|
Re: .. السودان ... (Re: Saber Abdelhadi)
|
حملني أبي بعناد على ظهره الذي لم يُصب بعد بإنحناءة الخوف .. لم أكن قد بدأت البكاء بعد وإنما لحسن حظي كنت قد تعلمت من زملائي في الشارع أسس ونُظُم وقوانين التباكي الحر .. كنوبي عتيد حمّلوني من المراكب ما تيسر (ثم قالوا لي تبخّر) .. فرحت أتخيّل دخان دهشتي الكثيف ينقشع أمام الدهاليز المائية من أمامي .."هنا يسكن عوض ود نفيسة بت صالح" ،، وفي هذه الغرفة المائية بالذات يسكن شيطان البُطان وهو بالذات من إختطف "أزهري المحسي" في ليلة مقمرة يسمونها "قفلة المولد" .. أووتوودوني .. أسمعها تأتيني من بعيد كذبابة حصان trojan .. أهشّها بنغمة جديدة (ماشفت "الجلاء" السواها .. شال محبوبتي سافر بيها .. لى بلدا بعيد ودّاها.. ود الدابي مالك ساكت ..؟؟) النوبي لا يبك .. خاصة إذا كان عتيدا .. (ياآسيا بابورك في الأراك .. ) .. لا يستقيم النغم . أستعيده بمركبات جديدة .. يتأبى كشايقي عتيد .. الشايقية نغمة مستريحة .. الشايقية نوبية غير عتيدة .. للأسف لم أتعلم من زملائي كيفية ذبح البلاد من الوريد إلى الوريد .. لم يكن أحدٌ منهم يعرف ..!! كنا على عكس ذلك نغرقها بحبرٍ أزرق شفيف ، ثم نمرر عليه بأصبعتنا الصغيرة السوداء ليصير بحرا كاملا غير منقوص .. من سيأتي لإبراهيم بـ(المريسة) من (الجو) بعد غيابي ..؟؟ هكذا فكّرت وأنا أمخرُ عباب "الكربكان" في طريقي لجلب العبيد والذهب.. لابد أن (البعيو) سيتولى تلك المهمة اللذيذة .. فهو دائما ما يتربص بسفري الدوائر .. في قفلة المولد هذا الموسم لن يمر إبراهيم وفرقته من الكمبلا على البيوت مهنئأ وراقصا إن حدث وتلاعب (البعيو) في كوتة المريسة اليومية .. أو غش الكرتلة بالبصق عليها ورفعها للشمس .. في مثل هذا اليوم ، دائما ما تأتي الكمبلا قبل الزفة الرئيسية (صلوا علىىىى .. صلوا علىىى ..) .. ودائما كان يلح عليًّ السؤال (لماذا دائما تنتهي زفة المولد في قسم البوليس "للتحية العسكرية" ..؟؟!!) مادخل المولد بالتحية العسكرية .. كنوبي عتيد ومتمرس كنت أقنع نفسي بأن البوليس هو الأبقى وإنما المولد زائل .. الشايقية نغمة مستريحة .. النوبية نغمة متمردة .. عصية على البكاء .. أوووتوودووني. .. نعم .. هكذا كنت أشق عصا الطاعة على كل ماهو ثابت .. الحجر .. النخيل .. النيل .. والأرض المستريحة كنغمة جامدة .. ليتني أستطيع البكاء .. فالتباكي مرُ .. والبكاء حلوُ .. مستطاب ..
|
|
|
|
|
|
|
|
|