|
التكروني
|
احمد عبد الله التكروني لا اعرف بالضبط المنطقة التي جاء منها والده مهاجرا لشمال السودان ، و لكن كل ما اعرفه عن الاسرة انها من الاسر التي جاءت مهاجرة من غرب السودان في ستينات او سبعينات القرن الماضي و استقرت شمالا . يقع منزلهم في حلة محمود مجاورا لبيوت ناس عادل صديق و عصام كننة ، لا يختلف عنهم كثيرا من حيث تفاصيل مبانيه او الموادا المستخدمة في بنائه فجميع بيوت البلدة مبنية من الجالوص . كما و انني لم أرى والده كثيرا ، كان كثير الترحال و عدم الاستقرار، و بنفس القدر لم ارى والدته تغيب عن البلد كثيرا ، سمعت ان لوالده زوجة و ابناء غيرهم في غرب السودان كان يقسم سنوات عمره بينهما . اشتهر احمد التكروني وسط الشباب بمواهبه المتعددة و المتفردة ، و لياقته البدنية و الذهنية العالية و الذكاء الذي لم يكن يستخدمه مثله في ذلك مثل الكثير من اقرانه ابناء القرى الذين لم يستثمروا ذكائهم و مواهبهم لبناء مستقبل حياتهم ، كاقرانه استثمر التكروني مواهبه في تدبيج المقالب الطريفة وسط الشباب و الحصول على ينفقه في يوميه و لغده امر اخر . احدى مواهبه كانت موهبة لعب كرة القدم ، كان لاعبا سريعا و رشيقا ذو لياقة بدنية لا يعلى عليها جعلت اندية مدينة دنقلا الكبيرة تتهافت للحصول على خدماته ، و ربما كان يؤدي تلك الخدمات دون مقابل ، او مقابل اجر زهيد لا يتناسب مع جهده و عرقه ، في الوقت الذي كان لنا اعتقادنا جازما بان احمد التكروني ليس مكانه نادي الشاطي ، و انما مكانه اللعب فى احد اندية الخرطوم الكبيرة ، و لكن كيف له ذلك و هو ابن تلك البلدة الغير موجودة على الخريطة و لم يسمع بها احد الا من كتاب الجغرافيا المقرر على طلاب الصف الرابع الابتدائي . من مواهب احمد التكروني الرياضية الأخرى اتقانه للسباحة التقليدية في النيل ، كان سباحا لا يشق له غبار و شهدنا الكثير من المباريات التى أقامها هو و كنقار و محمد الزبير و غيرهم من عتاة السباحين في البلد ، كانت تلك المباريات تقتضي بان يصل المتباري لضفة النيل الشرقية و العودة الي الضفة الغربية بنفس واحد ، او الوصول للضفة الشرقية في اوج موسم الدميرة ، و كان لهؤلاء الشباب قدرة عالية فى انجاز هذا بفضل مهارتهم و لياقتهم البدنية العالية ، و احمد احد افضل هؤلاء المتبارين ، ايضا لم يستفد احمد من هذه الموهبة كما لم يستفد منها اقرانه . و عن ذكائه فتحكي قصته مع الخواجة كرزون ذكاء منقطع النظير استخدمه هذا الشاب المحبوب فى تدبيج مقلب لا زال الشباب يذكرونه متندرين . اراد احمد ذات يوم تدبير هذا المقلب في الخواجة صاحب البار الذي لم يكن يسمح لهم باستدانة ثمن البيرة و الشري عندما يكون الجيب خاليا ، فقرر اصطياد احد الصقور و استخدامه في تنفيذ انتقامه . و لتتمكن من القبض على صقر بالغ حي لا بد ان تكون اسرع من هذا الصقر ، و ربما تطلب الامر اجادتك لبعض فنون الطيران ، و هى من الموهب التي كانت تنقص التكروني ، فلجا هذا لذكائه الشرير ، و ابتدا التنفيذ باصطياد فار محترم و من ثم دهن الفار بشئ من الصعوط تجهيزا للقبض على ملك الاجواء ، و من ثم قام احمد بقذف الفأر المدهون عاليا نحو عدد من الصقور المتجمعة في الجو ، فما كان من اقوي و اسرع هذه الصقور الا و ان انقض بسرعة البرق على الفار المدهون محاولا الحصول على الغنيمة الثمينة دون اقرانه ، و بالطبع كان له ما ارد فاختطف الفأر التعيس بقدمية و حلق مبتعدا عن باقي الصقور ممنيا نفسه بوجبة دسمة ، و لكن من اين له بذلك ، لو عاش هذا الصقر المسكين ساعة واحدة بمعية التكروني لعرف جيدا ان هذا الشاب لا يمكن ان يهديه تلك الوجبة الدسمة من اجل سواد عينية و بتلك الباسطة و الكرم الكبيرين ، لو خبر هذا الصقر المنكوب احمد جيدا لعرف انه سيكون ضحية هذه الوجبة المعمرة و ان لاحمد اهدافا و مغانم ابعد من ادراكه كثيرا . حلق الصقر الاسرع وسط المجموعة بفريسته مبتعدا ، و حينما تاكد من عدم ملاحقة بقية الصقور له بدأ في الاستمتاع بوجبته و اخذ ينقر جسد الفار نقرات سريعة متلاحقة مبتلعا فيها ما اقتلعة منقاره المتمرس من لحم الفار المتمبك ، فلم تمضي دقائق قليلة حتى و بدا الفأر المدهون ياتي اكله في راس الصقر المسكين . كل ذلك و احمد مراقبا لما يجري للصقر و منتظرا عن قرب اكتمال سطلة الصقر بفعل التمباك ، و لم يدم ذلك الانتظار انتظاره كثيرا ، قام احمد بالقبض على ضحيته بكل يسر و سهولة و وضعه في كرتونة معدة مسبقا لذلك ، انتظارا لتكملة بقية المقلب في الخواجة المسكينt . ذهب احمد في المساء مبكرا قاصدا الخواجة حاملا معه صيده ، و بدأ في مساومه ، و مقايضة ما يحمله داخل الكرتونة بما عند الخواجة ، مفهما له ان ما بداخل الكرتونة انما هو ديك كبير قام بسرقته من والدته دون علمها ، قد يقول قائل ان قيمة الصقر اعلى من قيمة الديك ، و هذه حقيقة في حال كون الخواجة احد ابناء الخليج ممن تستهويهم هواية الصيد بالصقور ، و لكن في حال الخواجة الذي لم يكن ممن يمارس هواية الصيد ، و انما هواية شراء الدجاجات و الديكة المحترمة ، فان الديك لا شك هو من يتفوق قيمة و مقاما . و انطلت الحيلة تماما على الخواجة خاصة بعد ان بدأ تاثير سلطان التمباك يذهب تدريجا عن راس الصقر و بدأ في الفرفرة و الرفس محاولا الخروج من الكرتونة مما جعل الخواجة يتاكد اكثر من قوة و عنفوان هذا الديك ، و لم يفت على احمد اظهار شيئا من الريش له ، فكان له ما اراد ، و الخروج محملا تاركا الخواجة يمني نفسة بوجبة عشاء محترمة ، بعد ان ارسل الديك مع احد ابنائه لامة كي تبدأ اعداده للوليمة المنتظره . كنت اراجع ذكرياتي في لبلد فتذكرت قصة هذا الشاب الذي عاش بيننا و احبه و صادقه الجميع ، و تذكرت فيما تذكرت عنه قصته مع الفار و الصقر و الخواجة ، تذكرت انه رحل عن بلدتنا اواخر الثمانينات مهاجرا كشباب جيله و انقطعت عنا اخباره بعد اختياره للعراق مهجرا له . لا يزال احمد التكروني فى ذاكرتنا نحمل له الود و نتذكره عندما نجتمع و نسال عنه و عن امه و اخته العائشتان حتى اليوم في نفس البيت . اخر ما رشح لنا عن اخباره ان بعض الشباب التقاه بالاردن منذ فترة و لا اعرف الي اين قادته قدماه الان فشاب في مثل هذه الموهبة و الذكاء ضاع متغربا لا اشك اطلاقا فى انه يمارس الان مهنة عادية تدر عليه رزق يومه و كم مثله من ضائع لم يسمع به احد .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
التكروني | حمد فتح الرحمن | 06-15-08, 04:02 PM |
Re: التكروني | humida | 06-15-08, 04:23 PM |
Re: التكروني | حمد فتح الرحمن | 06-15-08, 05:22 PM |
Re: التكروني | سلمى الشيخ سلامة | 06-15-08, 04:32 PM |
Re: التكروني | حمد فتح الرحمن | 06-15-08, 05:28 PM |
Re: التكروني | awad okasha | 06-15-08, 04:56 PM |
Re: التكروني | حمد فتح الرحمن | 06-15-08, 05:35 PM |
Re: التكروني | عمر الفاروق | 06-15-08, 05:39 PM |
Re: التكروني | حمد فتح الرحمن | 06-15-08, 05:48 PM |
Re: التكروني | Fawzi Babiker | 06-15-08, 06:29 PM |
Re: التكروني | حمد فتح الرحمن | 06-15-08, 07:08 PM |
Re: التكروني | Mahadi | 06-15-08, 09:14 PM |
Re: التكروني | حمد فتح الرحمن | 06-15-08, 10:35 PM |
Re: التكروني | عامر تيتاوى | 06-16-08, 00:08 AM |
Re: التكروني | حمد فتح الرحمن | 06-16-08, 09:59 AM |
Re: التكروني | Omar Bob | 06-16-08, 06:11 AM |
Re: التكروني | حمد فتح الرحمن | 06-16-08, 10:11 AM |
Re: التكروني | Omar Bob | 06-16-08, 10:33 AM |
Re: التكروني | حمد فتح الرحمن | 06-16-08, 10:54 AM |
Re: التكروني | Mahadi | 06-16-08, 11:47 PM |
|
|
|