اشواقي تولد في كرمة (قصيدة جديدة)!

Quote: (1) ملامح مجتمع ( كرمة ): ظهر فى الفترة االتى خضعت خلاها مصـر لنفوذ الهكسوس ، حيث اقام حضارته وبسط نفوذه السياسي على المنطقة من شمال ( سـمنه ) اوالجندل الثانى الى جنوبي الجندل الثالث ، وهي المنطقة التى شغلت فى الماضي بأهل واوات ويام واشارت اليها نقوش المملكة المصرية الوسطى كموطن أصلي للشعب الكوشي (4) . يستفاد من ذلك أن مجتمع كرمة كان النواة الحضارية الأولي للشعب الكوشي بوادى النيل الأعلي، منه إنطلقت مسـيرته عبرالعصـور ليقيم إحدي أعظم الحضارات الإفريقية بين شعوب العالم القديم. أبدى مجتمع كرمة بعدا حضريا أفضل من أسلافه حسبما دلت الحفريات الأثرية حتى الآن (5)، وحقق إزدهارا إقتصاديا بسبب عائدات تجارته النشطة مع مصر ، واقام من النظم الإدارية والسياسية والأمنية ما يكفل استمرارها وتدفق عائداتها، ولعل مدينتهم ( كرمة ) بما بلغته من عمران ونظام إجتماعي إسـتحقت لقب اول مدينة سـودانية بالمعنى المصطلحي التاريخي للمدينة، حيث ظاهرة الغني بين عدد من افراد المجتمع ، يقابلها فقر وعوز بين قطاعات أخرى إعتمدت حياتها المعيشية على طرق بـدائية من زراعة موسـمية محدودة وصـيد نهري ، كما عكست تجـمعاتها السـكنية بمساكنها المتلاصقة الثابته وهـندسة بنائها بعدا حضريا دلّ على الإسـتقرار وارتباط مواطنيها بالإرض والموقع الجغرافي . كان أبرز ما يميز صـبغتها المدنية صـورة تكوينها الإجتماعي بتقسيماته الطبقية الثلاثة : فئة الحكام وهي الطبقة العليا، ثم التجارالأثرياء والكهـنة وهم نـواة طبقة النبلاء التى ظهرت لاحقا عندما تحول النظام الى نظام إمبرطوري . وأخيرا فئة المحاربين والحراس والعاملين فى مجال الإدارة ، و الزراع والصيادين . هذه الصورة الإجتماعية تفصـح بوضوح عن خضوع المجتمع لنظم رسـمية ، وأن علاقات أفراده لم تعد مبنية علي صلة الدم واواصرالقربي كما كان الحال بين أسلافهم ، وأن دافعهم للإجتماع فى هذه المدينة مصالح مشتركة ومنافع متبادلة وفق أسـس ونظم رسـمية ، وتلك هى الشروط الضرورية لتصنيف المجتمع كمجتمع مدني . الملاحظ أن مجتمع كرمة لم ينجو بدورة من مثالب المجتمعات المدنية القديمة وآفتها، حيث النظام الطبقي يبرز أسنانه بقوة من خلال طقوس التضحية بالأتباع ، وهو طقس تسرب اليهـم ضمن مؤثرات العقيدة الفرعونية التى جعلت التابع ضمن أملاك سـيده يحيي بحياته ويموت بموته . مع ذلك ـ هـنالك ثمة فرق جوهري بين مصـدر النظام الطبقي الذي ظهر فى المدن الأوربية القديمة ومدن وادى النيل ، إذ شكل الإقتصـاد المصدر الأقوى للنظام الطبقى والإقطاعي فى اوربا القديمة ، بينما كانت العقيدة ( عـقيدة الحياة بعد الموت وتأليه السيد ) مصدرها الرئيس بين شعب وادى النيل . ربما كان لمجتمع كرمة لغة كتبت برموز لم يكشـف عنهـا بعد ، كانت مغايرة للهيروغلوفية التى تبناها الخلف فى زمان لاحق . شاهد الحال ـ أن مجتمع كرمة كان له قصـب السـبق فى إبراز مظاهر الإنتقال نحو الحياة المدنية فى اوساط الشعب الكوشي ، مدللا أن الحياة المدنية لم تكن بداينهااوربية كما زعموا .

(عدل بواسطة محمد على طه الملك on 05-02-2008, 09:49 PM)