عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-11-2024, 05:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-03-2008, 01:50 AM

Seif Elyazal Burae

تاريخ التسجيل: 01-14-2008
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. (Re: Seif Elyazal Burae)

    صباح ُ "صباحْ"

    الى : طلال عفيفي ( صديقي الذي لم أرَه ْ )


    صحوت من نوم عميق - أحسّ بالدفء والخدر و أنا تحت الغطاء - محاولا تبديد النعاس بحفيف التذكر : حين قدمت مساء البارحة لم يكن رفيقي حاضرا بالبيت ، ترك لي مذكرة يقول فيها بأنه سيقضي ليلته في مكان بعيد ؛ و بأنه سوف لن يأتي قبل عصر اليوم التالي . همهمت ُ لي : ( بطل الندامة و الصهيل ؛ فلا أجد أحدا ) . خلعت ملابسي ، ربطت البشكير حول وسطي ، صببت كأسا ، دلقته في جوفي ، و آخر أخذته معي الى غرفة الحمّام . وقبل البدء في حلق ذقني خرجت الى الصالة ، حملت كأسا آخر ، رشفت منه وأنا أحدّق فيّ في المرآة . . كعادتي حين أشرب وحيدا - وأنا كثيرا ما أفعل ذلك - لا أتمكن من ضبط إيقاعي بين كأس و آخر . . كنت أدخل الغرفة - أحضر كتاباً ، مجلة ، ورقا . . أغيّر محطة الإرسال التلفزيونيّ ، أرخي صوته لأرفع صوت المسجّلة بغناء ( فيروز )
    . . أدور و أدور في الصالة - مركزي الطاولة و قنّينة الويسكي . . كانت حوالي منتصف الليل و نصف الزجاجة حين خرجت الى الشارع الصامت ، أعمدة الإنارة متباعدة وخافتة مما يجعل عتمة منتصف المسافة بين واحد والآخر . سرت متمهلآ محاولا تركيز ذهني على هدف لخروجي الميتافيزيقيّ .. كدت أن أصطدم بالجسد السائر في العتمة - حين رأيت الوجه المضيء وهويحدّق فيّ بدهشة وترقب ..
    طار النعاس / حين اكتشفت عُريي ، فأنا نادرا ما أنام عاريا بلا صحبة . وآخر مرّة كانت منذ شهور لمّا تركتني "..." ذات صباح وانصرفتْ بلا رجعة ..
    تساءلت / هل أنا لست وحدي !
    مددت يدي - و أنا مازلت تحت الغطاء - فاصطدم مرفقي بخاصرة و ساعدي بفخذ عار و حار . توجّست - أخرجت رأسي من تحت الغطاء و بيدي الأخرى رفعته : كان الوجه الذي أضاء العتمة مساء البارحة ! تكأت رأسي على كفي و طفقت أحدّق فيه .. أمالت رأسها نحوي و نظرت اليّ بعينين مغمضتين و ملأت المسافة بين وجهينا بأريج ابتسامة :
    - منذ متى وأنت صاح يا ( ... ) ؟
    نظرت اليها في سهوم وتساءلت ببلاهة :
    - و تعرفين اسمي ؟!
    ( اعتدلت ، أخذت مزيدا من الغطاء باليد المرتكزة - لمّته على صدرها و بالأخرى مسحت على صدري ) :
    - و أعرف اسم أمّك و أبيك ، وصديقين ، و تلك المدينة من ذلك البلد الذي كنت أظنّه (ضحكتْ) و مازلتُ - مجرد وحوش وغابات وسحرة ، لا غير ..


    حين صحوت هذا الصباح و أنا أذكر تفاصيل ذاك الصباح البعيد - منذ خمسة دهور وعام - كنت في حيرة ، بادى الأمر، لأنّ الذكرى قد أتت قويّة ، ناصعة و كاملة . . و ليست بمثل ما سبقها من مرات ؛ فأنا كثيرا ما أستعيد بعضا منها : موقفا ما ، كلمة ما ، فعلا ما . . مثلما فعلت "صباح" في صباحنا الأوّل ذاك أمسكت طرف سبّابتها بالأصبع الكبير طاوية ايّاه نحو راحة كفها - صانعة مايشبه الأنشوطة ، ثمّّ قذفت به بنعومة ضاربة أرنبة أنفي :
    - ناولني التليفون خليني أكذب على أمّي قبل أن تصحو ولا تجدني فتشحذ ذهنها بسوء المظان !
    ( حَدجتْ حاجبيها وراحت تفكّر ) سألتها :
    - و بماذا ؟
    - .. نمت ليلة البارحة و كتاب المذاكرة ما زال بيدي ..
    - و أين ؟!
    - في بيت سميرة صاحبتي ( ثمّ أضافت مستدركة ) أصلي كنت عائدة من عندها لمّا أخذت أنت بيدي دون كلام
    كثير ، وتبعتك أنا - دونما أسئلة .
    - وسميرة ؟
    - دريانة ، خابرتها أمس بعد نومتك الفرعو نيّة !


    هذا الصباح ، حين جلست في "البص" الى جانب النافذة ، بدأت دهشتي بالتبدّد وأنا أنظر الى الخارج - ضربت الزجاج بقبضتي وهتفت بصوت مستكشف : ( انّه الجليد ) ! . الجالس الى جانبي رفع وجهه عن الجريدة ثمّ التفت نحوي متسائلا بعجمة أهل
    البلد :
    - معذرة !
    - الجليد ، إنّني أحبّه ! ( أجبته بلكنة أصيلة ) .
    رأيت لمحة ً من إشفاق على عينيه مشوبة ببعض حيرة مرتبكة وهو ينظر إليّ في ثيابي الصيفيّة الكثيرة الملفقة لمداركة البرد في هذه الولاية الأمريكيّة الجنوبيّة الوسطى الغاطسة في شتاءٍ استثنائيّ .


    كنت قد ناولتها التليفون ، في ذلك الهزيع الأوّل من الربع الأخير من القرن المنصرم ، ونهضت في كامل سمتي الفرعونيّ وذهبت الى الحمّام . كان الضوء الآتي من كوّته ليس كعادته ، به شيء غامض - ما من أشعّة شمس ، لكنّه لامع ومبهر الى حدّ ما . صعدت على حافة البانيو ، مسحت الندى براحة كفي من على سطح الزجاج ونظرت الى الخارج : كان كلّ شيء قد صار أبيضا - أسطح المنازل ، العربات ، الأرض والشجر . صعقت ، حاولت الصراخ مناديا ايّاها باسمها ؛ وفي تلك اللحظة اكتشفت أنني لا أعرفه . هُرعت اليها ، أمسكت بساعدها محاولا إنهاضها - متلعثماً :
    - تعالي شوفي .. تعالي ، تعا ..
    ( وضعت كفها على سمّاعة التليفون مَكمن إرسال الصوت داسّة إيّاها بين فخذيها متسائلة بهمس ٍ صارخ ) :
    - شو بك ، خُبلتْ ؟ وطي صوتك أمّي عا الخط !
    تركتها ، أسرعتُ الى الصالة ، أزحت الستارة من على الشبّاك ، فتحت الضلفة الخشبيّة ورحت أنظر بدهشة عبر الزجاج : كلّ أناس الحيّ كانوا في الشارع - كبارا وصغارا من كلّ الأعمار - يلهون بكرات الثلج ، يلتقطونها من الأرض ويجلبونها من الهواء كما الحواة . . أحسست بها مندسّة خلف ظهري ، ضغطت بكفيّها على كتفيّ واشرأبّت واضعة أسفل حنكها مكان منبت رقبتي ، قائلة : ( وسّع خلينا نشوف شو بجنّن ) .. ؟! فجأة نطتْ ، أزاحتني جانبا ووقفت مكاني - غير آبهة - بنصف عريها هاتفة : ( انّه الجليد ) .. التفتت بكامل بهائها نحوي ، أحاطت وجهي بكفيّها وهمست لي بحنو : ( صباحك أبيض عليّ ) . وبعد برهة أضافت : ( تعرف ! مدينتنا لم تر الثلج منذ مدّة طويلة . خاصمنا منذ زمان - امكن عشرة سنين أو أكتر . . آخر مرّة كنت في المدرسة الإبتدائية ) .
    سألتها - وأنا أنظر الى الوجه الذي عاد طفلا :
    - والآن ؟
    - أنا في سنتي الثانية الجامعيّة ؛ بدرس "إناسة" ، ( وبتهكم أضافت ) لأنو محيّرني نوعك !


    غادرت "البص" قبل محطتين من مكان العمل . أعرف هذه المنطقة جيّدا - لا يوجد "بار" في الجوار القريب . ذهبت الى الدكان الكائن خلف المحطة . و قبل أن أدخله هاتفت رئيسي في العمل ، من التليفون العمومي ، وأخبرته بأنّني مريض جدّا ولن أستطع الحضور . سألني ان كنت سأتمكن من ذلك غدا ، فأجبته بنعم - مضيفا : بكلّ تأكيد . ضحك ، وترجّاني بأن لا أمرض صبيحة اليوم التالي !
    أرجعت زجاجة عصير البرتقال الى مكانها في ثلاجة الدكان وأخذت بدلا عنها تلك العبوّة الكبيرة من البيرة ومن ذلك الصنف المكتوب عليه : "عالي الكحول" . بمعنى أنّها ربما تكون ستة بالمئة ؛ ضحكت : بمعنى أنّها تنقص عن المعدّل المطلوب أربعة وثلاثين درجة ! خرجت بها ووقفت الى جانب التليفون مردّدا لنفسي : خير بألف مرّة من عصير البرتقال لمجابهة انتظار البص القادم من الاتجاه الآخر لأعود الى جوف المدينة . استخدمت كلّ دهائي ومكري لاخفاء أيّ صلة ظاهرة ما بيني وبين الزجاجة : كنت أضعها على الأرض ، بعد أن أرشف منها خلسة ، خلف العمود الحامل لصندوق التليفون وأنا أحمل مفكرتي الصغيرة بادية للعيان ، أضع السماعة على أذني ؛ وحين التأكد من انقطاع المارّة أسندها بخدّي على كتفي وأحني ركبتيّ ، أمدّ يدي لألتقاط الزجاجة دافعا ايّاها بسرعة الى فمي لأعبّ منها - دفعة واحدة - أكبر كميّة ممكنة ومن ثمّ اعادتها بالسرعة المطلوبة قبل اطلالة أحد . كنت قد ردّيت مرحبة صباحيّة مصحوبة بابتسامة ساحرة لسيّدة ولجت مدخل الدكان ؛ تأكدّت من خلوّ الساحة وكرّيت جولة أخرى ، اطمأنيت على وضع الزجاجة في مكمنها ، مسحت فمي بظاهر كفي ، وفي طريق العودة من الانحناء الى الوقفة رأيته قادما نحوي : منحني قليلا ، بأظافر طويلة وقذرة ، رثّ الثياب . كان ينظر في عينيّ مباشرة وعلى فمه ابتسامة لا ريب فيها . أدخلت يدي في جيبي وقبضت على عدّة قطع نقديّة لحسم الموقف بسرعة وبأقلّ كلمات ممكنة . مرحبني - متمنيّا لي صباحا
    طيّبا ، وقف على بعد خطوتين منّي محدّقا فيّ قائلا :
    ( Can you give me one Dollar please - I`m alcoholic , too )
    ذهلت من بساطته في تدمير استحكاماتي الخارجيّة والباطنيّة ، رأيتني عارياً ؛ وأحسست بما يشبه الخذي . أخرجت محفظتي ورشوته بعدّة أوراق ماليّة من فئة الدولار كي لا يتمادى في فضحي وابتزازي باسم الأخوّة الكحوليّة .. وأنا أعبر الشارع رأيته بعيون ظهري ينحني لالتقاط البيرة المعينة متبسّما لهذا الصباح السهل .


    كانت قد ارتدت ملابسها على عجل ، جلست على حافة السرير ، كتبت رقما تليفونيّا ب " أصبع أحمر الشفاه " على الوسادة البيضاء :
    - خابرني بعد ساعة ، حأصبّح على أمّي وناس البيت . وأنزل آخدك من يدّك لنصعد الجبل .

    - ولم الجبل ؟ ( سألتها )
    - لأنو في هكذا يوم ، الأوّل لهبوط الثلوج ، ما حدا بروح عا الشغل ؛ المدينة كلها بتكون هناك . تعرف ؟ طيلة السنين السابقة كنّا حين نكلّ من الانتظار نذهب في سلسلة الجبال مسيرة ساعتين بالسيّارة للوصول الى أعلى القمم حيث الثلوج .. أمّا اليوم ، سنمشي على الأقدام . والثلج يبدأ من هنا - من عتبة الباب !

    ( وهي تنسلّ خارجة التفتت نحوي وصاحت ) :
    - صباح ..
    ( تشككت في معنى ما سمعت ، فتفوّهت حائرا ) :
    - نعم ؟!
    - اسمي "صباح" .. نسيان ، مو هيك ؟ إذا ردّ حد غيري على التليفون ، عشان تعرف تسأل عنّي - بسيطة !



    - هاي "سوزان" . .
    - هاي "آفركن" . .
    جلست على المقعد الطويل مسندا ساعديّ على "الكاونتر" . نظرتْْ اليّ النادلة بعيون متسائلة - فأنا عادة أحضر لحانتها عصرا ، أو ، ليلا خلال أيام العمل الأسبوعي . سألتني ، بأدب جمْ ، إن كنت في إجازة .. كان صباح جمعة ، قلت لها : ( في بلدي ، كما تعلمين ، نرتاح يوم الجمعة ؛ اشتقت لذلك - لذا قررت اليوم ان آخذ " الويكند اند " على الطريقة السودانيّة ) . فتبسّمت وهي تصبّ لي كأسا . .


    كانت "صباح" هي من ردّ عليّ حين تلفنّت ُ . حدّثتني على عجل ، سألتني عن اسم رفيقي في السكن وجنسيّته ، فلمّا أجبتها قالت لي : ( أسمع ، سأفوت عليك - بس خليك واقف أمام بيتكم وحين تراني قادمة اذهب أنت أمامي عا الطريق ، سألحق بك وأحكي ليك ) !
    سرت قلقا مسافة طويلة ، حسب تقديري ، التفتّ خلالها عدّة مرات لأتاكد من أنّها ما زالت تتبعني . . ناوشتني الوساوس : ( هل هي على علاقة بالأرتريّ ) ؟! .. طردت ذلك الخاطر بسرعة - فصديقي غارق في هوىً أفريقيّ خرافي . . كنت قد نسيت المهرجان الشعبيّ وتراكض الناس حولي وزعيقهم . . أعادني الصوت : ( مرحبا سوداني ) ! نظرت أمامي وتوقفت : كانت عجوزا في السبعين من عمرها أو يزيد ، تقف على بعد عدّة خطوات منّي صانعة ابتسامة ربّانيّة على تجاعيدها ويداها خلف ظهرها . قلت لنفسي : (مسندة جذعها القوسيّ من السقوط ) ! فجأة - نطت : طارت يدها في الهواء وقذفتني بالكرة / انفجر الثلج الناعم على وجهي - فأطلقتْ ضحكة من ذكريات الصبى ، خطت نحوي وحضنتني من وسطي . بستها على رأسها ضاحكا - فهتفت بي : ( أيوة أضحك وأشرح صدرك ، لا تتجهّم في هذا اليوم الأبيض ) ، من ضجّة الناس حولي بالضحك وصياحهم - ميّزت ضحكة "صباح" آتية من خلف بعيد .
    بعد دهور من عذاب المظنّات نادتني ؛ تمهلت .. فلحقت بي ، سارت الى جانبي متبسّمة ، نظرت اليها مستغربا وسألت :
    - عايزة تجنّنيني - قبل سويعات كنت مثل بدويّة حرّة ، ما الذي أعادك حرمة?
    - أيوة ، كنت . ( وبعد برهة صمت ) أنا أخت "جمال" !
    - جمال عبد الناصر ؟ ( سألتها مازحا )
    ( لم تضحك )
    التفتّ ونظرتُ إليها ، فنظرتْ إليّ .. حدّقت في عيونها .. صرختُ : ( يا اله السماوات ) ! نفس العيون - عيون "جمال" . . وكما كنا نقول عنه : (يضحك بعيونه) ، كانت هي تضحك بعيونها أوّلا ، ثمّ غمازتيها ، فشفتيها ، فوجهها ومن ثمّة بالدنيا كلها من حولها . . قلت لها :

    - من أوّل كنت أحسّ بإلفة ْ عيونك ، لكنّي عزيت ذلك الى جمالهما وشغفي الفطريّ بالجمال !
    - وأنا بعد أن خرجت من عندك كان عندي إحساس أنّي بعرفك ، أعني معرفة حقيقيّة ، لكنّي كنت بضحك على نفسي وأقول : " أعراض الحب ألأولى " . لكن ذلك الإحساس لازمني وألحّ عليّ بشكل غريب ، الى أن تأكد لي - من حديث أمّي و"جمال" أنّي بعرفك .. وان كنت لم أرك من قبل . .

    وجدنا أنفسنا نسير في اتجاه مغاير لطريق الجبل ، لم نهتمّ لذلك ، واصلنا سعينا ودخلنا "السوق القديم" ؛ تجوّلنا فيه بلا هديّ ثمّ خرجنا من طرفه الآخر ، دخلنا "حي اليهود" من بوّابته الشهيرة ، جسنا في أزقته وطرقاته العصيّة الملتوية ، ولجنا "الأوتوستراد" الحديث على أرجلنا غير عابئين بزعيق السيّارات ومروغها المباغت . ذهبنا الى "الجامع الخليفي" ، مثل سائحين ، جلسنا على صحنه . .

    - هل تحدّثوا عنّا ؟ ( سألتها )
    - تقصد أمّي و"جمال" ؟ يعني ! أمّي تعدّ لحفل صغير بالمنزل ، فسمعتها تقول ل"جمال" : ( لا تنسى تعزم "التحالف السوداني الأرتري" ) ، فسألها : ( تقصدي فلان وعلان ) لذا سألتك من اسم صاحبك الغائب وجنسيّته . .
    - طبعا ، نحنا جينا بيتكم أكثر من مرّة في غيابك . ( قلت مقاطعا )
    - بعرف ، زيارات "تحالفكم" من ورائي ! وحديث "جمال" الدائب عنكم ، وأنكم تقطنون بالقرب منّا - بس مسألة الأسماء والجنسيّات دي أنا ما كنت منتبهة ليها .
    - وهسّع كيف ؟
    - لا كيف ولا حاجة ! يوم الخميس القادم حنتعرّف على بعض في الحفل لأول مرّة ، وبعد داك عادي - بسيطة ، مو هيك ؟


    صديقي الذي أتى وجلس الى جانبي - بعد قليل اشتبك مع "سوزان" في نقاش ضار عن المرأة ، والدين ، والسياسة . و "سوزان" تذهب ، تجوس بين الطاولات تخدم هذا وذاك ، ومن ثمّ تعود لجذب الحديث العالق .. كنت - حقيقة - مهتمّا بمتابعة ما يقولان ، الا أنّ ذهني لم يكن يصله سوى بعض كلمات متفرقات . . ذهبت "سوزان" في احدى طلعاتها فالتفتّ الى صديقي .. سألته :
    - إنت َ الليلة مزوّغ ولّلا شنو ؟
    ( نظر اليّ بدهشة ، ثمّ ضحك )
    - إنت َ قايلة الساعة كم ؟!
    ( وتلفّتَ يبحث عن "سوزان" ليسألها عن متى أتيت ) !

    في طريق عودتنا كنّا نسير متمهلين . . تمسك "صباح" ، أحيانا ، بأصبع يدي الصغير وتطوّح بساعدي أماما وخلفا ، مرسية بذلك قواعد عادة صارت تلجأ اليها في كلّ مشاويرنا وتجوالاتنا - خاصّة كلما سرنا صامتين . سحبت ُ أصبعي فجأة وبسرعة من بين أناملها ، ضربت جبهتي بباطن كفي وصرخت جزعا : "رقم التليفون " ! .. نظرت اليّ في عجب وتساءلت :
    ( خُبلنا تاني ؟ شو بيها أرقام التليفونات ) ! قلت موضّحا :
    - أعني رقم تليفونكم على الوسادة !
    ( قلت موضّحا )
    - ومالو ؟ سيبو مرتاح . . ( تمعّنتني ) ولّلا بتقصد إمكن صاحبك يزعل - وسّخنا الوسادة ؟
    - ملعون أبو الوسائد .. أنا بقصد "جمال" . ( تكلّمت ُ بنزق )
    - عبد الناصر ؟ (سألت ْ مازحة )
    ( لم أضحك )
    - "جمال" أخوك عندو مفتاح لشقتنا ، و ..
    - وليه ؟ ( قاطعتني )
    - عشان اذا أجا ومعاه صديقتو ونحنا مافيشين ، مايردّو خايبين !
    نظرت اليّ بعيون وسيعة مترقبة ؛ وبصمتها المتواصل حثتني على الحديث : قلت لها أنّ "جمال" وصديقته لهم حقّ أن يدخلا بيتنا في غيابنا وفي أيّ وقت يشاءا . وأنه أحيانا يأتي ويمكث وحده في انتظار مقدمها أو مقدمنا . وأنّني اليوم ( كان ذاك الاحساس الممضّ والذي لا يخيب - يعتصرني ) موقن بأنّه الآن هناك يقرأ - متمعنّا ومستفهما - في أرقام التليفون .. نظرت اليّ بعيونها الوسيعة المسيّجة بما يشبه الأسى ، ثمّ حدّثتني :

    كنت قد استطعت تركيز انتباهي لفترة وجيزة على "سوزان" وهي تتحدّث . فلمّا رأت جدّية على محيّاي ، سألتني بما معناه :
    ( أليس كذلك ) ؟ ولمّا أجبتها ب : ( نعم ) - مؤكّداً - توجّهت نحوي بكليّتها . .

    أنا لا أخشى - قالت "صباح" - اطلاع "جمال" أو أهلي بعلاقتنا ان تواصلت و تطوّرت . فأنا - قالت "صباح" - انما ربّيت على الوضوح والصراحة ، وأنّ العلاقة أمرا وقرارا فرديّا مكفول حقه لكلّ أفراد الأسرة من بنين وبنات ؛ كلما خشيته صباح هذا اليوم عندما طلبت منك أن نلتقي بتلك الطريقة أن يرانا "جمال" ، أو غيره من أفراد الأسرة ، فيظن - يظنوا أننا على علاقة قديمة نقيمها بعيدا عن العلن ؛ لذا كنت - قالت "صباح" - أحاول أن أتفادى - نتفادى مثل هكذا إرتباكات ..
    كنّا قد وصلنا الى الى شارع قبل الذي أقطنه بشارعين ، فأشارت إليه وقالت : (هنا تسكن "سميرة" ) . وكانت هي ، أعني "صباح" ، على بعد أربعة شوارع عنّا في الاتجاه الآخر . واصلنا مسيرتنا ووقفنا على ناصية غير بعيدة عن مسكني .. توجّهت نحوها بالسؤال :
    - تتوقعي شنو ردّة فعل ل"جمال" اذا وجدته هناك مطلعا على سرّ الوساد؟
    ( رفعت كتفيها الى تحت أذنيها ، زمّت شفتيها وأفردت ساعديها الى ألأمام ثمّ أرجحت نصفها الأعلى يمنة ويسرة ، قائلة ) :
    - هيك .. وهيك ما بعرف ! ( ثمّ أضافت بصوت مسرحيّ ساخر ) بالنسبة لي : معاتبة وتوبيخ ، لا أكثر ، على عدم ممارسة الحريّة بحريّة ! وعلى عدم الاستفادة من الجو العائلي الديمقراطي والتقدّمي بطريقة بناءة . أمّا بالنسبة لك : ما بعرف ، المهم خليك متحسّب ومتفهّم لكلّ الأوضاع - فالرِجّال في النهاية شرقي .. وما بتعرف مزاجو !
    ( لعنت فألها في السرّ والعلن )

    لكزني صديقي قائلا : ( لا تنم ) . فأجبته : ( لست بنائم ) . ألحّ عليّ : ( يجب أن نقوم الآن لنذهب - فآخر "بص" سيتحرّك بعد بعد ربع ساعة ) . قلت له : ( لست بقائم ) . ألجّ في إلحاحه : ( طيّب حنمشي كيف ونحنا ما سايقين ) ؟! ردّدْتُ عليه : ( على الأقدام ؛ والثلج يبدأ من هنا - من عتبة الباب ) . أشرت الى "سميرة" / أقصد / " سوزان" ، فأشاح صديقي بوجهه عني وتوجّه نحوها : ( لا تعطيه مزيدا ، أرجوك ) . نظرت اليها مستكشفا : ( رأسي ؟ أم رأسه ؟! ) . ضحكت "سميرة" ثمّ صبّت لي كأسا . .
    عندما ولجتُ صالة بيتنا كان أوّل ما لمحت حقيبتها الزرقاء . ف"فاطمة" - صديقة "جمال" - تحبّ حمل تلك الحقيبة المصنوعة من قماش الجنز السميك ، نهاراً وليلا ، حاشية إيّاها بالكتب والمجلات والمنشورات الممنوعة ، أشرطة كاسيت بأصوات شعراء مشهورين ومغمورين ، أدوات زينة ، أطعمة .. وأشياء أخرى . كنت ، دائما ، أخالها تئنّ تحت وطأة حملها وهي تسير . وكنت ، دوما ، أسائلها كلما وضعت أثقالها جانبا : ( ليه معزّبة حالك - "فاطمة السّمحة" ) ؟ وكانت في كلّ مرّة تردّ بشيء . مرّة قالت لي : ( لأنو فيّ أطعمكم خييّ - يا جوعى الروح والبدن ) !
    لم يكن في الصالة غير الحقيبة ؛ أدخلت يدي فيها وأخرجت كتابا ، استلقيت على الكنبة وطفقت لا أقرأ فيه ... أخرجني صوت "جمال" من براثن صبر مضن وملول : ( كيفك - فين رحتم بكير ، حنا هنا من الصبح ولا حدا ) ؟ تحاشيت النظر في عينيه مباشرة ، درت نصف دورة في الصالة وتشاغلت بلا شيء . . أخبرته بأنّني قضّيت الليلة وحدي ، حيث فاجأني الجليد لأوّل مرّة في حياتي - صباح هذا اليوم - وحدي ، فخرجت أطوف الشوارع وحدي ، وأكذبته بأنّني ذهبت الى السينما وشاهدت ( ذلك الفلم الذي لم نره ) وحدي ...
    أتت "فاطمة" ، مَرْحبتني وودّعتني في آن . أخرجتني من منلوجي / ورطتي - حين أمسكت بيد "جمال" وجرجرته نحو الباب قائلة : ( خلينا نروح أنا تأخرت ، وصلني وإذا بدّك أرجع لصاحبك وكمّلو حكي ) ..
    أطلّ "جمال" برأسه - قبل أن يغلق الباب خلفه - قائلا لي : ( كنت راح أنسى - أمّي عازماكم على حفلة صغيرة بالبيت مساء الخميس ، خبّر خيّك - لا تنسى ، خلينا نشوفكم ) . . . جريتُ الى الغرفة ونظرت الى الوسادة حيث كان رقم التليفون يعلوها ، فوجدتها مقلوبة رأسا على عقب ، خابرت "صباح" التي كانت في انتظار مهاتفتي ، قلت لها باقتضاب : ( كانوا هنا ) . فردّت عليّ : ( أنت بتعرف الشارع تبع "سميرة" ، رقم المنزل |كذا| تعا هناك عند السابعة مساء ، بنحكي ونتصرّف ) ..
    هذه المرّة كانت "سوزان" هي من نصحني : ( هذا يكفي .. أعتقد أنّ "الويك اند" السوداني قد انتهى ، غدا سوف يبدأ "الأميركي" - فتعال أنا عازماك ) . في "حفل الخميس" وبعد أن باستني "أمّ جمال" على خديّ ، بطريقة أهل البلد في الترحاب ، قدّمتني الى بنتها : ( هذه "صباح" ، الغائبة طيلة زياراتك السابقة لنا ، شرّفتنا اليوم بكّير ) ! أخذتني "صباح" من يدي وطافت بي على المدعوّين من الأهل والأصدقاء والجيران ، وراحت تعرّفني بمن أعرف ولا أعرف . أكملنا دورتنا وعدنا الى حيث بدأنا الجولة ، فقدّمتني : ( وهذه هي أمّي العزيزة / الغالية ) ! فسألتها الأم بمسرحيّة ٍ وبصوت عريض : ( ومَن الفارس ) ؟ ولأوّل مرّة رأيت حمرة خجل على الوجه / الصباح .. أطلّ "جمال" حينها - الذي كان غائبا مع "رفيقي" "لتدبير بعض الأمور" - وتقدّم نحونا قائلا : ( أراكما قد أنجزتما المهمّة - وبطريقة رسميّة أمام "الحكومة" - وكفيتماني عناء تعريفكما ببعضكما بعضا ) ! .. كان صديقي مصرّا على أن ينهض بي وكنت غير قادر على مُباصرته .. سألتني "سميرة" - عند زيارتي لمنزلهم في "سابعة" ذلك اليوم : ( شاي ، قهوة ، عصير برتقال - أم كأس عرق من قبو أمّي ) ؟ .. رفضت سوزان إعطائي " وَنْ فور ذا روود" .. همس لي صديقي : ( انتهى الحفل - يجب أن نذهب ) . كان الصوت الناعم يأتيني : ( أمرت لكم بتاكسي ، سيكون هنا بعد دقائق ) .. ( لا تقلق ، الأيام القادمة ستكون لنا ) .. ( ..هيّا.. ) .. رفعت رأسي ونظرت الى وجه رفيقي / صديقي : كان غائما ً وبعيدا واليد الصغيرة البيضاء تعتصر كتفي : ( سأراك غدا ) أمسكت بيد صديقي ونهضت مثل هبوب خرجت الى الشارع . الفتاة التي كانت تسير على مقربة من الباب جفلت - عدّلت خطّ مسارها ، قفزت الى الطرف الآخر للرصيف - نظرت إلينا بإسترابة ؛ واتقتنا بابتسامة ..


    ( كلورادو - يناير 2005 )

    نشرت هذه القصة من قبل في بوست تماضر شيخ الدين من موقع سودان فورأوول








































                  

العنوان الكاتب Date
عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 02:58 AM
  Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 02:59 AM
    Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 03:03 AM
      Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 03:10 AM
        Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 03:13 AM
          Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 03:24 AM
            Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 03:29 AM
              Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 03:33 AM
                Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 03:35 AM
                  Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 03:41 AM
                    Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 03:46 AM
                      Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 04:03 AM
                        Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 04:12 AM
  Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. عبدالرحمن الخليفة03-01-08, 08:04 AM
    Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Ibrahim Idris03-01-08, 04:18 PM
      Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 07:09 PM
    Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-01-08, 07:00 PM
  Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Atif Makkawi03-02-08, 01:24 AM
    Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-02-08, 07:00 PM
      Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-03-08, 01:50 AM
        Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-03-08, 02:09 AM
          Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-03-08, 02:13 AM
            Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-03-08, 04:20 PM
              Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-04-08, 04:34 PM
                Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-04-08, 11:01 PM
                  Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-05-08, 06:26 PM
                    Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-05-08, 11:36 PM
                      Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-06-08, 05:53 PM
                        Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-07-08, 04:56 PM
                          Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. عبدالله شمس الدين مصطفى03-07-08, 06:26 PM
  Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. عزيز عيسى03-07-08, 06:23 PM
    Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-07-08, 09:54 PM
      Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. abdalla elshaikh03-08-08, 06:15 AM
        Re: عادل عبد الرحمن...الذي لا يتعطل عن إعطاء الجديد.. Seif Elyazal Burae03-08-08, 08:48 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de