|
Re: السودان تحت الرعاية الامريكية .... محاكمة مسؤولين سياسيين (Re: الكيك)
|
د. الطيب زين العابدين العلاقة المتأرجحة مع أمريكا عندما أعيد انتخاب الرئيس جورج بوش لدورة رئاسية ثانية رحبت الحكومة السودانية بذلك بناء على حيثيات منطقية فقد غير الرئيس بوش من سياسة سلفه الديمقراطى، بيل كلنتون، بالتعاطى مع حكومة الانقاذ بدلاً من محاولة اسقاطها التى تبنتها الادارة السابقة وفشلت فى تحقيقها، واستطاعت ادارة بوش أن تحقق وقف اطلاق النار فى جبال النوبة وفى الجنوب وأن تدفع باتفاقيات السلام الى نهاية ناجحة ووعدت بدعم مقدر عند تطبيق تلك الاتفاقيات، وتستطيع الادارة الجمهورية أن تتعامل بيسر مع الكونجرس الأمريكى الذى تحظى فيه بأغلبية وهو مجلس لا يستلطف حكومة الانقاذ بحال من الأحوال! ومهما كانت سياسة الرئيس بوش فى العراق وفى فلسطين وفى أفغانستان مكروهة على مستوى العالمين العربى والاسلامى الا أن حكومة الخرطوم تحفظ لها تغيير السياسة الأمريكية من المواجهة الساخنة الى التعاطى الايجابى وان كان ذلك لم يخلو من استعمال العصا. ولكن السياسة الجمهورية تجاه الحكومة السودانية تتسم بتناقض كبير، فهى تريد من الحكومة أن تكمل مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية بنهاية هذا العام، وتريد منها أن تصل الى تسوية سياسية عاجلة مع متمردى دارفور، وأن تحفظ أمن المدنيين فى دارفور وتوقف ممارسة العنف ضدهم وتجرد مليشيات الجنجويد من سلاحهم، وتقدم الى المحاكمة من يثبت ارتكابه لجرائم حرب أو انتهاكات لحقوق الانسان، وتريدها أن تتعاون فى محاربة الارهاب "الاسلامى"، وتريدها أن تفكك دولة الحركة الاسلامية بدولة قومية ديمقراطية "مدنية" حتى لا نقول علمانية، وتريدها أن تأتى طائعة مختارة الى واشنطون للاحتفال بتوقيع اتفاقيات السلام فى حديقة الزهور بالبيت الأبيض حتى يسجل ذلك انجازاً لادارة الرئيس بوش. ولا تمانع حكومتنا "الرضية" فى تحقيق كل تلك المطالب الكبيرة والثقيلة على قلبها ولكنها لا تجد من الادارة الأمريكية المتعجرفة ما يخفف عليها مرارة المطالب ولا ما يساعدها فى تحقيقها كما لا تجد مقابلا حاضرا تبرر به انبطاحها الاستراتيجى للسياسة الأمريكية! فما زال السودان يحتل مكانة متقدمة فى القائمة الأمريكية للدول راعية الارهاب وبين الدول التى تنتهك الحرية الدينية، وتتصدر أمريكا الدول التى تريد أن تنزل عقوبات أو ادانات على السودان فى مجلس الأمن وفى غيره من المحافل الدولية، ويعانى السودان من عقوبات اقتصادية قاسية، وما زال التمثيل الدبلوماسى متدنيا بين البلدين بل كادت السفارة السودانية فى واشنطون أن تقفل أبوابها بسبب رفض البنوك الأمريكية فتح حساب لها. وهذه أول مرة أسمع فيها بأن البنوك فى أمريكا أو فى غيرها من البلاد ترفض فتح حساب لسفارة معترف بها وهى لا ترفض أن تفتح حسابات لزعماء المافيا ولكبار تجار المخدرات. ويعانى حامل الجواز السودانى من اجراءات مهينة فى المطارات الأمريكية. وكأن كل هذا لا يكفى اذ طلع علينا الكونجرس الأمريكى فى الأيام الفائتة بالموافقة على قانون يفرض عقوبات اضافية على السودان تشتمل على تجميد ودائع كبار المسئولين فى الدولة ومنعهم من السفر الى الأراضى الأمريكية. وليس فى القانون من جديد يذكر ولكنه يعنى أن السودان أصبح "ملطشة" فى السياسة الأمريكية يتفرعن عليه كل من هبّ ودبّ. وصدق القائم بأعمال السفارة السودانية فى واشنطون حين وصف القانون بأنه جائر وظالم ويعطى رسالة خاطئة للأطراف التى تفاوض الحكومة مما يعرقل من مسيرة السلام، وهو يناقض تعهدات أمريكا برفع العقوبات عن السودان وتطبيع العلاقات معه. وأخيرا طلعت علينا جريدة الشرق الأوسط عن مصدر غربى قريب من مفاوضات نيفاشا بأن أمريكا طلبت من طرفى التفاوض سحب بند العفو العام الذى ورد فى بروتوكول قسمة السلطة حتى يتسنى لها تقديم المطلوبين لديها من مسئولى الحكومة الى محكمة الجرائم الدولية بسبب ما قاموا به فى دارفور! ولست من المدافعين عن مرتكبى الجرائم الجنائية مهما كانت منزلتهم فى السلطة ولكن لماذا التفرقة بين ما فعلته الحركة فى حق بعض قادتها وفى حق المدنيين وبين ما فعله بعض المسئولين فى الحكومة؟ ثم ان أمريكا لا حق لها سياسيا وأخلاقيا أن تقدم أحدا الى المحكمة الجنائية الدولية وهى ما زالت ترفض التوقيع على ميثاقها، ويشهد العالم على ما تفعله الحكومة الأمريكية فى المعتقلين دون محاكمة فى قوانتنامو وما يرتكبه جنودها فى العراق وفى أفغانستان، ولكن "الليختشوا ماتوا"! وأخيرا اعترضت أمريكا على دعوة السودان الى "منتدى المستقبل" الذى عقد بالمغرب ليناقش الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى العالم العربى وهو أكثر تأهيلا فى كل هذه الجوانب من معظم الدول المشاركة ولكنها عين البغض تبدى المساوئا. ورغم معارضتى الباكرة لسياسة الانقاذ الخارجية فى فترة مراهقتها الثورية فى التسعينات، الا أنى أحن أحيانا لأسمع شيئا يشفى غل الصدور من سياسة أمريكا المتعجرفة الظالمة. ولكن هيهات!
|
|
|
|
|
|
|
|
|