أبيي ولعنة النفط: هل سيجد الاتفاق الأخير حول أبيي طريقه إلى التنفيذ؟
تاج السر عثمان
ما كان للوضع ان ينفجر في منطقة أبيي ويصل لذلك الوضع المأساوي لولا التلكؤ في تنفيذ اتفاقية نيفاشا، بما في ذلك الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الاتفاقية حول أبيي، والواقع ان أبيي كانت حجر عثرة في التوصل إلى اتفاق سلام بين طرفي التفاوض في نيفاشا، وعندها قدم السناتور دانفورث إلى طرفي التفاوض مقترحا بعنوان (مبادئ الاتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية بشأن أبيي بتاريخ: 19/3/2004م)، قبل الطرفان إعلان المبادئ أساسا لحل النزاع. احتفظ إعلان المبادئ للمسيرية بحقوقهم التقليدية في حركة الرعي، ولكن تدخل عامل آخر هو البترول الذي زاد من حدة الصراع حول الثروة في المنطقة، فبينما تري الحكومة في الشمال أن منطقة هجليج جزء من الشمال، تري الحركة الشعبية انها جزء من الجنوب مما يترتب عليه صراعات حدودية ربما تعصف باتفاقية السلام بين الحكومة والحركة الشعبية، وبمعني آخر ان الصراع حول مناطق البترول، ربما يؤدي إلى إلى فشل اتفاقية السلام وتندلع نيران الحرب مجددا، كما حدث في النزاع الأخير الذي كان من نتائجه حرق المدينة، وادخل البلاد على حافة الهاوية بالعودة لمربع الحرب.
وبالتالي دخلت أبيي في لعنة النفط، والمقصود بلعنة النفط، كما هو معلوم، ان اكتشافه في البلدان المتخلفة يزيد نيران الصراعات الإقليمية حول عائداته، حدث ذلك في بلدان مثل: نيجريا، ويحدث الآن في إقليم أبيي الغني بالنفط، وقد وضح ذلك جليا في الصراع الذي برز بين قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك حول خريطة مفوضية الحدود التي أدخلت فيها كل مناطق آبار البترول مثل حقول هجليج ودفرا والميرم وبحيرة كيلك ومنطقة تاما الزراعية كي تكون جزءا من بحر الغزال مما ألهب الصراع، وعارض المسيرية ما توصل إليه التقرير.
وبالتالي، لو كان الصراع بين المسيرية والدينكا، فما اسهل حله، لأن الاتفاقية اعترفت للمسيرية بحقوقهم في الرعي، ولكن تفجرت المشكلة وزادت اشتعالا مع اكتشاف وجود البترول في المنطقة، مما أحال النزاع من صراع قبلي محدود لصراع حول الثروة بين الشمال والجنوب.
ولا يمكن معالجة قضية أبيي بمعزل عن مسار التنفيذ في اتفاقية نيفاشا، لأن المسائل مترابطة ولا يمكن الفصل بينها، فمنذ توقيع اتفاقية نيفاشا في يناير 2005، كان هناك تباطؤ في تنفيذ الاتفاقية، ولم تنفيذ أهم ركيزتين في اتفاقية نيفاشا وهما : التحول الديمقراطي وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وتحويل وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لعام 2005 إلى واقع، إضافة لعدم تحقيق شيء يذكر حول التنمية وتحسين أحوال الناس المعيشية وتوفير احتياجاتهم الأساسية (التعليم، الصحة، خدمات المياه والكهرباء... الخ).
وكان من نتائج التلكؤ في التنفيذ ان علقت الحركة الشعبية مشاركتها في الحكومة المركزية في أكتوبر من العام الماضي بسبب عدم تنفيذ: التحول الديمقراطي، ترسيم الحدود، عدم تنفيذ الاتفاق حول أبيي..الخ، وتم معالجة ذلك بالوصول إلى مصفوفة جديدة لمتابعة تنفيذ الاتفاق، ولكن المصفوفة نفسها، تم التلكؤ في تنفيذها.
ورغم ترحيب الجميع بالاتفاق الأخير الذي تم حول أبيي بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، إلا أن الكثيرين يتساءلون عن مدي جدية المؤتمر الوطني في تنفيذ الاتفاق، بعد تجارب الاتفاقات السابقة التي وقعها، وكانت حبرا على ورق مثل: اتفاق السلام 1997، اتفاق جيبوتي مع حزب الأمة، اتفاقية نيفاشا2005، اتفاق القاهرة، اتفاق أبوجا، اتفاق الشرق..الخ.
فلو تم تنفيذ هذه الاتفاقات لما كان هناك احتقان أصلا، ولأصبحت وحدة البلاد قريبة المنال، ولما التهب النزاع حول أبيي، طالما كان هناك اتجاه عام لوحدة السودان من خلال تنوعه.
والاتفاق نفسه لم يأت بشيء جديد، وما كان للنزاع الأخير أن ينشب وتحدث تلك الخسائر في الأرواح والممتلكات، وكاد أن يعود بالبلاد لمربع الحرب، لو تم تنفيذ ما تم التوصل إليه في اتفاق نيفاشا حول أبيي.
فالعبرة ليست في توقيع الاتفاقات، ولكن في الجدية في تنفيذها، والتنفيذ هو الطريق الذي يضمن وحدة البلاد ويجنبها شرور التمزق والعودة من جديد لمربع الحرب الأهلية.
= = = = = = = = = = = السودان لكل السودانيين المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة