|
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. (Re: الكيك)
|
الجزء الثانى من الفصل الاول ..
وربما كانت أبرز الفوارق بين نميري والآخرين الظروف الأسرية والبيئة الاجتماعية المختلفة عن ظروف وبيئات الآخرين الذين انخرطوا في النشاط السياسي منذ نعومة أظفارهم وتربوا وسط بيئة سياسية وفكرية شكلت بصورة طبيعية وتلقائية زعامتهم وقيادتهم العمل السياسي قبل سنوات ليست بالقصيرة من توليهم المسؤوليات. وربما كان الفارق الأكبر الثاني هو أن الآخرين عاشوا حياة مستقرة وميسورة ومنظمة تحدد بوصلتها الأهداف وخرائط الوصول إلى مواقع النفوذ ومعالم الطريق ووسائل الانتقال، بل وحتى تعيين الأدلاء والمرشدين. كان جعفر نميري طرازا مختلفا.. فقد عاش مراحل فوارة من عمره تقلبت بين العادية والمتميزة، المخططة والتلقائية بل أحيانا العشوائية، مراحل متساوية من ناحية الزمن الذي امتد به إلى حواف الثمانين خريفا – أمد الله في عمره. فكل عشرين سنة لها طابعها ونكهتها وتميزها، بدءا بطفولته الشقية والصبا المتوحش أيام الدراسة، ثم عنفوان الشباب أثناء خدمته العسكرية كضابط في الجيش السوداني الذي بدوره يعطيه هيبة وسطوة ومكانة، وهو الشاب صاحب الجسم الرياضي المفتول العضلات الطويل القامة الممتلئ بالحيوية، .. ثم جاءت الرئاسة التي كانت أعظم المدهشات في حياته التي لم يحلم بها مستيقظا أو نائما، جاءته مخدومة " ومقنطرة " ولكن بمغامرة لم يتح له فيه الوقت الحساب والتقدير إلا بقدر النظر السريع إلى " الغنيمة " . وختاما بمرحلة لجوء سياسي غير اختياري وغير مستحب تلته حالة استكانة واستجمام منحته فرصة لاجترار الذكريات وأداء المراجعات والعودة إلى طبيعة الإنسان متجردا من " هيلمان الرئاسة وصولجان الحكم ". مراحل تستحق الوصف الدقيق بأنها فوارة ومتقلبة، عادية ومدهشة منذ أن ولد جعفر نميري في أوائل عام 1930 في بيت بسيط وأسرة فقيرة كان أعلى سقف طموحاتها أن يكمل ابنها دراسته الثانوية ليلتحق بوظيفة، في أي وظيفة، ترفع عن كاهلها أعباء الظروف القاسية. عاش نميري متنقلا من مرحلة إلى أخرى دون أن يرسم لنفسه هدفا محددا، ومن دون أن يخطط مسبقا لتحقيق ما يريد لأنه في معظم الأحيان لا يعرف ما يريد، فيترك الأمر للمشيئة العليا أو لمصادفات غريبة لا يد له فيها ولا رغبة مبيتة. كان يأمل أن يكون رياضيا متميزا ولاعب كرة قدم شهيرا فأصبح عسكريا في صفوف جيش مهووس بالانقلابات ومحشور في حرب لا ناقة له فيها ولا بعير في جنوب السودان، كان بعيدا عن السياسة فوجد نفسه في ذروة قيادتها، وكان نائيا عن التدين فوجد نفسه درويشا بين دراويش يلبسون المرقع يدورون في حلقات ممتلئة بالإيمان وأحيانا مفرغة من كل وجدان. وكان فقيرا فأصبح صديقا للأثرياء ومقصدا لرجال الأعمال، يلتف حوله خيرة المثقفين السودانيين وأنبغهم، مثله مثل كل الرؤساء في العالمين الأول والثالث. قد تكون مراحل حياته مشابهة لحياة معظم أبناء الجيل الثاني من رؤساء وزعماء وقادة أفارقة وعرب، عاشوا الظروف نفسها، ولكنهم افترقوا في خلفياتهم الثقافية والتزاماتهم الأخلاقية وتمايزوا في عمق التفكير أو الضحالة، سعة الرؤية الاستراتيجية أو ضيقها، وسرعة ردود أفعالهم بين القوة والضعف، كما اختلفوا في القدرة على إدارة بلدانهم وفق منظور يقترب أو يبتعد عن حس الشعوب. فإذا كانت ظروف حياة هؤلاء الرؤساء متشابهة فإنها قطعا ليست متطابقة، فلكل منهم بصمة طبعتها البيئة التي تربى فيها ونوع التنشئة التي شب عليها وأسلوب التعليم الذي ناله والأحوال الاجتماعية والمعيشية والسياسية التي أحاطته وشكلت تصوراته وأفعاله وقراراته واختياراته. فالمرء ابن صادق لبيئته ومرآة أمينة لتنشئته .. فمن شب على شيء شاب عليه، وجعفر كان مثالا لذلك.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-02-10, 08:09 PM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-02-10, 10:10 PM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الفاضل يسن عثمان | 03-03-10, 01:08 AM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-03-10, 04:05 AM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-03-10, 08:10 AM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-03-10, 09:34 PM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-03-10, 10:19 PM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-04-10, 04:00 AM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | عاطف عمر | 03-04-10, 05:40 AM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-04-10, 10:25 AM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-04-10, 11:17 AM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-04-10, 11:20 AM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-05-10, 10:42 AM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | عاطف عمر | 03-05-10, 11:13 AM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-05-10, 11:40 AM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-08-10, 10:11 PM |
Re: عندما يضحك التاريخ ......بمعرض ابوظبى للكتاب .. | الكيك | 03-09-10, 06:24 AM |
|
|
|