|
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة (Re: محمد الطيب يوسف)
|
استهلال: إلى ابني القاص الماهر محمد الطيب يوسف (رجل بلا ظل) محاولة جادة لتأكيد الهوية وتأصيل الانتماء، وليست محاولة لتعريب قصة دارجة، وآمل أن تكون نصيرًا للضمة المرفوعة والفتحة المستقيمة، وأن تحافظ على الجر بالكسر، لأن اجتماع الجر مع الانكسار، هو الواقع البدهي.. وازدراء الرفع والضم والجر والجزم هزيمة ذاتية مُرَّة.. هوَّن عليك يا بنيَّ الاستخفاف بالفصيحة فهي وعاء الإيمان وسرَّ خلود التنزيل.. أما إصراري أنا على الضمة والفتحة فهو مصدر اعتزاز لي لا مناط تبخيس.
قصة سياسية في قالب رمزي انتقادي ساخر، تصطبغ بصراع داخلي تستحكم فيه نوازع النفس وآمالها بمثبطات الرقابة الخارجية (الصحافة)، وتترابط بين أجزائه خيوطُ الجُرمِ أحيانًا ثم تنتقض اعتمادًا على إمكانية الإفلات (تأكيدات عبد الستار كبير خواصه: إنها مجرد زوبعة صغيرة وسأنتهي منها اليوم‘ لا تنشغل بهذا الأمر)، وربما يرمز الظل هنا إلى (جهاز المراقبة الذاتي) أو القرين سيئ الطويَّة الذي ما انفك يُراقب ويُزيِّن ويشمت على صاحبه الرابض فوق مقعد وثير دوار يلعق عرق الآخرين ويتلمَّظ حلاوة ملوحته على غفلة من ذاته ومن المجتمع.. إنه يتوهَّم أن مكتبه يُشكل ستارًا كثيفًا يحول بينه وبين الضوء الذي تتباين عنده ضروراته، فتارة يحكم إغلاق النوافذ ليحس بالهدأة والسكينة في العتمة، وتارة يتملَّكه الذعرُ ويسري في عروقه سريان الكهرباء في أسلاكها النحاسية؛ فينتفض من نومه هلعًا جزعًا من الظلام، ويصيح في زوجته آمرًا بإضاءة الأنوار ليخرج من الكابوس وكتلة الظلام التي أخفت ظله الذي يقف بمثابة المحفِّز.. وهَمٌ بحجم البالون الضخم دفعه إلى الاستمتاع بالقدرة على الاستغفال الذي يرفع صاحبه إلى درجة التعالي والاستكبار وشموخ الأنف دون استبصار لما يمكن أن يتمخض فيه من فضيحة تؤدي إلى نهاية مفجعة.. كان يتأرجح بين الخوف والطمأنينة، القلق والراحة، ولِمَ لا؟ أليست تطمينات عبد الستار مكمن ثقته كافية لتهدئ من روعه: "قلت لك لا تشغل بالك بهذا الأمر.. سأحسمه اليوم بإذن الله"، وفي إذن الله هنا إيحاء بأن للرجل علاقة بربِّه تضاعف حجم الثقة فيه والاعتماد عليه!! ومع ذلك فإن (معاليه) لا يجهل سرَّ ذلك الخاطر الذي يضطره إلى استدعاء سيرة ابن أبي سلول كلما أطل عليه عبد الستار، واستقر في قرارة نفسه أن هذا الشخص لا ضير أن يلحق به وصف (شيطان الإنس) والاستعانة بالشيطان يُمثِّل أحيانًا بوابة إلى إشباع هوى النفس وإسكان نهمها. "إذا فاتك الميري تمرَّغ في ترابه"... فَهْمٌ سقيمٌ وخطلٌ بيِّنٌ متوارث خلَّفته لنا دولة الاستعمار، حتى صارت هذه المقولة متقبلة؛ بل تحفيزية لضعاف النفوس، واستحلال المال العام في كثير من بلدان العالم الثالث التي رزحت تحت وطأة الاستعمار الأوروبي أفرز شريحة عريضة من (التماسيح) أو طبقة من (القطط السمان) بتعبير إخوتنا في شمال الوادي، وهذه الأجسام المُتورِّمة ذات الخزائن المُكتنزة هم شُرَّار الذي يتلذَّذون بامتصاص دماء الحزانى والبؤساء والمنكسرين، هم (دراكولا) العصر.. شخصيات بليدة الإحساس، ونفوس ضعيفة منكسرة أمام إغراءات المال (السائب)، ويتحدَّر من بين شفتيها (اللعاب) كلما ارتفعت بنود ميزانية دائرتها، لم يعد انتهاب الذخائر والنفائس عندها خيانة للأمانة، ولا يراودها إحساس بالذنب أو الجُرم وهي تملأ جرارها من المال المنسكب والمؤتمن عليه.. إنه اختفاء الظل و(موت الضمير).. كم في تلك البلاد (الجالسة) من استغلال لسماحة نفوس البسطاء، والاجتراء على الحق العام، واستباحة للأمانة؛ بل والتلذذ بما يتيسر نهبُه.. فقط من أجل صلف زائف وكبرياء مصطنع يتجلَّى في سيارة فارهة وثياب ناصعة البياض وشالات فاخرة وعطر سان ديور وعصاة الأبنوس والأباجورات الكريستال وكاسات الـ (كابتشينو) أو الشراب البارد على النجيل في المساءات الحالمة.. يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "من ضيع الأمانة ورضي بالخيانة؛ فقد تبرأ من الديانة" إضاءة الأنوار تكشف الخوف من الظلام؛ رغم أن (معاليه) بنى نفسه وارتفع بشخصيته إلى أعلى درجات سُّلَّم نُصب في ركن مُعتم أو على ظهر حائط بلا ظل. هاجس الخوف يسكن قلب الرجل.. وعبد الستار أنموذج متكرر لذات الشخصية التي تحيط بالمسؤول إحاطة السوار بالمعصم.. فهو مايسترو الحاشية أو البُطانة التي تجمع أفرادها طموحاتٌ متشابهة ويلتقون على أطماع متماثلة، وهم يجيدون لانحناء لوليِّ النعمة الزائفة.. وإن نُحِر الثورُ فهي أول الشاربين من دمه (إفك وخداع ونفاق وطمع وشماتة).. وهذه القيم ذاتها هي التي تتركَّب منها نفسية (معاليه) وتصوغ منهجه في الحياة، ولا عجب أن يُتقنَ مداهنة (الكبير) ويلعق حذاءه، فهو يهابه وإن كان غائبًا، ويرتجف من صوته وإن كانت العين لا تبصره.. (الوقوف اللاشعوري عند اتصال "الرأس الكبيرة" على الهاتف). وخلافًا للقيم يحاول (معاليه) الانتحار، غير أنه نسيَ أن ثلث المجتمع نفسه قد لا ينظر إلى الفاسد نظرة احتقار؛ بل يتقبَّله وكأن شيئًا لم يكن، هذا إن لم يتودَّد إليه لينال مما ناله بكياسته في استثمار أساليب النفاق والمخادعة والمخاتلة.. وهذه نهاية طبيعية ليست مفزعة، فكما رُوي أيضًا عن الخليفة الرابع رضي الله عنه: "موت الصالح راحة لنفسه، وموت الطالح راحة للناس"، ولعل الكاتب أراد هذه النهاية البئيسة لصاحب الظل الخفي ليوحي لنا بأن روحه لن تشهد استقرارًا في الحياتين، وستظل في شقاء أبدي.. ويُلاحظ أن القاص استجمع عناصر القصة القصيرة ابتداء بالمكان (الوزارة) والزمان (ساعات الدوام المكتبي)، وحشد أحداثها في هذه البيئة (الزمكانية) مستخدما مفردات قاموس العمل: (نعم سعادتك، حاضر سعادتك، في شنو معاليك، سيادتو اتصل..) وجعل مشاهدها مترابطة ومتواترة من البداية إلى النهاية مستخدمًا أسلوب التنكيت والتبكيت والسخرية المريرة التي تشدُّ القارئ وتجعله محافظًا على ابتسامه رغم ما قد يحس به من غثيان تجاه مكونات هذه الأشباح المستحوذة على دولاب العمل، والممعنة في ذاتيتها وتحقيق أطماعها دون خوف أو وجل من أحد، ولكنه في الوقت نفسه رفع الصحافة إلى مستوى دورها (سلطة رابعة)، ولم يشأ أن يجعلها مغمضة العين كما هو شأن الصحافة الرسمية في دول العالم المتخلف.. واستطاع استخدام الغمز والتلميح بقدر كبير من الإتقان لبيان عَوَر (صاحب الشأن)، ثم منحه قبسًا من إفاقة أو صحوة أو غيرة وطنية: " إذا كان المنشور في الصحيفة صحيحًا فأنت تعرف ماذا سيحدث لك". وعمومًا فإن الصراع يشكل المحور الرئيس في (رجل بلا ظل)، صراع أظهر التجاذب بين الخوف والطمأنينة، والحلم والواقع، والكبرياء والإذلال.. كان صراعًا نفسيًّا داخليا شديد القوة إلى الدرجة التي جعلت الظل يخالف قواعد الفيزياء فيرى في الظلام ثم يغادر منطقة جسم صاحبه الذي يحجب عنه الضوء، وينفصل عنه في لحظة بالغة الانهزام، وهكذا يمد الضميرُ لسانه ثم يغادر منطقة القفص الصدري تفاديًا لتلك النتيجة المأسوية. والقصة في جوهرها تصوير بليغ لمشهد من مشاهد الحياة في أحد جوانبها المتعددة راعي فيه القاص مقومات القصة المتعارفة بين أساطينها: رسم الشخصيات وبنائها النفسي والسلوكي، الحبكة، الصراع، السرد، عنصري الزمان والمكان، ترابط الأحداث.. فقط كانت تحتاج إلى مزيد من الإدهاش وتكثيف العبارات وحشدها.. وهذا رؤية شخصية يا محمد لم تتبع معايير النقد.. وطابت حياتك.
أبراهيم الزعيم
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-23-08, 08:02 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-23-08, 08:56 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-23-08, 11:36 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-23-08, 12:52 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-24-08, 06:43 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-24-08, 09:59 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | Moawia Mohammed | 02-24-08, 11:49 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-24-08, 12:20 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | hani babiker | 02-24-08, 12:06 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | abuguta | 02-24-08, 01:41 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-24-08, 03:00 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-25-08, 07:13 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | emad altaib | 02-24-08, 02:58 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | Elawad Eltayeb | 02-24-08, 05:12 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | مهيرة | 02-24-08, 09:23 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | اسماء الأمين | 02-24-08, 09:54 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | Muna Khugali | 02-25-08, 00:54 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-25-08, 07:13 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-25-08, 07:13 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-27-08, 03:53 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-25-08, 07:13 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-25-08, 07:13 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 03-11-08, 08:29 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-25-08, 07:13 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | zumrawi | 02-25-08, 07:38 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-25-08, 09:22 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-25-08, 03:03 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | سلمى الشيخ سلامة | 02-25-08, 03:26 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | اسماء الأمين | 02-25-08, 09:57 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-26-08, 09:37 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-26-08, 06:03 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-26-08, 02:49 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-27-08, 08:56 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | الصادق اسماعيل | 02-27-08, 08:34 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | ابوبكر الامين يوسف | 02-28-08, 06:34 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-28-08, 10:11 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 02-28-08, 06:53 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 03-03-08, 02:46 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | اسماء الأمين | 03-07-08, 10:33 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | ابي عزالدين البشري | 03-08-08, 04:20 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | ممدوح أبارو | 03-08-08, 08:29 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 03-09-08, 05:44 AM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 03-08-08, 01:12 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 03-16-08, 11:54 PM |
Re: خربشات علي جدار القصة القصيرة | محمد الطيب يوسف | 03-17-08, 05:39 PM |
|
|
|