال) .



    وعن (عودة الابن الضال) تفيد الناقدة (سعاد شوقي) بأن البحث المتواصل عن أسباب هزيمتنا في نكسة 67 قد استمر في هذا الفيلم عن طريق طرحه لأفكار كثيرة تتشعب لمستويات شتى .. أفكار كلها تدور حلو ضرورة العلم ، وتحقيق الحلم ، والاغتصاب ، والطمع ، وحب المال ، والإيمان بدور الشباب ، وأهمية البناء ، والثورة على المغتصب ، والأمل في المستقبل ..
    أفكار من العيار الثقيل استطاع أن يجسدها من خلال شخصيات الفيلم العميقة وصراعاتها المختلفة ، ومن خلال تقنيات عالية على مستوى المكان والتكوينات والتشكيل الدرامي .

    الصراع الاجتماعي والنفسي : -
    الصراع الطبقي ثابت في أفلام كثيرة له كجزء مهم جداً من واقع مصر الاجتماعي ، والذي يستخدمه ليضيف بعداً نفسياً في تركيبات شخصياته . وكرهه هو شخصياً للطبقة البرجوازية واضح كأقصى ما يكون في معظم أفلامه .. دوماً يسخر من هذه الطبقة مبرزاً عيوبها وبشاعتها .

    أما صفة التسامح والتعايش بين الأديان فقد أثبتت وجودها في سينما (شاهين) بقوة .. ونجدها واضحة في (الناصر صلاح الدين) إذا نظرنا لعلاقته الطيبة بـ(عيسى العوام) المسيحي والذي كان يفترض أنه من أخص جنود (صلاح الدين) ، وكذلك في فيلم (إسكندرية ليه؟) إذا لحظنا العلاقة الوطيدة التي تجمع بين (محسن) المسلم و(يحيى) المسيحي و(ديفيد) اليهودي بغض النظر عن اختلاف الديانات .. وكان هذا بالفعل جزء من واقع مصر الاجتماعي في تلك الفترة .


    غاص (شاهين) في النفس البشرية وشغله تقديم نماذج غريبة على المستوى النفسي .. فقدم شخصيات مركبة في أغلب أعماله .. مثل (قناوي) في (باب الحديد) ، و(صلاح الدين) ، و(ريتشارد قلب الأسد) ، و(عوكا) في (اليوم السادس) … الخ

    الإغراق في المحلية هو الطريق للعالمية : -
    ومن أهم ما يُحسب لـ(يوسف شاهين) – على مدار تاريخه الفني – من وجهة نظري هو أنه قد رسّخ مبدأ : “الإغراق في المحلية هو الطريق للعالمية” .. فهو على الرغم من عشقه لمختلف الفنون العالمية – من سينما ومسرح وأدب وموسيقى - وتأثره بها على المستوى الشخصي .. إلا أنه لم يُسخّر مسيرته الفنية كوسيلة للتعبير عن انبهاره بالغرب وفنونه كما يفعل الكثير من المخرجين ، ولكن على العكس .. لقد أغرق (شاهين) في المحلية .. فحملت جميع أفلامه روح مصر خاصة والعرب عامة .. بواقعها السياسي وقضاياها الاجتماعية والفكرية والفنية .. مُعلياً من قيمتها حيناً ، ومبرزاً سلبياتها حيناً آخر ؛ مع الافتخار في كل الحالات بالانتماء لها – على الرغم من أيدولوجيته المعارِضة للحكومة - ..
    حتى لو ألصق به البعض تهمة (الخواجة) كما هو شائع ، فيكفي أنه قد ارتقى بمصر وبفنها السينمائي إلى مصاف العالمية مهما اختلفنا معه بعد ذلك .. لكنه على كل حال لم يكن من مرضى عقدة الخواجة الذين يسعون بكافة الأشكال لبروزة أمريكا ومناصريها .. بل على العكس إنه يحقر دوماً هذا الكيان ويقلل من قيمته .. تم هذا أكثر من مرة في أفلامه .. وقد سبق أن صور أمريكا من قبل في فيلمه (إسكندرية ليه؟) كامرأة ساقطة عندما صبغ وجه تمثال الحرية بمساحيق التجميل الفجة وصنع فلقة بين أسنان وجه التمثال وألصق بالوجه ابتسامة سخرية بشعة ، ووصف أمريكا نفسها من قبل بأنها عاهرة ..



    وفي فيلم (المصير) نقل ومضات من تاريخ فرنسا المليء بالجهل والظلمات .. في حين صوّر مصر بلداً للنور والمعرفة .. وقد رسخ أيضاً هذا المفهوم أكثر من مرة في أفلام أخرى كـ(المهاجر) ، و(سكوت ح نصور) مثلاً ..
    وعلى الرغم من هذا فقد وصل للعالمية ، واحتفى الغرب ذاته بفنه وأعماله .

    أكثر ما يثير سخطي وتقززي في سينما (يوسف شاهين) هي الإشارات غير القليلة إلى العلاقات المثلية الشاذة ، وتجلى هذا واضحاً في أفلام سيرته الذاتية تحديداً (إسكندرية ليه ؟) ، و(حدوتة مصرية) ، و(إسكندرية كمان وكمان) ، و(إسكندرية .. نيويورك) .


    هذا ويرفض (شاهين) تماماً مبدأ البساطة في تقديم أعماله ، بل ويعتبرها – حسب تعبيره – إهانة للعقل .. وربما أتبنى وجهة نظر مغايرة لهذا الكلام ؛ لكن لكلٍ منهجه ورؤيته الفنية الخاصة على كل حال .

    * * * *

    ” لا تجعلوا السيرة الذاتية سجناً يوضع فيه الفيلم ولا يُرى إلا من خلاله .. نعم هي سيرتي الذاتية ، ولكن كل فيلم من أفلام كل مخرج هو على نحوٍ ما سيرة ذاتية . سيرة اللحظة التي صور فيها المشهد ، وانعكاس للحالة أثناء التصوير ”
    (يوسف شاهين)

    في القسم الثاني من هذه الدراسة سنتناول مرحلة صياغته لسيرته الذاتية ..
    ولنسأل هنا سؤالاً .. من يستطيع أن يتعرى فكرياً ، ونفسياً ، واجتماعياً ، وجنسياً وبكافة الأشكال الأخرى – إلا من الملابس بالتأكيد – أمام الجماهير ؟!
    (يوسف شاهين) فعلها .. وهذا أمرٌ يحتاج إلى جرأة نادرة وصدق بالغ .. ولقد أقنعنا هو فعلاً بالنسبة لجرأته أكثر من مرة حتى آمنا بها ، أما بالنسبة للصدق فلا أحد يستطيع أن يجزم بهذا الأمر سوى (شاهين) نفسه لأنه أدرى بتفاصيل حياته من الناس كلها ، وهو الوحيد الذي يدري هل نقلها كما يجب أم لا ؟ .. لكن على كل حال لا نستطيع أن ننكر أنه قد نجح بالفعل في جعلنا نشعر بصدق أعمال سيرته الذاتية هذه سواء كانت صادقة أو مبالغ فيها !
    وبشأن موضوع سينما السيرة الذاتية هذا فقد تأثر (شاهين) في هذا الأمر بمخرجين قد سبقوه إلى هذه التجربة .. مثل المخرج الإيطالي (فيلليني) ، والفرنسي (فرانسو تريفو) ، و(بوب فوس) .



    يجزم بعض النقاد بأن معظم أعمال (يوسف شاهين) على مدار سنوات إبداعه الستين فيها شيءٌ منه .. وأنا أعتقد أيضاً أنه دوماً يودع تكوينه النفسي وبعض صفاته وجزءٌ من شخصيته في أحد شخصيات كل فيلم يخرجه .. ولما وجد أن عنده المزيد في هذا الصدد لا زال لم يقدمه بعد ؛ فقد بادر بإصدار رباعية سيرته الذاتية غير المتصلة : (إسكندرية ليه ؟) ، و(حدوتة مصرية) ، و(إسكندرية كمان وكمان) ، و(إسكندرية .. نيويورك) ..
    في هذه الأفلام الأربعة كشف نفسه وهواجسه تماماً وعلى كافة الأصعدة بشكلٍ نادر أن يحدث .. وأصبحت تجربته هذه بمثابة أول سيرة ذاتية في تاريخ السينما المصرية .

    فقط استبدل اسمه الحقيقي باسم يبدأ بنفس حرفي اسمه (يحيى شكري) كي يستخدمه ويظل ثابتاً مع الشخصية خلال الأربع أفلام .
    وبشأن أفلامه هذه قالت الناقدة (سعاد شوقي) في كتابها الوافي عنه :

    ” .. ولعلنا نلاحظ أن (يوسف شاهين) من السينمائيين العرب القلائل جداً الذين استطاعوا الحديث عن أنفسهم وهمومهم وهواجسهم الذاتية دون الابتعاد عن هموم الوطن والمجتمع ، حيث يلتقي عنده الهم الذاتي بالهم الموضوعي بلا أي افتعال ؛ فيؤلفان نظرة نقدية ثاقبة وحادة للواقع الاجتماعي والسياسي ..
    إن عرض (شاهين) لذاتيته لا يعتبر عرضاً لنرجسيته ، أو حتى لتمجيد الأنا .. فيوسف شاهين لا يتحدث عن نفسه من منطلق النرجسية وإنما يتحدث عن نفسه ليكتشفها ويكشف معها تناقضاته وهواجسه وتربيته وأفكاره وضعفه وقوته وعائلته .. بل ومحيطه ومجتمعه . ”

    في هذه الأفلام سالفة الذكر تحديداً نقترب من (يوسف شاهين) كفنان ، ومخرج ، وإنسان عادي .. فهو في (إسكندرية ليه؟) قدم عرضاً لسنوات صباه وحلمه بالسفر لأمريكا من خلال تجسيد الفنان الموهوب (محسن محيي الدين) للدور .. وقدم بشيءٍ من التفصيل الكثير من الأفراد في محيطه .. أصدقاءه .. عائلته .. عشقه للمسرح وحلمه بدراسة الفن في أمريكا ، وكفاح عائلته المادي من أجل تحقيق هذا الحلم ومن أجل أن ينال حظه من التعليم كأبناء الطبقة البرجوازية .. وينتهي الفيلم بوصوله إلى أمريكا بالفعل .. البلد الحلم .. الذي سيكتشف فيما بعد أنها كابوس ..



    وفي (حدوتة مصرية) يتناول حياة (يحيى شكري) أيضاً – وقد لعب دوره (نور الشريف) .. ولكن بصفته مخرج ناجح هذه المرة وليس مجرد صبي يدرس لا زال يحلم ويدرس العلم .. تعرض لطفولته ، ولعلاقته السيئة بأمه المتسلطة ، وكذلك علاقة أخته به ، وعلاقة الفتور بينه وبين زوجته .. وبعض مشاكل أفلامه كمخرج .. أكثر ما وضح في هذا الفيلم هو الجمع بين (يحيى الكبير) المخرج الناجح ، و(يحيى الصغير) الطفل المتمرد في تناول فانتازي كان له أثره .. لينتهي الفيلم بتصالح بين الاثنين وتنزل كلمة (البداية) بدلاً من كلمة (النهاية) كتصور من (شاهين) نفسه أن في تصالحه مع ذاته وفي عيشه لحالة السلام النفسي هذه بداية حياة جديدة له .

    وبالنسبة لفيلم (إسكندرية كمان وكمان) فأعتقد أن (شاهين) قد عبر بكلمات موجزة عن الفيلم أفضل من أي تعليقات روتينية كنت سألقيها أنا هنا .. فقد قال :

    ” (إسكندرية كمان وكمان) إعلان عن الذات .. فضح الذات .. هو أوهامي .. اختبار أوهامي .. معرفة هل هي أوهام !! .. تقول إن عنوان فيلم (كيروساوا) الجديد : (عشرة أحلام) . برافو عليه . فيلم عن أحلامه وهو في السبعين من عمره أو أكثر . إنه الموضوع الوحيد الصحيح بالنسبة إليه الآن ، وبعد كل ما قدم من أفلام .. لقد اخترتُ أيضاً الموضوع الصحيح وحديثي إلى الشباب . أنا لم أنجب ذكوراًَ ولا إناثاً ، ولكني أشعر بالأبوة تجاه (يسرا) كما شعرت بها من قبل تجاه (محسن محيي الدين) ..
    ليست الأبوة تماماً ، ولكنه شعور بالمسئولية المقترنة بالحب . أتضايق جداً عندما يُقال ماذا قدمت الأجيال الجديدة .. لا روائي منذ نجيب محفوظ ، ولا مغنية منذ أم كلثوم ، ولا مخرج منذ فلان أو علان . هذا غير صحيح .. وإن كان صحيحاً فاللوم على نجيب محفوظ وأم كلثوم ، وإذا لم يكن هناك صلاح أبو سيف جديد أو توفيق صالح جديد فأجيالنا قد فشلت إذن .
    تعبت جداً .. 12 أسبوع تصوير ، وملايين صُرفت ، ولكنه إرهاق لذيذ جداً .. الأشد إرهاقاً كان التمثيل : تمثيل دوري في الفيلم ؛ كما أنني قمتُ بالغناء أيضاً .. كان (يسري نصر الله) وراء الكاميرا وأنا أمامها في معركة بكل معنى الكلمة . لا أستطيع أن أمثل وأخرج في نفس الوقت ، ولكن كان لابد من ذلك .. الفيلم كله عن المستحيل .. المستحيل في صور ”

    أما عن فيلمه الرابع والأخير في أفلام سيرته الذاتية : (إسكندرية .. نيويورك) فلن أثرثر بخصوصه كثيراً ها هنا لأني قد خصصت له مقالاً مستقلاً ، وذلك لأني أعتبره أروع أفلام سيرته الذاتية بكل ما تحمله الكلمة من معاني .. لكني فقط أقول أنه في هذا الفيلم قد استكمل الحلقة المفقودة ، والتي فقدها المُشاهد في الأفلام الثلاثة السابقة .. وهي : فترة دراسته بكلية فيكتوريا وما تعرض له من مصاعب وأزمات ، وعرض قصة حبه كذلك .

    الإسكندرية عند (شاهين) رمز .. يصورها في أفلامه كحلم جميل .. تكتمل في وجوده أركان التسامح والجمال والنور والسعادة .



    * * * *

    أما في القسم الثالث والأخير من هذه الدراسة فسنتحدث عن أدواته ومفرداته السينمائية الخاصة ..

    فلـ(يوسف شاهين) تحديداً لغة سينمائية متفردة تخصه وحده .. تستطيع أن تميزه بها لو لم تكن تعرف أنه هو مخرج الفيلم الذي تشاهده ..
    فكما قلتُ سلفاً في بداية هذه الدراسة أن منهجه الذي التزمه دوماً في فنه هو الإبهار بدون خدع أو مؤثرات بصرية .. إبهار الفكرة .. إبهار التصوير ذاته وطريقة أخذ الكادرات .. ولهذا فقد ارتبط هو نفسه ارتباطاً كبيراً بالكاميرا .
    نلاحظ كثيراً أن حركة الكاميرا في كادراته تتسم بالحيوية والحركة مما يقتل أي إحساس بالضجر ويخلق نوعاً محبباً من التشويق حتى لو لم يكن على مستوى الحدث ذاته ، فهو موجود في الصورة .. كما أن مجرد التقطيع عنده أيضاً له دلالات تؤثر في انطباع المشاهد .

    تأثره الواضح بالمسرح : -
    نأتي أيضاً لنقطة مهمة يستحيل تجاهلها ما دمنا نتحدث عن (يوسف شاهين) : ولعه الشديد وتأثره الواضح بالمسرح .. فقد درس التمثيل والمسرح في كلية (فيكتوريا) واشتغل مخرجاً مسرحياً في فترة مهمة من حياته أخرج فيها بعض مسرحيات (شكسبير) وشارك بالتمثيل فيها .. وربما ظهر في أفلامه أكثر من مرة ارتباطه الشديد بدور (هاملت) .
    يظهر تأثره بالمسرح دوماً في أسلوبه الإخراجي ؛ على الرغم من أنه إخراج للسينما وليس المسرح .. ولكن كل من يشاهد أفلامه يلحظ في الكادر هذا أو ذاك تأثراً واضحاً بتقنيات المسرح وعوالمه .. الكادر عنده عبارة عن لوحة فنية لابد أن تخرج متقنة .. يهتم فيه بالإضاءة وبالزوايا ، ولابد أن يتم توزيع العناصر فيه بدقة شديدة كي يصل المغزى المراد من مجرد طريقة أخذ كادر ، وليس عن طريق إحكام السيناريو حتى .. من المؤكد أن معظم المتابعين يتذكرون الكادرات الخالدة في الناصر صلاح الدين ، وبياع الخواتم ، والأرض ، وعودة الابن الضال ، والكثير من أفلامه الأخرى ..

    ومن أوضح العلامات كذلك على تأثره بالمسرح هو اهتمامه الشديد بعنصر (الأغنية) في أفلامه .. فالأغنية عنده لابد أن تكون ذروة لحدث درامي ؛ بنهايتها نصل لشيء جديد معين .. فتدخل الأغنية بذلك في صميم البناء الدرامي للفيلم .. ولهذا فـ(شاهين) يقوم بتحضير أغاني أفلامه بشكل دقيق جداً وفائق العناية .. يتفق مع الشعراء الذين يكتبون الأغاني ويوجههم في المسار الذي يريد لكلمات الأغاني أن تكون فيه ، ويجعلهم على دراية بوظيفة الأغنية بالنسبة للسيناريو بحيث لا تقف أحداث الفيلم كي نسمع أغنية .. لأن هذا يسبب ما يسمى بالهبوط الدرامي ويفصل المشاهد تماماً من حالة الفيلم .. وهذه النقطة بالتحديد هي أكثر ما يثير جنوني وسخطي في الكثير من أفلامنا القديمة .. حيث يتم بتر أحداث الفيلم بتراً لتقديم استعراض راقص أو أغنية لا علاقة لها بأحداث الفيلم لمجرد استعراض الصوت وإمكانيات الرقص !
    ولهذا فإن (شاهين) يعتبر الأغنية سلاح خطير جداً .. وأعتقد أنه لهذا السبب ولاختياراته الدقيقة ظهرت في أفلامه أقوى الأغاني التي عرفناها في السينما حتى الآن والتي يرددها أغلبنا حتى لو لم نكن من متابعي الأفلام نفسها ..
    فمن منا ينسى أغنية (الأرض لو عطشانة) في فيلم (الأرض) ؟ أو أغنية (راجعين) في فيلم (العصفور) التي أصبحت أغنية الجنود على الجبهة في يوم العبور العظيم ؟ أو أغنية (علي صوتك) بصوت محمد منير في (المصير) ؟ أو أغاني ماجدة الرومي في (عودة الابن الضال) ؟ أو أغنية لطيفة الشهيرة (تعرف تتكلم بلدي) في (سكوت ح نصور) ؟ أو الأغنية الأكثر من رائعة (بنت وولد) في (إسكندرية نيويورك) ؟ .. كل هذه أغاني عاشت في وجدان الشعب المصري ولو لم يكن الجمهور نفسه على دراية بالأفلام .



    ابتكار تقنية تصوير (الثبات) : -
    دوماً كانت تواجه المشاهد مشكلة عند مشاهدة أي معركة حربية في أي فيلم تاريخي .. وهذه المشكلة تكمن في حركة الكاميرا التي يحسها سريعة ومبتورة وفوضوية بعض الشيء .. فينتابه شعور بالتوتر والضيق بدون وعي منه لأنه يريد أن يرى مشهداً لا يراه فعلاً وإنما يلمحه بشكلٍ خاطف .. و(شاهين) بعبقريته الإخراجية قد قام بحل هذه المشكلة وقدم الحل بشكلٍ راقي جداً ومُرضي وعلى مستوى فني عالي بالفعل .. فقد قام بعمل تقنية تصوير جديدة عند تصوير مشاهد القتال في فيلم (الناصر صلاح الدين) فصنع ما يسمى بتثبيت اللحظة وأصبحت المشاهد عبارة عن مجموعة من اللقطات الثابتة المتتالية التي تعرض حركة الخيل وضربات السيوف وهجوم الجنود .. وعن هذا قال (شاهين) :
    ” السينما أعطتني القدرة على الحركة السريعة (fast motion) وطبعاً ليها استخداماتها ، وبرضه اديتني القدرة على الحركة البطيئة (slow motion) ودي برضه ليها استخداماتها وتوظيفها .. كان لحظات الثبات أو توقيف الزمن ودي أنا استخدمتها كويس في الفيلم ده ؛ علشان لما يبقى فيه معركة أو حرب أول لحظة هجوم أو صدام الواحد بيبقى مش عارف يشوف حاجة ، فعملت كده .. ما دامت السينما تسمح لي إني ألعب في الوقت وأسرقه وأحفظه وأثبته وأطوله على كيفي .. ليه مستخدمش الإمكانية دي ؟ ”

    المأساة الموسيقية ، وتجدد اللغة السينمائية : -
    ابتكر (يوسف شاهين) لوناً جديداً في السينما المصرية والعربية أسماهُ : المأساة الموسيقية .. ويتضح هذا في فيلم (عودة الابن الضال) ..
    ” أقصد بهذا التعبير الاجتهادي التفرقة بين الفيلم وما يطلقون عليه في هوليود أفلام الكوميديا الموسيقية . فهناك أغانٍ في الفيلم ، ولكن ليس معنى هذا أنه فيلم كوميدي . إنه ليس فيلماً كوميدياً ، وليس أيضاً من الأفلام التي يطلقون عليها في مصر : الأفلام الغنائية ”
    وبسبب منهجية التفكير هذه نجد أن لغة (شاهين) السينمائية متجددة ومتطورة دائماً وأبداً .. فقد جرب على مدار مشواره الفني كل الاتجاهات السينمائية تقريباً .. فقد قدم الأفلام الكوميدية كـ(بابا أمين) ، و(المهرج الكبير) .. والأفلام الاجتماعية كـ(ابن النيل) ، و(صراع في الوادي) ، و(نساء بلا رجال) ، و(سيدة القصر) .. وكذلك الأفلام التاريخية التي خاض فيها مغامرة تقديم حقب تاريخية لم ينقّب فيها أحدٌ قبله .. كالحقبة الفرعونية في (المهاجر) والتي خرجت بشكل مشوق فعلاً ، وحقبة الحملة الفرنسية التي كانت منسية سينمائياً في (وداعاً بونابرت) ، وحقبة (الناصر صلاح الدين) ، وحقبة ابن رشد في (المصير) .. وكلها كانت تجارب ثرية وجديدة على السينما عموماً على الرغم من اختلافنا حول الرؤى نفسها الموجودة في سيناريوهات هذه الأفلام .
    وأيضاً قدم الفيلم السياسي .. مثل (الأرض) ، و(الاختيار) ، و(العصفور) ، (وعودة الابن الضال) ، و(الآخر) ..
    وأفلام السيرة الذاتية الشهيرة ، وكذلك قدم الأفلام الغنائية كـ( انت حبيبي) ، والاستعراضية الغنائية كتحفته (بياع الخواتم) التي لعبت فيها المطربة الأسطورية (فيروز) دور البطولة إلى جوار المطرب الرائع : (نصري شمس الدين) .. وقد خصصت لهذا الفيلم مقالاً مستقلاً أيضاً لما له من وضع خاص .
    هذا بالإضافة إلى الكثير من التناولات الفانتازية المتناثرة هنا وهناك في بعض هذه الأفلام وقد مكنه هذا من أن يستخدم الرسوم المتحركة في أعماله ..
    كل هذا ليثبت (شاهين) مدى احترافه وتمكنه وعبقريته ، مهما اختلف اللون السينمائي الذي يقدمه .. وقد أثبت هذا بالفعل .

    أخرج (شاهين) ما يقرب من خمسة أفلام قصيرة ؛ لكنه لم يجد نفسه فيها أبداً وذلك باعترافه هو .. ربما لهذا لم يلقَ أي من هذه الأفلام ما يكفي من شهرة ، ومنا ما لم يتم عرضه أصلاً .

    * * * *

    والآن ما رأيك ؟ من بين كل هذه الأفلام التي سبق الحديث عنها ؛ كم فيلماً شاهدت ؟ وكم مما شاهدتَ قد أعجبك ؟ .. هل اختلفت – أو تعدلت – نظرتك لسينما (يوسف شاهين) ؟ هل تنوي المضي قدماً في متابعته بدءً من الآن ؟
    الاستفزاز في الأمر كله يكمن - كما قلتُ سلفاً - في أن هذا المخرج ظلمه جمهوره .. أو ربما قد أتى في وقتٍ لا يحتاجه فيه هذا الجمهور .. لكن هذا قطعاً ليس مقياساً للقيمة الفنية .. وكم من أفلامِ قد فشلت جماهيرياً لكنها أصبحت فيما بعد من علامات السينما .. لا زلتُ أصر أن فيلم (إليزابث تاون) الذي صدر منذ عامين من بطولة الواعد (أورلاندو بلوم) والجميلة (كرستين دانست) – واحداً من أفضل الأفلام التي رأيتها في حياتي ، وقد صُدِمتُ فعلاً لما علمت أنه قد فشل جماهيرياً ..
    ولِمَ نذهب بعيداً ؟ .. على مستوى أفلام (يوسف شاهين) نفسها نجد مثلاً أن فيلمه الأسطوري (الناصر صلاح الدين) لم يحقق إيرادات تذكر وقتها ، وكذلك فيلم (باب الحديد) الذي يعده النقاد من أهم أفلام السينما المصرية قد تم رفضه من قِبَل الجمهور وقتها وبصق أحد المشاهدين في وجه (شاهين) بعد مشاهدة الفيلم .
    ولأن إبداعه متميز جداً ، ولأن إخراجه يُحترم .. فقد عمل تحت توجيهاته مجموعة من أقوى وأشهر النجوم في الوطن العربي .. كـ (يوسف وهبي) ، و(محمود المليجي) ، و(شكري سرحان) ، و(أحمد مظهر) ، و(زكي طليمات) ، و(حمدي غيث) ، وقيثارة الشرق : (فيروز) ، و(محسن محيي الدين) ، و(نور الشريف) ، و(محمود حميدة) ، و(يسرا) ، و(خالد النبوي) ، و(حنان ترك) ، و(حسين فهمي) ، و(سعاد نصر) ، و(ماجدة الخطيب) ، و(خالد صالح) ، و(منة شلبي) .. والكثير والكثير ..
    وأيضاً تعلم منه وخرج من تحت عباءته الكثير من المخرجين .. منهم على سبيل المثال المخرج العبقري : (يسري نصر الله) ، والمبدع : (خالد يوسف) .

    ولـ(شاهين) بعض السقطات .. منها على سبيل المثال أنه قد كرر تجربة الإنتاج المصري الفرنسي المشترك التي تمت في فيلمه (اليوم السادس) وقد أحدث هذا الأمر خللاً بان في أداء ونطق الممثلة داليدا – كرر هذه التجربة مرةً أخرى في فيلم (وداعاً بونابرت) على الرغم من قراره أنه لن يكررها .. ولهذا السبب أرجع الناقد (سمير فريد) فشل هذين الفيلمين لأنه اعتبر أنهما قد تما لأغراض تجارية .
    ومن المآخذ الخطيرة التي تؤخذ على (شاهين) هو مشاركاته غير القليلة في كتابة سيناريوهات أفلامه التي لا تخرج بالشكل المتميز الكافي .. فالكثير من أفلامه تعتمد في واقع الأمر على سيناريوهات ركيكة ، ولولا إبداعه الإخراجي فيها لما تبقى منها شيء .

    في نهاية هذه الدراسة المتواضعة ينبغي أن أشير إلى أمرٍ بالغ الأهمية فأقول أن عبقرية (يوسف شاهين) الإخراجية كانت هي الدافع الوحيد الذي دفعني لكتابة مثل هذه المعلومات وسرد هذه الانطباعات النقدية ، وبذل بعض الجهد في سبيل هذا .. لأنه كمخرج يستحق أن نوفيه حقه الذي بخسه الكثيرون .. لكني في ذات الوقت ينبغي أن أقول بوضوح : أن لي بعض التحفظات الكثيرة على (يوسف شاهين) كشخص ، وكمفكر ، وكسيناريست .. وثمة بعض النقاط التي أختلف – ويختلف معي الكثيرون – معه فيها كلياً .. ولم أُرِد أن أجعل هذه الدراسة التي أردتها تعريفية أكثر منها شيئاً آخر – منبراً لحشو التحفظات وتفجير الاختلافات في وجهات النظر .
    (يوسف شاهين) المخرج عبقري تماماً ، ولا يختلف أحدنا على ذلك .. وأختم بما قاله عنه د. (رفيق الصبان) في كتابه (أضواء على الماضي) :

    “شاهين يستطيع أن يضع السماء بكل اتساعها في غيمة واحدة أحياناً ، وأمطار الدنيا كلها في كأس رقراقة شفافة من الكريستال ، وعيون نساء الأرض في نظرة ، وشبق الكون في قبلة لا نراها ”

                  

العنوان الكاتب Date
العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-16-08, 05:41 PM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-16-08, 05:44 PM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-16-08, 05:47 PM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-16-08, 05:56 PM
    Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة Muna Khugali06-16-08, 06:10 PM
      Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة محمد سنى دفع الله06-16-08, 07:15 PM
        Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة على محمد على بشير06-16-08, 08:07 PM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-16-08, 11:06 PM
    Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة محمد سنى دفع الله06-17-08, 05:55 AM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-17-08, 07:08 AM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة نهال كرار06-17-08, 10:35 AM
    Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة محمد سنى دفع الله06-17-08, 11:21 AM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-17-08, 04:46 PM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-17-08, 04:51 PM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-17-08, 04:56 PM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة نهال كرار06-17-08, 06:57 PM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-18-08, 02:19 PM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-18-08, 10:13 PM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-18-08, 10:16 PM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-18-08, 10:22 PM
  Re: العبقري يوسف شاهين في حالة صحية حرجة زهير الزناتي06-18-08, 10:30 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de