التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...توثيق.

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 05:46 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-01-2011, 02:01 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)

    هذا هو "التجاني الطيب"...وهذا هو "حزبه"!! (1)

    صديق عبد الهادي
    [email protected]

    أوردت صحيفة "جريدة الحرية" التي اسسها كل من "جون روسوورم" و"صمويل كورنيش"، كأول جريدة تُعنى وتنطق بحال الأمريكان من اصول أفريقية في الولايات المتحدة الامريكية، الأمريكان السود، أوردت في إفتتاحية عددها الاول والذي صدر في مدينة نيو يورك في يوم 16 ماس 1827م، مقطعاً بسيطاً ولكنه كان ذا دلالة عميقة، إذ يقول، " إننا نتطلع للتبشير والتصدي لقضيتنا بأنفسنا، فلقد تحدث الآخرون نيابة عنا طويلاً". هذا الموقف، ومنذ اللحظة الاولى، هو ما تبناه الراحل "التجاني الطيب"، رئيس تحرير جريدة الميدان الناطقة بلسان الحزب الشيوعي، بالرغم من انه لم يكلف الآخرين ولو قليلاً من عناء الدفاع عن مشروع العدالة "الجديد" الذي تبناه حزبه. وما في ذلك من تجاوزٍ للحقيقة، إذا ما نظرنا إلى تاريخ تأسيس الحزب الشيوعي في 1946م وتأسيس جريدة الميدان في 1954م.


    إطلع "التجاني الطيب"، كاحد مؤسسي الحزب وجريدة الميدان، بمهمة التبشير والتصدي، بشكلٍ يكاد ان يصل مصاف الإطلاق، وقد سما في ذلك سمواً باهراً، للحد الذي أضحى فيه رمزاً من رموز القضايا الكبرى، تلك القضايا التي إرتبطتْ وترتبطُ في إنجازها بالمؤسسات التي حملت على عاتقها مهام التغيير الجذري.
    إنني لا ازعم، وكثيرون غيري، معرفة الراحل "التجاني الطيب"، ولكن يمكنني القول، وبزعمٍ أكيد، أنه واحدٌ من "القلائل" الذين يخيبون، وفي سبيل معرفتهم، ظن التطابق بين التوقع والحقيقة!!!. فنحن الذين وفدنا إلى رحاب الحركة الديمقراطية السودانية، والتي في قلبها الحزب الشيوعي، في السني العاصفة التي أعقبت يوليو 1971م، كانت لنا، وقتها، تصوراتنا الخاصة وتخيلاتنا عن ذلك النفر من الشيوعيين السواطع، اولئك الذين عََبَروا بالحزب من فوق جسور الدم ليعودوا به في ثبات مبين، وليودعوه حضن الشعب. شعبنا الذي لا تُطال ودائعه، ولا تُضار!. كان "التجاني الطيب" واحداً ممنْ اسدوا تلك المهمة النبيلة، وواحداً ممن أحكمتْ سياجها حوله تخيلاتنا الخاصة!!!.


    ففي يوليو عام 83م، وفي صباح العيد وفي قسم المديرية بسجن كوبر العمومي، جاء وفي خطوٍ خفيفٍ ورشيق لا ينبئ عن عمره، ولا يمتُ إليه. وكانت تسبقه وترفُّ على وجهه إبتسامةٌ ودودة. كان ذلك هو "التجاني الطيب"، جاء من الزنازيين الشرقية، والتي كانت تُعرف بالشرقيات، ليبارك العيد على المعتقلين. وقد كانوا من احزابٍ مختلفة، بينهم نقابيين وطلاب وغيرهم. وكان بين المعتقليين عددٌ من قادة الحزب الشيوعي، المهندس صديق يوسف، سعودي دراج، الراحل علي حبيب الله، التوم النتيفة، الشفيع خضر، حسن عثمان، محمد بابكر، عباس السباعي وآخرون. كانت تلك هي المرة الاولى التي ارى فيها الراحل "التجاني الطيب". ومما كان يُحكى عن حزمه وصرامته كنت اتوقع شخصاً قاسي الوجه، قمطريري الملامح!!!. فلقد خاب توقعي وجافى الحقيقية!!!. ولا اشك في ان ذلك هو حال كل منْ سمع به ولم يقابله او يراه.
    قد يعتقد عددٌ ليس بقليل من اعضاء الحزب واصدقائه بأن تحديث برنامج الحزب الحالى مرتبطٌ بإنفتاح المناقشة العامة التي بدأت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، إلا ان الحقيقة قد تكون غير ذلك. وقد ترجع مسيرة التحديث إلى ما بعد المؤتمر الرابع، غير انه قد تكون من ارأس محطاتها تلك المساهمة في تطوير البرنامج التي أدارتها قيادة الحزب من داخل سجن كوبر في عام 83م وما تلاه حتى إنتفاضة الشعب في ماس/ ابريل 1985م.
    طلبت قيادة الحزب من الشيوعيين والديمقراطيين المعتقلين الكتابة في م

    جالات تخصصهم، إن كانت الاكاديمية او المهنية، وكذلك عن تجاربهم وخبراتهم في الميادين الاخرى مثل النقابات وتنظيمات الشباب وغيرها، وذلك لاجل تطوير برنامج الحزب. أًنجزت تلك المساهمات وقُدِمتْ في شكل محاضرات داخل المعتقل وذلك قبل تسليمها لقيادة الحزب خارجه.
    كانت مساهمتي التي قدمتها في الاقتصاد السياسي لنشاط التأمين التجاري سبباً في إلتقائي وتعاملي مع الراحل "التجاني الطيب" إبان سني الديمقراطية الثالثة. وذلك حين دعاني الاستاذ محمد إبراهيم نقد لمناقشة تلك المساهمة معه، قبل أن يشير عليّ بالذهاب للقاء الراحل "التجاني الطيب" في جريدة الميدان، لإتفاقٍ مسبقٍ بينهما على ذلك. كانت مناقشة الاستاذ نقد مفيدة وكان نقده عميقاً. كانت إحدى نقاطه التي اثارها، هي، ما السبب في توسلي كتابات المفكرة اليسارية الاشهر "روزا لوكسمبيرج" عوضاً عن استفتاء واستنطاق نصوص "كارل ماركس" فيما يخص معالجة راس المال التجاري؟!!!. وكانت إجابتي بانني ، ليس وقتها وحسب بل وما زالت، اعتقد بأن مساهمات "روزا" في نقد الاقتصاد السياسي للراسمال التجاري والمالي المتعلق بالبنوك والمصارف وبحركة التامين التجاري كذلك كأنشطة راسمالية صميمة، لهي مساهمات عميقة لا تضاهى. ولذلك كان "لينين" محقاً حين قال،عند إستشهادها، "لقد هوى نسر الماركسية المُحلِّق"، وبالفعل كانت تحلق عالياً ليس بنضالها السياسي فحسب، وإنما بفضل فتوحاتها الحصيفة في نقد الاقتصاد السياسي للرأسمال والذي يقف فيه كتابها "تغيير إجتماعي ام ثورة؟" كواحدٍ من المساهمات المتميزة.
    ولكنه، وبرغم الجهد الذي بذلته في تلخيص المساهمة فقد طلب مني "التجاني الطيب" إعادة صياغة الموضوع من أوله وإلى آخره وذلك لتنقيته من الروح الأكاديمية لكي يصبح صالحاً للنشر الصحفي في جريدة الميدان. كان درساً قاسياً ومفيداً، تابع تنفيذه معي الصديق صدقي كبلو المحرر الاقتصادي غير المتفرغ لجريدة الميدان حينها. ومن بعدها اصبحت مساهماتي للميدان تمر عن طريق مكتبه مباشرةً.


    كان تربوياً منصفاً، لم يخف عني إعجابه بإستعراضي لكتاب الشاعر الشيلي العظيم "بابلو نيرودا"، ذلك الذي كان ينتقد فيه الرئيس الامريكي "ريتشارد نيكسون".
    "التجاني الطيب" رجلٌ حازم وعطوف، وقد يقول الكثير من الناس بذلك، إلا اني في هذا المقام اكتفي بشهادتين لا يطولهما الطعن باي حال من الاحوال. الأولى أنني وذات مرة ذكرت للاستاذة "فاطمة أحمد إبراهيم"، وذلك في عام 1994م، بان "عم التجاني الطيب" رجلٌ صارم، وقبل ان اكمل جملتي قالت لي "في العمل الرسمي ولكن قلبو كبير، ولا احد يعرف التجاني اكثر مننا". واما الشهادة الثانية فمن الاستاذة "خنساء سوار الدهب" التي التقيت بها، تلك المرة، في ولاية ميرلاند بالولايات المتحدة الامريكية وذلك في عام 2005م، فيما اعتقد، حيث حكت لي عن احدى تجاربها مع الراحل "التجاني الطيب". وكان ان تناقشتْ معه حول موضوعٍ يتعلق باحدى الانقلابات العسكرية، فإحتدَّ معها الراحل في المناقشة. ولم تقبل ذلك منه، وقد جرى ذلك في منزل الراحل. فما كان منه، وبعد ايامٍ قليلة، إلا ان زارها في منزلها بحي الملازمين معتذراً.
    إن مورد الإعتذار موردٌ صعب لا يرده إلا خيار الناس وأشجعهم. و"التجاني الطيب" رجلً خيِّر وشجاع، وليس في ذلك شك.
    نشر بتاريخ 0




    ---------------

    قراءة في المشهد السياسي : ورحل زيت قناديلنا

    د. الشفيع خضر سعيد



    الزمان: آواخر سبعينات القرن الماضي. المكان: أرض الحجر في حي الديوم الشرقية بالخرطوم. كان يعيش بسيطا أنيقا ككل سكان الحي، في منزل بسيط، نظيف ومرتب دائما، تكاد لا تجد فيه ذبابة، رغم أن الذباب يعشق ذلك الحي، عشقا ممنوعا. سكان “المربوع” كانوا ينادونه الأستاذ طه أبوزيد. بعد إنتفاضة أبريل 1985، حدثني صديق من أبناء الحي، بأن السكان نادوه بالاستاذ لأنهم، ومنذ قدومه للسكن وسطهم، إكتشفوا فيه حصافة وعلم الأساتذة، وحكمة وقدرات المربين على حل المشاكل والتوفيق بين الخصماء، إضافة إلى نظافة وأناقة الملبس والمظهر. كانوا يستنجدون بالأستاذ طه للتدخل متوسطا في تلك المشكلة الأسرية أو ذاك الشجار بين الجيران. وكان الحل دائما بين يديه، يأتي بسيطا ومقنعا. ” لكنه أبدا لم يكن يتحدث معنا في السياسة إلا التعليقات العامة التي نشترك جميعنا في الإدلاء بها.”، هكذا حدثني ذاك الصديق.

    في ذات مرة، حضرت إلى منزل الاستاذ طه، بعد حلول الظلام مباشرة. وبدأنا العمل في تنفيذ تكليف هام، مطلوب أن نسلمه في الغد. فجأة علت أصوات شجار من منزل الجيران. بدأ صوت شاب مخمور يكيل السباب ويهدد ويتوعد. قال لي الاستاذ طه “إن هذا الولد، والذي توفى والده قبل عدة سنوات، تعلم مؤخرا شرب الخمر، وظل يوميا يعذب أمه العجوز ويطالبها بالمال ليبدده في شرب الخمر، مع إنه في النهار، أو عندما لا يعاقر الخمر، يكون واعيا ومهذبا وودودا.”. وبعد أقل من نصف ساعة، ارتفع صوت الأم تنتحب وإبنها يواصل هذيانه. وفجأة انتفض الأستاذ طه واقفا، ولبس جلبابه الأبيض النظيف “المكوي” ووضع عمامته على رأسه وكأنه في طريقه إلى حضور عقد قران، وخرج بسرعة البرق من المنزل دون أن يعطيني فرصة حتى للتساؤل. سمعت صوته في منزل الجيران وهو يعنف الإبن ويذكره بضرورة البر بأمه ورعايتها وليس تعذيبها. وإستمر الحديث لفترة طويلة، ثم رويدا هدأت الأصوات، وبدأ كلام خافت تتخلله تخنجات الإبن وهو ينتحب متأسفا ومقسما ألا يكرر ذلك. عاد الاستاذ طه وبادرني قبل أن أنطق بكلمة: “طبعا حتقول هذا خرق لقواعد التأمين، ياخي فليذهب التأمين إلى الجحيم، إذ من المستحيل تحمل وتجاهل “مسخرة” هذا الولد التي تتكرر كل يوم، وبكاء أمه تحسرا على ضياع إبنها”. فيما بعد علمت أن ذاك الإبن أصبح صديقا حميما للأستاذ طه. وبالمناسبة لم نتمكن من إنجاز ذاك التكليف في تلك الليلة.

    وفي إحدى صباحات الخريف المنعشة، والتي لا يخدشها سوي قصور أداء حكومات السودان المتعاقبة منذ الاستقلال في الإستعداد لدرء آثار الأمطار، ذهبت إلى منزل الأستاذ طه، بعد أن روت سماء البارحة الأرض مطرا مدرارا. كان واضحا أن المطر أطفأ ظمأ أرض الحجر وفاض، فكانت “الفسحة” وسط منازل الحي، عبارة عن بحيرة مغلقة المنافذ بدون أي تصريف للمياه مما يهدد المنازل وصحة البيئة. وفعلا، يبدو أن قصة مجاري تصريف المياه هذه في السودان لن يكتب لها الحل الناجع إلا يوم أن تحل الأزمة العامة في البلد. في ذلك الصباح، رأيت جمعا من سكان حي أرض الحجر في الشارع يحفرون الأرض مجاري لتصريف المياه. ومعهم كان الأستاذ طه أبوزيد، يرتدي بنطال جينز، ممسكا بطوريته يحفر مع الجميع، وهم يتبادلون الضحكات والقفشات و”التقريقات”. في تلك اللحظة، خطر على ذهني السؤال المتوقع: ألا يبالي هذا الرجل إن إنكشف أمره وتم إعتقاله؟ أعتقد أن الأستاذ طه أبوزيد كان مدركا تماما لكل العواقب والمخاطر، ولكنه كان يرى في الالتحام بالناس البسطاء ومشاركتهم همومهم اليومية، وتقاليد حياة التكافل السودانية السمحة، كان يرى في كل ذلك أولوية تفوق أي تعقيدات تفرضها المحاذير الأمنية. وفي مرة أخرى، حضرت إليه مساءا ووجدته يعد العدة للخروج، وعندما سألته قال لي “طفل (ع.ه) مريض وهم الآن في حوادث الاطفال وأنا قلقت جدا عليهم وكنت بصدد الحضور إليك في المنزل حتى تذهب إلى المستشفى ونطمئن”. لم تكن معه عربة، ولكنه إعتاد الحضور إلي في المنزل قاطعا المسافة من أرض الحجر إلى آخر إمتداد الدرجة الثالثة راجلا! فعل ذلك عشرات المرات ولأسباب مختلفة، من بينها مثلا، لمجرد المباركة لزوجتي بمولودتي الأولى “عزة”.

    في ذلك المنزل البسيط النظيف كمنازل العمال، كان الأستاذ طه أبوزيد يطبخ أكله بنفسه. وللدقة كان “يسلقه” إذ كان يرى الأكل المسلوق أكثر صحة لمن هم في وضعه. وعندما يعلم أني سأزوره، كان يدخل بعض التحسينات على الأكل، رأفة بي. وكان يشتري الخبز كل أسبوع ويخزنه في فريزر الثلاجة، علما بأن حصته اليومية من الرغيف لم تكن تزيد على ثلاثة أنصاف رغيفة، يأكل نصف رغيفة فقط في كل وجبة. تعشيت معه ذات ليلة، فول بالجبنة، وكان “مظبطا” جدا. أكل هو نصف الرغيفة المعتادة، ولكني اكتشفت أنني قضيت على كل ما تبقى من مخزون الاسبوع من الرغيف! وكان لابد أن آتي له برغيف بديل في اليوم التالي.

    ملحمة الجانب الإنساني من حياة الأستاذ طه أبوزيد وهو يعيش في التخفي آنذاك، كثيرة التفاصيل، ووحدها فقط يمكن أن تملأ كتابا كبير الحجم، ناهيك عن تفاصيل ملحمة حياته النضالية الصلبة الممتدة في خط مستقيم دون تعرجات منذ أربعينات القرن الماضي وحتى رحيله بالأمس القريب. والكثير يمكن أن يستشف من تلك التفاصيل، لكني هنا أركز على أثنتين فقط: الأولى: بالنسبة لسكان منطقة أرض الحجر، لم يكن يهمهم إن كان ذاك الرجل إسمه الأستاذ طه أبوزيد أو الأستاذ التجاني الطيب، فقد كان يهمهم ويكفيهم الرجل نفسه الذي مثل لهم الشهامة والنخوة ودفء الأبوة، وطيبة الجيرة، وحكمة المربي الجليل، وسائر سمات الانسان وجمال قيمه المذكورة في قصص الأنبياء والمتصوفة. والثانية: كان الأستاذ التجاني، أو طه أبوزيد إن شئت، يؤمن تماما أن خير حماية من عيون أجهزة الأمن هو السكن في حدقات عيون الناس، وهو سكن يصعب توفره أو إمتلاك ثمنه إلا لمن يجعلون قيم العدالة والحرية وتوفير الحياة الكريمة للناس وتحقيق طموحاتهم، همهم الأول وفوق همومهم الشخصية، والأستاذ التجاني الطيب إمتلك سكنا مريحا وفاخرا في تلك الحدقات.

    في العام 1980 إعتقل الاستاذ التجاني الطيب، وكان جاره في الزنازين الكائنة في سطح سقف مبنى جهاز الأمن، الأستاذ الباقر أحمد عبدالله، رئيس تحرير صحيفة الخرطوم حاليا. وبعد فترة من ذلك الإعتقال قابلت الأستاذ الباقر، وما أن رآني حتى صاح منفعلا ” هل تدرك أن الاستاذ التجاني قد انقذ حياتي من موت محقق؟” ثم شرح لي كيف أنه مصاب بالربو “الأزما” وأنه أصيب بنوبة خطيرة أثناء تواجده في الزنزانة، حيث داهمه ضيق النفس الحاد، فكان يئن طالبا من الحرس إخراجه والذهاب به إلى المستشفى، ولكن لم يستجب الحرس. ثم سمع ساكن الزنزانة الملاصقة له يدق في الحائط ويعرفه بأنه التجاني الطيب، ويسأله “ما هي المشكلة؟”. يقول الأستاذ الباقر “أن الأستاذ التجاني عندما علم بتدهور حالتي الصحية، زأر بقوة وكأنه الأسد، وأخذ ينادي الحرس لينقلوني إلى المستشفى، وهو في نفس الوقت يصيح فيهم بغضب شديد ويحملهم مسؤولية أي مكروه يحدث لي، ويتوعدهم بعقاب الشعب” ويواصل الاستاذ الباقر حديثه لي “لم يتوقف الأستاذ التجاني لحظة واحدة عن الصراخ في وجه الحرس….، ولدهشتي جاء الحرس مرتعدا مرتجفا، وبدأ بعضهم يهدي الأستاذ التجاني ويتأسف له، والآخرون حملوني بالاسعاف إلى المستشفى….وقال لي الطبيب إذا تأخرت دقائق ربما كنت ستفارق الحياة”.

    ما يقرب من الإثني عشر عاما، عشتها مع الأستاذ التجاني الطيب في القاهرة. كنا نلتقي كل يوم تقريبا، صباحا ومساء. وكل يوم كنت أكتشف جانبا مشرقا آخرا من الاستاذ التجاني الانسان، وجديدا علي، رغم أني كنت لصيقا بالرجل منذ السبعينات. وإذا أردت تناول الجوانب الإنسانية وحدها، ناهيك عن السياسية، في حياة الأستاذ تجاني خلال تلك الفترة التي عاشها الرجل في القاهرة وأسمرا والمعسكرات، لكان علي تدبيج المئات من المقالات كبيرة الحجم. يكفي أن أقول هنا، أن كل أطفال منطقة سكنه في حي رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة يعرفون “عمو تجاني” الذي لا تخلو جيوبه من الحلوى. أما الكبار، وأغلبهم من المهنيين وضباط الجيش من المصريين، فعندما يتحدث الاستاذ تيجاني يصمت الجميع ويصتنتوا في إحترام وتقدير لقيمة كلمة الرجل. والحديث هنا ليس يالضرورة في السياسة، أو في الغالب هو ليس في السياسة. فالأستاذ تجاني كان يعلم جيدا متى وأين يتحدث بالسياسة. يقول لي الدكتور منير، صاحب الصيدلية في العمارة التي كان يسكن بها الأستاذ تجاني، في دهشة وإعجاب، أن تجاني كان مهجسا جدا أن يعود إلى السودان في صندوق…كان يريد أن يرى تراب البلد قبل الرحيل.

    كان الأستاذ التجاني الطيب بالنسبة لأوساط السودانيين في القاهرة، هو المفكر والكاتب والصحفي والزميل والسياسي الدوغري. ولكن بالنسبة لي، كان أيضا معلما وصديقا صدوقا ووالدا حانيا. هذا الرجل، وضىْ الابتسامة، علمنى كيف أن التعلق بقضايا الانسان الكبرى، ليس طيش شباب أو مجرد مزاج، أو تهرب من اعباء المسئولية الفردية الخاصة. كان همه اليومي، وهو الذى تشرب باكرا معانى العدل الذى يسع الجميع ولا يستثنى احدا، هو كيف نحقق للملايين من الكادحين فى كل ربوع السودان حلمهم بالعيش الكريم. وحياة الرجل اليومية تكشف عمق العلاقة بين الحلم والواقع، بين الفكر والممارسة العملية. اكثر انطباعاتى عن ايام إختفاء الاستاذ تجانى الطيب، هو النظام والترتيب المدهش لشكل حياة مؤقت وعبثى ومحزن، والصرامة المبنية على تقليص النفقات والمجهود والمشاوير. نظام شراء خبز الاسبوع والتنازل عن ذلك الحق البسيط (خبز طازج)، ترك فى داخلى اثرا قوىا. أما مظهر الافندى الذى احتفظ به فى كل اوقاته، فهو اشارة اخرى الى ان الاختفاء حياة كاملة الفروض ليس فيها الا ما يمنع عيون الطغاة عن ملاحقة العمل اليومى من أجل رفع الوعى بالحقوق وتثوير الاخرين. والتفرغ للعمل الحزبى لا يساوى عند التجاني إلا مزيدا من الضبط والصرامة فى التعامل مع الوقت والاحداث. عاش الأستاذ تجاني حياة لا تعرف الخنوع والاستسلام، ولا تركن للأجوبة المعلبة، ولا تعادى الفكر والرأى الجديد. كان وجوده، ورفاقه الشرفاء، في منصة النضال، هزيمة لمقولات التخذيل من اعداء الحزب، مثل “الشيوعية تعتزل بعد سن الاربعين”. فقد قدم التجانى نفسه وفكره وقلمه لنشر الوعى ومفاهيم الديمقراطية والاشتراكية فى كل مراحله العمرية بلا كلل ولا ملل. وحقا، إنطبق عليه وصف دزيرجنسكي، كمناضل بارد الرأس، دافء القلب ونظيف اليد.
                  

العنوان الكاتب Date
التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...توثيق. الكيك11-26-11, 06:38 PM
  Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك11-26-11, 06:58 PM
    Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك11-26-11, 07:03 PM
      Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك11-26-11, 07:32 PM
        Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك11-27-11, 07:28 AM
          Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك11-27-11, 07:58 AM
            Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-26-11, 08:39 PM
          Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك11-27-11, 08:14 AM
            Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك11-28-11, 09:06 AM
              Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك11-29-11, 10:36 AM
                Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك11-30-11, 06:59 AM
                  Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك11-30-11, 09:51 AM
                    Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك11-30-11, 10:06 PM
                      Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-01-11, 02:01 PM
                        Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو عبدالله الشقليني12-01-11, 02:56 PM
                          Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-01-11, 10:06 PM
                            Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-03-11, 08:34 AM
                              Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-05-11, 04:54 AM
                                Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-05-11, 10:30 AM
                                  Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-06-11, 07:07 AM
                                    Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-07-11, 08:04 PM
                                      Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-10-11, 09:08 PM
                                        Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-11-11, 04:25 AM
                                          Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-11-11, 08:46 PM
                                            Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-13-11, 10:48 AM
                                              Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-20-11, 09:12 AM
                                                Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو Sidgi Kaballo12-20-11, 03:53 PM
                                                  Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-22-11, 07:36 PM
                                                    Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو salah elamin12-22-11, 07:56 PM
                                                      Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو الكيك12-24-11, 08:22 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de