|
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو (Re: الكيك)
|
في وداع آخر الأنبياء السياسيين! منذ 2 ساعة 22 دقيقة التيجاني الطيب بابكر فتحي الضَّـو
[email protected] غيّب الموت الأسبوع الماضي الأستاذ التيجاني الطيب بابكر، وذلك عن عمر ناهز الخامسة والثمانين عاماً. سخَّر منها أكثر من ستين عاماً لحياة حافلة بالعطاء والتجرد ونكران الذات. وهي القيَم النبيلة التي لازمته حتى آخر لحظة قبيل أن تصعد روحه لبارئها. كان التيجاني قد نال نصيبه من الاعتقالات في سجون الأنظمة الديكتاتورية الثلاث التي تسلطت على رقاب الشعب السوداني. والذي قد لا يُدهش الذين يعرفونه عن كثب، أن السنوات التي قضاها في المعتقلات والاختفاء القسري، إلى جانب المنفى الاختياري في القاهرة التي جاءها هارباً في العام 1991م على ظهر جمل، قبل أن يعود للسودان مجدداً في العام 2005م قد غطت أكثر من نصف عمره السياسي. والمفارقة أن القاهرة تلك قد شهدت أول اعتقال له في سجن (الهايكتسيب) في مايو من العام 1948م وكان حينذاك يشغل موقع سكرتير اتحاد الطلبة السودانيين. ورافقه في السجن كلاً من عبده دهب، عبد الرحمن الوسيلة، محمد أحمد الرشيد، تيدي جيمس لاركن، والأخير هذا من جنوب السودان وكان يعمل موظفاً مع الإدارة البريطانية في قنال السويس، إلى جانب آخرين بدأوا الارتقاء في مدارج الشيوعية تحت مسماها المعروف بـ "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" (حدتو) قبل أن تصبح "الحركة السودانية للتحرر الوطني" (حستو) ومن ثمَّ الحزب الشيوعي السوداني. والمفارقة أيضاً أنهم سُجنوا بسبب انحيازهم للقضية الفلسطينية، إذ تزامن ذلك مع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى. والمثير في الأمر أن اعتقالهم تخلله إضراب عن الطعام، استمر لأكثر من عشرين يوماً. والتيجاني نفسه كان عمره آنذاك بضعاً وعشرين عاماً!
بمجرد مواراته الثرى هرع الكتاب والصحافيون والسياسيون للتعبير عن مشاعرهم في فقد عظيم. طفقوا يعددون مآثره، ويسطرون تاريخاً حافل بالدروس والعبر والمواقف المتميزة. ومن ضمن ما قرأت هزَّني موقف صدَّر به صديقنا الأستاذ أمير بابكر مقاله التأبيني (الأحداث 24/11/2011م) عن التيجاني، ذاك الموقف والذي حدث في وقت مبكر من عمره، بل في مقتبل حياته، يمكن القول إنه يتسق تماماً وشخصية الراحل العظيم، بل جسَّد رؤاه وأفكاره ومواقفه السياسية، إلى جانب التزامه الصارم بقضيته وإيمانه الصمدي بوطنه وشعبه والإنسان بصورة عامة حيثما كان. فحياة التيجاني كانت أشبه بملحمة أسطورية، يحق للجيل الحالي والأجيال القادمة أن تلم بها وتتناقلها كأنقى ما تكون السير وقصص الرواد المخلصين. ولعل مرافعته التي قدمها في محاكمته الشهيرة في نظام نميري، أو ما اصطلحنا على تسميته بالديكتاتورية الثانية، بعد إلقاء القبض عليه في العام 1981م بعد عشر سنوات من الاختفاء الذي حدث عقب ما أسماه الحزب الشيوعي في أدبياته بـ (أسبوع الآلام) في إشارة لموجة الإعدامات التي طالت قادته وعلى رأسهم الشهداء: عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق وهاشم العطا وبابكر النور وآخرون. تلك المرافعة تعد من أروع ما قيل في وجه جلاد أينما كان، ولذا لو أننا كنا نرفل في ظل نظام ديمقراطي، لطالبنا بأن تتضمن مناهج التعليم حتى يعلم الخلف كيف يمكن للمرء أن ينذر حياته لوطنه، ويكون على استعداد للتضحية من أجله وبينه وبين الموت بضع خطوات!
كتب أمير في مقاله المشار إليه: (كان والدي مكلفاً بالحفاظ على وترحيل الراحل عبد الخالق محجوب إلى أن يجتاز الحدود إلى مصر للحاق بمؤتمر للأحزاب الشيوعية في موسكو في النصف الأول من الستينيات، في وقت كانت تبحث عنه القوات الأمنية لمنعه من ذلك. تم الاتفاق على اجتيازه الحدود عن طريق البر وبواسطة عربة (لوري) والتنسيق هناك داخل الأراضي المصرية لاستقباله بواسطة آخرين. ظهر الأستاذ التيجاني فجأة في وادي حلفا وهو الرجل الثاني في الحزب الشيوعي السوداني، وكان في طريقه إلى مصر أيضاً في مهمة حزبية، ليجتمع مع عبد الخالق وصاحب العربة (اللوري) وهو عضو في الحزب الشيوعي ووالدي، الذي يعمل في وادي حلفا حينها، في المنزل حيث يختفي عبد الخالق. وكان الاجتماع حيث جلس الأربعة حول طاولة، لمتابعة الترتيبات النهائية لخطة السفر. شرح صاحب (اللوري) الموقف، وقال إن العربة لن تكون جاهزة في الموعد المحدد. كان ذلك يعني عدة أشياء فالذين سيستقبلون عبد الخالق في الجانب المصري لا يعرفون إلا هذا (اللوري) الذي يجب أن يصل في تاريخ ووقت محدد والوصول إلى نقطة محددة سلفاً. أي تغيير سيضطر الجميع إلى وضع ترتيبات جديدة في ظل تلك الظروف المعقدة.
ما أن سمع الراحل عبد الخالق هذا الأمر حتى نهض واقفاً وهو في حالة انفعال وهياج، بسبب الإخفاق في الترتيبات وأمسك بأوراق في الطاولة التي اجتمعوا حولها وقذف بها بشكل عبر عن فقدانه لأعصابه. حدث كل ذلك لمدة ثوانٍ، ليتحدث الأستاذ التيجاني في صرامة إلى عبد الخالق بقوله (إنك لا تصلح أن تكون سكرتيراً للحزب الشيوعي).. وأضاف: (إنني سأقدم تنويراً للجنة المركزية بما بدر منك وأطالبك باعتذار رسمي). فما كان من الزعيم عبد الخالق إلا أن وقف مرة أخرى قائلاً للتيجاني والآخرين: (إذا لم تفعل ذلك لن تكون شيوعياً، وأنا بدوري سأقدم اعتذاري الآن هنا وأمام اجتماع اللجنة المركزية وحتى في الجريدة الرسمية). انتهى الاقتباس في الرواية التي صاغها أمير في سياق مقاله المؤثر.
عرفت التيجاني في منتصف ثمانيات القرن الماضي، عندما زرت السودان للمرة الأولى بعد انتفاضة أبريل 1985م حينها قدمت من الكويت لإجراء حوارات صحافية مع عدد من قادة النشاط السياسي، وبالطبع كان من بينهم الأستاذ محمد إبراهيم نقد، ذلك للألق الذي صاحب اختفائه، ونظراً لتاريخ الحزب التليد في مقاومة ذلك النظام الديكتاتوري يومذاك. قصدت صحيفة الميدان الناطقة باسم الحزب الشيوعي مصحوباً برسالة شفهية من صديقي العزيز الدكتور مصطفى خوجلي. وكانت الصحيفة تقبع في دار متواضعة في شارع صغير متفرع من شارع الحرية. دخلتها حيث بدأت قصتي مع التيجاني، أو ذاك الشخص الصارم القسمات، والذي هالني بأنه يتحدث لزملائه بصوت جهور كأنه في خضم تظاهرة. سألته عن الأستاذ نقد بعد أن قدمت له نفسي، فلم يزحزح ذلك من الأمر شيئاً. جاوبني باختصار يبعث الضيق في النفس (أنتظره هنا يمكن يجي)!
كنت آنذاك طراً غريراً توهمت أن الحزب الشيوعي سيحتفي بي وسيفرش لي بساطاً أحمراً أتبختر فيه كيما أتفق، لكن تضاءلت أوهامي هذه عندما وجدت الحزب نفسه يبحث عن مغيث، صحيفة تقبع في دار متواضعة تتكون من غرفتين ربما ثلاثة بالكاد تسع شاغليها. وزاد من إحباطي أن الرجل الذي قالوا لي إنني سأجد عنه مقصدي، كان صارماً حد العجرفة كأنه يتأهب لمعركة محتملة. غادرت المكان وتوالى حضوري لأصطدم بذات الإجابة المختصرة مرة ومرتين وثلاث. خرجت في الأخيرة وأنا عازم بعدم العودة مرة أخرى. كانت المفاجأة أن التقي مصطفى خوجلي في بوابة الدار، وكان قد قدم للتو من الكويت أيضاً. أبديت له ضيقي وتبرمي فضحك ضحكته الودودة التي تمتص منك الغضب وإن تراكم جبالاً، ثمّ أمسك بيدي ودلفنا للدار مرة أخرى وقدمني للتيجاني، فلم أشعر بأن الأمر تغير في كبير شيء. اختصاراً لتفاصيل كثيرة ليست بذات أهمية، نلت مراميَّ، أما علاقتي بالتيجاني فقد بدأت تأخذ منحىً آخراً عند كل زيارة للوطن في ظل ديمقراطية وارفة أو هكذا نظن! لمست فيها ما خفي عني في شخصه، أو بالأحرى ما لا يمكن معرفته إلا بالاقتراب منه!
بيد أن علاقتي هذه اتّخذت مساراً آخر أكثر حميمة بعد وصوله القاهرة التي سبقتّه إليها بالدوافع نفسها. وفي مشهد لاحق سألته تفصيلاً عن رحلة هروبه تلك والتي وثقت لها وأشياء أخر في كتابي الأخير (سقوط الأقنعة) فلفت نظري بإجاباته المختصرة حول خواطره حولها، فقال لي: إنه لا يعرف عنها شيئاً غير جمال الصحراء، حيث الهدوء يعم المكان، والأرض منبسطة بلا نهاية، لا تسمع فيها سوى هسيس الرياح والأبل. ثمّ بعد وصوله قيضت لي الظروف أن نلتقي كثيراً، حيث سكنا متجاورين وبيننا صديقنا الودود محمد عبد الماجد وهو بحكم عضويته في الحزب كان المسؤول عن ترتيب أموره. بدأت يومها تتشكل لي سيرته على نحو آخر بحكم المعايشة، كانت فيها العلاقة بعدئذ أشبه بنبتة صغيرة حرص كلانا على رعايتها بحنو بالغ.. كمن يخشوا أن تذروها ري
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...توثيق. | الكيك | 11-26-11, 06:38 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 11-26-11, 06:58 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 11-26-11, 07:03 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 11-26-11, 07:32 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 11-27-11, 07:28 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 11-27-11, 07:58 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-26-11, 08:39 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 11-27-11, 08:14 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 11-28-11, 09:06 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 11-29-11, 10:36 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 11-30-11, 06:59 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 11-30-11, 09:51 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 11-30-11, 10:06 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-01-11, 02:01 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | عبدالله الشقليني | 12-01-11, 02:56 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-01-11, 10:06 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-03-11, 08:34 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-05-11, 04:54 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-05-11, 10:30 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-06-11, 07:07 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-07-11, 08:04 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-10-11, 09:08 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-11-11, 04:25 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-11-11, 08:46 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-13-11, 10:48 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-20-11, 09:12 AM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | Sidgi Kaballo | 12-20-11, 03:53 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-22-11, 07:36 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | salah elamin | 12-22-11, 07:56 PM |
Re: التجانى الطيب ...صحفى وسياسى سودانى مثال للاستقامة والاخلاص ...تو | الكيك | 12-24-11, 08:22 PM |
|
|
|