المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-01-2024, 09:32 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-04-2005, 03:49 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق (Re: الكيك)







    محمود محمد ط
    رئيس الحزب الجمهوري
    يقدم
    الدستور الإسلامي
    نعم .. ولا
    أمدرمان في شوال 1387هـ

    يناير 1968م

    الإهــــــداء :-
    إلى الشــعب الســـوداني الكــريم

    إن قافلتك اليوم تسير على حداء قادة قد ضلوا عن الحق .. وأضلوا !!

    فلا تصدق كل ما تسمع ..

    وليكن دليلك حديث المعصوم لعبد الله بن عمر ..

    (( دينك !! دينك !! يابن عمر !! ولا يغرنّك ماكان مني لأبويك ، فخذ ممن استقاموا ولا تأخذ ممن قالوا ..))

    بسم الله الرحمن الرحيم

    (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا )) صدق الله العظيم

    المقدمــة

    جبهة الميثاق :

    لقد سقط الدستور الإسلامي الكامل في اللجنة القومية للدستور الدائم للسودان !!

    وعن بعض ملابسات سقوطه يحدثنا محضر مداولات هذه اللجنة في مجلده الثاني على النحو التالي :-

    ((السيد موسى المبارك : جاء في مذكرة اللجنة الفنية نبذة حول الدستور الإسلامي في صفحة (7) أن يكون رأس الدولة مسلما ، أود أن أسأل هل لغير المسلمين الحق في الاشتراك لانتخاب هذا الرئيس ؟))

    ((السيد حسن الترابي : ليس هناك ما يمنع غير المسلمين من انتخاب الرئيس المسلم ، الدولة تعتبر المسلمين وغير المسلمين مواطنين ، أما فيما يتعلق بالمسائل الاجتهادية فإذا لم يكن هناك نص يترك الأمر للمواطنين عموما ، لأن الأمر يكون عندئذ متوقفا على المصلحة ، ويترك للمواطنين عموما أن يقدروا هذه المصلحة ، وليس هناك ما يمنع غير المسلمين أن يشتركوا في انتخاب المسلم ، أو أن يشتركوا في البرلمان لوضع القوانين الإجتهادية التي لا تقيدها نصوص من الشريعة .))

    ((السيد فيليب عباس غبوش : أود أن اسأل ياسيدي الرئيس ، فهل من الممكن للرجل غير المسلم أن يكون في نفس المستوى فيختار ليكون رئيسا للدولة ؟))

    ((الدكتور حسن الترابي : الجواب واضح ياسيدي الرئيس فهناك شروط أهلية أخرى كالعمر والعدالة مثلا ، وأن يكون غير مرتكب جريمة ، والجنسية ، وما إلى مثل هذه الشروط القانونية .))

    ((السيد الرئيس : السيد فيليب عباس غبوش يكرر السؤال مرة أخرى .))

    ((السيد فيليب عباس غبوش : سؤالي يا سيدي الرئيس هو نفس السؤال الذي سأله زميلي قبل حين – فقط هذا الكلام بالعكس – فهل من الممكن أن يختار في الدولة – في إطار الدولة بالذات – رجل غير مسلم ليكون رئيسا للدولة ؟))

    ((الدكتور حسن الترابي : لا يا سيدي الرئيس ))

    هذه صورة مما جرى في بداية معارضة اقتراح الدستور الإسلامي الكامل .. ويلاحظ محاولة الدكتور الترابي التهرب من الإجابة مما أضطر معه السيد رئيس الجلسة أن يطلب من السيد فيليب عباس غبوش ليعيد السؤال ، بغية أن يتلقى عليه إجابة محددة ، لأنه سؤال في حد ذاته ، محدد .. فلما أعاده ، لم يجد الدكتور الترابي بدا من الإجابة ، فأجاب ب "لا" !! ومن تلك اللحظة بدأت المعارضة التي انتهت بهزيمة اقتراح الدستور الإسلامي الكامل ، وهي معارضة قد رصدت كلها في محاضر مداولات اللجنة القومية للدستور ، فلتراجع ..

    وتهرب الدكتور الترابي في أول أمره عن الرد المحدد ليس أمرا عرضيا ، وإنما هو أمر شديد الدلالة على مبلغ التناقض الذي يرزح تحته الدكتور الترابي وزملاؤه من دعاة الإسلام ، ممن تلقوا ثقافة غربية واسعة .. فهم يشعرون بضرورة مسايرة العصر الحاضر في منشآته التقدمية ، وبصورة خاصة الديمقراطية ، والاشتراكية ، ثم انهم لا يجدون في الفكر الإسلامي الذي تتلمذوا عليه ما يسعفهم بهذه المسايرة ، فظلوا يعيشون تناقضا مزعجا ، جنى على ملكاتهم ، وعطل طاقاتهم ، وأظهرهم بمظهر يستوجب الرثاء ، ويستدر الإشفاق .

    ودعاة إسلاميون آخرون

    وحين سقط الدستور الإسلامي الكامل في اللجنة القومية قام نفر من كرام المواطنين ، يمثلون صفوة ممن جمعوا بين الثقافة الغربية وبعض الثقافة الإسلامية ، وأسموا أنفسهم "الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي" وأصدروا مذكرة عن "الدستور الإسلامي الكامل ، لجمهورية السودان" .. وقد جاء في ديباجة هذه المذكرة قولهم : ((وقد كان نتيجة لذلك أن أعلنت الأحزاب الشمالية الرضا بالدستور الإسلامي على اختلاف بينها . وأن ذلك الخلاف الذي حدث داخل اللجنة القومية للدستور أدى إلى أن يجتمع فريق من إخوانكم بالعاصمة المثلثة ويتشاوروا في الطريقة المثلى التي تفضي بنا إلى دستور إسلامي كامل .

    ((وقد شكلت هيئة تحت اسم الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي الكامل . وبعد عديد من الاجتماعات أنهت الهيئة إلى تشكيل مجلس للبحث والتشاور والاتصال بالسادة زعماء الأحزاب تسألهم مناصرة الدستور الإسلامي الكامل ، ماداموا مقتنعين بأن بناء الدولة وفقه سيؤدي إلى سعادة المواطنين أجمعين مسلمين وغيرهم .))

    ((وقد اتصلت الهيئة بالسادة رؤساء الأحزاب وزعماء الطوائف فوجدت منهم ترحيبا وتأييدا ومنهم من رغب إلى هذه الهيئة أن تضع مذكرة تحدد فيها السمات البارزة التي يتميز بها الدستور الإسلامي عما عداه من الدساتير .))

    ((لذلك فقد كلفت الهيئة سبعة من أعضائها لصياغة المذكرة . ولما فرغت اللجنة من وضع المذكرة عرضتها على الهيئة فناقشتها ثم أقرتها على هذا الوضع الذي بين يدي القارئ.

    وفيما يلي أسماء الهيئة ولجنة الصياغة :

    السيد الدرديري محمد عثمان رئيسا

    السيد الدكتور كامل الباقر سكرتيرا

    السيد أحمد البيلي مقررا

    السيد عبد الماجد علي أبوقصيصة

    السيد عوض الله صالح

    السيد مندور المهدي

    السيد بدوي مصطفى

    السيد مجذوب مدثر الحجاز

    السيد محمد العربي

    السيد أبشر أحمد حميده

    السيد داؤد الخليفة عبد الله

    السيد يوسف اسحق حمد النيل

    السيد على طالب الله

    السيد محمد هاشم الهدية

    السيد عوض حامد جبر الدار

    السيد يوسف الخليفة أبوبكر

    السيد عمر عبد الله صبير

    أسماء لجنة الصياغة

    السيد الدرديري محمد عثمان

    السيد الدكتور كامل الباقر

    السيد مجذوب مدثر الحجاز

    السيد عوض الله صالح

    السيد بدوي مصطفى

    السيد مندور المهدي

    السيد أحمد البيلي

    (( هذا – ونحن نأمل أن تقف الأحزاب على اختلافها إلى جانب هذه المبادئ ، وأن يقف بجانبها كذلك اعضاء الجمعية التأسيسية حتى يضعوا للأمة ما نادت به من دستور إسلامي كامل يحقق الخير لأفرادها أجمعين .))

    ((وإننا لنهيب بأفراد الأمة على اختلاف أحزابهم وطوائفهم أن تعمل في تكاتف ودأب وصلابة لبناء دولتنا على أساس الإسلام ، ومن كان ذلك هدفه فالنصر حليفه .)) انتهى قولهم .

    ولقد أوردنا لك هنا كشفا بأسماء السادة أعضاء هذه الهيئة حتى تتعرف عليهم ، فإنهم من أكبر رجالات هذه البلاد من جهة التحصيل العلمي ، والمناصب الرسمية في الدولة ، فماذا قالوا في هذه المبادئ التي يدعون الأحزاب والطوائف للوقوف بجانبها "في تكاتف ودأب وصلابة لبناء دولتنا على أساس الإسلام" ؟ - "ما داموا مقتنعين بأن بناء الدولة وفقه سيؤدي إلى سعادة المواطنين أجمعين مسلمين وغيرهم" ؟ قالوا من صفحة (5) " عندما ننادي بقيام الدستور الإسلامي وتحقيق مبادئ الشريعة الإسلامية إنما ننادي بقيام دولة حديثة بكل ما في هذه الكلمة من مفهوم . فالديمقراطية بكل أشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية عرف الإسلام مضمونها قبل أن تتصورها الدول الحديثة . إن نظام الحكم في الإسلام يقوم على أساس أن الدولة أرض ، وشعب ، وحكومة ، كما هو الحال في تصورها الحديث" هذا ما قالوه في صفحة نمرة 5 ولكن اقرأ ما قالوه في صفحة نمرة 11 .

    ((1- الديمقراطية

    صارت الديمقراطية من الشعارات التي تحمل معاني كثيرة ومتناقضة بمستوى التناقض القائم بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي . فالدول الشيوعية تصف أنظمتها بالديمقراطية وكذلك تفعل الدول الغربية الرأسمالية على الرغم مما بين الشرق والغرب من خلاف في المبادئ والفلسفات أما المسلمون فقد وصفهم الله بقوله ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) 143 – البقرة .

    ((2- الاشتراكية

    كذلك يحمل لفظ "الاشتراكية" من المعاني المتناقضة ما يجعل استعماله في أي شكل من الأشكال وسيلة لاستغلاله للانحراف بمبادئ العدالة الإنسانية وإشعال حرب الطبقات بين المجتمع وإذا كان الإسلام متضمنا لجميع معاني العدالة والورى وكل مبادئ الإنسانية السليمة إذن فلا نرى أي مبرر لورود كلمتي "الاشتراكية" "والديمقراطية" ضمن بنود الدستور ، ويكفى أن يوصف الدستور بأنه إسلامي .

    "اللهم إلا إذا اتهمنا الإسلام بالقصور وعدم الكمال والشمول وهو أمر لا يدور بخلد واحد من المسلمين " انتهي كلامهم .

    القصور قصور المسلمين لا قصور الإسلام

    والذي يطلع على مذكرة "الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي" من المسلمين الواعين لا يخطر بباله قصور الإسلام ولكن يتجسد أمامه قصور دعاة الإسلام ، حتى عن الإدراك السليم لقضايا العصر فضلا عن الإدراك السليم لحقائق الإسلام . يضاف إلى كل ذلك أن هذه الهيئة يمكن أن تتهم بعدم الأمانة الفكرية . فهي قد شعرت بالحاجة إلى المراوغة التي شعر بها الدكتور الترابي ، ولما لم يكن عندها فيليب عباس غبوش ليضطرها إلى التحديد ، كما جرى للدكتور الترابي ، حاولت أن تغرق غموضها في الأسلوب المنمق ، الفج ، الذي لا يحوي من الحق شيئا ، بل إنه ليقوم على الباطل .. فاقرأوا إن شئتم قولهم من صفحة نمرة 8 ، تحت عنوان "حقوق غير المسلم" .

    "1- سكان الدولة من غير المسلمين يتمتعون ، في حدود القانون ، بحرية تامة في دياناتهم ، وعباداتهم ، وتعليمهم الديني ، (لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي) "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ، إن الله يحب المقسطين " "وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد"

    "2- من حقهم أن يطالبوا بالقضاء في أحوالهم الشخصية حسب قانونهم الديني أو تقاليدهم الخاصة "

    "3- يتساوون مع المسلمين في الحقوق والواجبات الأخرى"

    هذا مع أن كل من أوتي أقل حظ من المعرفة بالشريعة يعلم أن سكان الدولة من غير المسلمين - من يهود ونصارى وغيرهم - يعرفون باسم الذميين ، وهم من أعطاهم المسلمون الأمان على مالهم ، وعرضهم ، ودمهم ، مقابل أن يعطوا الجزية - فحين يعطي المسلم القادر الزكاة يعطي الذمي الجزية - ومن هاهنا فان القول بالمساواة في الحقوق ، والواجبات ، يصبح هراء باطلا .

    ثم إن الآيات التي أوردوها في نمرة 1 أعلاه كلها منسوخة ولم تقم عليها الشريعة ، وهي منسوخة بآية السيف "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " ومنسوخة بآية "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ، ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ، ورسوله ، ولا يدينون دين الحق ، من الذين أوتوا الكتاب ، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" فهل مع هذه العبارة الواضحة يزعم زاعم أنهم "يتساوون مع المسلمين في الحقوق والواجبات الأخرى" ؟

    ثم انك عندما تتحدث عن الديمقراطية - وأنت تتحدث عنها بمجرد حديثك عن الدستور - فإنه لا يكفي أن تساوي بين المواطنين في بعض الحقوق والواجبات ، وتميز بينهم في بعضها الآخر تمييزا يقوم على أساس العقيدة ، أو العنصر ، أو الطبقة ، مثلا . ولابد من المساواة التامة بين المواطنين في جميع الحقوق والواجبات - وإلا فلا تتحدث عن الدستور ، ولا تتحدث عن الديمقراطية .

    بين الشريعة والدين

    إن قومنا من دعاة الفكر الإسلامي ، في جميع مدارسه ، يخلطون خلطا ذريعا بين الشريعة والدين ، وهم من أجل ذلك يتناقضون ، وعندما يشعرون بالتناقض يحاولون التهرب ، أو التعمية والتمويه ، فلا يبلغون طائلا . وقد أوردنا لك كيف حاول الدكتور حسن الترابي أن يتهرب عن الإجابة حتى حوصر ، فاضطر إلى المواجهة اضطرارا لم يملك معه منصرفا ، ذات اليمين ، ولا ذات الشمال .. وكيف أن الهيئة القومية للدستور الإسلامي الكامل حاولت أن تغرق مسائل حيوية في تعمية تلبس بهرج الأسلوب ، ولتدس فيه عبارة خاطئة من أولها لآخرها ، وذلك قولها "3- يتساوون مع المسلمين في الحقوق والواجبات الأخرى" ثم ذهبت تسوق في حججها آيات منسوخة ..

    أول ما تجب الإشارة إليه هو أن الشريعة الإسلامية ليست هي الإسلام ، وإنما هي المدخل على الإسلام .. هي طرف الإسلام الذي نزل إلى أرض الناس منذ أربعة عشر قرنا ، وهي في بعض صورها تحمل سمة "الموقوتية" وهي من ثم قابلة للتطور ، وهي في تطورها تنتقل من نص فرعي في القرآن تنزل لأرض الناس من نص أصلي . وقد اعتبر النص الأصلي منسوخا ، بمعنى أنه مرجأ إلى يومه ، واعتبر النص الفرعي صاحب الوقت ، يومئذ . فتطور الشريعة الإسلامية ، في بعض صورها ، إذن ، إنما يعني انتقالها من نص ، إلى نص ، في القرآن .. فآية السيف ، وأخواتها ليست ، في الإسلام ، أصلا وإنما هي فرع .. وقد تنزل الفرع ، عن الأصل ، بفعل الضرورة ، ليكون قريبا لأرض الناس ، حتى ينقلهم ، على مكث ، إلى الأصل .. فالأصل هي الآيات المنسوخة والفرع الآيات الناسخة .. فإذا كنا نتحدث عن الشريعة الإسلامية فيجب ألا نزج بآية " لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي" إلا إذا كنا ندعو إلى أن تتطور الشريعة ، من آيات الإكراه ، إلى آيات الإسماح . وهو أمر لا يدعو إليه ، بل ولا يعقله دعاة الإسلام عندنا ، إلى الآن .

    وهناك أمر خطير يجب تقريره هنا ، وهو أن الشريعة الإسلامية ليست ديمقراطية ، ولا هي اشتراكية ، وإنما هي تقوم ، في السياسة ، على آية الشورى ، وهي آية حكم الفرد الرشيد ، الذي جعل وصيا على قوم قصر ، وقد طلب إليه أن يحسن تربيتهم ، ورعايتهم ، وترشيدهم ليكونوا أهلا للديمقراطية . ويومئذ تتطور شريعتهم لتنتقل من فروع القرآن إلى أصوله - من آية الشورى إلى آيتي " فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر " فتكون بهذا التطوير أدخل في الإسلام من سابقتها . أو قل منها قبل أن تتطور .

    ومثل هذا يقال عن الاشتراكية ، فإن شريعة الإسلام الحاضرة ليست اشتراكية ، وإنما هي رأسمالية ، أريد بها أن تكون مرحلة تسير الأمة السالفة إلى منازل الاشتراكية . ويومئذ تتطور الشريعة الحاضرة ، بأن تنتقل من فروع القرآن إلى أصوله - من آية الزكاة الصغرى (الفرعية) " خذ من أمولهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ، والله سميع عليم " إلى آية الزكاة الكبرى (الأصلية) " يسألونك ماذا ينفقون قل العفو " .

    ففي الشريعة الحاضرة ليست هناك ديمقراطية ومن ثم ليس هناك دستور إسلامي .. وكل حديث عن الدستور الإسلامي من الذين لا يرون تطوير الشريعة الإسلامية إنما هو جهل مزدوج - جهل بالإسلام ، وجهل بثقافة العصر .. وهو ما يقوم عليه أمر دعاة الإسلام عندنا . ونحن نحب أن نقول لهم في ختام هذه المقدمة أنكم إن لم تفهموا حقيقة الإسلام ، وطبيعة ثقافة العصر الحاضر ، فمن الخير أن تكفوا عن الدعوة إلى الإسلام .. وإلا فإنكم تحملون وزر تعويق الدعوة إليه بجهالات تحاولون أن تلصقوها به ، وهو منها براء .. وستكون حصيلة محاولتكم تأخير قافلة الدعاة الحقيقيين بعض الوقت . وبحسب المرء من الشر أن يعوق بجهالته ، دعوة الخير ، ولو لحظة واحدة ، وهو يعلم .

    الديمقراطية والاشتراكية والإسلام

    الديمقراطية

    " وإذا كان الإسلام متضمنا لجميع معاني العدالة والشورى وكل المبادئ الإنسانية السليمة إذن فلا نرى أي مبرر لورود كلمتي (الاشتراكية والديمقراطية) ضمن بنود الدستور ويكفي أن يوصف بأنه إسلامي " "اللهم إلا إذا اتهمنا الإسلام بالقصور وعدم الكمال والشمول وهو أمر لا يدور بخلد واحد من المسلمين " بهذه العبارات اختتمت " الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي مذكرتها عن الدستور الإسلامي الكامل . وهذه الهيئة ترفض الديمقراطية .. لماذا ؟ هي تحدثنا في مذكرتها فتقول " صارت الديمقراطية من الشعارات التي تحمل معاني كثيرة ومتناقضة بمستوى التناقض القائم بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي . فالدول الشيوعية تصف أنظمتها بالديمقراطية وكذلك تفعل الدولة الغربية الرأسمالية على الرغم مما بين الشرق والغرب من خلاف في المبادئ والفلسفات . أما المسلمون فقد وصفهم الله بقوله " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على لناس "

    وأنا شديد اليقين بأن من يقول مثل هذا القول لا يحق له أن يتحدث عن الديمقراطية ، ولا يحق له أن يتحدث عن الإسلام ، فإن تحدث فإنه لا يعدو أن يكون رجلا يقول على الله مالا يعلم . وقد يكون رجلا لا يرجو لله وقارا ..

    أما الإسلام ، فإن هذه الآية لا يصح إيرادها في هذا المقام ، لأنه ليس هناك بين الشيوعية والرأسمالية الغربية موضع وسط ، فإنهما كلاهما مادي .. فالرأسمالية الغربية هي التي زيفت الديمقراطية في الغرب ، والشيوعية هي التي زيفت الديمقراطية في الشرق ، وإن كان تزييف الديمقراطية في الغرب أقل ، بما لا يقاس من تزييفها في الشرق - ولكن المهم أن هناك جنفا عن الروح ، في الشرق ، وفي الغرب ، مما يجعل المدنية الغربية ، بشطريها : الرأسمالي ، والشيوعي مدنية مادية ، عاجزة ، عن استيعاب طاقة الإنسان المعاصر ، الذي أصبح يطلب الحرية ، ويطلب الرخاء المادي ، كوسيلة إليها ، لا كبديل عنها . وقد ورد في كتاب الحزب الجمهوري " التحدي الذي يواجه العرب" صفحة 19 قولنا " وتوحيد البشرية عن طريق الفكر - وليس هناك من طريق سواه - يتطلب مدنية تعطي منزلة الشرف للفكر ، وما هكذا المدنية الغربية الحاضرة : لا في شقها الرأسمالي الغربي ، ولا في شقها الشيوعي الشرقي .. بل إن هذه المدنية الغربية لتقوم أساسا على إنكار الفكر .. فهي مدنية مادية يستوي في ذلك شقها الشيوعي ، مع شقها الرأسمالي ، فليس الاختلاف بين الشيوعية والرأسمالية إلا اختلاف مقدار .. وواضح جدا عند الشيوعية تحقير الفكر وكبت حريته .

    "والمدنية الغربية أعلنت إفلاسها ، ووصلت إلى نهاية مقدرتها التطورية .. وعجزت عن استيعاب طاقة بشرية اليوم ، وتطلعها إلى تحقيق الاشتراكية والديمقراطية في جهاز حكومي واحد .. لأن الإنسان المعاصر يريد الحرية ، ويرى أن الاشتراكية حق طبيعي له ووسيلة لازمة لتحقيق هذه الحرية ، ومن خطل الرأي عنده ، أن يطلب إليه ، أن يتنازل عن حريته لقاء تمتعه بالحقوق التي تكفلها له الاشتراكية ، كما تريد له الشيوعية الماركسية الآن . أو أن يطلب إليه أن يحقق حريته الديمقراطية في ظل نظام اقتصادي رأسمالي لا تتوفر له فيه حاجة المعدة والجسد إلا بشق الأنفس ، كما تريد له الرأسمالية الغربية .. فليس ، إذن ، بين الديمقراطية الغربية ، وبين الشيوعية الماركسية ، موضع وسط يحتله المسلمون ، وتساق في تحديده تلك الآية الكريمة . وإنما سيقت الآية لتوسط المسلمين بين إفراط المسيحيين في الروحانية ، وإفراط اليهود في المادية ، وقد تحدثنا عن ذلك بتطويل في كتابنا " الرسالة الثانية من الإسلام " صفحة نمرة 108 فليراجع .

    وأما الديمقراطية فإنه من الخطأ أن ينسب لها تقصير المقصرين في تطبيقها ، أو تزييف المزيفين لمحتواها . ولم تخبرنا هذه الهيئة عن الديمقراطية في جوهرها ، وإنما اكتفت برفضها لأنها ، عندها ، أصبحت "من الشعارات التي تحمل معاني كثيرة ومتناقضة " وهذا محض سطحية ، وإفلاس فكري .. ونحن لن نتوسع هنا في شرح معنى الديمقراطية في جوهرها وإنما نترك ذلك لحين صدور كتابنا "الإسلام ديمقراطي اشتراكي" ولكننا لا بد لنا قبل ذلك من أن نشير القارئ إلى كتابنا "زعيم جبهة الميثاق في ميزان 1_ الثقافة الغربية 2- الإسلام " صفحة 9 وما بعدها ليراجع حقيقة الديمقراطية بصورة موجزة ولكنها كافية لحاجته الحاضرة .. ونستطيع أن نورد هنا شيئا يسيرا مما جاء في ذلك الكتاب . "وتعد المساواة الأساسية بين كافة الناس مظهرا من أهم المظاهر للمذهب الديمقراطي . فالناس من حيث هم ناس ، مهما فرقت بينهم فوارق الجنس ، أو اللون ، أو اللغة ، أو الدين ، أو القومية أو الطبقة فان هناك شيئا أساسيا مشتركا بينهم ، هو العقل .. والقدرة على التفكير . والناس بهذه النظرة ليسوا مجرد أعضاء في طائفة اجتماعية ، أو طبقة اقتصادية ، أو قومية معينة ، لأن (الذي يتساوون فيه بصفة أساسية يأتي مما يشتركون فيه ، لا مما يفرق بينهم) " هذا ما قلناه هناك فالديمقراطية هي نظام الحكم الذي يكون فيه لكل مواطن كرامة .. وكرامة الإنسان ليست في توفير (العلف) له وإنما في احترام حرية فكره فما كرم الإنسان على الحيوان إلا بالفكر .

    ولقد ورد في كتاب الحزب الجمهوري "الرسالة الثانية من الإسلام" في صفحة نمرة 165 قولنا " وإنما تجئ كرامة الإنسان من كونه أقدر الأحياء على التعلم والترقي ، وإنما تجئ كرامة الديمقراطية من كونها ، كأسلوب للحكم ، أقدر الأساليب لإتاحة الفرص للإنسان ليبلغ منازل كرامته وشرفه ، وإنما يتعلم الإنسان من أخطائه وتلك هي الطريقة المثلى للتعليم "ففي الديكتاتورية تمنع الحكومة الفرد من أن يجرب ، أو يعمل بنفسه ، وبذلك تعطل نموه الفكري والعاطفي ، والخلقي ، لأن كل أولئك إنما يتوقف نموه على ممارسة العمل ، وتحمل مسئولية الخطأ في القول وفي العمل ، ثم التعلم من الخطأ . وعلى العكس من الديكتاتورية ، نجد أن الديمقراطية قائمة على الحق في ارتكاب الأخطاء ، وهذا ليس معناه الخطأ من أجل الخطأ وإنما اعترافا بأن الحرية توجب الاختيار بين السبل المختلفة للعمل ، ولا يمكن للإنسان أن يكون ديمقراطيا حقا دون أن يتعلم كيف يختار ، وأن يحسن الاختيار ، وأن يصحح ، باستمرار خطأ الاختيار الذي يبدو منه ، الفينة بعد الفينة ،. وفي واقع الأمر فإن السلوك جميعه ، وممارسة الحرية برمتها ، إنما هي سلسلة من التصرف الفردي في الاختيار والتنفيذ .. أو قل في حرية الفكر وحرية القول وحرية العمل ، على شرط واحد هو أن الإنسان يتحمل نتيجة خطئه في القول ، وفي العمل ، وفق قانون دستوري . "فالديمقراطية هي حق الخطأ ، وفي قمة هذا التعريف جاء حديث المعصوم (إن لم تخطئوا وتستغفروا فسيأتي الله بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم.) " هذا ما أوردناه يومئذ وسنخوض في تفصيل أمر الديمقراطية في كتابنا المقبل إن شاء الله وهو الذي سيصدر باسم " الإسلام ديمقراطي اشتراكي" ولكن هذا القدر الذي أوردناه كافي للتدليل على أن الديمقراطية أسلوب حياة ينطبق عليه الأسلوب الإسلامي تمام الانطباق ، فإذا زيفها الشيوعيون ، أو زيفها الفاشيون ، أو زيفها الرأسماليون الغربيون فقد وجب أن نرفض التزييف من حيث جاء ، ونتمسك بالديمقراطية في أصالتها وجوهرها ، ونقوم على حمايتها ، لأنها النهج الإنساني الوحيد في أسلوب الحكم الذي يليق بشرف ، وكرامة الإنسان .

    والاشتراكية

    وماذا قالت هذه الهيئة عن الاشتراكية ؟ قالت " كذلك يحمل لفظ الاشتراكية من المعاني المتناقضة ما يجعل استعماله في أي شكل من الأشكال وسيلة لاستغلاله للانحراف بمبادئ العدالة الإنسانية وإشعال حرب الطبقات بين المجتمع "

    وهنا أيضا غاب عن هذه الهيئة جوهر الاشتراكية وتورطوا ، فنسبوا لها سوء التطبيق ، والتزييف الذي تعرضت له ، كما تعرضت صنوها "الديمقراطية" فالاشتراكية هي "الديمقراطية الاقتصادية" حين كانت الديمقراطية هي "الاشتراكية السياسية" ، وهما لا ينفصلان ، وإنما هما ، للمجتمع الراقي ، كالجناحين للطائر .. فكما أن الطائر لا يستطيع أن ينهض بغيرهما معا ، وغرضهما إحراز كرامة الإنسان . ولقد سبق أن قررنا أن المدنية الغربية الحاضرة إنما أعلنت إفلاسها عن استيعاب طاقة الإنسان المعاصر لأنها عجزت عن الجمع بين الديمقراطية والاشتراكية في جهاز حكومي واحد .. فالإنسان "المعاصر يريد الحرية ، ويرى أن الاشتراكية حق طبيعي له ، ووسيلة لازمة لتحقيق هذه الحرية ، ومن خطل الرأي عنده ، أن يطلب إليه ، أن يتنازل عن حريته لقاء تمتعه بالحقوق التي تكفلها له الاشتراكية ، كما تريد له الشيوعية الماركسية الآن ، أو أن يطلب إليه أن يحقق حريته الديمقراطية في ظل نظام اقتصادي رأسمالي لا تتوفر له فيه حاجة المعدة والجسد إلا بشق الأنفس ، كما تريد له الرأسمالية الغربية."

    والعبارة التي أوردتها هذه الهيئة في مذكرتها ، وهي قولها "وإشعال حرب الطبقات بين المجتمع" تدل أتم الدلالة على أن الهيئة تعتقد أن الاشتراكية هي الماركسية ، وهذا وهم شائع ، إن جاز أن يتورط فيه قارئ الصحف اليومية العادي ، فلا يجوز أن يتورط فيه نفر يتصدون للكتابة ، ولتوجيه الشعب ، في أمر من أهم أموره ، ألا وهو الدستور ، فإن الماركسية مدرسة من مدارس الاشتراكية ، لها حسناتها ، وعليها سيئاتها وما ينبغي أن نحسب أخطاء الماركسية على الاشتراكية ، بحال من الأحوال : والاشتراكية تعني ببساطة ، أن يكون الناس شركاء في خيرات الأرض ، فلا يكون لبعضهم حق وللبعض الآخر صدقة .. ولقد جاءت كنتيجة طبيعية للصراع الطويل المرير بين " الما عندهم والعندهم" وقبل أن تظهر الاشتراكية العلمية كانت الاشتراكية البدائية ، وهي تعني المشاركة في الخيرات التي لا تضيق بأحد ، ولا يقع عليها الحوز ، ولقد عبر المعصوم عن هذه حين قال "الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار" وفي هذا الحديث إشارة رصينة إلى وجوب الاشتراكية بين الناس حين تفيض الخيرات باستغلال الموارد الطبيعية والصناعية ، وهو ما عليه قامت الاشتراكية العلمية.

    ولقد ورد في كتاب الجمهوريين "الرسالة الثانية من الإسلام" صفحة 158 عن الاشتراكية الآتي :

    "فالاشتراكية العلمية ، عند الجمهوريين ، تقوم على دعامتين اثنتين ، وفي آن واحد : أولاهما زيادة الإنتاج من مصادر الإنتاج ، وهي المعادن ، والزراعة ، والصناعة ، والحيوان ، وذلك باستخدام الآلة ، والعلم ، وبتجويد الخبرة الإدارية ، والفنية ، وثانيتهما عدالة التوزيع ، وهي تعني ، في مرحلة الاشتراكية أن يكون هناك حد أعلى لدخول الأفراد ، وحد أدنى . على أن يكون الحد الأدنى مكفولا لجميع المواطنين ، بما في ذلك الأطفال ، والعجائز ، والعاجزين عن الإنتاج ، وعلى أن يكون كافيا ليعيش المواطن في مستواه معيشة تحفظ عليه كرامته البشرية ، وأما الحد الأعلى للدخول فيشترط فيه ألا يكون أكبر من الحد الأدنى بأضعاف كثيرة ، حتى لا يخلق طبقة عليا تستنكف أن تتزاوج مع الطبقة ذات الدخول الدنيا .. ومن أجل زيادة الإنتاج وجب تحريم ملكية مصادر الإنتاج ، ووسائل الإنتاج على الفرد الواحد ، أو الأفراد القلائل في صورة شركة ، سواء أكانت شركة إنتاج أو شركة توزيع . . ولا يحل للمواطن أن يملك ملكا فرديا إلا المنزل ، والحديقة حوله ، والأثاث داخله ، والسيارة ، وما إلى ذلك مما لا يتعدى إلى استخدام مواطن استخداما يستغل فيه عرقه لزيادة دخل مواطن آخر . والملكية الفردية ، حتى في هذه الحدود الضيقة ، يجب ألا تكون ملكية عين للأشياء المملوكة ، وإنما هي ملكية ارتفاق بها ، وتظل عينها مملوكة لله ثم للجماعة بأسرها .

    "ثم إنه كلما زاد الإنتاج من مصادر الإنتاج اتجهت عدالة التوزيع إلى الإتقان ، وتقريب الفوارق ، وذلك برفع الحد الأدنى وبرفع الحد الأعلى ، على السواء . ولكن رفع الحد الأدنى يكون نسبيا أكبر من رفع الحد الأعلى ، وذلك بغية تحقيق المساواة المطلقة . وعند تحقيق المساواة المطلقة بفضل الله ، ثم بفضل وفرة الإنتاج ، تتحقق الشيوعية ، وهي تعني شيوع خيرات الأرض بين الناس .. فالشيوعية إنما تختلف عن الاشتراكية اختلاف مقدار .. فكأن الاشتراكية إنما هي طور مرحلي نحو الشيوعية ، "ولقد عاش المعصوم الشيوعية في قمتها حين كانت شريعته في مستوى آية الزكاة الكبرى "يسألونك ماذا ينفقون قل العفو" ولقد فسر العفو بما يزيد عن الحاجة الحاضرة ، وحديثه عن الأشعريين في مستوى الشيوعية ، وذلك حين قال "كان الأشعريون إذا أملقوا ، أو كانوا على سفر ، فرشوا ثوبا ، فوضعوا عليه ما عندهم من زاد ، فاقتسموه بالسوية ، أولئك قوم أنا منهم ، وهم مني" .

    وحديث آخر رواه أحد الأصحاب قال ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال " من كان له فضل مال فليعد به على من لا مال له ، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ، ومن كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل ماء فليعد به على من لا ماء له ." ثم ذهب يعدد الفصول حتى ظننا أن ليس لأحد حق في فضل )

    وزيادة الإنتاج إنما تكون باستخدام الآلة ، وبالخبرة العلمية ، والإدارة الرشيدة ، على أسلوب التعاون بين المواطنين المنتجين ، لا على أسلوب الامتلاك المركزي للدولة ..

    ونحن الجمهوريين حين نتحدث عن الاشتراكية العلمية ، أو عن الشيوعية ، فيما ندعو إليه ، لا نريد مذهب كارل ماركس هذا المعروف باسم الماركسية اللينينية ، بل إننا لنعلم أن اشتراكية كارل ماركس ليست علمية ، وإنما هي متورطة في خطأ أساسي ، وجسيم ، وهو خطأ يشكل أكبر عقبة في سبيل انتصار الاشتراكية في الأرض وهي لن تنتصر إلا إذا صححت هذا الخطأ الأساسي ، وقد وردت الإشارة إلى هذا الخطأ بإيجاز في كتابنا "التحدي الذي يواجه العرب" الصفحة نمرة 14 ، وموعدنا بالتفصيل كتابنا المقبل "الإسلام ديمقراطي اشتراكي" الذي سيصدر قريبا إن شاء الله .

    الجمع بين الديمقراطية والاشتراكية

    يمكن القول بأن نظاما يستطيع أن يجمع بين الديمقراطية والاشتراكية في جهاز حكومي واحد هو حاجة البشرية منذ اليوم . وقد عجزت الرأسمالية الغربية في ذلك حين زعمت ، تمشيا مع مفهوم سلفي . إن من لوازم الحرية الفردية حرية الامتلاك الفردي حتى لوسائل الإنتاج ، وحين رفضت أن تتطور عن هذا الموقف نحو الاشتراكية إلا تطورا وئيدا يمليه الضغط الشيوعي ، ويحفزه الخوف من الثورة الشيوعية المجتاحة ، وبذلك فقد فرط الغرب في الجانب الاشتراكي ، وأصبح يوهم نفسه بأنه ديمقراطي وفي الحق ليس هناك ديمقراطية تهمل الاشتراكية إلا أن تكون حبرا على ورق .

    وقد عجزت ، من الجانب الآخر ، الشيوعية الماركسية اللينينية عن الجمع بين الديمقراطية والاشتراكية ، واتجهت إلى تزييف الديمقراطية زاعمة أن الديمقراطية الغربية غير صالحة ، لأنها ديمقراطية رأس المال والإقطاع .. وقد اتجهت هي إلى ديمقراطية تصادر حرية رأس المال ، والإقطاع ، وتعطي الحق للعمال . والمزارعين ، والمثقفين الوطنيين ، وأسمت هذه بالديمقراطية الصحيحة ، وفي الحق أن هذا تزييف للديمقراطية ..فما هي إلا دكتاتورية المثقفين الوطنيين على العمال والمزارعين . إن الوهم الفكري الكبير عند هؤلاء القوم هو ما نعيناه على الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي وذلك هو توهم النقص في الديمقراطية لأن الغرب أساء تطبيقها . والنظرة السليمة تقول إن الديمقراطية لا عيب فيها ، ولكن العيب في من أساء تطبيقها ، ولن يكون المخرج من ورطة سوء التطبيق بتزييف الديمقراطية ، وإنما بتصحيح التطبيق ..

    وفي الحق أن الماركسية لن تستطيع أن تطبق إلا ديمقراطية زائفة – دكتاتورية تسمى زورا وبهتانا ، ديمقراطية – وذلك لأن قصر نظر الماركسية الذي ورطها في إنكار القيم الروحية قد أعجزها عن تقديم بديل لدافع الإنتاج التقليدي الذي قوضته .. فقد كان دافع الإنتاج القديم ، في النظام الإقطاعي ، والرأسمالي ، الذي ورثته الماركسية ، أن فائض إنتاجك لك ، تدخره ليوم حاجتك ، بعد أن تدفع ما عليه من وظيفة مالية . ثم جاء النظام الاشتراكي ، وهو لا يقوم إلا على أخذ فائض إنتاجي وإنتاجك ، من القادرين على الإنتاج عن هذا الوضع مؤقتا ، ريثما نبلغ شاطئ الشيوعية ، حيث نصبح كلنا في بحبوحة وسعة ، ننتج ما نطيق ، ولكنا ، بفضل وفرة الإنتاج ، نأخذ كل ما نحتاج .. ولكن مرت السنون ولم تقطع الماركسية مرحلة الاشتراكية ، وهاهي ، في نهاية نصف قرن من بداية تطبيقها ، في روسيا ، تحاول أن ترتد إلى استعمال حوافز رأسمالية ، تضمن بها زيادة الإنتاج ، وجودة الإنتاج . وتلك هي إجراءات الاقتصادي السوفيتي لبرمان .. ويحدثنا لبرمان ، وغيره من الماركسيين ، أن حوافز الإنتاج التي تقوم على المكافأة المادية ليست ، بالضرورة ، رأسمالية ، وإنما تتمشى مع الاشتراكية . وهو قول مردود ، بالطبع . وستظهر حقيقة هذه الحوافز التي أدخلها لبرمان بدافع الضرورة في قصور الماركسية ، حين تتداعى هذه الحوافز إلى نهايتها المنطقية .. يومئذ ستظهر أنها ، في واقع أمرها ، نكسة إلى الرأسمالية اضطرت الماركسية إليها بسبب قصر نظرها حين أنكرت القيم الروحية .

    إن الذي حدث في الاتحاد السوفيتي هو لأمر طبيعي ، وهو أننا ، نحن البشر ، لا نفعل أمرا ، ولا نترك أمرا ، إلا لغرض يدور حول ذواتنا .. فإذا قالت الدولة للناس أنتجوا بكل طاقتكم الإنتاجية ، وضحوا في المرحلة الحاضرة بفائض إنتاجكم لأننا نبني النظام الاشتراكي الذي هو مرحلة فقط ، نحو النظام الشيوعي ، وحين نبلغ النظام الشيوعي ، بفضل تضحيتكم في مرحلة الاشتراكية ، فإن مكافأتكم ستكون أن تنالوا كل ما تحتاجون إليه ، مع قلة في ساعات العمل ، فإن الناس ، كراهة منهم للوضع الإقطاعي ، والرأسمالي الماضي ، وثقة منهم في النظام الجديد ، الذي جاء بخلاصهم ، وفتح لهم باب الأمل على جنة الأرض ، سينتجون . ولكن حين يطول الأمد على الموعود فإن الأمر الطبيعي هو ضعف الثقة بالنظام الجديد من جانب المخضرمين الذين عاشوا سوء النظام القديم ، وتفتحت نفوسهم بالأمل في النظام الجديد .. وأما الأجيال الجديدة التي لم تعرف شيئا كثيرا عن سوء النظام القديم فإنها لا تفهم معنى لكل هذه التضحية وإنما تنتظر عائد التضحية أن يكون فوريا . أو هو ان تراخي فإنما يتراخى لمدة قصيرة ، وذلك لأن الحياة في حد ذاتها قصيرة . وعمر الاستمتاع بالخيرات فيها أقصر .. والنتيجة الطبيعية من المخضرمين ، ومن الأجيال الجديدة ، هي التذمر ، والتمرد ، والعصيان المكبوت ، الذي لا يجد فرصة للتعبير عن نفسه ، أمام إرهاب الدولة ، وقوة مركزيتها ، إلا في قلة الإنتاج المتعمد .

    إن الدولة الماركسية في مثل هذا الموقف ، أمام إحدى ثلاث خصال : فهي إما أن توجد دافعا جديدا ، وبديلا لدافع الإنتاج التقليدي الذي قوضته ، أو أن تقوم بالمراقبة ، والتجسس الدقيق ، والمستمر على المنتجين ، أو أن تنهار .. فأما الخصلة الأولى فإن الماركسية لا تجد إليها سبيلا . وأما الخصلة الأخيرة فإنها لا تريدها ، بالطبع . فلم تبق إلا الخصلة الثانية وهي المراقبة الدقيقة ، وهي ما قامت عليه الماركسية في الاتحاد السوفيتي . وفي الحقيقة لقد قامت عليه منذ بداية نشأتها . ولكن المراقبة ، والتجسس ، قد كان في أول الأمر موجها ضد من سموا أعداء النظام الجديد من سدنة النظام القديم ، من الإقطاعيين ، والرأسماليين . ثم أصبحت المراقبة ، والتجسس لازمة من لوازم التطبيق الماركسي على مرور الزمن ، لأن أعداء النظام الجديد قد أصبحوا بعض أعوانه القدامى ، الذين فقدوا الأمل فيه ، من المخضرمين ، ومن الأجيال الجديدة ، كما ذكرنا .. وكان أمر التجسس والمراقبة والبوليسية على أشده على عهد استالين . وكانت نتيجته حمامات الدماء التي زعم خريشوف ، في أحد تصريحاته ضد استالين ، أن ستالين قتل فيها ما يبلغ خمسة ملايين من المواطنين فلما انتهي عهد استالين ، وأقبل عهد خلفائه من بعده ، وأظهرهم خريشوف جاء عهد انحلال الماركسية ، وضعف القوة الكابتة التي كانت في يدي استالين ، وبدأ ضعف الثقة ، لطول ما مر من الزمن دون أن تظهر صورة الشيوعية حتى في الأفق البعيد .. وبدأ ضعف الإنتاج ، وأصبحت الدولة الحديثة في روسيا بحاجة إلى دافع يدفع لزيادة الإنتاج ، يحل محل الخوف الذي فرضه استالين ، ولم يعد من الممكن استمراره في عهد خلفائه ، فلم تسعف الماركسية – اللينينية أتباعها بحافز جديد ، فارتدوا إلى الحوافز الرأسمالية . وبذلك أصبحوا مرتدين في نظر منافسيهم الصينيين .. وإنهم بحق ، لمرتدون ، ولكن الماركسية نفسها لم تسعفهم بما يعصمهم عن الردة .. وهي لن تسعف ماو تسي تونغ بشئ . بل ، الحقيقة ، أن فشلها على يديه لهو أسرع من فشلها على يدي الروس ، ويكفي الآن ما أغرق فيه الصين من فوضى تسمى ، سخرية ، بالثورة الثقافية ، يقوم بها الأيفاع والمراهقون ، ضد أساتذة الجامعات ، وضد فلاسفة الماركسية ، من أمثال ليوشاوشي ..

    إن الماركسية تحمل عناصر فشلها في ذاتها ، وهذا أمر نترك تفصيله لحين صدور كتابنا المقبل وهو باسم "الإسلام ديمقراطي اشتراكي" ولكنا نستطيع أن نؤكد هذه العبارة ، وهي عبارة لا يذهل عنها إلا تابع ذليل ، مخدوع ، أو مفكر لا يستحق اسمه ، فهو كليل الذهن ، قاصر الفكر ..

    وقصور الماركسية يكمن فيما تتبجح به جهلا ، وتسميه علما ، وهو الإلحاد . ولن يكون الإلحاد علما ، إلا إذا انطمست العقول ، وتخلت عن وظائفها . وإلا فإنه قد قيل :-

    فليس يصح في الأذهان شئ: إذا احتاج النهار إلى دليل . وهنا يجئ دور الإسلام ليتمم النقص في الماركسية بإدخاله عنصر الروح الذي جحدته ، وبإدخاله لعنصر الروح تصبح القيمة على مستويين : المستوى المادي ، والمستوى الروحي : والمادة وسيلة للروح ، بمعنى "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة من الله" كما قال المسيح أو "الدنيا مطية الآخرة" كما قال المعصوم . وهذه النظرة تعوض دافع الإنتاج التقليدي الذي لابد له من أن يتقوض ليفتح الطريق للاشتراكية ، لأنه كما سبق أن قررنا ، لولا انك تنتج أكثر مما تستهلك ولولا أن ما يفيض من إنتاجك عن استهلاكك يؤخذ منك ، لما أمكن إمداد العاجزين عن الإنتاج بما يحتاجونه لاستهلاكهم ..وإمداد هؤلاء هو من ضمن محاسن النظام الاشتراكي ، لأن به تظهر إنسانية الإنسان . وفي إنسانية الإنسان كل القيمة للأفراد وللجماعة ، فإنك برضا نفسك ، أن تجتهد في زيادة الإنتاج ، وأن تقتصد في استهلاكك ، توفر السعادة لقوم آخرين ، من أطفال ، ونساء ، وعجزة ، وعجائز . وبتوفيرك السعادة لهؤلاء ، بتقديم تعبك ، وعرقك ، ووقتك وفكرك ، تجد زيادة ، وسعة في طمأنينة نفسك ، ورضا قلبك ، ورحابة إنسانيتك .. ومن ثم سعادتك .. والإسلام يركز على ذلك تركيزا يجعل عبادته ان هي إلا نهج تربوي يعدني ويعدك لنكون صالحين ، ونافعين لإخواننا في الحياة .. فهو يقول "الدين المعاملة" ويقول "الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله" ويقول "من غشنا ليس منا" ويقول "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده " ..

    ثم هو في تربيته يجعل ضميرك الرقيب عليك ، وهذا يغنيك عن مراقبة غيرك عليك ، سواء أكان هذا الغير رئيس الوحدة الإنتاجية التي تشتغل فيها ، أم كان البوليس السري الذي تحتاجه الماركسية ، ولا تستغني عنه في حمايتها لنظامها .. فإذا كان الرقيب عليك ضميرك فأنت حر . وإذا كان المواطنون أحرارا فقد أمكن للاشتراكية أن تطبق تحت ظل الديمقراطية .. وهذا ما جعلنا نزعم أن الإسلام وحده هو الذي يستطيع أن يجمع بين الديمقراطية ، والاشتراكية ، في نظام حكومي واحد ..

    هذا ، ولا يظنن أحد أن الإسلام لا يفرض قيام الاشتراكية بالقانون ، وإنما يتركها لضمائر الأفراد . فإن مثل هذا الظن سيكون خاطئا .. والمقصود أن الإسلام إنما يتخذ القانون وسيلة من وسائل التربية يضاف إلى وسائل أخرى ، في النهج التعبدي ، فمن استغنى عن القانون بفضل تربيته فذلك هو الرجل الحر ، ومن احتاج لتطبيق القانون عليه طبق عليه ، كوسيلة لإعانته على التربية ، وليس كوسيلة للردع فقط ..

    والإسلام:

    إن موضوع الإسلام هذا لن نحتاج إلى الإطالة في أمره هنا، لأننا أفردنا له كتابا صدر منذ حين باسم "الرسالة الثانية من الإسلام" فمن شاء فليرجع إليها، ولكننا تحب هنا أن نقرر أن من يعرف حقيقة الإسلام ويعرف حقيقة الديمقراطية والاشتراكية، لا يسعه إلا أن يعترف بان الإسلام أولى بهما من الشرق، ومن الغرب، وبصورة حاسمة.. فإذا قال داعية إسلامي أن الإسلام لادخل له بالاشتراكية، ولا بالديمقراطية، وإنما هو إسلام كما يقول دعاة الإسلام عامة، وكما قالت هذه الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي، فان هذا القائل لايزيد على أن يدلل على عظيم جهله بأمر الاشتراكية، وأمر الديمقراطية، وأمر الإسلام .. وهذا جهل لا يملك المرزوء به حق الحديث في أمور الناس العامة ..

    إن عصرنا الحاضر يتميز على سائر عصور البشرية بأنه عصر العلم: ويغلب عليه، في المرحلة الحاضرة، العلم بالقوانين التي تحكم النفس البشرية، وهو في ذلك وشيك النجاح، وسيتوج علمنا بالوجود الذي يحيط بنا، بعلمنا بأنفسنا، فان الإنسان، في جميع محاولاته، في البر وفي البحر، وفي الفضاء الخارجي، إنما يبحث عن نفسه. ولقد جعل الله تبارك وتعالى، معرفتنا بالبيئة المادية التي تحيط بنا وسيلة، ومجازا إلى معرفتنا أنفسنا.. فهو يقول، جل من قائل، "وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم. أفلا تبصرون؟" ويقول أيضا "سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم انه الحق. أولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد"؟ ثم انه جعل معرفتنا أنفسنا مجازا، ومعبرا، إلى معرفته هو، وهي أعلى، وأشرف المعرفة.. ولقد قال المعصوم، في ذلك "من عرف نفسه فقد عرف ربه".

    وفي مجالات العلم فان الإسلام على مرحلتين: مرحلته الأولى مرحلة عقيدة، ومرحلته الثانية مرحلة علم: هو في مرحلة العقيدة إسلام بدائي، ثم إيمان ، ثم إحسان ، وهذه قصاراه .. وهو في مرحلة العلم علم يقين ، وعلم عين اليقين ، وعلم حق اليقين. وهذه حسبه .. ومرحلة العلم إنما تجيء بالترقي من مرحلة العقيدة..

    فكأن الإنسان يدخل في الإسلام أول مرة قبل أن يؤمن بالله، لأنه لا يعرف عنه ما يكفي، ولكنه يؤمن بصدق النبي، فيصدقه، ويطيعه. وهذه مرتبة القول باللسان، والعمل بالجوارح. فإذا احسن الاقتداء في ذلك بالنبي يدخل في قلبه معنى هو الإيمان، فيصير مؤمنا بالله وتلك مرتبة تصديق بالقلب، واقرار باللسان، وعمل بالجوارح. ثم يزيد الإيمان فيصبح علم عين اليقين، ثم يزيد الإيمان أيضا فيصبح علم حق اليقين ، وعندها تطمئن النفس إلى الله، وتسلم له قيادها، وتعيش وفق تدبيره وسيرا خلف إرادته. وهي راضية، قريرة العين، لأنها علمت وجودها في الله. وهذا الانقياد القرير العين هو الإسلام الذي قال تعالى عنه "إن الدين عند الله الإسلام".

    ولقد قلنا عنه في "رسالة الصلاة" من صفحة (46) "إن الإسلام، في حقيقته، ليس دينا بالمعنى المألوف في الأديان، وإنما مرحلة العقيدة فيه مرحلة انتقال إلى المرحلة العلمية منه: .. مرحلة الشريعة فيه مرحلة انتقال إلى مرتبة الحقيقة .. حيث يرتفع الإفراد، من الشريعة الجماعية، إلى الشرائع الفردية، التي هي طرف من حقيقة كل صاحب حقيقة، وتكون الشريعة الجماعية محفوظة، ومرعية لمصلحة السلوك، والتربية، والتنظيم للقاعدة البشرية، التي تستجد كل يوم وتجاهد بالتجارب كل حين لترقي المراقي.

    "والذين يدخلون في مراتب الشرائع الفردية هم المسلمون حقا – هم الأحرار، الذين سبقت الإشارة إليهم، في هذا الحديث، حين قلنا ان الحر حرية فردية مطلقة هو الذي استطاع أن يعيد وحدة الفكر، والقول، والعمل إلى بنيته، فاصبح يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ثم لاتكون عاقبة عمله إلا خيرا للناس، وبرا بهم وبذلك يستطيع أن يعيش فوق قوانين الجماعة، لأنه ملزم نفسه بشريعته الفردية، وهي فوق مستوى الشريعة الجماعية، في التجويد والإحسان، والبر والتسامي". "(الإسلام دين الفطرة) معناها دين (علم النفس) وهو سيهدي البشرية، من حيث هي بشرية، بصرف النظر عن ألوانها، وألسنتها، إلى ضالتها المنشودة .. وهو سيهدي كل إنسان إلى نفسه، لأنه كما قلنا (علم نفس) وهو بهذا المستوى العلمي سيتنصر في عصر العلم على الأديان التقليدية فيتحقق موعود الله تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) – (بالهدى) إلى النفوس كما قال تعالى (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه) ( ودين الحق) يعنى دين العلم، ولسنا نريد الإطالة هاهنا. فان له سفرا خاصا سيكون عنوانه (العهد الذهبي للإسلام أمامنا)" هذا ما قلناه عن الإسلام في "رسالة الصلاة"

    ونريد أن نقرر هنا أن الإسلام في هذا المستوى نهجه السياسي "ديمقراطي" ، ونهجه الاقتصادى "اشتراكي" ونهجه الفردي أعني في أسلوب التربية الفردية – "الحرية الفردية المطلقة"، فإن عجز عنها الفرد صودرت بقانون دستوري، والقانون الدستوري هو الذي يوفق بين حاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة، وحاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة.. فهو لا يضحي بحق الجماعة لمصلحة الفرد، كما تفعل الرأسمالية الغربية الحاضرة، ولا يضحي بحق الفرد لمصلحة الجماعة، كما تفعل الشيوعية الماركسية الحاضرة. وهذا القانون إنما هو تنسيق بين الغاية، التي هي الفرد، والوسيلة التي هي الجماعة وهو لذلك حين يصادر حرية الفرد إنما يصادرها مؤقتا وإنما يجعل عقوبة المصادرة علاجا لقصور الفرد في حسن التصرف في الحرية، لاتشفيا منه، وهو بهذه المصادرة إنما يعده ليقبل على ممارسة حريته بطاقة اكبر، وكفاءة اكفأ مما كان عليه قبل وقوع المصادرة عليه..

    ولقد تحدثنا عن هذا الإسلام باستفاضة في جميع كتبنا التي صدرت حتى اليوم وهي "رسالة الصلاة" و"الرسالة الثانية من الإسلام" ، و "زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في الميزان" "والتحدي الذي يواجه العرب" "ومشكلة الشرق الأوسط" فلتراجع فان فيها عن الإطالة هنا غناء.

    تعالوا إلى كلمة سواء

    هذه كلمة نوجهها إلى "جبهة الميثاق الوطني" والى "الحزب الاشتراكي الإسلامي" والى "الهيئة الوطنية للدستور الإسلامي" كهيئات، والى كل مهتم بالدستور الإسلامي، من المواطنين كأفراد .. فان الدستور الإسلامي اليوم لا تمليه حاجة المسلمين فحسب، وإنما تمليه حاجة البشرية جمعاء، تلك البشرية التي ضاقت عن استيعاب طاقاتها المدنية الغربية الحاضرة، فأصبحت تبحث عن مدنية جديدة هي في الإسلام عتيدة وحاضرة وفي غير الإسلام لا وجود لها وأصبح بذلك علينا، نحن المسلمين، واجب تقديم هذه المدنية الجديدة، التي تتولى توجيه الطاقة البشرية الحاضرة، والمجهود البشري الجبار، المعاصر، إلى باحات الأمن والسلام.. إن الإسلام كامل، ولا عيب فيه، على الإطلاق، ولكن العيب فينا، نحن المسلمين، فإننا قاصرون، كل القصور، عن فهمه واسوأ من ذلك، فإننا نرمي الإسلام بقصورنا عن الإدراك.. فكل عالم من علماء الفقه، اليوم، يكاد يجعل نفسه حجة على الإسلام.. فما علمه هو فهو الإسلام وما علمه سواه، ممن خالفه الرأي، فهو الكفر، والمروق..

    التقينا مرة برجل من هذا القبيل، ممن يعتبرون في قمة من قمم المسئولية "العلمية الدينية" وكان غرضنا من لقائه أن نعرض عليه الفكرة الجمهورية لنعلم ماعنده عن الإسلام، وقد جرى على لساننا قوله تعالى "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا" ونحن نفكر في مستقبل الإسلام، فقال "قد ظهر، فان المقصود ظهور البرهان. وقد ظهر" قلنا فأنت لا تنتظر ظهورا للإسلام في مستقبل الأيام على الأديان كلها؟ فقال "لا!! فقد ظهر!"؟

    إن مثل هذا الرجل لا يحق له أن يتحدث باسم الإسلام، إلا إذا كان الحديث باسم الإسلام لا يستتبع مسئولية علمية، كما هي الحال عندنا الآن..

    الإسلام عائد، ما في ذلك أدنى ريب، وذلك موعود الله ، وموعود المعصوم، وعلى المسلمين عامه، وعلى العرب منهم بوجه خاص، يقع واجب النهوض بعبء التبشير به، وبعودته، حتى تفىء البشرية التي لوحتها هاجرة الشقاق إلى ظله الوريف..

    ولن يعود الإسلام في مستواه "العقيدي" وإنما سيعود في مستواه "العلمي" وقد تحدث الجمهوريون عن ذلك كثيرا، ولو لم يكن في الإسلام غير العقيدة لكان وقته انقضى، لأنه في مستوى العقيدة تقابله عقائد عديدة لن يتخلى عنها أهلها حين يدعون إلى اعتناق عقيدة أخرى.. فانه في مستوى العقائد "كل حزب بما لديهم فرحون" فالعقائد بذلك تفرق البشرية ولا تجمعها .. ولكن في مستوى العلم فان الإسلام يقف قمة تنتهي عندها كل القمم. ويلتقي عندها كل البشر فيجدوا حاجتهم. فعبارة "الإسلام دين الفطرة" التي قالها المعصوم تشير إلى هذه المرتبة العلمية من الإسلام التي نتحدث عنها .. وفي هذه المرتبة تظهر، وتتحقق الوحدة البشرية، لان الفطرة البشرية، حيث وجدت، فهي بشرية.. وعن ذلك تحدثنا بشيء من الإسهاب في كتبنا مما يغنينا عن الإطالة هاهنا. والإسلام في مستواه العلمي "ديمقراطي اشتراكي"



    هل في الإسلام دستور إسلامي؟ الجواب نعم .. ولا!!

    ليس في الشريعة الإسلامية، التي بين أيدينا الآن دستور، لسبب واحد بسيط، هو أن الحكم الذي كان عليه سلفنا لم يكن حكما ديمقراطيا، وإنما كان حكم الفرد الرشيد، الذي جعل وصيا على قوم قصر، وفرض عليه، في مباشرة هذه الوصاية أن يستشير هؤلاء القصر ليشعرهم بكرامتهم الإنسانية وليعطيهم الفرصة في مباشرة شئونهم، حتى يتعلموا، تحت توجيهه، كيف يحسنون التصرف فيها، ليتأهلوا، لمرحلة الحكم الديمقراطي حين يبلغون سن الرشد.. ولقد جاءت آية الشورى في ذلك "فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب، لانفضوا من حولك، فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين" وهذه الآية يزعمها دعاة الإسلام عندنا آية ديمقراطية أو قالوا إنها آية حكم الشورى وان الإسلام لاعلاقة له بالديمقراطية وإنما هو حكم الشورى، في مقابلة الحكم الديمقراطي .. ومع ذلك هؤلاء الدعاة يتحدثون عن الدستور، وما من دستور إلا وهو عنوان للحكم الديمقراطي، فيما عدا حالات التزييف الذي يقوم عليه الحكم المطلق، في الفاشية، وفي الشيوعية، وفي غيرهما.. وهو تزييف لا ينطلي على أحد من المفكرين.

    فآية الشورى أية حكم الفرد الرشيد ، وعليها قامت الشريعة الإسلامية في حق المؤمنين ، وهي ، في هذا المستوى، ناسخة لآيتي الديمقراطية في الإسلام، وهما "فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر" فإذا أردنا أن نتحدث عن الدستور الإسلامي فقد وجب أن نطور الشريعة الإسلامية، في أمر السياسة، من الشورى إلى هاتين الآيتين الكريمتين: وآلا فإننا نهرف بما لا نعرف..



    ليس في الشريعة الإسلامية دستور وإنما الدستور في الإسلام

    ولقد تحدثنا عن التمييز بين الشريعة الإسلامية، والإسلام، فليراجع في موضعه من "الرسالة الثانية من الإسلام."

    ولما كانت الاشتراكية جناح المجتمع الثاني، حين تكون الديمقراطية جناحه الأول، فإنه، وبنفس القدر لا توجد في الشريعة الإسلامية اشتراكية ، ولكن الإسلام اشتراكي.. ويزيد !! ونحن نذكر هذا هنا، ونكتفي به، لأن الدستور يقوم على هذين الجناحين .. ولأننا سبق أن تحدثنا عن تطوير شريعة الزكاة ذات المقادير لتستلهم أكبر قدر ممكن من زكاة المعصوم وتحدثنا بتطويل في "الرسالة الثانية من الإسلام"

    بإيجاز؟؟ لا يحق لنا أن نتحدث عن الدستور الإسلامي إذا كنا لا نرى تطوير الشريعة الإسلامية، فيما يخص السياسة **** السلفي الذي قامت عليه الشريعة ديمقراطيا، وإنما كان حكم شورى، والشورى ليست ديمقراطية ، لان الوصي ليس ملزما باتباع رأي القصر، إذا رأى رأيا يخالفه، وما هكذا الديمقراطية، الشورى مشاورة تملك حق المخالفة..

    فإذا كنا نرى تطوير الشريعة الإسلامية في السياسة والاقتصاد لننتقل من نص فرعي، إلى نص أصلي، نزل عنه، مراعاة لظروف الوقت، وطاقة الناس، فإننا بذلك نستطيع أن نتحدث عن الدستور.. راجع في تفصيل التطوير "الرسالة الثانية من الإسلام"



    مرة أخرى..هل في الإسلام دستور إسلامي؟؟

    الجواب نعم – ولا!! نعم، في الإسلام دستور! ولا

    ليس في الشريعة الإسلامية التي بين أيدينا دستور..

    فيا دعاة الإسلام في هذه البلاد تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن نجلس، ونترك وراءنا حظوظ نفوسنا، فنجود فهم ديننا، ولا يصدنكم عن هذه ماترونه من غرابة فكرة الحزب الجمهوري، فلعل هذه الغرابة أن تكون مظنة الرشد، أكثر منها مظنة الغواية، ألم يقل المعصوم "بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء!! قالوا من الغرباء يا رسول الله؟ قال الذين يحيون سنتي بعد اندثارها"؟؟ وفي رواية أخرى قال عن الغرباء "فئة قليلة مهتدية في فئة كبيرة ضالة"

    ومن يدري فلعلكم واجدون في دعوة الحزب الجمهوري إحياء لسنة المعصوم بعد اندثارها؟؟

    ومن يدري فلعل الجمهوريين أن يكونوا الفئة القليلة المهتدية في فئة كبيرة ضالة؟؟

    خاتمة:

    قلنا في مستهل هذا السفر أن اقتراح الدستور الكامل قد سقط. ونحب أن نكون واضحين فان الدستور الإسلامي لم يسقط لأنه لم يقدم، وإنما سقط دستور ناقص، جاهل، انتحل له اسم الدستور الإسلامي الكامل. ومن حسن التوفيق أنه سقط، وقد سقط هذا الاقتراح وهو مقدم من اللجنة الفنية. ويمثل وجهة نظر جبهة الميثاق الإسلامي، عن الدستور الإسلامي فماذا قالت جبهة الميثاق الإسلامي بعد سقوطه؟ قالت في العدد الخاص الذي أصدرته، من جريدة الميثاق بتاريخ 31 ديسمبر عام 1967 تحت عنوان "صورة المستقبل في السودان كما يرسمها الدستور الإسلامي" قالت "لقد اكتملت اليوم قرارات اللجنة القومية للدستور أجيزت مسودة الدستور الدائم ويمكن أن يقال عن الدستور الدائم أنه به درجة معقولة من الالتزام بالإسلام يظهر ذلك في المادة الأولى "أن يكون دستور السودان مستمدا من مبادئ الإسلام وروحه" فهم قد أسموه الدستور الإسلامي وقالوا "انه به درجة معقولة من الالتزام بالإسلام" هذا وكل من يعرف يعرف أن الإسلام لا يتجزأ، وانه إذا كان عندك دستور هو خمسة وتسعون في المائة إسلامي، وخمسة في المائة غير إسلامي فهو دستور غير إسلامي، ومن يدري فلعل عند الله الخمسة في المائة التي فاتتك أهم من الخمسة والتسعين في المائة التي أحرزتها، وما أجد بين يدي الآن عبارة تدل على جهل جبهة الميثاق بالإسلام مثل هذه العبارة التي أوردناها آنفا .. ثم تمضي هذه الجريدة في تضليل للناس مؤسف، فاسمعها تقول "إن إقرار الدستور الدائم سيضع أمامنا وأمام السودان كله فكرة إيجابية ستكون منظارا نرى به أوضاعنا ونعمل على تغييرها وفق الفكرة الإسلامية" ثم تمضي في ذلك إلى أن تقول "والحل الشافي في نظري للقضايا المختلفة المتشابكة التي تعاني منها البلاد ينبغي أن، يكون حلا ينبع من تصور للحياة مقبول لدى الناس أولا وثانيا أن يكون حلا متناسقا مع كافة الحلول الفرعية، مثل هذا الوضع سيمكن الجهاز التنفيذي أن يكون فعالا وغير متناقض وسيجنبه الضغط المتلاحق ليتخذ قرارات أما متناقضة أو غير منسجمة يفسرها اتجاه عام وتصور واضح من ناحية أخرى فان التكوين العقائدي لعامة الناس سيقوى الآن بعد اقرار الدستور الإسلامي (كذا) حاستهم لتلمس النواحي السياسية التخطيطية، والتطبيقات العملية للسياسة في كافة أوجه الحياة والتي تعارض نظرة الإسلام للحياة ومن ناحية أخرى فان التخطيط سيتجه إلى الوجهة التي سيضعها الشعب كمقياس لصلاحيتها وسيتجه كذلك التفكير السياسي وجهة يجتهد ليقترب بها من الإسلام" هذا ماقالته هذه الصحيفة، واعترف للقارىء أن قلبي انقبض قبضة شديدة وأنا أتابع هذه الأسطر لأنقلها لك، فإنها شديدة الظلام، وتمضي الصحيفة في حديثها، وما تريد أن تقوله للناس هو أننا نريدكم أن تعطونا فرصة أخرى في الانتخابات المقبلة لنواصل النضال لنحقق لكم الإسلام الكامل، ولقد كنت أنوي أن، أنقل لكم فقرات من هذه العبارات، ولكن نفسي انقبضت، فمن شاء فليراجع هذا المقال بنفسه.

    إن جبهة الميثاق أسوأ من استغل الإسلام في هذه البلاد لأغراض السياسة.. ولقد أصدر الحزب الجمهوري منشورا بتاريخ 21/11/1965 بعنوان "استغلال الدين للأغراض السياسية أضر بالدين، وبأخلاق الأمة، من دعوة الإلحاد السافرة" ولقد جاء في ذلك المنشور قولنا:- "طاعتنا الصحف بخبر عن الطالب المنكوب شوقى محمد على يقول أنه "سيطلق سراحه بعد أن يتم أخذ أقوال السيدة سعاد الفاتح كتابة، وبعد إرساله إلى لمستشفى الأمراض العصبية، بناء على طلب السيد فتحي حسن كاشف محامي المتهم الذي قدم طلبا للمحاكمة قال فيه أن المتهم مصاب بمرض عصبي، وكان يتعالج في مستشفى الأمراض العصبية"، ومعنى هذا أن جميع أقوال، وأعمال المسئولين في هذا البلد قد انبنت على قولة طالب غير مسئول شرعا، ونحن لم نكتب الآن لنقرر هذه الحقيقة المؤلمة، فإن محاسبة المسؤولين، غير المسئولين، سيجيء بها يوم تجف من هول سؤاله أسلات الألسن، وإنا لذلك اليوم لمنتظرون.. فلينتظروا ، ولكننا كتبنا لنبين للشعب الأتي:-

    "1 - الحزب الجمهوري يدعو لتطوير بعض صور الشريعة الإسلامية التي جاءت وهي تحمل سمة "الموقوتية" لتصبح أقدر على حل مشاكل عالم اليوم، فتصبح بذلك أدخل في أغراض الإسلام، لأن أغراض الإسلام التشريع للمجتمع في مستوى مشاكله، ومستوى إمكانه، ومستوى مجتمعنا الحاضر، من جميع الوجوه ، غير مستوى مجتمع أسلافنا.

    2- جميع الهيئات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، يعارضون رأي الحزب الجمهوري في التطوير، ويرون أن جميع صور الشريعة الإسلامية الواردة فيها النصوص القطعية لا تحتاج منا إلا إلى التطبيق من جديد لتحل مشاكل عالمنا الحاضر على أتم الوجوه.

    3- مع ذلك، فأن جماعة الإخوان المسلمين، مجاراة منها لحكومة أكتوبر الأولى، أعطت المرأة المسلمة حق التصويت، وحق الترشيح، على قدم المساواة مع الرجل.

    4- جماعة الإخوان المسلمين قدمت امرأة شابة، هي السيدة سعاد الفاتح، لتحاضر طلبة معهد المعلمين العالي في بعض شؤون المرأة المسلمة، كما بلغنا. وقد وقع الحادث المشئوم في تلك الحاضرة.

    5- من حق هذا الشعب المسلم أن يسأل هذه الجماعة من أين جاءت بعملها هذا الذي تنسبه للإسلام بتشريعه الحاضر؟" هذا ما حواه منشورنا يومئذ، ونحن نضيف اليوم أن جبهة الميثاق لا تعرف الإسلام، ولا يهمها أن تعرفه، وإنما تستغله أشنع استغلال، وتضلل به هذا الشعب حين تحدثه عن الدستور الإسلامي بالأسلوب الذي أوردنا لكم نمطا منه..

    وهذا الدستور الذي بين يدي الجمعية التأسيسية الآن، والذي تسميه جريدة الميثاق دستورا إسلاميا، لا يستحق أن، يسمى دستورا، على الإطلاق، فهو قد تغول على أصل الحقوق الأساسية تحت ستار محاربة الشيوعية، وتغول على استقلال القضاء، ثم هو مثل من التناقض المحزن .. ففي المادة الأولى يقول "السودان جمهورية ديمقراطية اشتراكية، تقوم على هدي الإسلام" وفي المادة نمرة 113 يقول "الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي لقوانين الدولة" وفي المادة نمرة 114 يقول "يعتبر باطلا كل نص في أي قانون يصدر بعد إجازة هذا الدستور ويكون مخالفا لأي حكم من أحكام الكتاب والسنة إلا إذا كانت تلك المخالفة قائمة في جوهرها قبل إجازة الدستور" ونحن نقرر هنا أن ليس في الشريعة الإسلامية – الزكاة ذات المقادير – اشتراكية وليس في الشريعة ديمقراطية.. ومن ثم فإن في هذه المواد تناقضا يجعل الدستور حبرا على ورق.

    وتناقض آخر، على سبيل المثال، في المادة نمرة 18 "تكفل الدولة للوالدين الحق في اختبار التعليم الذي يريدونه لأبنائهم" وفي المادة نمرة 22 "تعمل الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية في الاقتصاد وتحرير المجتمع من الظلم والاحتكار والربا وعلى توجيه النهضة الاقتصادية بالتخطيط العلمي الدقيق بما يضمن زيادة مضطردة في الإنتاج تحقق الاكتفاء الذاتي وتكفل العيش الكريم للمواطنين وبما يمنع الاستغلال الاقتصادي ويحقق توزيع الدخل القومي توزيعا عادلا بين المواطنين." هذا مجرد إنشاء جميل، ولم يقصد منه غير ذلك، وإلا فكل من أوتي أدنى بصر بالأمور يعرف أن التخطيط الاقتصادي الدقيق يعني إعداد فنيين بأعيانهم، كما، وكيفا، فأنت لابد لك من أن تخرج مهندسين معماريين، وميكانيكيين، وكهربائيين، وزراعيين، ولابد لك من أطباء بيطريين، وبشريين. ولابد لك من كافة الفنيين، لتخرجهم بأعداد مرسومة، فإذا قلت كما تريد كما قالت المادة نمرة 18 "تكفل الدولة للوالدين الحق في اختيار التعليم الذي يريدونه لأبنائهم" فانك تكون أحد رجلين .. إما رجلا لا يعني ما يقول ، حين تتحدث عن التخطيط الاقتصادي ، أو رجلا لا يفهم ما يقول..

    والإنشاء الجميل هو المظهر العام لمشروع الدستور الذي تناقشه الجمعية الآن، وغياب المنهاج المرسوم للتنفيذ يدفع الإنسان ليظن أن ليس هناك أمر يراد وراء الإنشاء الجميل.. وليس الأمر بالطبع يقوم على سوء نية عند أحد ممن باشروا إعداد هذا المشروع، ولكنه يقوم على جهل موبق..

    اقرأ إن شئت المادة نمرة 14 "تسعى الدولة جاهدة لبث الوعي الديني بين المواطنين وتعمل على تطهير المجتمع من الإلحاد ومن كافة صور الفساد والانحلال الخلقي" تجد إنشاء جميلا يروقك، وقد يكسبك بسرعة إلى جانب مشروع الدستور.. ولكن قف، واسأل، كيف يتم للدولة "تطهير المجتمع من الإلحاد ومن كافة صور الفساد"؟ السنا جميعا نعرف أن أجهزة الدولة كلها فاسدة؟ ألسنا نشكو هذا الفساد في الوزراء؟ وفي الخدمة المدنية؟ وفي النظام الحزبي؟؟ أم هل ننتظر أن نجني من الشوك العنب؟؟

    واقرأ المادة نمرة 15 وهي أغرب من سابقتها:-

    "تشرف الدولة على المناهج الدراسية والتربوية في جميع المؤسسات التعليمية وتوجهها لتمكين الإيمان بالله وحب الوطن وغرس الفضيلة والقيم الأخلاقية والشعور بالمسئولية"

    انظر إلى عبارة "الايمان بالله" هذه التي تأتي عن طريق "المناهج الدراسية" التي تشرف عليها أجهزة طوعت لها قلة إيمانها بالله أن تستغل دينه لدنياها؟

    إن الحزب الجمهوري ظل يدعو، ولن ينفك، إلى إحداث ثورة فكرية، وقد قال في احدث كتبه، وهو "مشكلة الشرق الأوسط" .. "لابد من الثورة الفكرية وسط الشعوب العربية، وذلك بعودة (لا اله إلا الله) في بساطتها، ونقاوتها، وصدقها، كعهدنا بها في القرن السابع الميلادي، في شعاب مكة، وإرجاء الحجاز"

    وهذه الدعوة قد وجدت الاستجابة لها، ونشأ على أساسها مجتمع جمهوري صغير، وسط المجتمع السوداني. وهذا المجتمع الصغير آخذة حدوده في الاتساع باستمرار، وهو، إن شاء الله، المقصود بالإشارة النبوية الكريمة في حديث الغرباء ولدى هذا المجتمع الجمهوري فان مشروع الدستور الذي تناقشه الجمعية الآن ليس فقط دستورا مزيفا، بل انه، على التحقيق، أكبر وثيقة تضليل رسمية، "أو تحاول أن تكون رسمية" منى بها هذا الشعب السوداني، منذ أن عرف الاستقلال أو قل، منذ أن جلا عنه الحاكم الأجنبي، إن أردت الدقة في التعبير ..

    إذا اصبح هذا المشروع دستورا فان الحزب الجمهوري أول من يعلن عدم احترامه إياه..

    تحت الإعداد الآن مشروع للدستور الدائم للسودان، وهو دستور القرآن، وهو، على ذلك، دستور سينتفع به كل الناس، على اختلاف ألسنتهم، ونحلهم، وألوانهم، لأن القرآن في حقيقته قد جاء لكافة الناس وسيخرج به سفر عما قريب، إن شاء الله، والله ولي التوفيق وولي التسديد..
                  

العنوان الكاتب Date
المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-04-05, 02:06 AM
  Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-04-05, 02:17 AM
    Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-04-05, 02:32 AM
      Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-04-05, 02:51 AM
        Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-04-05, 02:58 AM
          Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-04-05, 03:09 AM
            Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-04-05, 03:28 AM
              Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-04-05, 03:49 AM
                Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-04-05, 04:00 AM
                  Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-04-05, 04:10 AM
                Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق nadus200007-04-05, 04:23 AM
                  Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-04-05, 04:32 AM
                    Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-05-05, 00:21 AM
                      Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-05-05, 01:44 AM
                        Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-05-05, 02:17 AM
                          Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-05-05, 04:24 AM
                            Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-06-05, 00:16 AM
                              Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-06-05, 03:18 AM
                                Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-06-05, 03:34 AM
                                  Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق الكيك07-09-05, 01:15 AM
                                    Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق nadus200007-12-05, 08:01 AM
                                      Re: المديدى ..حرقتنى ..........للتوثيق nadus200007-13-05, 04:46 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de