نجيلة يلقي الضوء على طبيعة الازهري وطريقة تفكيره في محاربة الشعوذة والدجل
اورد في سفره الخالد (ملامح من المجتمع السوداني) «ص73» تحت عنوان (لون من الاسلوب العلمي) قصة شغلت الرأى العام السوداني ردحاً من الزمن من الاهتمام بها وذلك لما كان يسود من الجهل والخرافة والشعوذة. ومفاد القصة التي نشرت آنذاك في جريدة (حضارة السودان) بتاريخ 26 مايو 1921م، بان احد الاهلين نزل داخل بئر مجهولة بمدينة دنقلا فغاب ولم يعد فتبعه اخوه وكذلك نزل قاع البئر آخرون حتى بلغ العدد ثمانية لم يعد منهم الا واحداً ليخبرهم بأن الجميع بقاع البئر جثث هامدة. وانتشر النبأ ولكن على اساس ان البئر مسكونة.
لقد شغلت هذه القصة الرأي العام السوداني طويلاً ولك ان تتخيل ايها القارئ حجم الإثارة التي نسجت حول الحدث. احد طلبة غردون لم يدع الحدث يمر بتلك البساطة فرد على الخبر بعلمية سلسة بمقال نشر بذات الصحيفة 16 يونيو 1921م تحت عنوان «بئر دنقلا». كان ذلك الطالب اسماعيل الأزهري أول رئيس حكومة وطنية منتخبة عام 4591م ورأينا ان من الاوفق ان نورد ذلك المقال برمته ليساعد اكثر في شرح طبيعة الازهري ابن العشرين ربيعاً وطريقة تفكيره.
كتب الأزهري رده كالآتي:
سيدي رئيس تحرير (الحضارة)
بين أعمدة العدد «44» الصادر بتاريخ 26 مايو 1921م، رسالة من مكاتبكم بدنقلا بعنوان «بئر غريبة» خلاصتها «واورد خلاصة القصة كما جاءت في رواية المراسل ثم استطرد يقول: وكأنني ببعض القوم يذهبون في السبب لتسكن الخرافة القائلة بأن البئر مسكونة. يعني يسكنها نفر من الجن تجري على ايديهم تلك الافاعيل الغريبة وما نالت هذه الخرافة في ادمغة المتهوسين.
اقول لهم ان السبب هو اختناق اولئك المساكين بغاز الكربونيك، وهو غاز لا يخلو منه مكان، وجميع الكائنات تتنفسه بحركة الزفير في الهواء بنسبة اربعة اجزاء منه الى عشرة آلاف جزء من الهواء، وهو ينتج من احتراق اي جسم يشتمل على الكربون، وهو غاز لا لون له ولا طعم ولا رائحة ولا يساعد على الاحتراق واذا وجد مع الهواء في مكان رسب الى اسفل وهناك طرق شتى للحصول علىه ويستعمل في اغراض مخصوصة واذا وضع حيوان في حوض من ذلك الغاز يشاهد له تضايق ثم تقف حركته ويعقب ذلك الموت.
وكذلك اذا وضع في نفس الحوض مصباح او شمعة متقدة فانها تنطفئ لاحتياجها كالانسان الى الاوكسجين الذي يساعد على الاحتراق.
وكثيراً ما يوجد غاز الكربونيك في الآبار المهجورة وهو ليس ساماً وانما يحصل منه الاختناق لعدم وجود الهواء اللازم للتنفس داخل طبقاته المتكاثفة في قاع البئر.
فقبل الدخول في تلك الآبار المهجورة يجب انزال مصباح أو شمعة متقدة اولاً للتحقق من وجوده او عدمه كما صنع حضرة الملازم حمزة افندي عبد الرحمن علي ما جاء في تلك الوسيلة فان استمرت الشمعة مثلاً متقدة دل على عدم وجوده وإذا انطفأت كان ذلك دليلاً علي وجوده. ولإزالته يصب قليل من محلول الجير في البئر ثم تنزل الشمعة المتقدة. فاذا استمرت متقدة فالبئر طهرت ونظفت وإذا انطفأت صب المحلول مرة اخرى وتنزل الشمعة مرة ثانية. وهكذا ينظف من ذلك الغاز ثم تستخرج جثث المساكين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة