شاعر روحه تقطر ظرفا ، من تحت العمامة والجبة الأزهرية . إنه الشاعر الحلمنتيشي / الفصيح الشيخ خليل عجب الدور الهواري ، فهو بعوده الفارع وجبته الضخمة ، وقامته المديدة وعمامته المكورة ، وحزامه الذي يتمنطق به ما بين الجبة والجلابية ؛ يخلع على من يراه لأول مرة الهيبة والإجلال القهري . لكن سرعان ما تنكشف عنك هالة التهيب حين تستمع إلى شعره الظريف والمضحك . والشاعر خليل عجب الدور من الذين يعتقدون اعتقادا جازما بأن الشعر العربي لا بد أن أن يكون مشدودا إلى (عمود الخليل) (بأمراس كتـِّان ٍ إلى صُـمِّ جنـْدَلِ) على منوال شيخ الشعراء القديم (إمرؤ القيس) .. استمع إليه وهو يصف معاناته في ليلة من ليالي الخريف الماطرة ، استعدادا ليوم زراعي طويل بمدينة القضارف : وليلة ٍ بتـُّـها والجو معتكر ٌ والأفق بالسحب أمسى جد مشحون قضيتها ساهرا أحتك من شعـث ٍ ومن قروح ٍ دوام ٍ فهي تبكيني حتى إذا انقشع الصبح المنير وقد حملت في الإبط ِ فـَّراري وسكيني ورحت مبتدرا للزرع في نفـر ٍ من (المساليت) هم نصف الثلاثين مِن كل مَن اسمه موسى بن أبكر ٍ ولد (إساغة)أو عيسى بن هارون ........................... وبعد ذلك اليوم المرهق الطويل يتمنى الوصول إلى البيت ليستمتع بحمام بارد من الصابون فيقول : إني هناك طريح الجسم من تعب ٍ ممزقات ٌ قبيحات دلاقيني وفي البيوت تراني في رفاهية ٍ مشـّرب ُ الوجه من غسل بصابون فكل من زارني في البيت يحسبني ضيفا من (الهند) أو ضيفا من (الصين)
والشاعر خليل عجب الدور من أمهر الشعراء السودانيين في إدخال الكلمات العامية في السياقات الفصيحة والمجوَّدة ، حتى إذا حذفت بعض كلمات العامية السودانية في قصائده ستجد نفسك أمام شاعر من طراز (أبي صخر الهذلي) ... في بدايات العام 1991 لقيته بصورة شخصية في مهرجان الثقافة والابداع بمدينتي مدينة بورتسودان . حيث كان أحد ضيوفه ، وعرضت عليه بعضا من شعري ، فشرفني بقوله (شعرك من عيون الشعر ياولدي) .. ثم سألته : ياعم خليل لم لا تنظم في الشعر الحديث ؟ فأجابني قائلا : أما سمعت قصيدتي بقصيدتي عن البص ؟ فقلت له هات ، فقال :
ياحبذا البص إن البص َّ عادته دوما لمن قصد الأحبابَ رحـَّـالُ بصٌ يمـرُ على الأسفلت يدفعــه ترس ٌ إذا حلَّ بالـ(دفرنشي)إخلالُ
أما الشعر الحديث غير المقفى فلا يعترف به ؛ متخذا من البيت التالي شعارا له : وحدثـني فلم أفهـمْ حديثـه؟ كأن حديـثـه شـعـرٌ حديــثُ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذه المادة نشرها لي مشكورا الكاتب العراقي الساخر خالد القشطيني في عموده اليومي بصحيفة الشرق الأوسط بتاريخ الأربعاء 14/7/1999م العدد 7533 * خليل عجب الدور من خريجي معهد أمدرمان العلمي ومن تلاميذ الشاعر الكبير عبد الله محمد عمر البنا .. وهو من قدامى رجال التعليم بشرق السودان ، تقاعد في الثمانينات ... لكن حين سألته في ذلك اللقاء ذكر لي أنه مدير لمدرسة (أم راكوبة بمنطقة دوكة) في نواحي القضارف ... وهوشاعر أشاد به المرحوم البروفيسور العلامة عبد الطيب من خلال هذه القصيدة التي اقتطفنا منها هذه الأبيات وهي بعنوان (من وحي القبوب بين الطين والربوب) كما نشر له الشاعر الكبير المرحوم محمد محمد علي بعض قصائده في كتابه الشعر القومي في السودان . وقال عنه أديب الشرق الكبير أستاذنا المرحوم حسان أبو عاقلة أبو سن في كتابه (قصائد من الشرق) : (تتجلى الأصالة في شعره ، ولا يملك من يقرأه إلا أن ينسبه إلى السودان)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة