حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-16-2024, 03:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة معالى ابوشريف (الكيك)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-30-2009, 09:43 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين (Re: Haydar Badawi Sadig)

    صحيفة أجراس الحرية
    http://www.ajrasalhurriya.net/ar/news.php?action=view&id=1685 الكاتب : admino || بتاريخ : الخميس 29-01-2009
    عنوان النص : د. منصور خالد في مئوية محمود محمد طه:
    : محمود كان ذو مِرّة وذو المِرّة لا يكسر أمام الخطوب.

    رصد: آدم أبكر علي

    في إطار احتفال مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية بمئوية الأستاذ محمود محمد طه 1909 ـ 2009م وبالذكرى الـ24 لاستشهاده قدم الدكتور منصور خالد في محاضرة بعنوان (محمود الذي عرفت) مساء الخميس 22/1/2009 ،د.الباقر العفيفي إبتدر الحديث قائلاً: هذه الليلة يشرِّفنا د.منصور خالد متحدثاً عن الأستاذ الشهيد/ محمود محمد طه محتفياً بحياته الثرة، وبفكره الرصين، وبوقفته الملهمة، وبين محدثنا والأستاذ/ محمود صفات مشتركة رغم اختلاف مشاغلهما، منها الجسارة الفكرية، وارتياد الطُرق البكرة، طرق الفكرة غير المطروقة، ولعل أكبر مشترك بينهما أن حسادهما كُثر، والحسد داء لا شفاء منه، والساعين للتآمر لاطفاء نورهما من خفافيش الظلام أيضاً كُثر، بهذه الكلمات الرصينة قدَّم مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية الدكتور/ منصور خالد متحدثاً عن شهيد الفكر الأستاذ/ محمود محمد طه، وقد جذب وشد د.منصور خالد انتباه الحاضرين من خلال حديثه، باسلوبه المتفرد، وقدرته على تطويع الكلمات.
    (أجراس الحرية) رصدت ما قاله د.منصور خالد بحق الشهيد فإلى حديثه:
    محمود محمد طه الذي عرفت
    قال د.منصور خالد: عندما جوبهت بسؤال عن الموضوع الذي أتمنى اختياره بالمثل عن سيرة شهيد الفكر الأستاذ/ محمود محمد طه وعن رؤيته، في الذكرى الرابعة والعشرين، توقفت مرة بعد مرات، فمحمود رجل لكل الفصول، ذلك وصف اطلقه الفيلسوف البولندي راسموس الملقب بأمير الانسانيين على شهيد فكر آخر هو سير/ توماس مور رئيس مجلس اللوردات البريطاني في العام 1529م على عهد الملك هنري الثامن، وبين الرجلين تشابه في الصدق مع النفس حتى الموت، وعندما تمنى عليَّ منظمو الحفل ان اتحدث عن الفكر السياسي عند محمود محمد طه ازددت احترازاً، لأن اقبال الاستاذ الشهيد على الفكر السياسي كان مختلفاً جداً عن ما يطلق عليه البعض اسم الفكر السياسي في السودان، وهو ليس منه على شيء، العنوان الذي اخترت للحديث (محمود محمد طه الذي عرفت) فيه مجال للتوسعة بدلاً عن الاختصار والتضييق، الهدف من الحديث ليس هو شرح أو تشريح لأفكار الاستاذ، وانما هو القاء اضاءة كاشفة عن تنوعه المعرفي، وجديته في الاقبال على القضايا العامة، ثم صدقه مع نفسه في القول والعمل، ولئن سأل سائل كيف عرفت الاستاذ؟ ولماذا حرصت على معرفته؟ اجبت انني عرفت المفكر النابه أولاً، كما ينبغي أن يعرف المفكرون. المفكر يعرفه الناس من قراءة ما كتب، والتملي فيما كتب. والمفكر تشد الناس اليه نجاعة الفكر، وفصاحة الاسلوب، وبدائع التعبير، ثم البلاغة في تصريف المعاني، كثير من الذين تصدوا لأفكار الراحل يبتنَّون معرفتهم لأفكاره على السماع، ولا يرمون بذلك إلا لغرض واحد هو التشهير، ومن بين اولئك طائفة من المتربصين، سارعت الى قراءة ما بين السطور قبل قراءة السطور، ناهيك عن التمعن فيها، ومن ثم ذهبت تلك الطائفة الى اقتناص المعاني التي يريدون من قراءتهم الزائفة، ان يقدِّروا عليها الاحكام بالظن، وبعض الظن إثم.
    التعرف إلى مخبره قبل مظهره
    سعيت من بعد القراءة والتملي فيما قرأت، الى لقاء به، ليس فقط رغبة في الحوار معه حول بعض افكاره، وانما أيضاً لاكتنه امره، ما الذي يبتغي مما يدعو له؟ وعلى أي أساس يخاصم ويصطلح؟ وما هو معياره في الحكم على البشر؟ وبخاصة الحواريين من حوله، الغاية من ذلك الحوار كانت هي الادراك السليم لكيف يستبطن المفكر الداعية القيم التي يدعو لها؟ أي التعرّف الى مخبره قبل مظهره، تعرَّفت على محمود أيضاً من خلال تجارب اخوة لي لم يكونوا أبداً من بين صحبه وناظريه، لكن شاءت الظروف ان يرافقوا الاستاذ في مرحلة من مراحل حياته، فأحبوه، ورأوا فيه ما لم يروا في غيره من الرجال، هذه هي المداخل التي قادتني للتعرّف على رجل، وبكل المعايير رجل وحده.
    محمود محمد طه مفكِّر ديني مجدد
    ساءه ان يتظان الاغيار (بل بعض المسلمين) ان الاسلام في ازمة، وانه عقبة في سبيل التطور والتحديث، محمود رأى غير ذلك، العقبة في رأيه هي في الفهم القاصر للدين، وليس الدين نفسه، والمأزوم هو المسلم المتقاصر عن فهم الدين فهماً صحيحاً، وليس الإسلام، فمحمود أيضاً مثقف موسوعي، لم ينبذ الافكار المعاصرة أو يناهضها دون دراية وعلم، بل ذهب لتقصي أصولها ودراسة تجاربها، شأن الباحث المدقق، والأمين في آنٍ واحدٍ، ذهب لدراسة الماركسية لينفُذ الى حسناتها ويبين سيئاتها، كما درس الحضارة الغربية ورأى وجهيها، فحسب قوله: لتلك الحضارة وجه حسن مشرق الحسن، ووجه دميم، حسنها في الكشوف العلمية التي اخصبت الحياة البشرية، ودمامتها في القصور عن التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة، وهكذا دواليك في قراءته وبحوثه حول الليبرالية، حول الفكر القومي، حول مناهج الحكم، هو أيضاً متصوف، زاهد، اخشوشنت حياته باختياره حتى خمص بطنه، ورب مخمصة خير من التخم، ورغم مهنيته التي اثرى منها رفاقه في المهنة، إلا انه لم يوظف مهنته تلك ليُكثر في المال، بل ظل يبقى منه ما يقيم الأود، ثم يغفو.
    هو سياسي جدد في البيئة السياسية الى ان يروي بفكره عزز أرضه، وكان له في ذلك قول يعود الى عهد مؤتمر الخريجين عندما تساءل في السفر الأول، اول ما يؤخذ على الحركة الوطنية انصرافها التام عن المذهبية التي تحدد الغاية، وترسم الطريق الى تحقيقها، وفي هذا المجال اقبل الاستاذ على الكتابة في كل ضروب السياسة، السياسة الحكمية، السياسة الاجتماعية، السياسة الثقافية، أي ذهب الى معالجة كل قضايا الناس الحيوية والحياتية، وذلك هو لب السياسة، وكان ذلك في وقت لم يتجاوز فيه اهل السياسة التفاصح والتداهي بما ليس فيه، بحيث اصبحت الفصاحة والتي هي ليست مرادفة للبلاغة هدفاً في حد ذاتها.
    رأي محمود في الإسلام
    لمحمود المجدد ان ابتغينا التفصيل رأي في الإسلام، هو أن الاسلام محاصر في سياج دوغماطي مغلق، ذلك تعبير في الواقع اقتبسته من المفكر الاسلامي الجزائري (محمد عقوم)، ولا سبيل لفك مغاليق ذلك السياج إلا بقراءة جديدة للإسلام، وفق فكرة محمود التي تقوم على التمييز بين فقه الاصول وفقه الفروع، ولا احسب ان الاستاذ المجدد قد أنكر صلاحية الفقه الموروث في زمانه، ولكنه ارتأى ان ذلك الفقه والقيم المعيارية الملحقة به لا يصلحان لزمان الناس هذا، لما بين الزمنين من فجوة معرفية وقيمية ومعيارية، فهذا زمان تحكمه وعود دولية حول حقوق الانسان، وتضبط الحكم فيه علاقات بين الأمم على امتداد العالم مواثيق ارتضتها الدول، ولم تنكرها واحدة منها، وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة، تلك المواثيق والعهود فرضت واجبات لا تملك الدولة التخلي عنها بدعوى خصوصيتها الثقافية، وازاء التناقض الظاهر بين الدين وبين القيم المعيارية الجديدة، انقسم المسلمون الى فرق، فريق يقول لا مكان للدين في الحياة، ولهذا فالدين غير ذي موضوع بالنسبة للحياة او لمنظومة السلوك الدولية الجديدة.
    وفريق ثانٍ يرى في كل ما ابتدعته الانسانية بدعاً ضليلة وكل ضلالة للنار، هؤلاء تصاعدوا في زماننا هذا الى تفريق العالم الى فسطاطين، فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان.
    وفريق ثالث لا يريد ان يستقيل عن دينه، كما لا يقدر على الانعزال عن العالم فيلجأ الى تخريجات مستنبطة من المفاهيم والاحكام الدينية الموروثة، وهي تخريجات تؤكد ولا تنفي دعاوى الذين يقولون بعدم صلاحية الدين للعصر لما في مطاوي تلك التخريجات من تناقض.
    محمود كان من أسبق المفكرين إلى الحلول المستمدة من أصول الإسلام
    وفي هذا، هم إما مفكرون قاصرون، او ادعياء منافقون. محمود كان من أسبق المفكرين الى الحلول المستمدة من اصول الاسلام، لا ليناهض بها الفكر الموروث الذي لم يعد صالحاً لهذا الزمان، بل ليدحض بها الفكر الملتبس أو (المتيبس) للإسلام، حماية للإسلام نفسه، لهذا فإن جوهر رسالته كان هو التكامل بين الدين والحياة، ولا سبيل في رأيه لذلك التكامل ان واظبنا على النظر للاسلام من منظار سلفي، لما بينه وبين الحاضر المعيش من فجوة كما قلنا، ولهذا انكر محمود على المعاصرين من حماة ذلك الفكر المتيبس الدور الوسائطي الذي افترضوه لأنفسهم بين الانسان وربه، فذلك كهنوت لا يعرفه الاسلام، وفي رأي الأستاذ كل مسلم رجل دين، وفي عودته للاصول لم ينحو الرجل للتجريد، وانما تقفى كل القضايا الحياتية التي شغلت او ينبغي ان تشغل الناس، وعلى رأسهم قياداتهم السياسية، ففي السياسة الحكمية كتب محمود عام 1955م عن الفيدرالية كأصلح نظام حكم في السودان، في الوقت الذي كان غيره يصفها بأنها ذريعة استعمارية لتفتيت وحدة السودان، وكأني بهؤلاء لم يكونوا يعرفون كيف وحدت الفيدرالية الولايات المتحدة الامريكية، الهند، كندا، البرازيل، ألمانيا.
    السياسة الاجتماعية
    وفي السياسة الاجتماعية تناول الاستاذ قضية المرأة، في وقت لم يكن فيه للمرأة مكان إلا ان تكون مستردفة وراء الرجل حتى بالمعنى الحسي للكلمة، واظنكم تذكرون كيف كان بعض الرجال يوم ذاك، يستنكف ان تجلس زوجته الى جواره في السيارة، وما فتى بعض هؤلاء ينادون بقوامة الرجل على المرأة مهما كان مستوى علمها ودينها وخلقها، كان الاستاذ ينظر للمرأة كانسان ينبغي الانتصاف لحقه أياً كان هذا الانسان، ويروي لي الراحل الدكتور/ خليل عثمان ـ وكان قد صحب الاستاذ في محبسه ـ كيف أن الاستاذ ظل يلاحق الانتخابات الامريكية في الوقت الذي كان يقف فيه جورج ريجان وجورج بوش ضد مونديل وجيرالدين فرارو، وكان يتمنى ان تفوز جيرالدين فرارو، فقال له د.خليل هل تعرف هذه السيدة؟ قال لا. لماذا تهتم بها؟ قال لأن انتصار المرأة في موقع كهذا في امريكا هو انتصار للمرأة في كل مكان، هذا ما اعنيه باستبطان الرجل لما كان يدعو له، وربما اذا كان لي ان اضيف شيئاً اقول: ان تحرير المجتمع يبدأ بتحرير المرأة، فالمرأة هي الانسان كما قال الروائي الالماني المعروف: (الرجال هم الرجال.. لكن المرأة هي الإنسان).
    رأي الأستاذ في الحرب والسلام
    ذهب به الى جذر المشكل بعقود من الزمان قبل أن نعترف بذلك في اتفاقية السلام الشامل في يناير 2005م، ففي الوقت الذي كان فيه السودان كله يتلظى بنيران الحرب، وبعض من اهله لا يخفى فرحته بما حقق من انتصار وهمي، كان ينظر الى الصورة المتكاملة، ولا يتوه في التفاصيل، كان يقول كلما تباهى المنتصرون بقولهم (لقد قضينا مثلاً على مائة من الخوارج واستشهد منا خمسة) كان يقول: أما نحن نقول فقد السودان مائة وخمسة من اهله، وكان محمود في صراعات الناس خير من أسبقهم الى ادراك البُعد الوطني لما ظللنا نسميه مشكلة الجنوب، حين كتب في واحدة من رسالاته (وللشمال مشكلة أيضاً) كنَّا دائماً نظن ان المشكلة هي مشكلة الجنوب، لكنه كان أول من نبَّه ان في الشمال مشكلة أيضاً، ومشكلة الجنوب هي دون شك جزء من مشكلة الشمال، هذا طرف من قضايا السياسة التي أهمَّت الاستاذ حين صمت عنها السياسيون إما عجزاً او لا مبالاة، أدهى من ذلك ان اللهاث وراء السلطة يوم ذاك كان هو الشغل الشاغل لسادة الحكم، دون ان يقولوا مرة واحدة لمن ولوهم السلطة او حملوهم الى سدتها ما الذي يريدون ان يفعلوا بتلك السلطة من أجل قضايا الناس، واتت نظرة الاستاذ الشهيد للمدينة الفاضلة التي قدَّرها وأحب ان يصير عليها السودان نظرة متكاملة، إلا انه قدَّر ايضاً ان السودان جزء من عالم لا يستطيع الانفكاك عنه، ومن حضارة انسانية لا سبيل له للانخلاع عنها، وفي ذلك لم يذهب مذهب الذين يدعون للانخلاع عن الحضارة المعاصرة بدعوى تناقضها او تباينها مع خصوصية ثقافية مدعاة، هؤلاء الذين يقولون مثل هذا الكلام يلتهمون في نفس الوقت نتاج تلك الحضارات في المسكن، وفي الملبس، وفي المشرب، وفي التواصل، وفي الترحال، أي يعيشون كمستهلكي حضارة لا منتجين لها، في ذات الوقت الذي يجمِّدون فيه ما تتميز به تلك الحضارة، شهيد الفكر كان يرمي ببصره بعيداً ويقول: (إن الحضارة المعاصرة، حضارة القرن العشرين بلغت نهاية النضج، وان البشرية المعاصرة هي مجتمع كوكبي، ان اصيب جزء منه تداعت لمرضه بقية الاجزاء)، هذه النظرة التي جاء بها الاستاذ الشهيد في السبعينيات سبقت ما تواصينا عليه بعد عقد من الزمان في لجنة دولية كان لي شرف المشاركة في رئاستها، هي اللجنة الدولية للبيئة والتنمية، والتي خرجت على الناس بتقرير اصبح هو الميثاق الدولي للبيئة في قمة الارض بريو دي جانيرو.
    الشهيد المفكر كان يعالج أمور بلاده في محيط كوكبي أرحب
    جوهر ذلك التقرير هو وحدة كوكب الأرض، بحيث ينبغي على كل فرد منا ان يفكر عولمياً، ويعمل محلياً، ثم جاء من بعد فيضان العولمة بخيره وشره، فانداحت معه الحدود بين البلاد، ولعلني لا أريد ان اتقصى أثر المسطحين الذين يحاولون ايجاد نسب لكل حدث، ولكل فكرة جديدة، ولكل تطور الى مفكر هنا او مفكر هناك، وقد ذهب البعض ممن يسمّون انفسهم بالعلماء العلميين الى ايجاد نسب حتى للنعجة دولي في القرآن، كل ما أريد ان اقول هو ان الشهيد المفكر كان يعالج امور بلاده في محيط كوكبي أرحب، لا نملك إلا ان نعيش فيه، ونتفاعل معه، ونؤثر عليه، ونتأثر به، في حين كان غيره لا يحسبون ما تحت أقدامهم بدليل عجزهم عن معالجة أدنى مشاكل الحكم.
    غايتنا ليست هي الحكم، وانما خلق المسلم الصالح المتكامل
    ذات مرة قلت للاستاذ بكل افكاره النيرة تلك: لماذا لا ينشئ حزباً سياسياً يترجم عبره هذه الافكار؟ قال: (غايتنا ليست هي الحكم، وانما خلق المسلم الصالح المتكامل، وبصلاح الناس يصلح المجتمع)، وحقاً لا يصلح قوم فوضى، لا صلات لهم، ولا صلات لجهال امثالهم، إذاً كان يسعى لبناء مدينة فاضلة يخلق رجالاً ونساءً فاضلات، والرجل الفاضل عنده فيما تبينت من قوله هو الانسان مجدود الخلق، الذي يحسن عمله، ويقوم برعاية اهله وذويه، ويؤدي فروض ربه ووطنه، سألته ذات مرة: كيف تنتقي ابناءك وبناتك؟ قال: في البدء ـ وهذا موضوع مهم لا اظن ان الكثيرين ينتبهون له ـ : (ان كان ذا مهنة فلا بد له ان يجوِّد مهنته، فالرجل الذي لا يستجيب لمهنته يفتقد القوام الرئيس لقيادة الناس، وقوام كل شيء هو عماده، الأمر الثاني هو القدرة على التبليغ، أي نشر الخطاب بين الناس بالتي هي أحسن، بحيث لا يستفزه مستفز، أو يزعجه مزعج عند الحوار، والنقطة الثالثة ـ وذلك في رأيه هو بيت القصيد ـ قال: ألا يفعل في سره ما يستحي عن فعله في علنه. كان الاستاذ يريد ان يخلق انبياءً، هذه هي صفات الانبياء، أو بشراً يقاربون الانبياء في سلوكهم، وهذا أمر أنا شخصياً لا ادعي أنني قادر عليه، ولو قدر عليه من صحاب المفكر الشهيد فتحية اعجاب، بُغية الاستاذ المعلم كانت هي اعداد بنيه وبناته ليكونوا قدوة صالحة تكلِّف نفسها في سبيل الدعوة غاية ما تقدر عليه، هذا امر ليس منه بُد، ان كانت الدعوة لدين أساسه الاستقامة والاستواء، وذلك هو دين القيِّمة، ولعله في هذا ذهب مذهب ابن رشد القرطبي في نظرته للكمال الانساني، فعند ابن رشد يتميز الانسان العاقل بما يحصل عليه من عتاد روحي، وثقافي، ومعرفي، وتتكامل عنده الحكمة والشريعة، لما بينهما من اتصال.
    الرجال عندنا ثلاثة
    لمحمود أيضاً رأي في الانسان أبدع فيه، قال في واحدة من رسائله: الرجال عندنا ثلاثة، الرجل الذي يقول ولا يعمل لأنه يخاف من مسؤولية قوله، وهذا هو العبد، والرجل الذي يحب ان يقول وان يعمل لكن يحاول ان يهرب تحت الظلام فلا يواجه مسؤولية قوله ولا عمله وهذا هو الفوضوي، والرجل الذي يجب ان يفكر وان يقول وان يعمل وهو مستعد لمسؤولية قوله وعمله وهذا هو الرجل الحر، هذا ورد في (الثورة الثقافية)، اظن أن هذا حديث حكيم شفيف الباطن، استذكرت معه قولاً للراحل محمود درويش ورأيت أن اعاود قراءة كلمات محمود هذه:
    أنا لست مني لو أتيت ولم اصل
    أنا لست مني ولو نطقت ولم أقل
    أنا من تقول له الحروف الغامضات
    أكتب تكن إقرأ تجد
    وإذا اردت القول فافعل يتحد ضداك
    في المعنى وباطنك الشفيف هو الخصب
    فللأستاذ إذاً رؤية سوية للانسان المثالي.
    مسلك الاستاذ مسكاً وتصوفاً
    لا إفراط فيها ولاتفريط، وان كان هو في خاصة نفسه قد غالى بمعاييرنا في قمع نفسه حتى عن اللهو وتوافه الانسان، وفي هذا أيضاً أروي قصة رواها لي الاستاذ خليل عندما كان مع الراحل، او كان الراحلان في محبس، طلب خليل من الاستاذ ان يتناول معه كوباً من الشاي، رفض الاستاذ وألح عليه خليل ان يفعل، ونتيجة الحاح خليل تناول كوب الشاي، وفي اليوم الثاني حاول خليل ان يكرر نفس العملية، الاستاذ قال له لا، ألح عليه، الاستاذ أصر على الرفض، قال له: خليل أنت البارحة شربت كباية الشاي ولم تضرك. قال: نعم، ولكن الشاي منبه، وأنا لا أريد ان أصبح عبداً لشيء. هذه ايضاً فيها قدرة الانسان على كبح جماحه حتى من الأشياء التي تظن أنها لا قيمة لها، قلت: ان في مسلك الاستاذ مسكاً وتصوفاً، وفي ذلك المسك يذكر المرء ما قاله الإمام الغزالي في الإحياء قول الزهد.
    رأيه في متصوِّفة السودان
    قال هو ان تأتي الدنيا للانسان راغمة صفواً عفواً، وهو قادر على التنعم بها من غير نقصان أو قبح إثم، فيتركها خوفاً من ان يأنس بها، فيكون آنساً بغير الله، محباً لما سواه، ويكون مشركاً لما في حبه الله، ايضاً هذه النظرة للزهد نظرة صوفية عميقة، ولهذا سألته عن رأيه في متصوفة السودان، وسألته أيضاً: لماذا يصب جام غضبه على الإسلاميين المحدثين، قصدت بالسؤال طبعاً شيئاً من الاستفزاز الفكري، لا سيما ان رأيي في متصوفة السودان رأي جيد وايجابي، خاصة لأني عشت في رحابهم، وتعلمت اصول الدين من أشياخهم. قال الاستاذ: المتصوفة والعلماء هم الذين قربوا الاسلام الى نفوس اهل السودان بالحسنى، وحببوه اليهم بتقوى الله، ولهفة المظلوم، ولم يتخذ غالبوهم الدين طريقاً للدنيا، أما الطائفيون الذين اتخذوا الدين معبراً للسياسة، والمحدثون الذين ينصبون انفسهم دعاة للاسلام، فقد اساؤا للاسلام من مسلك هؤلاء، على ان منسك الاستاذ محمود كان رجلاً من غمار الناس يمارس كل عوايده، يأكل الطعام، ويمشي في الاسواق، ويعود المرضى، ويواسي الجريح، ويعزي الميت، كما لم يك يحسب نفسه منذوراً للبطولة كالمسيح، او أحبار الكنيسة، إذ تزوج وأنجب كبقية الخلق، ولم يذهب ايضاً مذهب المتصوفة في اقصاء المعارف الدنيوية من حياتهم، لأنها تلهيهم عن القربى ـ أي اقتراب السالك من ربه ـ فجُل المتصوفة لم يتبعوا من قراءة القرآن وتفسيره استنباط احكام فقهية او عقائد كلامية، بل كانوا يريدون خلاصاً شخصياً بتعميق تجربتهم الروحية، بخلاف ذلك انغمس الاستاذ حتى اخمص قدميه في المعرفة الدنيوية، يحاور، وينتقد، ويقبل، ويرفض، ولم يكن اقترابه من التوحيد من وجهة حلولية شأن كل المتصوفة، بل محاولة فلسفية منه للحصول على معارف واقعية تهدي الانسان في الحياة الدنيا، أي انه رأى سبل الرشد فاتخذه سبيلاً ،كما كان سبيله للآخرة هو الاقدام على الفروض والواجبات.
    نهاية شهيد الفكر
    كان اقباله اقبال رجل يخشى قلبه الوجل من مخافة الله، ويدرك ان وراء اداء الشعائر مغزى روحيا عميقا غير المعنى الظاهر، فتماماً كما ليس للصائم او لبعض الذين يصومون في صيامهم غير الجوع والعطش، كذلك للمصلين من ليس لهم من صلاتهم غير الركوع والسجود.
    ثم جاءت نهاية شهيد الفكر كنهاية اضراب له، وأشباه من المفكرين الذين قدموا ارواحهم قرابين في محاريب الفكر كانت نهايتهم على يد طغاة كحال الشيخ الشهيد، وتوماس مور، او غوغاء كحال سقراط وغاندي، هؤلاء جميعاً لا ذنب لهم غير المجاهدة لكي يصبح الانسان انساناً، فمن قبل محمود ذهب سقراط ضحية اتهامه بتلويث عقول الأثينيين، ولكنه رغم إلحاح افلاطون عليه بالهرب، وكانوا يعدون لهربه العدة، لكنه رفض ذل الهرب من الموت، ذلك المشهد وصفه احمد شوقي فأبدع حين قال:
    (.. سقراط واعطى الكأس وهي مليئة.. شفتي محب يشتهي التقبيلا.. عرضوا الحياة عليه وهي ذليلة.. فأبى وآثر ان يموت نبيلا..)، اما غاندي الذي لم يعرف للعنف سبيلا مات مغدوراً على يد متطرف هندوكي، بُغض غاندي للعنف وحبه للناس حملاه لأن يقول: (اهداف كثيرة.. انا على استعداد للموت من أجلها.. ولكني لا اعرف هدفاً واحداً يبرر لي ان اقتل رجلاً)، عند رحيله نعاه جواهر لال نهرو وقال: (لقد انطفأ النور من حولنا، فالظلام يعمَّ كل مكان، ثم صمت نهرو مستدركاً وقال: ما كان لي ان اقول هذا إلا انكم لن ترونه اليوم انه باقٍ بين ظهرانيكم).
    اما توماس مور رجل كل العصور لقد آثر الصمت عندما قرأ هنري الثامن قرار إعدامه ورفض ان ينبس ببنت شفة عند جلاده، وذلك كان بسبب اصرار هنري على مور لكي يعمده رئيساً على الكنيسة، وكانت كلمة مور الوحيدة: هي لا سلطة لبشر على الروحانية.
    ذلك كان هو موقف الاستاذ الشهيد، اذا ما ابلغ صمته أمام المشنقة، فالجلاد وقضاة النار لم يبتغوا من الدعوة لاستتابته إلا كسر نخوته، ومن الحنق ان يظن ظان ان يفعل آخر الليالي رجل تمرس في الشدائد وصهرته المحن وعرف الحق ما لم يفعله في صباه، محمود كان ذو مِرة وذو المِرة لا يكسر أمام الخطوب.
    فأنتم أيها الصحاب أقوى من أي جلاد جلف، ومن أي قاضٍ ظلوم، ومن أي عالم من الذين تراكم الصدأ على خلايا عقولهم، حتى تلك الأيام الحوالك عشت في لندن مع اخوة لي اغلبهم ممن عرف الاستاذ الشهيد من خلال ما كتب، كان من بينهم الراحل حسن محمد علي بليل اقتصادي تعرفونه ويعرفه بعضكم، والراحل ابوبكر البشير الربيع اداري يعرفه بعضكم، والاستاذ التجاني الكارب، ثم خليل الذي اشرت اليه اكثر من موقع، بليل والكارب لم يكونا يبكيان على الرجل، بل على موت ضمير قالا سوياً: هذا هو اليوم الوحيد الذي تمنينا فيه ألا نكون سودانيين، ما تركنا يوم ذاك باباً في عواصم العالم إلا وطرقناه حتى يرد الطاغية عن غيه، ثم ادلهم الظلام، وذهب محمود كما يتوقع المرء ان يذهب، فأمثال محمود لا ينتهون بانتهاء الوظائف البايولوجية لاجسامهم، وانما هم باقون بما خلفوا في الرأس وفي الكراس، باقون بما سطروا على الارض، وما تركوا في ادمغة الرجال والنساء، وبهذا ينبغي ان يصبح السكون الابدي لاجسادهم حركة دائمة لا تهن، اذاً ايها الصحاب فأنتم اقوى من أي جلاد جلف، ومن أي قاضٍ ظلوم.
    [ اغلاق النافذة ]
                  

العنوان الكاتب Date
حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك01-04-09, 08:24 PM
  Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك01-05-09, 06:54 AM
    Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك01-12-09, 04:47 AM
      Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig01-14-09, 01:45 AM
        Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك01-14-09, 04:26 AM
          Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك01-15-09, 06:56 AM
            Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig01-15-09, 09:37 AM
        Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig01-17-09, 07:40 AM
          Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك01-19-09, 07:14 AM
            Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك01-19-09, 08:25 AM
              Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك01-21-09, 09:21 AM
                Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig01-22-09, 06:29 AM
                  Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig01-22-09, 10:51 PM
  Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Omer Abdalla01-23-09, 00:47 AM
    Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig01-23-09, 05:53 PM
      Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك01-28-09, 11:16 AM
        Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig01-30-09, 06:38 AM
          Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك01-30-09, 09:43 PM
            Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig01-30-09, 11:01 PM
              Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig01-31-09, 03:57 AM
                Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك02-01-09, 05:41 AM
                  Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك02-01-09, 05:57 AM
                    Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig02-02-09, 05:03 AM
                      Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig02-03-09, 01:56 AM
                        Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig02-04-09, 01:43 AM
                          Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig02-04-09, 08:16 PM
                            Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig02-04-09, 09:11 PM
                              Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك02-05-09, 10:20 AM
                                Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig02-05-09, 08:04 PM
                                  Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig02-07-09, 09:50 PM
                                    Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين Haydar Badawi Sadig02-10-09, 04:59 PM
                                      Re: حوار الطرشان بين الاخوان المسلمين,, والجمهوريين الكيك02-13-09, 12:45 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de